الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. ليلة سقوط أورشليم

الحقيقة مبدأ.. ليلة سقوط أورشليم

أورشليم/ القدس.. مدينة الرب.. هى بداية سقوط أو قل حتى سقطت القدس فى عام 1967؟ أم سقطت فى عام 1948؟ مع إعلان قيام الكيان الصهيونى كدولة تقام على أنقاض الإنسانية.. لا على المدينة المقدسة. هل سقطت القدس مع وعد «بلفور» بإعطاء فلسطين أرضا لإقامة وطن قومى لليهود؟! وهل اليهودية ديانة أم قومية أم عرقية؟!



الإجابة التى لا يريد أحد أن يتفوه بها أو يعلنها صراحة رغم أن الكل فكر، والجميع يعلم، والكثير يخاف من تهمة معاداة السامية والتى تتوافر فى معلبات صدئة على أرفف المتاجر بالإنسان والدين. سقطت أورشليم بالتشدد الطائفى الغربى حتى قبل أن تظهر الصهيونية اليهودية، سقطت عندما ذبح ملايين السكان الأصليين فی كندا وأستراليا وأمريكا. سقطت أورشليم عندما أقيمت المستوطنات الأوروبية لإنجيليين متشددين قادمين من عالم يسمى نفسه «حرًا»، ذلك بإبادة حضارات إنسانية ثم إعلان أنفسهم سادة علی سائر البشر! أليس من المستغرب أو لعله مفهوم لماذا أمريكا - إنجلترا - أستراليا وكندا وبالتحديد هذه الدول الأكثر دعما للصهيونية اليهودية؟! ذلك لأن من أراد الفهم هو أن الصهيونية البروتستانتية الإنجليكانية «غربًا» هى الأقدم تاريخيا والأكثر تشددا من الصهيونية اليهودية، وبالنظر المتمعن سيجد القارئ أن هذه الثقافة كانت سبب إفراز وعد بلفور المشؤوم وهى التى جعلت «ترومان» يأمر بقصف هيروشيما ونجازاكى، بل هى دوما الدافع الرئيسى لسياسات «ولسن» 1921- 1913 الداعم للاستيطان فى فلسطين وكذلك «روزفلت».

وهل يعلم عزيزى القارئ أن وصول المستوطنين الصهاينة الأمريكيين إلى فلسطين كان سابقا على وصول أى مستوطن يهودى؟ بل نقول إنه حتى قبل مؤتمر «بازل» بـ32 عامًا وكان ذلك على ظهر السفينة «بيلى شابليم» وأقاموا أولى المستوطنات فى مدينة يافا الفلسطينية وكان ذلك يوم 22 سبتمبر عام 1866، حيث احتفل الصهاينة الأمريكيون بجملة سيفهمها من يريد التدقيق «على شرف الأمريكيين المسيحيين عشاق صهيون الذين وصلوا بحرا جالبين معهم بيوتا خشبية لإقامة مستعمرة أمريكية فى يافا بفلسطين».

هنا كانت ليلة سقوط أورشليم «مدينة الرب» الذى تبعها بعد ذلك سقوطات كثيرة، وعندما تحاول استجماع شتاتها تسقط مرة أخرى، ومع كل مرة يأتى السقوط أفظع وأكثر فداحة عما كان من قبل، هذا مع تجاهل الصفوة والنخب أصحاب القرار، حيث يتجاهلون المشكلة الفلسطينية قاصدين متعمدين هذا التجاهل، ذلك دون أى اعتبار لهذا الشعب المحتلة أرضه ليدافع وحده، ومحاولة علاج جميع التجاوزات الدامية التى يدفعها هو، لذلك يقف الشعب الفلسطينى أمام مستعمر غاشم دموى بصدور عارية وسواعد فارغة من أى سلاح، لكنه يحمل العزيمة والدأب مضحيا بأولاده وآبائه من أجل الحفاظ علی موروثاته التاريخية. هؤلاء الصهاينة الأمريكان جاءوا متسللين فى الظلام عام 1866 أى أنه يوم أول النكبات التى تتابعت الواحدة تلو الأخرى وحتى يومنا هذا، ويقف العالم ليشاهد ويرى ويشجب ويندد وفقط، عاجزا عن اتخاذ قرار لتطبيق الشرعية الدولية بحق هذا البلد المنكوب والمنكوب شعبه أيضا، وسيظل الكيان الصهيونى كيانا فوق القانون الدولى، دون أى عقاب مهما ارتكب من جرائم يندى لها الجبين ضد الشعب الفلسطينى الأعزل.

إنهم يعلمون تمام العلم بأنهم لن يحاسبوا على ما يقترفونه ضد شعب فلسطين، هذا الكيان الصهيونى مؤمن بأنه لن يعاقب على أى جرم ولا أى انتهاك للمقدسات فى أرض يحتلها بالقوة الباطشة، وأنه سيفلت من أى عقاب، وينطبق عليه المثل العربى «من أمن العقاب أساء الأدب».

إن سجل الكيان الصهيونى حافل بانتهاكاته للقانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، تلك القرارات التى لم تنفذ رغم صدورها من عام 1967، ذلك بالحماية الأمريكية وحلفائها من الدول الغربية المطالبين والرافعين راية الحرية. والعدالة وحقوق الإنسان، هم فى الحقيقة كاذبون، لأنهم يتصنعون الصمم والخرس والعمى مع تصرفات الكيان الصهيونى تجاه أصحاب الأرض، ذلك لأن الكيان الصهيونى يتمتع بحصانة استثنائية من قبل أمريكا وحلفائها فلا يطبق عليه القرار رقم 237 الخاص بحق البشر فى معاملة إنسانية فى المناطق المتحاربة ويدعو لاحترام حقوق الإنسان وحماية المدنيين أثناء الحروب، طالبت الأمم المتحدة به الكيان أن يطبق منصوص القرار، إلا أنه لم يطبق ولم يعاقب الكيان عن امتناعه عن تطبيقه، لحقه قرار آخر رقم 242 والصادر سنة 1967والذى طالب فيه القرار الدولى الكيان الصهيونى بالانسحاب من الأراضى التى احتلتها عام 1967، ولم ينفذ أيضا ليومنا هذا، كما أصدر مجلس الأمن القرار رقم 271 لعام 1969 والذى أدان فيه محاولات الكيان الصهيونى حرق المسجد الأقصى، كما دعا القرار لإلغاء جميع الإجراءات التى من شأنها تغيير وضع القدس التاريخى، ومع ذلك استمرت عمليات الانتهاك للأقصى وحتى هذه اللحظة وباتت جميع القرارات التى صدرت عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن حبرا على ورق.

بالأمس القريب قتلت شيرين أبوعاقلة الصحفية الفلسطينية التى كانت شاهدة على ما يحدث من خروقات الكيان ضد شعب فلسطين ومقدساته الإسلامية والمسيحية ولكى يخرسوها عن تسجيل شهادتها قتلوها، ذلك لأنهم يكرهون الحقيقة ويريدون إخفاءها عن العالم ويريدون طمسها و«بتصريح» رون كوشتاف المتحدث الرسمى باسم الجيش الصهيونى قال إن شيرين كانت عزلاء، إلا أنها كانت مسلحة بكاميرا!

هناك العديد من القرارات الدولية التى تدين الممارسات الصهيونية بانتهاكهم ضد المدنيين العزل أصحاب الأرض وتطالب تلك القرارات بالالتزام باتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحروب وأبرزها القرار الدولى رقم 605، إلا أنه لم ينفذ أيضًا ومازال الصهاينة يمارسون الاستهتار بتلك القرارات غير مبالين من تبعات ما سوف يحدث، ذلك لأنه يرى ما يؤكد بأنه لن يعاقب، ونرى نحن أن ما يحدث ما هو إلا اعتراف واضح بعدم قدرة المجتمع الدولى على فرض تلك القرارات وتطبيقها طبقا للشرعية الدولية على الكيان الصهيونى حتى أصبح الكيان محصنا وفوق القانون. أخيرا وليس آخرا ما حدث يوم الأحد الماضى، حيث اقتحم المسجد الأقصى المبارك عدد غير مسبوق من الصهاينة فاق الألف ونصف الألف ومن بينهم عضو الكنيست المتطرف إنيمار بن غفير بحراسة أكثر من ثلاثة آلاف جندى صهيونى اقتحموا المسجد للاحتفال بذكرى احتلال شرق القدس، رافعين الأعلام الصهيونية فى باحاته وقاموا بأداء طقوسهم التلمودية، ذلك فى تحد سافر للمطالبات والمواقف الدولية والأمريكية، هذا فى الوقت الذى منعت فيه قوات الاحتلال دخول المصلين الفلسطينيين كما اعتدت على المصلين أثناء تأديتهم صلاة الفجر وقاموا بتفريقهم والقبض العشوائى على البعض، وتحولت أرض السلام إلى منطقة عسكرية، أطلق فيها الجيش الصهيونى الرصاص الحى والمطاطى والغازات. إن الكيان الصهيونى يعتمد سياسة الأرض المحروقة ويريدون تهويد القدس وجعلها عاصمة ليهود العالم. إن ما يحدث ويشاهده العالم أجمع عبر شاشات التليفزيون يبقى عارًا على جبين كل عربى وكل مسلمى العالم، بل على العالم أجمع بدوله الرافعة راية حماية حقوق الإنسان، وفى الحقيقة هم ليسوا إلا مدعين مزيفين لكل الحقائق، بقى لى أن أسأل أربعة أسئلة حول ما حدث وما سوف يحدث.

- هل العرب مستعدون لمواجهة العالم الذى يصف نفسه بالتمدن والتحضر.. وهو عالم متعصب ومتشدد وطائفى حتى اللحظة؟

- هل العالم مستعد للتخلى عن طائفيته ومذهبيته التى اعتمدها منذ الحروب الأوروبية على الشرق فى القرن الحادى عشر الميلادى؟!

- هل نستوعب جميعا أن الغرب بطائفيته أصبح هو الصانع الرئيسى للجماعات المتشددة إسلاميا حتى ولو بشكل غير مباشر؟

- هل سننتظر حتى يتغير العالم أم نبدأ نحن بالتغيير؟

وتحيا مصر.