الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. عندما يرتدى «الجعران» قناع المفكر..  الحوار الوطنى.. الحرية مسئولية.. والرأى اشتباك..!

مصر أولا.. عندما يرتدى «الجعران» قناع المفكر.. الحوار الوطنى.. الحرية مسئولية.. والرأى اشتباك..!

ما هى مدى حدود حرية الرأى والتعبير؟ 



وقبل ذلك، ما هى حدود مساحة حرية التفكير؟

تلك المساحة التى يقابلها بالتساوى فقه التكفير المنظم الذى يستهدف حياتنا السياسية الثقافية والدينية.. يترتب على ما سبق، محددات العلاقة بين حرية الرأى والتعبير وبين الحوار الوطنى.. خاصة أن تلك الحريات هى دائماً مصدر للخلاف والجدل سواء لعدم الاتفاق على مضمونها، أو بسبب محاولة استدعاء مفردات الفوضى الخلاقة لتصنيفها باعتبارها أساس تلك الحريات، فضلاً عن ارتباط بعض قضاياها بملف الحبس الاحتياطى. 

تعتبر حرية الفكر والرأى والتعبير من الحقوق الأساسية للمواطنين المصريين، وترتبط بهذه الحرية العديد من الحقوق الأخرى المتعلقة على غرار حرية الإعلام بمجالاته المتنوعة. وقد تم إقرارها جميعاً فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى المادة 19، والتى نصت على: «لكل إنسان حق فى اعتناق آراء دون مضايقة»، وأنه «لكل إنسان حق فى حرية التعبير». ويشمل هذا الحق حريته فى التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو فى قالب فنى أو بأية وسيلة أخرى يختارها، وذلك مع مراعاة أنه يجب أن تخضع هذه الحريات لبعض القوانين مثل احترام سمعة الآخرين وحقوقهم والمحافظة على الآداب العامة.

 حقائق..

أولاً: عانى المجتمع المصرى قبل أحداث 25 يناير وبعدها لحالة من جمود الحوار فى المجال العام.. خاصة على المستوى السياسى، وهو ما ظهر فى شيوع قضايا ازدراء الأديان وقضايا الحسبة. 

ثانياً: رفض البعض الآن الدعوة للحوار الوطنى، وبدأوا استباقياً ترديد مفردات التشكيك والتخوين فى هدف الحوار ومضمونه.. دون أى محاولة للاشتراك فيه والإسهام فى نجاحه بتقديم ملاحظات ومقترحات عملية حقيقية قابلة للتنفيذ والمتابعة والاستمرار.

ثالثاً: استغل البعض ميراث عدم الثقة الذى تم ترسيخه على مدار سنوات طويلة بين المواطن والنظام السياسى.. فى محاولة زيادة مساحة التشكيك فى جدوى الحوار. وزايد بعضهم بالترويج لشائعات مغرضة بوجود أهداف غير معلنة من وراء فكرة الحوار.

 مواقف..

أولاً: لم يطالب أحد باستبعاد أو إقصاء أى طرف من الحوار الوطنى، الاستبعاد فقط لكل من تورط أو شارك أو دعم أعمال التطرف والعنف والإرهاب.. وفى مقدمتهم جماعة الإخوان الإرهابية وغير القانونية. وهو حق أساسى فى حرية الرأى والتعبير.. فمثلما كان اختيارهم الخراب والتدمير.. من حقنا رفض وجودهم فى الحوار. وبمعنى آخر فهى قناعات.. يتحمل فيها كل منا اختياراته.

ثانياً: نحتاج لمراجعة آليات عمل أحزابنا السياسية.. خاصة تلك الأحزاب ذات المرجعية الدينية الصريحة والمعلنة، والتى اكتسبت شرعيتها أثناء خطف الدولة المصرية لصالح الفاشية الدينية المتطرفة. وأعتقد أن قرار استبعادها سيكون فى صالح مستقبل الحياة السياسية المصرية، كما أن بقاءها هو شكل من أشكال ترك أبواب خلفية.. غالباً ما سيتم استثمارها لاستعادة أمجاد دولة الخلافة المزعومة.. حسب أدبيات حسن البنا وسيد قطب.

ثالثاً: نحن مع حرية الرأى والتعبير والفكر لأقصى درجة، ولكن مع الاحتفاظ بكامل الحق فى الاختلاف والمعارضة والمقاطعة لكل ما نرى أنه يدعم سيناريو الفوضى مرة أخرى. وهو حق مشروع ومرغوب فى إطار دعم منظومة الحريات من جهة، ولمنع تكرار الأزمات والكوارث السوداء التى مررنا بها بعد أحداث 25 يناير من جهة أخرى.

المقصود من حماية حرية الرأى والتعبير.. ليست حماية من يدلى برأى صحيح من وجهة نظر البعض أو متفق عليه من وجهة نظر البعض الآخر.. لأنه ببساطة شديدة ليس فى حاجة لتلك الحماية. وإنما الحماية التى كفلها الدستور هى لكل من يدلى برأى يختلف فيه مع البعض، أو يصطدم فيه مع بعض اتجاهات الرأى العام بغض النظر عن صحة هذا الرأى من عدمه.. دون توجيه أى اتهامات مسبقة له أو تبرير المزايدة عليه، ودون أى ملاحقة له بعد إبداء رأيه.

أذكر هنا بالتحديات الرئيسية لحرية الفكر والرأى والتعبير.. تلك التحديات التى يجب أن تكون ضمن محاور الحوار الوطنى لأنها حقوق مرتبطة بالتزامات، وليست فى المطلق بالشكل الذى يؤدى إلى الفوضى الخلاقة. ولذا علينا أن نحدد التحديات حتى نستطيع الحفاظ بالكامل على تلك الحريات. وعلى سبيل المثال:

- التشهير ببعض الأشخاص أو المؤسسات، على غرار تشويه السمعة بانتهاك حرمات الآخرين سواء عن طريق استخدام الألفاظ غير الأخلاقية أو ألفاظ تجرح مشاعر الآخرين بحجة التعبير عن الرأى. وما يترتب على ذلك من انتشار الفتن والانقسامات والفوضى فى المجتمعات، كما تسبب وقوع العديد من المشكلات، منها: التجريح والإهانات لبعض أفراد المجتمع، خصوصاً إن كانت بلا ضوابط. كما تسمح حرية التعبير لبعض الأشخاص الذين يحملون أفكاراً غريبة ضد الإجماع الوطنى بطرح أفكارهم للمجتمع ونشرها.

- تحريض المواطنين على أعمال العنف، من خلال استغلال شخص ما لحرية التعبير فى التشجيع وراء إطلاق أعمال العنف، على غرار الدعوات غير المباشرة للتشجيع على العنف ضد المرأة أو الأطفال أو الأشخاص من ذوى الإعاقة. وما ينتج عن ذلك من تحريض أفراد المجتمع على بعضهم البعض أو على مؤسسات الدولة وقاداتها وازدياد نسبة وقوع الجرائم. والترويج لعدم تقبل بعض الأشخاص لوجهات النظر الأخرى، على اعتبار أنهم وحدهم يملكون الحقيقة المطلقة. وما يمكن أن يؤدى ذلك إلى التنمر، وهى ظاهرة شائعة إلى حد كبير فى مجتمعنا الآن، وتلك الظاهرة تؤدى إلى إحداث ضرر نفسى أو جسدى أو مجتمعى للأشخاص.

- الترويج للشائعات والمعلومات الكاذبة بحجة التعبير عن الرأى، وتلك المعلومات لا يكون لها أساس من الصحة، ويتم استخدام وسائل التواصل الاجتماعى لسرعة انتشارها، وبذلك يصدقها عدد كبير من المواطنين. وذلك فى سبيل نشر خطاب الكراهية، وتشجيع الأشخاص على أعمال التخريب فى ممتلكات الدولة المختلفة والتشجيع على أعمال العنف.

- يصمم على أن يعوق تنفيذ المبدأ الدستورى فى الحفاظ على حرية الرأى والتعبير تحت بند الدفاع عن الدين من جانب، أو من خلال تصفية الحسابات الشخصية من جانب آخر. وهو ما من شأنه ليس فقط أن يعوق المبدأ الدستورى، بل من شأنه أيضاً أن يتم تفسير مواد الدستور طبقاً لمقتضيات الأهواء الشخصية مثلما يحدث فى قضايا الحسبة على المفكرين والمثقفين والروائيين.

 نقطة ومن أول السطر..

يعتبر «الجعران» من أنواع الخنافس. ويطلق عليها «خنافس الروث» لكونها تتغذى على روث الحيوانات.. التى تقوم بتجميعه على شكل كرات، ثم تقوم بدفن تلك الكرات فى الأرض. وعندما تنمو يرقات الجعران تتغذى على تلك الكرات.

هكذا بعضهم الآن من المحسوبين على المثقفين والمفكرين والسياسيين، والذى يرتبط بقاؤهم بإشاعة أهداف غير وطنية وغير معلنة فى صور حقوقية وإنسانية لكسب تأييد العديد من التابعين والموالين والمستفيدين. 

ما أجمل الحديث عن الحريات، ولكن الأفضل هو مدى قدرتنا على ممارستها ودعمها بشكل صحيح.. لنشرها، وإشاعة مناخ حقيقى منضبط من الحريات.