الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

واشنطن وبكين.. مواجهة مفتوحة تهدد بعواقب وخيمة صراع فى المحيط الهادئ

تتجه الخلافات الأخيرة بين كل من واشنطن وبكين نحو مزيد من التصعيد فى كثير من الملفات بعد التوترات السياسية المتزايدة بين الطرفين. أبرز فصول هذا التصعيد كان خطاب وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن الذى دعا فيه إلى اتخاذ إجراءات لموازنة نفوذ بكين على الساحة الدولية، معتبرًا أن الصين تشكل «أخطر تهديد طويل الأمد على النظام الدولى». ليأتى الرد الصينى عبر الإعلان عن مرحلة انهيار حاسمة وصلت إليها العلاقات مع واشنطن ووصول علاقة الطرفين لمفترق طرق.



فيما يرى مراقبون أن الوضع الحالى بين البلدين، يشبه إلى حد كبير، السجال الذى دار بين روسيا وأمريكا، قبيل العملية العسكرية الخاصة التى أطلقتها روسيا، بالأراضى الأوكرانية.

التدهور الإجبارى

«أنصح قادة الولايات المتحدة الأمريكية بالاستماع جيدًا إلى الأغنية الصينية القديمة والمشهورة التى تقول: «عندما يأتى صديق نرحب به بالنبيذ الجيد، وعندما يأتى ابن آوى يرحب به أيضًا، ولكن بالبندقية». 

لم يكن هذا التصريح النارى من طرف بكين والموجه إلى واشنطن والذى جاء على لسان وانغ ون بين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية على خلفية تصريحات الرئيس الأمريكى، جو بايدن وتلويحه بالتدخل العسكرى الأمريكى إلى جانب تايوان مجرد مزحة أو نصيحة صينية عابرة، إنما تحذير شديد اللهجة يجسد مرحلة من التدهور السريع الذى وصلت إليه العلاقات بين البلدين، وقد سبق للخارجية الصينية أن وجهت تحذيرات متكررة مؤخرًا إلى واشنطن حول سياستها بشأن قضية تايوان. 

حيث اقتحمت واشنطن مجددًا خط الأزمة بين الصين وتايوان بتهديد الرئيس الأمريكى جو بايدن باستخدام القوة العسكرية، لمنع بكين من استعادة تايوان، مما استدعى ردًا صينيًا قاسيًا حمل نبرة التحدى والسخرية من قوة أمريكا العسكرية واتهمها بالخطأ فى حساباتها.

تصريحات بايدن جاءت بالتزامن مع انضمامه إلى قادة كل من أستراليا والهند واليابان خلال قمة للتحالف الرباعى «كواد» والتى تنظر إليها بكين بعين الريبة.

تايوان ليست المحطة الوحيدة

مما يؤكد أن تايوان ليست المحطة الوحيدة التى يطفو فيها التوتر على سطح العلاقات الصينية الأمريكية، بل إن هناك محطات أخرى فى مسار العلاقات المتدهورة بين الجانبين فى السنوات الأخيرة، والتى تعكسها التصريحات العدائية المتبادلة بين بكين وإدارة بايدن.

فبالإضافة إلى التحذيرات الأمريكية من إقدام الصين على أى عمل عسكرى ضد تايوان، والتأكيد المتكرر لتايوان بأنها لن تكون وحدها فى مواجهة الصين، وأنها ستتلقى الدعم العسكرى إذا ما تعرضت للتهديد، بما يصب المزيد من الزيت على نار القلق الصينى من خطوة متهورة لا يمكن إلا أن تؤدى لعمل عسكرى، لأن تايوان لها مكانتها الأهم فى العقيدة الصينية، ولهذا زادت الصين من حجم قوتها البحرية والإنفاق العسكرى فى السنوات الأخيرة، وعقد اتفاقية أمنية مع جزر سليمان فى جنوب المحيط الهادى، وهى الخطوة التى أثارت قلق كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وأرسلت الدول الثلاث وفودًا إلى حكومة جزر سليمان، لكنها فشلت فى إقناعها بالعدول عن توقيع الاتفاقية الأمنية.

عزل روسيا

صعدت الأزمة الأوكرانية من التوتر بين الجانبين، لاسيما مع مواصلة واشنطن اتهاماتها الموجهة لبكين بدعمها لروسيا فى حربها مع أوكرانيا، حتى إنها اتهمتها بتزويد روسيا بالأسلحة، لتضغط على الصين للمشاركة فى عزل روسيا، أو على الأقل منعها من شراء كميات إضافية من الغاز والنفط والحبوب، حتى تكون العقوبات المفروضة على روسيا مؤثرة، لتتداخل الأزمة الأوكرانية مع الأزمة التايوانية.

شراكة المحيطين

ثم كانت قمة الحوار الأمنى ​​الرباعى «كواد»، التى انطلقت فى طوكيو لقادة كل من الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا مثيرة للقلق الصينى العلنى.

وهذا ما جعل بكين تدرك أن الولايات المتحدة تنوى استخدام «الحوار الأمنى الرباعى» كنقطة انطلاق لـ «استراتيجية المحيطين الهندى والهادئ» لإدخال سياسة الكتل على غرار الحرب الباردة ومواجهة المعسكرات فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

تحول نوعى

ولهذا اتخذت الصين خطوات عملية للرد على هذه القمة أولها كانت المناورات المشتركة بينها وبين سلاح الجو الروسى، فوق بحر اليابان، والتى شملت استخدام قاذفات نووية متطورة. وقد اعتبر ذلك نقلة تحول نوعى فى التعاون العسكرى، بين البلدين، وتهديدًا مباشرًا لليابان، أما الخطوة التالية فكانت استخدام حق النقض من قبل الوفدين الصينى والروسى، لقرار صادر عن مجلس الأمن الدولى، يفرض عقوبات على كوريا الشمالية، بسبب مناوراتها المستمرة، والتى شملت صواريخ باليستية بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية.

استراتيجية الاحتواء

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أعربت بكين عن شكوكها حيال «الحوار الأمنى الرباعى» من خلال تأكيدها بأنه قد تجاوز ما يسمى بآلية «الحوار الأمنى» وأصبح واحدة من المنصات المهمة للولايات المتحدة لجمع الحلفاء لتنفيذ ما يسمى باستراتيجية «احتواء الصين» فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

واتهمت بكين الدول الأربع، بتشويه سلوك الصيد الطبيعى لشركات الصيد الصينية فى المياه البعيدة من خلال وصفها بأنها «عمليات صيد غير قانونية وغير مُبلغ عنها وغير منظمة»، وأعرب الجانب الصينى أن تلك الدول ادعت بشكل سخيف أن «الصين مسئولة عن 95% من «الصيد غير القانونى» فى المحيطين الهندى والهادئ».

يخونون آسيا

وبالإضافة إلى تركيز وسائل الإعلام الصينية على احتجاجات بعض المتظاهرين اليابانيين على القمة الرباعية وخروج مئات الأشخاص من جميع أنحاء اليابان إلى الشوارع فى طوكيو للتظاهر ضد زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن وانعقاد القمة، والتى ينظر إليها على نطاق واسع على أنها جزء من جهود واشنطن لعزل الصين فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، انتقدت وسائل الإعلام الصينية أيضًا البيان المشترك الذى صدر عن القمة والذى أعلنت خلاله الولايات المتحدة وحلفاؤها معارضتهم لجميع محاولات «تغيير الوضع القائم بالقوة، وخصوصًا فى منطقة المحيط الهندى الهادئ».

كما انتقدت كذلك بعض السياسيين اليابانيين ووصفتهم بأنهم «يدعون الذئاب إلى المنزل» لإثارة المواجهة، مؤكدة على ان اتجاههم المتمثل فى «تملق الولايات المتحدة وخيانة آسيا» أصبح أكثر وضوحًا. 

يدعون الذئاب إلى المنزل

كما ذكرت أن اليابان زادت ميزانيتها الدفاعية لـ10 سنوات متتالية واستمرت بالبحث عن حجج التوسع العسكرى عبر مبالغة التهديد الخارجى، وأوضحت تصرفاتها أن بعض قوى الجناح اليمينى اليابانية تتعاون بنشاط مع الولايات المتحدة لدفع ما تسمى «استراتيجية المحيطين الهندى والهادئ» وإنه إذا لم يستيقظ العسكريون والسياسيون اليابانيون الذين «يدعون الذئاب إلى المنزل» من أحلامهم فى أسرع وقت ممكن، فسيجرون اليابان حتمًا إلى الهاوية.

التهديد الصينى

على الجانب الآخر؛ وفى معرض حديثه عن سياسة البيت الأبيض الحالية تجاه الصين تطرق وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن مؤخرًا إلى نظرية «التهديد الصينى»، وانتقد سجلات الصين فى مجال حقوق الإنسان، وكذلك سياستها الداخلية والخارجية بالرغم من أنه قال أيضًا فى كلمته أن واشنطن «لا تريد صراعًا أو حربًا باردة جديدة».

 وعلقت بكين على ذلك أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تختلف كثيرًا عن سابقتها عندما يتعلق الأمر بالصين، إن لم تكن أكثر نفاقًا.

فضيحة بالأرقام 

لم يتوقف الهجوم الصينى على واشنطن عند هذا الحد؛ فقد نشرت بكين مؤخرًا أرقامًا مثيرة حول جرائم الولايات المتحدة ودعت المجتمع الدولى للتحرك تجاهها.

وقال تشاو ليجيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية: واشنطن كانت فجة بشأن زيارة مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليت إلى الصين.

وفرضت شروطًا للزيارة المتفق عليها، ثم هاجمت الزيارة وشوهت سمعتها بعد إجرائها.

وأضاف: شنت واشنطن حروبًا فى حوالى 80 دولة بذريعة مكافحة التطرف، وقتل أكثر من 800 ألف شخص بينهم؛ 300 ألف مدنى.

كما أنشأت واشنطن مواقع سوداء كسجن خليج جوانتانامو فى أنحاء العالم، هذا بالإضافة إلى انتشار العنصرية والعنصرية الممنهجة ضد الأقليات العرقية.

بالتزامن مع هذا السجال الدائر تأتى تحركات كلا الجانبين فى جزر المحيط الهادئ؛ ذات الأهمية الاستراتيجية وقد زار وزير الخارجية الصينى جزيرة فيجى مؤخرًا كجزء من حملة دبلوماسية لمدة 10 أيام؛ على خلفية اقتراح الصين توقيع اتفاقية أمنية واسعة النطاق مع عشر دول من جزر المحيط الهادئ.

تحركات بكين تأتى ردًا على تكثيف واشنطن التواصل الدبلوماسى مع دول جزر المحيط الهادئ بما فى ذلك دعوة زعماء المحيط الهادئ إلى البيت الأبيض فى وقت لاحق من هذا العام.

فى هذا السياق يرى خبراء أن التحركات الأمريكية فى تلك المنطقة هدفها التأكيد على دور أمريكا تجاه العالم كقطب أوحد فى ظل تصاعد أحداث ستؤثر فى مدى ثبات أو تغير النظام الدولى والعالمى لاحقًا.

ويرجحون بأن لدى بكين حسابات تثنيها عن أى عمل عسكرى ضد تايوان؛ هذه الحسابات تتعلق بما يمر به العالم الآن إلى جانب أنها ترى أنها لا تزال فى منحنى الصعود والبناء، وبالتالى لا ترغب فى تعطيل مسيرتها الاقتصادية بمواجهات عسكرية قد تأتى لها بعواقب قد تحولها لساحة مجاعات أو انفصال بفعل تلك المجاعات.

كما أن بكين لا تريد معارك تعرقل مشروعها الاقتصادى الضخم الحزام والطريق، وهى تدرك أن واشنطن تريد دفعها لتلك الحرب وحشد الغرب لمواجهتها. مؤكدين أن معركة الصين القادمة تتمثل فى تقديم نموذجها للعالم كأحد شروط القطب فى الوقت الذى تفتقد موسكو لتلك الخصائص التى تتميز بها بكين من موارد ضخمة وإسهامات متعددة.

لذلك يتوقعون بألا يتكرر السيناريو الأوكرانى مع تايوان التى تعتبر مختلفة تمامًا، فبالنسبة لبكين أوكرانيا دولة ذات سيادة، بينما تايوان جزء لا يتجزأ من أراضى الصين، كما أنها شأن داخلى صينى.

كما أن الحكومة الصينية تعلم أن مستقبل تايوان يكمن فى التنمية السلمية للعلاقات عبر المضيق وإعادة توحيد الصين، ولذلك تؤكد دائمًا بأنها ملتزمة بإعادة التوحيد السلمى، مع احتفاظها أيضًا بجميع الخيارات للحد من «استقلال تايوان».