الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. الذين لا يقولون أو يكتبون..  ويزعجهم أن يقول لهم أحد لا.. الجمهورية الجديدة: ما يجب وما يلزم فى تصريحات السيسى!

مصر أولا.. الذين لا يقولون أو يكتبون.. ويزعجهم أن يقول لهم أحد لا.. الجمهورية الجديدة: ما يجب وما يلزم فى تصريحات السيسى!

ضمن قناعاتى.. أن الاعتراف بـ«الذاتية» هو من أقصى درجات الموضوعية؛ خصوصًا عند أصحاب الرأى ممن لديهم القدرة على إنتاج وصناعة أفكار حقيقية جديدة. وهو ما يتعارض مع قاعدة تنتشر بين بعض النخب السياسية والفكرية والإعلامية. الحياد ليس له وجود فى عالم الأفكار، ولا يمكن أن يبقى على قيد الحياة ما دامت هناك اختيارات وأولويات. وتظل الموضوعية هى الإطار الحاكم للذاتية ولقبول الاختلاف والتنوع.



وبناءً على ما سبق؛ أين المعارضة من كل هذا؟ وهل المقصود بالدعوة للحوار الوطنى.. فتح قنوات للحوار مع الجماعة الإرهابية المحظورة قانونًا؟

أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى بشكل واضح ومباشر لا لبس فيه أن «مصر تتسع للجميع، وأن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية»، وهى حقيقة تحتاج لترسيخها وتحليلها.. فحقيقة الأمر أنه بين الاتجاهات الفكرية والسياسية؛ فإن الاختلاف فى الرأى يفسد للود قضايا وعلاقات، ويترتب عليه صدامات وتنازلات؛ أمّا الوطن فهو خارج تلك الحسابات الضيقة التى تخضع للمساومات والتفاوض والابتزاز والتشهير لأن الوطن هو السبيل الوحيد باعتباره مظلة لجميع أبنائه المختلفين والمعارضين قبل المؤيدين والموالين.

 ثوابت..

المعارضة الحقيقية هى التى تسمح لكل مواطن مصرى أو حزب سياسى بالحق الكامل فى التأييد والمعارضة. التأييد بأقصى درجاته، والمعارضة بكامل طاقتها فى النقد وتقديم البديل العملى القابل للتنفيذ بعيدًا عن التنظير السفسطائى.. البعيد كل البعد عن تقديم أى حلول واقعية لما نعانى منه، وبعيدًا عن خطاب التشكيك الحنجورى الرنان الذى يضر أكثر مما ينفع بسبب ما يترتب عليه من صخب كرتونى افتراضى وهمى. من حقنا أن نعترض دون أن نخرّب الدولة ونُسقطها؛ ولكن فى سبيل تقديم بدائل وحلول أفضل. وهو ما يعنى أن الاختلاف والاعتراض على سياسات الدولة ونقدها ليس من المحظورات والمحرمات حسبما يحاول البعض أن يروّج لتلك الفكرة الفاسدة.. لمحاولة تصدير الأمر باعتباره رفضًا للرأى المعارض، رُغم أن حقيقة الأمر تؤكد أن المرفوض هو الفوضى السياسية والحوارات الجدلية التى تثير الانقسام دون أى فائدة سياسية حقيقية. وما يحدث من متغيرات.. يؤكد أننا قد دخلنا مرحلة جديدة فى ترسيخ الجمهورية الجديدة، وهى مرحلة تتسم بالحراك السياسى بإيقاع سريع على عكس حالة الثبات والجمود التى عانينا منها لسنوات طويلة.

هذا الإيقاع السريع هو تفعيل حقيقى لحوار وطنى يضم جميع الأطياف والتيارات السياسية الرسمية، وهو السبيل الحقيقى لترسيخ الدولة المدنية المصرية، وكما كتبت كثيرًا.. هى دولة علمانية وديمقراطية. علمانية فى مواجهة الدولة الدينية، وديمقراطية فى مواجهة الدولة الشمولية غير الدينية. وتتحدد ديمقراطية هذه الدولة فى: سيادة القانون على جميع المواطنين دون أى تمييز، ووجود عدالة ناجزة ونافذة، وتعدد السُّلطات وتنوعها فى سبيل تحقيق المساواة والعدل، وإقامة انتخابات رئاسية وبرلمانية حُرة نزيهة تُعَبر عن رغبات مجتمعية، ووجود واقعى وحقيقى لتوازن القوى السياسية فى المجتمع. والدولة المدنية هنا تعنى دولة ديمقراطية تحترم العقل الإنسانى، وتضع قوانينها طبقًا لما يقتضيه العقل فى ضوء التجربة والتطور والمصلحة العامة والاستفادة من خبرة أوروبا وتجربتها قديمًا، وتقييم تجارب الحُكم الدينى فى الدول العربية حديثًا، ومع تحليل ما يحدث الآن فى تجربة أفغانستان.

 حقائق..                                        

فى سبيل ترسيخ أركان الجمهورية الثانية، كان لا بُدَّ أن تنطلق عملية جادة لإعادة بناء مصر ومراجعة طريقة حُكمها وأسلوب إدارتها والعمل على إصلاح المؤسّسات العامة؛ خصوصًا لدعم العملية السياسية، بعد أن أصابها الترهل والرتابة، كى تستعيد كفاءتها وتقوم بتطوير نفسها وتحديثها، وتصبح قادرة على القيام بمسئولية النهوض بمصر الحديثة، وهو ما يتطلب إصلاحات جذرية، لكنها ضرورية ولا مفر منها. وذلك من أجل الوصول لدولة القانون والمؤسّسات، التى هى أساس النظام السياسى فى مصر، وبمشاركة كل الاتجاهات فى العملية السياسية وبتداول السُّلطة باعتباره حقًا دستوريًا وقانونيًا بلا تمييز بين القوى السياسية على أساس المعارضة والموالاة؛ إنما فقط بين المحرّضين والممارسين للعنف والإرهاب وبين المعارضين السلميين، بين من يحترمون الدستور والقانون ويسعون للتغيير بالطرُق السلمية، وبين من ينتهكونه ويعتبرون أنفسهم فوق الدولة والدستور والقانون. إن تداول السُّلطة أمرٌ مكفول، والمعارضة السلمية وحق الاختلاف والتظاهر السلمى أمرٌ مُصان بحُكم الدستور والقانون.

لقد أقرت الجمهورية الثانية أن مصر لن تُبنَى إلا بتكاتف أبنائها من مختلف الاتجاهات، ونبذ العنف ومحاربة الإرهاب وعدم التستر عليه، وأن قبول الاختلاف بين الآراء المعارضة مُصان، وأن باب المصالحة الوطنية سيظل مفتوحًا لكل من لم تتلطخ يداه بالدماء ولم يمارس العنف أو يحرّض عليه. لست ضد المصالحة مع من لم يمارس العنف والقتل والإرهاب؛ ولكن فى الوقت نفسه لا يمكن التساهل مع من حرّض وخطط وشارك بالإعداد والتنفيذ أو بالدعم والمساندة لحالة الفوضى. وهى الفئة التى يجب التعامل معها من منطلق العدالة الناجزة التى تعطى لكل صاحب حق حقه بالكامل.. فلا يمكن تجاهل كل مَن فقد ابنًا أو زوجًا أو أبًا بهذه البساطة، وبعد أن شاع الحزن والأسَى فى غالبية العائلات المصرية، بعد استخدام المتطرفين أبشع أساليب القتل والقنص والنحر والحرق لكل مَن خالفهم الرأى فى رفض استحواذ الجماعة المحظورة على الحُكم فى مصر، وكذلك بعد أن وصل بهم الأمْرُ إلى انتهاك حرمة دور العبادة ليس فقط فى تفجير الكنائس؛ بل المساجد أيضًا.

إن محاولة البعض من أتباع الجماعة المحظورة.. استغلال دعوة الرئيس للحوار الوطنى وتوظيفها لصالحهم هو نوع من اقتناص الفرصة من خلال التفاعل مع دعوة غير موجهة لهم من الأصل. والتاريخ يؤكد أن مبادرات جماعة الإخوان الإرهابية هى مبادرات خادعة وعشوائية.. وهى تراجعات وليست مراجعات، ولا تُعَبر عن رغبة حقيقية فى التراجع عن كوارث الماضى.. فالمحظورة قانونًا لا تؤمن بفلسفة المراجعة من الأساس؛ بسبب بنيتها التأسيسية التى تعلى الولاء للتنظيم سياسيًا على حساب الدعوة دينيًا. وهو ما يعنى، أنه لن تكون هناك فرصة لها فى أى قبول سياسى لإعادتهم إلى المشهد الذى شوّهوا ملامحه بدم الشهداء.. دعواتهم مجرد دعوات مشبوهة.. ولا فرصة لاستجابة وطنية أو إنسانية لها.

 نقطة ومن أول السطر..

تدعم دولة 30 يونيو منظومة المواطنة التى هى فى حقيقتها ترسيخ سياسى للدولة المدنية المصرية، ورُغم ملاحظات البعض خلال السنوات الماضية عليها فى مدى تحقيقها لآمالهم وأحلامهم.. فالواقع الحالى يؤكد أنه تم اتخاذ العديد من الإجراءات القوية والخطوات غير المسبوقة فى ترسيخ أركان دولة المواطنة المصرية.

الاختلاف والمعارضة الحقيقية هما الركيزة الأساسية فى المعادلة السياسية، أمّا المرفوض والمستبعَد؛ فهو نظرية المؤامرة الكونية علينا، تلك الحالة التى ترسخ حالة الانقسام والتشرذم والجدل لصالح تحقيق أهداف ومصالح غير وطنية، وهو ما يتعارض مع الجمهورية الجديدة التى استعادت معها مصر مكانتها ورسخت قوتها فى ظل نظام عالمى معقد لا يزال تحت الانصهار والتشكيل.

ومن له أذنان للسمع.. فليسمع ويفهم، ثم يوافق أو يعارض.. حتى لا نتحول إلى «الذين لا يقولون أو يكتبون.. ويزعجهم أن يقول لهم أحد لا.. لا نوافق على رأيكم أو على ما تقولون».