الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بين أوروبا وأمريكا وبريطانيا كيف حافظ المصريون على طقوسهم الرمضانية فى الغربة؟

يختلف شهر رمضان الكريم هذه السنة عن العامين الماضيين، بالنسبة لأبناء الجاليات المصرية المقيمين فى الخارج لاسيما فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، حيث عاد مجددا إحياء الطقوس التى كانت ممنوعة فى العامين الأخيرين على أثر الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا والتى تشددت فى تطبيقها تلك الدول، وبالتبعية كانت التجمعات محظورة الأمر الذى كان يمنع القيام بتلك العادات والطقوس والتى منها على سبيل المثال إقامة إفطار أو سحور جماعى أو صلاة التراويح.



 

 ويعتبر قضاء الشهر الكريم فى مصر للاستمتاع بالأجواء الرمضانية وطقوسه التى لا يوجد مثيل لها، بمثابة الجائزة الكبرى لأبناء الجاليات المصرية فى الخارج، وهو الأمر الذى يصعب على معظمهم نظرا لظروف العمل ومتطلبات الحياة فى الغربة، لذلك استطاعوا أن يتعايشوا فى تلك المجتمعات وأن ينقلوا الطقوس والروحانيات فعليا إلى تلك الدول، متمسكين بالعادات والتقاليد التى تربوا عليها وعاشوها فى طفولتهم وهى نفسها الطقوس التى يعملون على توريثها لأبنائهم وأحفادهم، ليظل الارتباط قائما بالوطن الأم.

ومن العاصمة الفرنسية باريس، تقول أستاذ القانون العام د.جيهان جادو «ذات أصول مصرية»، إن قضاء الشهر الكريم بطقوسه فى مصر، يعتبر حلما لجميع أفراد الجالية، وهو ما كانوا يواظبون عليه فى سنوات ماضية، إلا أن جائحة كورونا وقفت حائلا أمام ذلك سواء بالسفر إلى مصر أو بممارسة طقوسه فى الغربة، نظرا لتطبيق الإجراءات الاحترازية المتعلقة بالوباء فى العامين الماضيين.

وتوضح «جادو»، أن الأجواء الرمضانية تتواجد بين المصريين فى الشهر الكريم من خلال التجمعات الأسرية، بوجود الأصحاب والمعارف، وأحيانا تكون التجمعات على مستوى أفراد الجالية، مع أفراد من جاليات عربية وإسلامية أخرى، وتكون الطقوس والعادات والتقاليد والأجواء كالفوانيس والزينة المصرية، هى الطاغية فى تلك التجمعات، التى تحاول استحضار النفحات الرمضانية، فى ظل صعوبات تتعلق بمواعيد وظروف العمل، وطوال مدة الصيام التى تصل إلى 18 ساعة فى بعض الأوقات، حيث يكون أذان المغرب أحيانا عند التاسعة مساء.

ولفتت «جادو» إلى حرص أبناء الجالية على إحضار الفوانيس والزينة والياميش والمأكولات المصرية من القاهرة مع أصدقاء عائدين من إجازات فضلا عن أن هناك بعض المصريين الذين يعملون فى تجارة المواد الغذائية فى فرنسا، يقومون باستيراد الياميش من مصر وبيعه هنا للجاليات المصرية والإسلامية، موضحة أن تجمعات الأسر المصرية والعربية فى سنوات ماضية، كانت تشهد إقامة صلاة التراويح والشعائر الرمضانية، ولكنها توقفت للأسف بسبب حظر التجمعات فى ظل الإجراءات الاحترازية المتعلقة بمواجهة وباء كورونا.

 وتتفق معها «عبير محمود»، وهى رئيس المركز الثقافى الاجتماعى لمؤسسة كليوباترا المصرية فى العاصمة الهولندية أمستردام، لتقول إن الإجراءات الاحترازية القوية الخاصة بكورونا، منعتنا خلال العامين الماضيين، من ممارسة الطقوس الرمضانية والتى فى صدارتها التجمعات بين أبناء الجالية، ولكن عدنا هذا العام بعد تخفيف تلك الإجراءات منذ 24 مارس الماضى.

وتؤكد «عبير»، أن سحر الأجواء الرمضانية فى بلدنا، متواجد فى قلب كل شخص منا، ولكن تعودنا على إحياء هذه الطقوس بأشكال قريبة مما تربينا عليه فى طفولتنا، ووصل الحال إلى أن نفس ما نقوم به فى مصر من عادات وأجواء، نفعله هنا فى هولندا، ليصل الأمر إلى توفر نفس المأكولات والمشروبات والحلوى الرمضانية، حيث إن هناك متاجر فى هولندا تقوم ببيعها، وحتى الفوانيس والزينة تباع هنا لدى متاجر مملوكة لمصريين وعرب.

وشددت «عبير» على أهمية المؤسسات الاجتماعية المصرية التى تجمع أبناء الجالية فى مثل هذه المناسبات، لافتة إلى أن فى الجمعية التى تترأسها، يتم عمل كل يوم جمعة فى الشهر الكريم، إفطار جماعى تتواجد فيها الجالية المصرية والجاليات العربية من التوانسة والمغاربة الذين هم أيضا متأثرون بالطقوس المصرية، وتقوم بتأدية صلاة التراويح فى المساجد، ولكن كل ما نفتقده هنا هو صوت أذان المغرب الذى نسمعه عبر القنوات المصرية.

الشعور بالأجواء الرمضانية فى الغربة وأيضا ممارستها، كانت مليئة بالمعاناة فى عقود ماضية وبالتحديد فى القرن الماضى، ولكن تبدد الأمر مؤخرا لاسيما مع قدرة المصريين على الاندماج فى المجتمعات الغربية من ناحية، ومن ناحية أخرى، ما حدث من تقدم فى عالم الاتصالات كان يمنع حتى معرفة المصريين فى الغربة، ببداية شهر رمضان وأيضا موعد الإفطار.

هذا التحول يتحدث عنه، مدير بيت العائلة المصرية فى لندن، مصطفى رجب، الذى وصل إلى العاصمة البريطانية فى مطلع السبعينيات من القرن الماضى، ليقول: «تعايشنا الحالى كمصريين مع طقوس شهر رمضان فى الغربة لاسيما فى دولة مثل إنجلترا تغير عن الوقت الذى وصلنا إليه هنا، حيث تواجدت فى لندن مع عام 1973، والوضع يختلف كليا عما هو عليه الآن، حيث لم يكن هناك مساجد وقتها ولم نكن نعلم النهار من الليل، لدرجة أننا كنا نعلم بداية الشهر الكريم من السفارة المصرية التى كان يصل إليها فاكس بظهور الهلال».

ويوضح «رجب»، أن مدفع الإفطار بالنسبة لهم كان حلول الظلام وبعض أفراد الجالية وقتئذ كانوا يعلمون ظهور هلال رمضان فى ثانى يوم من الشهر الكريم بعد أن يصل لهم الخبر من مصريين أو عرب آخرين، وذلك لصعوبة الاتصالات وعدم وجود ما وصل إليه العالم اليوم من تواصل وتكنولوجيا، ودلل على ذلك بواقعة تذكرها قائلا: «فى إحدى المرات بحقبة السبعينيات وكان متواجدا معنا المطرب محمد عبدالمطلب وطلب موجة الإذاعة المصرية حتى نستمتع بأغنية رمضان جانا، فذهبنا لشراء راديو البحرية الذى يحتوى على الموجات القصيرة حتى نستطيع الوصول لموجة الإذاعة المصرية وكانت متقطعة وقتئذ»، وأردف: «فى إحدى المرات علمنا أن أول أيام عيد الفطر كان فى يوم سابق».

واستكمل تلك الصعوبات، بالقول: «أحيانا كان يأتى شهر رمضان فى الشتاء وكان النهار مظلما بحكم الطقس فى بريطانيا، فلم نكن نعلم وقت غروب الشمس حتى نتناول الإفطار»، مشيرا إلى أنه فى بعض الأحيان، لم نكن نتناول وجبة الإفطار إلا عندما يحل الظلام، وبطبيعة الحال كانت التجمعات بيننا كمصريين صعبة بعد الإفطار لعدة ظروف، منها عدم وجود مقاهٍ أو كافتيريات، حيث كان المتاح فى بعض المناطق «الملاهى الليلية» فقط، وكان الأكل بالنسبة لنا صعبًا للغاية، فلم يكن متاحا لنا سوى شراء معلبات مثل البلوبيف والسردين لأن اللحوم المتوفرة غير مناسب تناولها بالنسبة لنا».

ولفت «رجب» إلى أن الجيل الذى عايش تلك الظروف، بذل مجهودا كبيرا للحفاظ على طقوس وعادات وتقاليد الشهر الكريم التى كان يرفضها المجتمع البريطانى ولكن مع مرور الوقت تم تقبلها، بل أصبح العديد منهم يشاركون معنا فى جلسات إفطار وسحور فى الشهر الكريم، وذلك فى بيت العائلة المصرية، لدرجة أن هناك أعضاء بالبرلمان البريطانى والبلديات والشرطة، يشاركون معنا فى هذه الطقوس والجلسات الاجتماعية، بالإضافة إلى أن المساجد أصبحت منتشرة فى العديد من المناطق الأمر الذى يسمح لنا بممارسة الروحانيات التى اعتدنا عليها منذ أن كنا صغارا فى مصر.

وأوضح «رجب» أنه مع تقدم العمر والاستقرار فى بريطانيا، وإنجاب أجيال جديدة من المصريين، باتت تجمعاتنا قائمة ونستحضر طقوسنا الرمضانية، ولكن كانت هناك مشكلة جديدة تتعلق بعدم قبول بعض أفراد المجتمع الإنجليزى تلك الطقوس ويرون أن الصيام أمر غير صحى، وبالتدريج تبدد ذلك تماما، وأصبح لنا فى أماكن العمل، أوقات مخصصة لتناول الإفطار وأداء الصلاة، وذلك بالتزامن مع تطور الاتصالات مع ظهور التليفون المحمول والستالايت ووسائل التواصل الاجتماعى، مما أصبح لذلك دور فى إحياء طقوسنا خلال الشهر الكريم والأعياد والمناسبات الدينية والوطنية.

 ومن العاصمة السويسرية جنيف، نجد مشهدا قريبا من أجواء رمضان فى مصر عبر مقهى «الأهرام»، وهو مقهى مصرى بامتياز يجمع أبناء الجالية ويجذب العرب وأيضا السويسريين لما يقدمه من أجواء شرقية عبر مشروبات وألعاب نجدها على مقاهينا مثل «الدومينو» و«الطاولة»، وبالطبع يعتبر تجمعا للكثيرين من أبناء الجالية يسترجعون من خلاله أجواء الشهر الكريم فى مصر.

ويقول فى هذا الصدد، رئيس بيت العائلة المصرية بجنيف، جمال حماد، إن الوضع اختلف من حيث الشعور بالأجواء الرمضانية عن ما جئنا هنا إلى سويسرا فى عقود سابقة، وعلى الرغم من أن كل ما نحتاجه من أحياء للطقوس متواجد، فإننا نفتقد قضاءه فى مصر، موضحا أهمية التجمعات التى أقامها أبناء الجالية ومنها «بيت العائلة» الذى يكون مكانا مناسبا للشعور بأجواء المناسبات الوطنية والدينية والاجتماعية بقدر الإمكان مثلما كنا نعيشها فى مصر.

وتابع : «نعيش الطقوس المصرية فى الغربة خاصة فى شهر رمضان باستحضار جميع الذكريات التى كنا نعيشها فى وطنا، سواء بإقامة إفطار جماعى وجلسات نجتمع فيها بعد الإفطار حسب ما يناسب كل شخص».

وأردف: «الأجواء الروحانية حاضرة بالذهاب إلى المسجد لحضور الصلاة وحضور جلسات الوعظ وسماع القرآن الكريم خاصة من الشيوخ والمقرئين الذين يتم إرسالهم فى شهر رمضان من الأزهر الشريف».