الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. مصرية أصيلة.. أعيادنا الفرعونية والدينية.. قيامة جديدة ورمضان الكريم وشم النسيم!

مصر أولا.. مصرية أصيلة.. أعيادنا الفرعونية والدينية.. قيامة جديدة ورمضان الكريم وشم النسيم!

أيام الأعياد فى قناعاتى هى أحد أهم مظاهر تحقيق المواطنة المصرية لأنها تمثل مناسبات اجتماعية وإنسانية لها دلالات دينية. ويفرح بها جميع المواطنين المصريين سواء من يحتفل بالعيد ويفرح به، أو من يقوم بالمشاركة فى العيد بالتهنئة وبتبادل الزيارات أو بالاتصالات.. مما يجدد العلاقات الاجتماعية سواء كانت الأسرية أو الصداقات ويقويها. كما تعتمد على الذكريات الجميلة بين الأصدقاء والأصحاب.. فهى تمثل الجانب الإنسانى للانتماء المصرى.



يحمل كل منا فى داخله حصيلة تراكمية لا بأس بها من الذكريات والخبرات من واقع الخبرة الشخصية بما يدعم العلاقات بين أبناء الوطن الواحد رغم كل ما يحدث من أزمات وتوترات طائفية بغيضة. وشخصياً أحب أن أردد بين الحين والآخر خبرتى الشخصية التى كان البطل فيها هو أبى صاحب الفضل الأول فى تكوينى الوطنى بالدرجة الأولى.

النشأة داخل الأسرة هى المرحلة الأولى فى تشكيل وجدان أبنائها. وأتذكر هنا أننى لم أسمع من أبى ما يشير إلى ديانة أياً من أصدقائه بقدر ما يشير لمدى عمق ومتانة هذه الصداقة. وعندما كنا نسمع صوت الآذان ونتساءل أنا وأختى الصغيرة عن ما نسمعه؛ فكان يقول أنه كلام ربنا.. مثل صلوات الكنائس.

كان أبى يضع فى صالون منزلنا على «ترابيزة» صغيرة نموذج مصغر من الأهرامات الثلاثة المصنوعة من النحاس وعلى يمينهم علبة «قطيفة» حمراء وأخرى على يسارهم. ولم يكن يستطيع أحد أن يميز فى أى منهما يوجد الكتاب المقدس أو القرآن الكريم إلا بعد فتحهما. وكان أبى يشجعنى على الذهاب لكافة الأماكن المقدسة المصرية المسيحية والإسلامية. 

ومثلما كان يقوم أبى بتزين المنزل فى الاحتفال بالكريسماس الغربى ورأس السنة وعيد الميلاد الشرقى.. كان يقوم أيضاً بشراء فوانيس رمضان الجميلة لنا. وشراء الحلوى فى رأس السنة الهجرية.. وهى مظاهر مصرية للاحتفال بالأعياد والمناسبات الدينية للتعبير عن الفرح والسرور.

شم النسيم.. هو احتفال مصرى حقيقى وخالص.

شم النسيم.. احتفال فرعونى بالدرجة الأولى.. أى أنه غير مرتبط بالعقيدة المسيحية أو الإسلامية حسبما يريد البعض أن يصبغه ليحرم الطرف الثانى من الاحتفال به سواء بوصفه بأنه احتفال وثنى أو بربطه بالمسيحية كديانة.. فى إهمال واضح لمظاهر الاحتفال التى لا زالت كما هى منذ آلاف السنين: البيض الملون والسمك المملح.

شم النسيم هو عيد مصرى قديم، ويرجع الاحتفال به إلى ما يقرب من أكثر من خمسة آلاف عام.. حيث كان يتم الاحتفال به مع مطلع فصل الربيع، وكلمة «شم النسيم» هى كلمة مصرية تعود للفرعونية، ولا تعنى «استنشاق الهواء الجميل» كما هو دارج بيننا الآن، بل تعنى «بستان الزروع». وهو الاحتفال الذى يرمز عند المصريين القدماء ببعث الحياة حيث اعتقدوا أنه اليوم الذى بدأ فيه خلق العالم.. وهو ما حافظ على وجوده واستمرار الاحتفال به طيلة هذه السنوات.

أصبح الاحتفال بيوم «شم النسيم».. بمثابة يوم للانطلاق للحدائق والحقول، كما ارتبط ببعض الأكلات التى تحمل العديد من المعانى والرموز عند أجدادنا المصريين القدماء.. على غرار:

- البيض كرمز إلى خلق الحياة من الجماد.

- السمك المملح «الفسيخ والملوحة» المرتبط بتقديس النيل. 

- الخص الذى أعتبره الفراعنة أحد النباتات المقدسة.

- البصل المرتبط بإرادة الحياة وقهر الموت والتغلب على المرض.

- الملانة «الحمص الأخضر».. الذى يمثل نضوج ثمرته إشارة إلى قرب بداية فصل الربيع. 

جميعها رموز ترتبط بالحياة والبقاء والخير والجمال.. وهى كلها قيم إنسانية عامة غير مرتبطة بدين محدد.. بقدر ما هى مرتبطة بالإنسان المصرى القديم ورؤيته لنفسه وللعالم من حوله. وهو ما ترجمه بعد ذلك للاحتفال بيوم شم النسيم من خلال الرموز والمعانى والألوان. 

ويأتى شهر رمضان الكريم الذى نتفق جميعاً فى أنه يمثل العديد من القيم والمبادئ الهامة، وعلى سبيل المثال: العمل والصبر والتسامح والمودة والالتزام. وهى قيم تتطابق مع قواعد هذا الشهر الاستثنائى من صلاة وعبادة.. حتى لو تركها البعض، وحتى لو لم يهتم بها البعض الآخر. ولكن يظل شهر رمضان عنوان لهذه المبادئ التى يجب علينا التركيز عليها والترويج لها.

* قيمة العمل.. وليس الكسل، أى أن شهر رمضان يشجع على العمل خاصة أن العديد يحرص على القيام بفروض الصلاة فى موعدها، وهو ما يعنى أن الكثير منا يبدأ صباحه مع صلاة الفجر. وإذا كان البعض يشوه الشهر الكريم من خلال مقولة «فوت علينا بكره».. فهناك من يلتزم فى أداء عمله خلال شهر رمضان بوجه خاص على اعتبار أن العمل.. عبادة أيضاً، وأنه لا يجوز تعطيل أى خدمة أو مهمة يتطلبها العمل.

قيمة الصبر.. الصبر على مشقة الصيام خلال ساعات النهار.. خاصة خلال درجات الحرارة المرتفعة التى نشهدها الآن، والصبر فى التعامل اليومى، والصبر فى احتمال سلوك البعض ممن يرتبط الصيام عندهم بشكل من أشكال الخشونة فى التعامل، والصبر على ضغوط الحياة اليومية وازدحام السيارات دون أن يفقد الصائم صوابه. وبالتالى، لا يمكن أن تكون عبارة «هتفطرنى..» هى العبارة الدارجة.. بنوع من الاستهانة بصيام شهر رمضان.

* قيمة التسامح، أى السماحة فى التعامل مع الجميع دون أن يحملهم عناء صيامه. وهو أسلوب يعتمد على مبدأ أن «الدين.. معاملة»، وأن المواطن المسلم المصرى الحقيقى هو من يمثل لغيره قدوة فى التعامل. والتسامح هنا ليس بالمعنى الفلسفى فقط فى قبول الإساءة، ولكن يصل أيضاً إلى عودة العلاقات ونبذ الخلافات القديمة على اعتبار أنه شهر كريم يدعم المودة فى العلاقات الإنسانية.

قيمة المودة التى يرسخها شهر رمضان من خلال لقاءاته وسهراته بين الأصدقاء وبين العائلات. وهو فرصة للتلاقى والتقارب وتجديد العلاقات الاجتماعية مع العائلات والأصدقاء.. خاصة أن ليالى رمضان لها مذاق خاص فى السهر.

يترتب على ما سبق، إن هناك من يرى فى شهر رمضان الكريم أنه شهر الالتزام.. الالتزام فى الصلاة والعبادة والذهاب إلى المسجد وقراءة القرآن الكريم، وأيضاً الالتزام فى العمل وفى السلوك وفى التعاملات اليومية مع كافة المواطنين دون تهاون أو تراخى. والالتزام فى المرور دون تجاوز.. فالالتزام فى شهر رمضان هو جزء أصيل مستلهم من قيمه الدينية التى يحاول البعض أن يطمسها ويروج لنقيضها. 

نقطة ومن أول السطر..

كل عيد ومصر بخير، وأبنائها معاً بخير.. بعيداً عن الفتاوى المحرمة، وبعيداً عن «السفسطة» الفكرية التى لا فائدة منها سوى ظهور العديد والعديد من شيوخ الستالايت وكهنته وانتشارهم بيننا. نحتاج لمثل تلك المناسبات التى توحد المصريين فى احتفال مصرى وطنى مثلما نحتاج إلى الاحتفال والاحتفاء بالمناسبات الدينية الخاصة سواء كانت مسيحية أو إسلامية.. خاصة مثل تلك الاحتفالات التى تحولت لتراث ينتقل بين الأجيال عبر السنوات والقرون لدرجة أن البعض يعتبره قد تحول لتقليد مصرى أصيل. نحتاج لمثل تلك المناسبات لمواجهة كل من يريد أن يفسد علينا حياتنا وتراثنا الفرعونى التاريخى الذى يريد كل طرف «اختطافه» لصالح توجهات وأفكار ضيقة.. طائفية قبل أى شىء آخر.

أعتقد أن المواطن المصرى يحتاج إلى الفرح والسعادة التى تضفيها على حياته مثل تلك المناسبات التى تجمع المصريين فى مظاهر مشتركة دون أى تمييز أو استبعاد. وهى احتفالات وأعياد من شأنها أن تخفف من التحديات والمشكلات والضغوط اليومية، كما أنها مظاهر مشتركة لتوطيد الصداقات والعلاقات.