الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. حرب الشرق والغرب على حقوق الإنسان حـر ق المصحف فى السويد.. إصرار أوروبى على انتهاك الحق فى الاعتقاد "4"

حقك.. حرب الشرق والغرب على حقوق الإنسان حـر ق المصحف فى السويد.. إصرار أوروبى على انتهاك الحق فى الاعتقاد "4"

تسبب صعود التيارات المتطرفة وتمركزها فى عدد من الدول الأوروبية، فى انتهاكات متكررة ومستمرة لحقوق الأقليات والمهاجرين وتحديدًا الجاليات الإسلامية، وتحولت معتقداتها الدينية إلى هدف ثابت للإهانة والتدنيس فى حماية قوات الأمن فى تلك الدول، وهو تصرف ينتهك الحق فى الاعتقاد بشكل متكرر ويُشير لوجود إصرار أوروبى على عدم احترام واحد من الحقوق الأساسية اللصيقة بالإنسان وهى الحق فى الاعتقاد.



 

إقدام أحد قادة اليمين المتطرف فى أوروبا على إحراق المصحف الشريف فى إحدى ضواحى السويد تحت حراسة الأمن السويدى، ثم اشتباك الأمن السويدى مع المتظاهرين الرافضين أصبح مشهدًا متكررًا كلما اقتربت الانتخابات الأوروبية، أو محاولة من اليمين لإظهار قوته خاصة بعد حادثة الرسوم المسيئة فى فرنسا وهولندا، بالإضافة إلى تنامى مشاعر الكراهية ضد المسلمين والمهاجرين بصفة عامة وهى مسألة تؤكد وجود خلل فى فهم المجتمعات الأوروبية لمعنى الحق فى الاعتقاد، بل إن بعض الحكومات الأوروبية تغض الطرف عن تلك الانتهاكات المتكررة ضد المسلمين والمهاجرين وضد ثوابتهم ومعتقداتهم بشكل منهجى يكرّس تنامى مشاعر العداء بشكل يهدد حياتهم ويهدد حقوقهم بموجب الإعلان العالمى لحقوق الإنسان.

بل أصبح من غير المستغرب تجاهل عدد من المؤسسات الدولية الحقوقية للتعليق على ذلك الأمر وصمت الآليات الدولية على ذلك الانتهاك المستمر للدين الإسلامى فى الغرب بشكل يزيد من حالة الاحتقان ويمهد لمزيد من أعمال العنف فى المستقبل.

تنامى مشاعر كراهية الآخر وتحديدًا العرب والمسلمين أصبحت ملعبًا أساسيًا للتيارات المتطرفة فى الغرب وهى من شجعت سياسيًا متطرفًا مثل «راسموس بالودان» الذى يتزعم حزب «سترام كورس» السويدى، للإعلان عن حرق المصحف الشريف، فى مدينة «لينكوبينج» السويدية، واعتزامه القيام بنفس هذا السلوك فى مدن أخرى، فى تحدٍ سافر لمشاعر المسلمين فى السويد وحول العالم.

وكان من اللافت أن بالودان قبل عمله بالسياسة كان ضمن فريق التدريس بجامعة كوبنهاجن الدنماركية، وهو ما قد يُشير إلى وجود خلل فى المنظومة الحقوقية والقيمية المقدمة لأساتذة الجامعات حول حقوق الإنسان.

بالودان انطلق فى السياسة من خلال تبنى خطاب يحض على كراهية المهاجرين خاصة المسلمين إلى دول أوروبية وقام بتأسيس حزب «سترام كورس» فى عام 2017، بتوجه يمينى متطرف.

لم يكتف بتوجهاته المتشددة، واعتاد على الدعوة إلى حرق المصحف الشريف وكانت البداية فى عام 2020 ثم تعرض إلى محاولات للطعن بسكين، وهو ما جعله تحت حراسة مستمرة من الشرطة وأصبح يقوم بأعمال الكراهية تحت حماية الشرطة سواء فى الدنمارك أو السويد.

خطورة ما يقوم به المتطرفون اليمينيون فى أوروبا أنهم يقدمون المبرر للتنظيمات الإرهابية من أجل القيام بمزيد من الجرائم سواء فى أوروبا أو فى العالم العربى، وزيادة مساحة الكراهية تخصم من مساحة نشر قيم التسامح والتعايش وتفسد فرصة الاندماج أمام المهاجرين.

والأهم أنها تكشف كيف تنظر أوروبا والغرب بشكل عام لحقوق الإنسان، فلا يمكن اعتبار الاعتداءات على المقدسات الدينية والكتب المقدسة حرية تعبير كما يدعى البعض، بل إن الصكوك والمعاهدات الدولية نصوصها واضحة ومترابطة حيث تشير إلى أن التمييز على أساس الدين أو المعتقد يمثل إهانة للكرامة الإنسانية وإنكارًا لمبادئ الأمم المتحدة.

كما أدانتها بوصفها انتهاكًا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية المنصوص عليها فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والواردة بالتفصيل فى:

- العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

- العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وتنص المادة 4 على دور الدول ومؤسسات المجتمع المدنى فى اتخاذ ما يلزم من تدابير لمنع واستئصال أى تمييز على أساس الدين أو المعتقد، ومن ذلك:

- اتخاذ ما يلزم من تدابير فى جميع مجالات الحياة المدنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.

- سن أو إلغاء تشريعات لمنع التمييز إذا لزم الأمر.

- اتخاذ جميع التدابير الملائمة لمكافحة التعصب القائم على أساس الدين أو المعتقدات الأخرى فى هذا الشأن.

والحاصل أن الدول الأوروبية غضت الطرف عن احترام حق الأقليات والمهاجرين فى الاعتقاد، وتراخت عن مواجهة حملات الكراهية المنهجية ضد المسلمين، وقمعت بالقوة محاولتهم للاحتجاج على تلك الممارسات المناهضة لحرية الاعتقاد بالأساس، وأطلقت العنان لانتشار الإسلاموفوبيا فى المجتمعات الغربية، رغم أنها بالأساس تحمل مظاهر تمييز واضحة ضد المسلمين.

والحقيقة أن الملف الأوروبى أصبح متخمًا بالانتهاكات ضد حقوق الإنسان، فى الوقت الذى تزايد فيه على دول أخرى فى ذلك الملف تحديدًا وتدعى حكوماتها أنها تتبنى قضايا حقوقية فى ممارستها للسياسة الخارجية، بينما هو فى الحقيقة محض ادعاء لأن البيت الأوروبى نفسه لا يحترم حقوق الإنسان غير الأوروبى وهى ممارسة بها قدر كبير من العنصرية والتعالى والتمييز فى المعاملة وتضرب مصداقية أى حديث أوروبى عن حقوق الإنسان.

والغريب هو حالة الصمت من جانب البرلمان الأوروبى وباقى المؤسسات الأوروبية التى تصدر بيانات متتالية عن حقوق الإنسان فى عدد من دول العالم بينما لا ترى الحريق المستعر داخل دولها بسبب ممارسات اليمين المتطرف ضد الأقليات والمهاجرين والمسلمين.

وتقف الآليات الأوروبية الحقوقية المتعددة مغلولة الأيدى تجاه انتشار تلك التيارات فى الجسد الأوروبى ورغم ما تمثله من خطر إلا أن تلك الآليات تمارس الصمت تجاه تلك الممارسات وهو ما يشير إلى غياب وجود إرادة سياسية أوروبية لوقف تلك الممارسات تجاه المسلمين.

تزايد مشاعر العداء الشرق والغرب بسبب التيارات اليمينية المتطرفة تؤجج حالة الحرب على حقوق الإنسان، فالمفهوم الغربى لا يرى فى الرسوم المسيئة أو حرق المصحف الشريف اعتداء على حق من حقوق الإنسان وهو الحق فى الاعتقاد، وذلك المفهوم يحتاج إلى كثير من العمل من أجل تغييره ويبدأ من تصحيح المفاهيم لدى الغرب عن الحق فى الاعتقاد والمفهوم الحقيقى لحرية الراى والتعبير التى تقف عند المساس بحقوق الآخرين وتحديدًا المقدسات وأنه حان الوقت لصدور قانون يمنع تلك الممارسات الاستفزازية، وهو قانون ينطلق من حماية الحق فى الاعتقاد، بل إنه من غير المفهوم أن يكون التجريم منصبًا على معاداة السامية بينما المقدسات الإسلامية مستباحة بهذا الشكل.

ممارسات اليمين المتطرف اختبار حقيقى فى الإيمان بقيم حقوق الإنسان وهو اختبار يسقط فيه الغرب بامتياز مع كل حادث استفزازى يكون هدفه الإساءة إلى الإسلام والمسلمين، بل إن الغرب أصبح مطالبًا بإعادة النظر فيما يقدمه لأجياله الجديدة حول حقوق الإنسان لأن الشواهد تؤكد أن تلك الأجيال لا ترى حقوقًا للآخر، وتمارس العنصرية بشكل فج وواضح.

إن احترام حقوق الإنسان تستلزم من الغرب إعلاء القواسم المشتركة من التسامح وقبول الآخر والتعايش السلمى بين الشعوب، ونبذ دعوات التحريض والكراهية، والتوقف عن أعمال العنف والتخريب والأعمال الاستفزازية التى من شأنها الإضرار باستقرار المجتمعات وأمنها وسلامها والتوقف عن إعطاء التنظيمات الإرهابية المتشددة هدايا مجانية.