الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. إنه عالم مجنون مجنون مجنون مجنون

الحقيقة مبدأ.. إنه عالم مجنون مجنون مجنون مجنون

لا تظن عزيزى القارئ أن القلم أفلت من بين أصابعى فتكررت الكلمة أربع مرات.. بل هو عنوان لفيلم سينمائى من إنتاج هوليوود عام 1963.. ولعل دقة الوصف هى ما ألهمت صاحبة هذا القلم لاقتباس العنوان الذى بات لائقًا حتى التمام على ما يحدث الآن فى عالمنا السياسى.. ولعل القارئ متفق معى على أن ما يحدث على صعيد الأزمة الروسية- الأوكرانية، ما هو إلا مأساة إنسانية، وخلل فى الواقع السياسى.. لكن الكاتبة لا تستطيع أن تنفض الحيرة عن عقلها المستاء الذى أجهد لأكثر من 45 عامًا دفاعًا وتحليلاً لقضية الصراع العربي- الصهيوني، فأما عن الحيرة فهى نتاج التساؤل المستمر والمضنى عن السبب الذى يدفع العالم كله لإيجاد حلول للأزمة الراهنة، وفى الوقت نفسه لا يكلف نفسه مشقة اتخاذ قرار واحد ملزم وعادل، لحل أقدم قضية سياسية فى العصر الحديث «قضيتنا العربية»!!



وأما الاستياء فهو حصيلة الـ45 سنة التى منحتها الكاتبة من عمرها لأجل القضية، وهى تراهن على الضمير الإنسانى المستسلم لغفوة لا تعرف اليقظة، وتراخٍ لا يعرف الهمة، وأخيرًا تكون الصدمة حين يتوسط الكيان الصهيونى فى عملية سلام بين روسيا وأوكرانيا.. وهو المحتل الغاصب، قاتل الأطفال والنساء والشيوخ.. أى عالم هذا وما هو كل هذا الجنون!!

 

فبعد ما يقرب من أكثر من ثمانية أسابيع من الحرب بين روسيا وأوكرانيا وهى التى كان مقررًا لها أيام قليلة، نتيجة تنوع أدوات الصراع التى استخدمتها الأطراف الضالعة فى الأزمة، وأخذ كل طرف فى اعتباره حدودًا وقواعد حصينة يلتزم بها، وأخرى يستخدمها بأقصى ما يستطيع، دون الانتقال لما هو مسموح به ومتاح، إلى ما هو محظور، رغم أنه قد يكون ممكنًا واستلهمت القوى الكبرى فى هذه الأزمة تجاربها السابقة فى الحروب الإقليمية المحدودة وفى الحروب بالوكالة، ذلك باستخدام القوة الناعمة إلى جانب القوة العسكرية، كل ذلك سعيًا وراء تحقيق أهداف معينة يسعى إليها كل طرف، وقد يكون بعض هذه الأهداف غير قابل للتنازل عنه، وبعضها يمكن الوصول إليه بحلول وسط، الأزمة الأوكرانية لا تريد، أو لا يراد لها أن تتوقف أو تنتهي، هى مثل معظم الأزمات الدولية مفيدة لأطراف ومضرة لأطراف أخرى، أزمة مثل أزمات كثيرة يتبرأ منها فاعلوها والمتسببون فيها ويتحمل عواقبها والخسائر المترتبة عليها أبرياء لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ومثلما حدث فى أزمات سابقة، أحاطت بنشأتها شبهات التآمر وطالتها الاتهامات بالخداع والخيانة والكذب المتبادل بين مختلف أطرافها، ومثلها أيضًا غابت بعض أسباب نشوبها أو تعتمت بفعل فاعل، مثلها مثل أخريات ومثل انتقاضات وثورات أنجبت مهرجين صاروا بفضلها وفضل حلفائهم أبطالاً، أو سمحت لأبطال وشجعتهم ثم تخلت عنهم أو تعودت عليهم فصاروا فى نظرها ونظر المراقبين كالمهرجين.

 

حتى الآن لم يستوعب البعض صدمة الحرب الروسية- الأوكرانية، وتأثيرها الخطير على أوروبا والعالم أجمع، يهدد طول الحرب الأوكرانية وغياب أفق الحل السلمى بمحو متزايد للخط الفاصل دون تطورها إلى مواجهة مباشرة بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة ثانية، ذلك بالرغم من تهيب الجميع عن الانزلاق إلى هاوية تقود إلى حرب عالمية ثالثة بين قوى مسلحة نوويًا هذه المرة، إن سيناريو «يوم القيامة» امتياز، لا تزال الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسى تغرق أوكرانيا بالسلاح وفق وتيرة متصاعدة من الصواريخ المضادة للدروع، إلى البحث عن أنظمة صواريخ سوفياتية روسية من طراز «اس 300» وكان لافتًا للانتباه سؤال أمريكا لتركيا عما إذا كانت مستعدة لإرسال صواريخها من طراز «اس 400» الروسية لإرسالها إلى أوكرانيا، إن شحنات الأسلحة المتدفقة لأوكرانيا تترافق مع خطاب غربى يهيئ لعالم لا مكان فيه لروسيا، هكذا أوصت به مداولات القمم الغربية الثلاث فى بروكسل، تلك التى تعهد فيها الرئيس الأمريكى لأوروبا بتعويضها عن الغاز الروسي، بغاز أمريكى من الآن وحتى عام 2030، معتبرًا أن الاستمرار فى الاعتماد على الطاقة الروسية لم يعد أمرًا يستقيم أخلاقيًا، ذلك بعد تلك الحرب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عضوية روسيا فى مجموعة العشرين، وأنه لا بد من طرد روسيا من مجموعة العشرين واستبدالها بأوكرانيا، كما تقود الولايات المتحدة حملة سياسية، اقتصادية وثقافية لاستئصال كل ما يمت بصلة إلى روسيا، ما يحدث ما هو إلا حملة تستفز الغرب للدفاع عن النظام العالمى القائم فى ما يتجاوز أوكرانيا بكثير، من هنا نجد أن تلك المواقف الأمريكية وما صرح به بايدن عن أن الرئيس الروسى بوتين بأنه ليس أقل من «مجرم حرب» وديكتاتور قاتل، ذلك من وجهة نظر بايدن، وكذلك فى نظر السيناتور الجمهورى الذى قال إن الرئيس بوتين لا بد من اغتياله لوقف تلك الحرب الدائرة، هذه السياسات الغربية التى يتبعونها تنطوى على مخاطر تصعيدية للنزاع إلى خارج الحدود الأوكرانية وكأن بوتين سيقف مكتوف الأيدى دون أن يكون هناك رد عاصف ضد هذه الحملة مع تصعيد العقوبات التى يفرضها الغرب عليه، تناسوا إنه عندما تم القصف الروسى على قاعدة عسكرية أوكرانية لا تبعد سوى 12 كيلو مترًا عن الحدود البولندية، الأطلسية، ما هى إلا رسالة لا لبس فيها عن إمكانات تمدد الحرب وعن قدرات الجيش الروسي، إن الحملة الصليبية المتعبة حيال روسيا لا تترك فرصة لبوتين كى يتراجع، ولا تبعث بإيماءة ولو من بعيد لزيلينسكى كى يدخل فى مفاوضات جدية لوقف الحرب، وهذا يعنى أن الغرب الذى يعتقد بأنه أوقع روسيا فى الفخ أمر غير صحيح، ذلك لأن ما سوف ينتج عن تلك الحرب ما هى إلا حرب تتصادم فيها القوى النووية، هذه هى الصورة القائمة للعالم الآن، وأن أكاذيب الغرب عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الإعلام انكشفت فى هذه الحرب الدائرة حاليًا بين الشرق والغرب، أكاذيب ضحكت بها الدول الغربية على دول العالم العربى ودول العالم الثالث، ملوحة من آن لآخر بمخالبها فى وجه تلك الدول حسب المصلحة، هذا الغرب الذى تحرك بكامله أمام التعدى الروسى لم يتحرك أمام المذابح، والتعديات التى قام ويقوم بها الكيان الصهيونى على الشعب الفلسطينى المحتلة أرضه والمغتصبة منذ 74 عامًا، تلك القضية التى يتناساها الغرب وزعيمهم الفتوة بايدن وهؤلاء الذين يتشدقون دائمًا بكلمات حقوق الإنسان ولا تطبقها على أرض الواقع هى وحلفاؤها، هناك الكثير من التناقضات الكثيرة فى الدول الغربية والتى كشفتها الحرب فى أوكرانيا، مثل ما حدث حينما تسارعت الدول الأوروبية لاستقبال ملايين اللاجئين من أوكرانيا بحفاوة بالغة، وتوفير مساكن للإقامة وليس خيامًا مثلما فعلت من قبل تجاه اللاجئين القادمين من سوريا والعراق وليبيا، بالرغم من أن الغرب وفتوة العالم «الولايات المتحدة» هم من تسببوا فى تشريدهم بعد الحرب التى شنوها على بلدانهم وأحرقوها ودمروها وأشعلوا فيها الحروب، بينما ينادون بحقوق الإنسان، بل وجدنا الأسوأ حينما رفضت بولندا «كمثال للعنصرية» أن تستقبل الأوكرانيين المسلمين الذين لجأوا إليها واستقبلت مليونًا ونصف المليون من لاجئى أوكرانيا غير المسلمين أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء، هذا الغرب هو الذى انكشف أمام العالم دون حياء بعنصريته وسياسته القبيحة ذات المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين فى تصنيف الإنسان طبقًا للون بشرته وعقيدته، كما كشفت الحرب عن فتوة العالم الذى قام بحشد رأى عام محتكرًا للحقيقة، وممارسة الحد الأقصى لشيطنة أى طرف يختلف معه فى الرأى أو فى وجهة النظر، هذا الغرب الذى يدعى أنه حامى حقوق الإنسان والمحتكر الوحيد فى العالم للحقوق يغض بصره ويشل عقله ولسانه عما يرى ويصم آذانه عن صرخات الشعب الفلسطينى المقهور فى أرضه المغتصبة ولا يجد من يدافع عنه من الغرب والولايات المتحدة، بل يقف هؤلاء المنادون بالحرية والحق فى الحياة وحقوق الإنسان يقفون أمام تطبيق العدالة وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن التى تقر فى حق هذا الشعب من أن يحيا على أرضه، ذلك بأن يقوم هؤلاء المدعون بالحرية باستخدام حق الفيتو ضد تطبيق تلك القرارات على الأرض، ذلك لحماية الكيان الصهيونى الذى زرعوه فى أرض ليست بأرضه يقتل ويعذب وينكل ويدنس أراضيه ومقدساته بل أيضًا يحلل قتل أى فلسطينى يحاول المقاومة، كل هذا يؤكد للعالم الذى يرى ما يحدث ولا يحرك ساكنًا، أليس هذا ما هو إلا جريمة حقيقية للفصل العنصري، وأن ما يحدث ما هو إلا تجسيد لأبشع أشكال نظام «الأبارتايد» التفرقة العنصرية التى يفرضها الكيان الصهيونى المحتل على المواطن الفلسطينى.. ويبقى لنا فى النهاية أن نقول يا ضمير العالم يا جبان، ذلك مع الاعتذار لشاعرنا العظيم - رحمة الله عليه- صلاح جاهين حينما قال: يا ضمير العالم ياعزيزى، وتحيا مصر.