الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كيف ولماذا حكـــم السيسى مصـــر.. السيناريوهات الخمس لتصويت الجيش "11"

كيف ولماذا حكـــم السيسى مصـــر.. السيناريوهات الخمس لتصويت الجيش "11"

لم يهدأ «الإخوان» يومًا واحدًا دون محاولة منهم للتحرُّش بالجيش وإثارة حفيظته، والأكثر الانقضاض على ثوابته، وكلها محاولات للوقوف على كيف يمكن لهم تفكيكه والنَّيْل منه، وبث ذلك بين أوساط شبابية ضالة وتيارات سياسية مأجورة، تفتّقَ ذهنُهم المريضُ الحاقدُ بأن يقوموا بإثارة جدل عبر (مجلس نواب قندهار)، الذى تم كأول استحقاق فى خارطة طريق المرحلة الانتقالية التى بدأت من 9مارس 2011م، بموجب الإعلان الدستورى المؤقت بعد توقُّف العمل بالدستور الذى كان ساريًا حتى يناير 2011م.



 

خرَج علينا «الإخوان» بلعبة سياسية تساير المثَل الشعبى (يضربوا ويلاقوا)، والأكثر جس نبض الجيش متوهمين إثارة البَلبَلة والقلاقل داخل صفوفه، وكان ذلك فى عام 2012م عندما كان يتم الإعداد للانتخابات الرئاسية وكتابة الدستور، وبإحدى الجلسات تم الاتفاق بينهم وبين السلفيين أن يطالبوا بأن يقوم ضباط وأفرادُ الجيش بالإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات الرئاسية التى ستُجرَى.. المهم أن «عصام العريان» تزعّمَ هذه المطالب، وقال إن ذلك يُطبق فى بعض جيوش العالم الديموقراطى، وعليه توالت الآراء العابثة داخل مجلس النواب، ودخل على الخط بعضُ مَن كان يُطلق عليهم «شباب الثورة»، الذين تحالفوا وتوالسوا مع (نواب قندهار) من كل التيارات المتأسلمة داخل المجلس، طبعًا كان المقصود من هذا الطلب هو أن يتم تمزيق الجيش بين عدة آراء يكون كل منها متحيزًا لأحد المرشحين وأيضًا يمنح «الإخوان» فرصة الدخول بين صفوف الجيش والقيام بعملية استقطاب، وبعد رمْى هذه الكُرَة التى اعتبروها ملتهبة وسوف تشعل النيران داخل الجيش بين مؤيد ومعارض لمرشح وآخر، ونسوا أن الجيش المصرى على قلب رجُل واحد ولديهم ثقة فى قادتهم وكل ما يصدر عنهم من قرارات.. الأكثر من ذلك أن (مجلس قندهار) أرسل إلى المحكمة الدستورية يطلب رأيَها فى شرعية إدلاء المنخرطين فى الجيش بأصواتهم فى الانتخابات ودستورية هذا من عدمه، وكان الرد أنه يجوز منح الجيش حق التصويت.

السيسى يفاجئ «الإخوان» بشروط القبول

قام مدير المخابرات الحربية- وقتذاك- اللواء «عبدالفتاح السيسى» بالرد على هذا المطلب كتابة، فقال لهم: (يرحب ضباط الجيش وأفرادُه بقرار الدستورية فى حق الانتخاب ويرون أنه حق حُرموا منه، وربما كان الأثر الكبير فى عدم وضع ذلك من قبل فى الحسبان هو أن رئيس الجمهورية كان دائمًا يأتى من صفوف الجيش وربما يكون لذلك شبهة ما، أمّا الآن والرئيس مدنيّا فإنه من حق الجيش أن يقول رأيَه دون أدنى شُبهة تأثير).

وأضاف «السيسى»: (إن الانتخابات من أجل مستقبل أولادنا، وفى أمريكا يشترون وُدَّ القوات المسلحة فى التصويت، ولكن لنا أن نسأل أصحاب هذا الاقتراح من التيارات السياسية التى ينتمى إليها هذا المرشح أو ذاك، ماذا ستقدمون لنا من امتيازات لتحصلوا على أصواتنا؟، ومع ذلك؛ فإن الظروف الراهنة التى تعيشها بلادُنا تجعلنا نطلب إرجاءَ ذلك حتى تستقر الأوضاع، وإليكم مقترحاتنا فى ذلك.

«المقترح الأول» وهو ما يمكننا أن نطلق عليه السيناريو الأول، الذى يتضمن الآتى:

من الممكن إجراء الانتخابات بالجيش قبل موعدها فى المجتمع المدنى ليقوموا بواجبهم فى حماية الشعب ورعايته لضمان نزاهة الانتخابات.

«المقترح الثانى» وضع القوانين، التى تفسّر المواد الدستورية التى ستضع لذلك والخاصة بالجيش لوضع الإجراءات للعمل عليها. «المقترح الثالث» لا يمكن ذهابنا لأى لجنة انتخابية لعدة اعتبارات، منها لا يمكننا ترك وحداتنا العسكرية فى وقت واحد؛ خصوصًا الذين يرابطون على الحدود ويتواجدون فى أماكن نائية، ولكن يجب أن تكون لنا لجان خاصة، وهذا يتطلب ترتيبًا خاصّا؛ لأنه لا يمكن أن يترك العسكريون وحداتهم فى وقت واحد للإدلاء بأصواتهم.

«المقترح الرابع» نحترم الدستورية ولكن التطبيق سوف يتم إرجاؤه، وربما يكون التطبيق خلال خمس أو عشر سنوات مقبلة بعد استقرار البلاد حتى لا ينشغل الجيشُ عن الشعب.

«المقترح الخامس» نكرّر الجيش يحترم قرارات الدستورية، ولا يمكن أن يحيد عنها، ولكن التطبيق يلزمه إجراءات داخل الجيش، والتحضير له يأخذ وقتًا مما لا يمكننا من القيام بذلك فى هذه الانتخابات، ولكن نرجأها إلى انتخابات مقبلة بعد خمس أو عشر سنوات حتى تستقر أحوالُ البلاد ويطمئن الشعبُ المصرى على مساره الديموقراطى؛ لأنه فى خلال هذه المدة سيكون الجيشُ مشغولًا بالشعب وغير مستعد لترتيب أوضاع الانتخابات داخل صفوفه).

بَعد هذا الرّد السابق من مدير المخابرات الحربية- وقتذاك-، خرج علينا «عصام العريان» ليقول إن الانتخابات داخل الجيش سوف تشغله عن أداء دوره فى الوقت الراهن والظروف التى تعيشها البلاد غير مواتية لمثل هذا الإجراء، وقام «حاتم عزام»- نائب رئيس حزب الوسط- وقال إننا (نخشى تصويت الجيش)، وليختم لنا «صبحى صالح» هذا الوضع ليقول لنا (لا يجوز تصويت الجيش، كده بنضيّع البلد، ده أمن قومى).

وكان «الإخوان» وأربابُهم لم يكونوا قد توصلوا لما قالوه بعد الرد المصحوب بالاقتراحات التى قام اللواء «عبدالفتاح السيسى» بإرسالها إلى مجلس النواب؛ ليقولوا بعد ذلك أنه كانت مفاجأة بالنسبة لهم أن الجيش (لم يثُر ولم يرفض)، فقط (أرجأ) وذكر الأسباب فى مقترحات هى عبارة عن سيناريوهات سوف تتم فى حال تطبيق تصويت الجيش دون دراسة وإجراءات وضوابط لا تخل بعمله المنوط به.

 حسم المرحلة الانتقالية

كان المشير «طنطاوى»- رئيس المجلس الأعلى العسكرى- قد أعلن يوم الخميس 7يونيو 2012م وقْفَ نزيف الوقت المتعمد من قِبَل القوى والأحزاب السياسية وإسدال الستار على المرحلة الانتقالية للبلاد، وأوضح المشير للمجلس الاستشارى وبَعدها للأحزاب والتيارات السياسية المختلفة أنه لن يسمح أن تعيش مصر فى فراغًا دستوريّا لتعمل كل جماعة ما يحلو لها، وسيكون هناك أمران لا ثالث لهما، الأول تعديل مُكمّل للمادة «60» من الإعلان الدستورى بإضافة جملة واحدة توضّح إشراك كل أطياف المجتمع بنسَب متساوية دون أغلبية لأحد مَهما كانت الملابسات، وأن هذا هو رأى ثلاثين من الفقهاء والدستوريين، الذين قدّموا اقتراحاتهم للمجلس العسكرى لكل الاحتمالات فى المرحلة المقبلة.

الأمر الثانى أنه إذا ما تعذّرَ الأولُ نتيجة اعتراض أو تصعيد سياسى من أى نوع، سوف يتم استدعاء دستور «71» الذى تم تعطيله بموجب البيان الخامس للمجلس العسكرى يوم 13فبراير 2011م، وأنه سيتم تسليم السُّلطة للرئيس المنتخَب طبقًا لدستور 1971م، قال المشير «طنطاوى» ذلك بعد أن قامت القوى السياسية فى مايو 2012م بالبحث عن ضمانات لتواجُدها وعدم تواريها أو إقصائها من المشهد السياسى، وبعض الأحزاب والتيارات وضعتْ شروطا لعرضها على طرفى انتخابات الإعادة «محمد مرسى - أحمد شفيق»، محددة لنفسها دورًا لم تمنحه لها الانتخابات أو الشعب، وبعض الذين لم يحالفهم الحظ من مرشحى الرئاسة أمثال «حمدين صباحى وخالد على» وضعوا شروطا أيضًا ولكنهم زجوا فيها بالشباب واشترطتْ أن يكون أكثر من نصف اللجنة التأسيسية للدستور من الشباب، و75 ٪ من الحكومة أيضًا من شباب الثورة، وغيرها من الشروط التى كانوا لن يفعّلوها لو وصلوا للرئاسة؛ لأنه ليس بها عدل مجتمعى، فهى ترجّح كفة شريحة عمرية وتهمش باقى الشعب، كما تحججت بعض القوى السياسية بأن الانتكاسة الانتخابية كما وصفوها قد جاءت لأن 50 ٪ من الشعب المصرى لم ينزل لينتخب، ولم يصارحوا أنفسهم بأن ما حدث لأن الشعب لم يكن مقتنعًا بـ 13 مرشحًا.

المهم أن هذه القوى السياسية، التى هرولت فى اتجاه الضمانات التى تقول (أنا فيها لأخفيها)، هى نفسها التى أقامت الدنيا ولم تقعدها عندما لوّح المجلس الأعلى العسكرى من قبل بأنه يجب أن تكون للجيش ضمانات لدوره فى الدستور الجديد، ليس من باب الضغط والاستئثار بمكانة ما ولا الخروج الآمن الذى تشدّق به البعضُ، ولكن من واقع المشهد السياسى الذى أفرز تيارات وأيديولوجيات سياسية جديدة على مصر، والقوات المسلحة مِلْك الشعب وتتبعه تبعية كاملة ولا تريد أن تكون أداة فى يد فريق أو فصيل أو حركة أو تيار سياسى مُعين إذا ما اعتلى السُّلطة، وطلبت وثيقة تعهد بذلك يترجمها تحديد دورها واعتمادها على نفسها فى سد جميع طلباتها حتى لا يتحكم أى طرف فى الزج بالجيش لصالح منافع تخص جماعة أو تيار تحت أى ظرف، وكما تطلب التيارات السياسية من «الإخوان» وثيقة ضمانات إذا ما اعتلى مرشحها كرسى الرئاسة؛ فإن الجيش هو الآخر عندما وجد المد السياسى والمتشعب للجماعة فى أركان الدولة تدعمه قوى الانتهازية السياسية، طلب هو الآخر ضمانات لا تجعله (جيش الإخوان) ولا جيش الجهاد، وكالعادة؛ فإن الجماعة كتبت هذه الضمانات وقرأتها على مسمع ومرأى من مجلس مفكرين وفقهاء وساسة فى مؤتمر الوفاق الوطنى الذى كان يعقده د . «يحيى الجمل»- نائب رئيس الوزراء للشئون القانونية الأسبق-، الذى كان بشكل متوازٍ مع مؤتمر غير رسمى للحوار الوطنى تحت إشراف د. «عبدالعزيز حجازى»، وقرّر «الإخوان» الضمانات وأقرّها أغلبية الحضور، وعليه تضمنته وثيقة «على السلمى»- النائب الثانى لرئيس الوزراء للشئون السياسية-، ولكن الجماعة نقضتْ اتفاقها على الوثيقة وعقدتْ مليونية من المليونيات المزيفة التى كانت تقوم بها، وهى المليونية التى أطلق عليها الإعلام (مليونية قندهار) من أجل إسقاط ضمانات الجيش لتطلق العنان ليد «الإخوان» أو غيرها بالضغط على القوات المسلحة تحت أى مسمى كان.

وفى هذا السياق سألتُ المشير «طنطاوى»: ماذا سيكون وَضْعُ الجيش فى الدستور الجديد؟ فأجاب: (سيبقى كما هو دوره فى كل الدساتير المصرية السابقة، وأن الجيش قادر بألّا يجعل أحدًا يحيد عن دوره الذى كفله له الشعب والدستور، وأن الجيش قادر على حماية مكتسباته وعقيدته وليس فى حاجة لضمانات من أحد، ولا يقدر أىٌّ مَن كان على تغيير دور الجيش المصرى، فهو قديم قِدَم الدولة).

وقد كانت أحداث العباسية هى بروفة لتفكيك الجيش وسقوط الدولة بحجة إقامة دولة مدنية وليس عسكرية، وأن يكون هناك مجلس رئاسى من بضعة أشخاص يشتاقون للسُّلطة بحجة تلك المدنية المزعومة وقتها، وتناست هذه القوى السياسية التى دعمت هذا وقتها أن المنادى بالدولة المدنية يسعى لإقامة دولته الدينية، ومع ذلك التيارات التى زأرت لوثيقة الجيش لم تحرك ساكنًا لأرباب دولة المرشد، فى حين وقفت تيارات وأحزاب قليلة للغاية ضد هذا المخطط الإخوانى الجهنمى وشجب أحداث العباسية التى كانت مفتعلة شكلًا وموضوعًا، والضمانات التى كانت تطالب بها القوى السياسية من «الإخوان» وذهب بها د . «أبو الغار، ووحيد عبدالمجيد وآخرون» كانت حلالًا لهم وحرامًا على الجيش الذى كانت ضماناته من أجل حماية الشعب وسيادة الدولة وليس لحماية حزب أو تيار مثلهم خشى أن يختفى من المشهد السياسى لأنه غير مرغوب فيه من الشارع.

 الفقهاء الثلاثون

كان المجلس العسكرى قد اجتمع مع ثلاثين من فقهاء الدستور والقانون يوم السبت 21أبريل 2012م بقاعة الماسة فى هيئة الشئون المالية للقوات المسلحة بشكل غير معلن، وضع خلالها المجلس العسكرى كل الاحتمالات فى حال إذا ما فشلت الاحزاب والقوى السياسية فى تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وماذا لو لم يتم انتخاب رئيس كما هو الجدول الزمنى المحدد؟ وما تأثير قانون العزل على الانتخابات الرئاسية، وما دستوريته وشرعيته؟.

استمر الاجتماع 6 ساعات، وكان من الحاضرين كل عمداء كليات الحقوق بجميع الجامعات المصرية وعلى رأسهم «محمود محمد كبيش، أحمد عوض هندى، جميل عبدالباقى»، ومن المستشارين «عبدالله أبوالعز، محمد الشيخ، تيمور فوزى، مجدى العجاتى، هشام بدوى، وائل شلبى، محمد سعيد أمين، أحمد الزند»، ومن الفقهاء الدستوريين «إبراهيم درويش، عمرو حسبو، ثروت بدوى، يحيى الجمل، أحمد كمال أبو المجد، صبرى السنوسى، رأفت فودة، ثروت عبدالعال، محمد نور فرحات، عاطف البنا»، وحضر من المجلس العسكرى «سامى عنان، ممدوح شاهين، محمود نصر، محمد العصار، أحمد أبو الدهب»، وخلص الاجتماع إلى أن الجمعية التأسيسية للدستور التى لها عوار فى الإعلان الدستورى ما جعل هناك استئثار من أحزاب الأغلبية بالجمعية، وقال الفقهاء إن المادة «٦٠» من الإعلان الدستورى بها صعوبة فى هذا الخصوص، وتم الاتفاق على أن تكون الجمعية المؤسّسة للدستور بها عدد كبير من الفقهاء الدستوريين وتتمثل فيها جميع طوائف الشعب والقوى السياسية والأحزاب بالتساوى دون أغلبية، علاوة على عشرين شخصية عامة تتضمن الشباب والمرأة والمسيحيين، وهو الاقتراح الذى تبناه د. «أحمد كمال أبو المجد»- عضو اللجنة الاستشارية-، الذى قالت به هذه اللجنة من قبل مع المجلس العسكرى، والذى ذهب بصدده «سامح عاشور» إلى مَقر حزب الوفد واجتمع بالأحزاب هناك وعرض عليهم اقتراح الاستشارية، الذى هو فى الأصل رأى لجنة «الفقهاء الثلاثين»، وبعد أن عرض «عاشور» المقترحَ عُقد مؤتمرٌ إعلامىٌّ تم بثه مباشر، إلّا أنه فى اليوم التالى لذلك اجتمع المجلس العسكرى مع الأحزاب، إلّا أنهم قالوا رأيًا مختلفًا عمّا أعلنوه على الشعب عبر الفضائيات، والأكثر أنهم أعلنوا تمسكهم بقرار سابق كان قد اتخذ إلّا أنهم لم ينفذوه ولم يتوافقوا عليه فى يومها.

 رفعت يعترض والبدوى يتملص

قام «السيد البدوى»- رئيس حزب الوفد وقتذاك- بالتملص من الظهور فى المؤتمر الصحفى السابق ذِكْره، وكان المفروض أن يعلن بنفسه ما تم التوصل إليه بصفته صاحب المكان الذى تم فيه استضافة الأحزاب الأخرى وأيضًا كونه الحزب الأكبر والأقدم، وكما كان هو متبعًا فى المؤتمرات السابقة، ولكنه فى هذه المرّة رفضَ لكى يمسك العصا من المنتصف حتى لا يفقد تحالفه مع «حزب الحرية والعدالة» الذى لم يحضر من الأساس كونه معترضًا على رأى اللجنة الاستشارية بالعوار الذى قالت عنه والذى كان يضمن للحرية والعدالة الأغلبية بالجمعية التأسيسية.

المهم أن الذى قام بإلقاء البيان فى المؤتمر السابق بدلًا من «البدوى»، النائب «مصطفى بكرى» الذى حاول إخفاء ذكْر ما لوّح به المشير بإنذاره عن أنه فى حال عدم استجابة القوى والأحزاب السياسية للاتفاق؛ فإنه سوف يستدعى دستور 71م، الذى تم تعطيله حتى لا يترك البلاد فى حالة فراغ دستورى بعد انتخاب رئيس الجمهورية، ولكن الذى أفصح عن هذا الإنذار هو «أحمد الفضالى»- رئيس حزب السلام الديمقراطى-، وكان الاجتماع الأخير السابق ذكْره بين المجلس العسكرى والأحزاب مليئًا بالمفاجآت؛ حيث أعلن «رفعت السعيد»- رئيس حزب التجمع وقتذاك- اعتراضه طوال الاجتماع ولم يعرض حلولًا ولم يظهر فى المشهد الإعلامى كعادته بعد الاجتماع مع المجلس العسكرى، والطريف أن «حزب النور» السَّلفى الذى لم ينضج سياسيًّا بَعد، ظهَر وكأنه يحبو فى ذلك، قام بعرض رأيه الذى كان قد أملاه عليه «حزب الحرية والعدالة» الذى لم يحضر بدوره وأعلن مقاطعته للاجتماع، وتابع الموقف من خلال ذيله الممثل فى «حزب النور» الذى عرض أن يكون نصف الجمعية التأسيسية من أعضاء حزبى الحرية والعدالة والنور، ولوّح كل من «يونس مخيون والسيد خليفة» الحاضريْن عن حزب النور بأنهم سيحددون هم والحرية والعدالة ما يخص نسبة مشاركة كل منهم فى 

الـ 50 ٪ التى طلبوها مع بعضهم البعض.

وفى هذا الاجتماع امتد النقاش لمدة خمس ساعات طلب خلالها المجتمعون من الأحزاب تناوُل الغداء فى المجلس العسكرى، وهو المكان الذى يجتمعون فيه، حتى إن بعض العسكريين تندّر عليهم وقال لهم «ليس المهم الطعام ولكن القرار»، ومع هذا تمت تلبية طلبهم وأحضر المجلس العسكرى لهم وجبة غداء، وهو ما جعل الاجتماع يمتد لـ 6 ساعات، بعدها عُقد مؤتمر صحفى آخر بوزارة الدفاع، ولكن المجلس العسكرى عَلّق عليهم بأن المجلس الاستشارى درايته السياسية عالية ويحدد قراراته فى سويعات قليلة ولا يتناولون إلّا المشروبات.

وقد قال المشير «طنطاوى» يومها: (لن أسمح لكم بأن تجعلوا الجيش يدفع كل يوم ثمنًا «للفَلس السياسى» الذى تعيشه القوى والتيارات السياسية المختلفة التى دائمًا ما تضع أطماعها وطموحاتها قبل مصلحة الشعب، والذين حاولوا مرارًا وتكرارًا التشكيك بأن المجلس العسكرى طامعٌ فى السُّلطة ولا يريد أن يتركها، وتناسوا البيان الخامس للمجلس الذى ذكرنا فيه «يتولى المجلس العسكرى إدارة شئون البلاد ستة أشهُر أو لحين انتهاء انتخابات مجلسَى الشعب والشورى والرئاسة، وكان هذا بَعد أن تضمّن البيان تعطيل العمل بأحكام الدستور السابق، وهو دستور 71م، ووضع إعلان دستورى لتسيير أحوال البلاد؛ خصوصًا بَعد حل مجلسَى الشعب والشورى). وأضاف «طنطاوى» يومها: (إن لو المجلس العسكرى كان طامعًا فى السُّلطة ما كان سيناريو المرحلة الانتقالية يتم على النحو الذى صارت عليه، ولو كانت القوى السياسية صادقة ما استمر المجلس فى إدارة شئون البلاد 18 شهرًا بدلًا من 6 شهور فقط).

 لا.. لدولة الفصائل

كان المشير «طنطاوى» يرفض أن يتحدث أحدٌ على أنه مُعَبر عن فصيل سياسى أو جماعة، وقال لجميع القوى والتيارات السياسية (لسنا دولة فصائل، بل دولة كاملة السيادة لديها أحزاب وليس جماعات)، وحذّر أن يذكر أى منهم فى حضورهم الاجتماعات مع المجلس العسكرى ذكر أنهم جماعة أو تيار كذا، وقال ليس لدينا هذه المسميات، وانسوا أن يسلم المجلس البلاد وهى مقسّمة إلى فصائل أو جماعات متناحرة يكون ضحيتها الشعب المصرى وتغلب المصلحة الخاصة على مصلحة البلاد؛ حيث كان «الإخوان» واليسار والسلفيون يطلقون على أنفسهم «الفصيل كذا..»، وكانت كلمة الفصيل التى تقلق المشير لها دلالة كان كثيرًا ما يعلن تخوفه بسببها؛ لأنه يضمن لهؤلاء دعمًا وتمويلًا خارجيّا، وهو ما تم رصده أثناء الثورة وبعدها لـ«الإخوان»، الذى جاء لهم تمويل عبر حقائب دبلوماسية من قَطَر وتسلمتها من البنك المركزى الأمريكى رأسًا، وهى تمويلات نقدية مقابل تقسيم مصر إلى جماعات وفصائل يمكن بواسطتها تفتيت وحدة مصر وهويتها وتجانسها.

ولكى تثبت بعض التيارات السياسية هذا المعنى فقد أطلقت على الجيش مسمى «القوى الرئيسية»، وإن تلاها فى القوى «فصيل الإسلام السياسى» الذى يرأسهم الإخوان، ثم جاء التيار اليسارى الذى استشعر ضعفه فقال إن «القوى الثالثة هى الشباب»، محاولًا وضْع نفسه فى دور الزعيم والقائد لها ومن خلال عباءتها يضغط ويحصل على ما يريد.