الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. بين الخلل والخبل!

الحقيقة مبدأ.. بين الخلل والخبل!

إذا ما تأملنا الخطاب الإعلامى الغربى فى تناوله للحرب الروسية الأوكرانية نلاحظ أنه يصور العملية العسكرية الروسية وكأنها حرب إبادة تشنها روسيا ضد الأوكرانيين بغية القضاء عليهم والسيطرة على مقاليد السلطة فيها بطريقة أو بأخرى، كما يلاحظ أن هذا الخطاب قد دأب على نعت المواطنين الروس القاطنين فى أوكرانيا بالانفصاليين، ذلك تأسيسًا على كونهم ينتمون بأصولهم وتفكيرهم إلى بلدهم الأم «روسيا»، مع العلم أن هؤلاء يمثلون %40 من تعداد الشعب الأوكرانى كله والذى يبلغ تعداده 53 مليون نسمة.



 

هؤلاء الأوكرانيون يتكلمون اللغة الروسية ويدينون بالمسيحية الأرثوذكسية، بينما الأوكرانيون فى الغرب الأوكرانى يدينون بالكاثوليكية، وعلى الرغم من ذلك نادرًا ما يعير الإعلام الغربى اهتمامًا إلى خطابهم حول الأزمة وإلى التحليل الموضوعى العميق للأسباب الجيوستراتيجية التى يبرر بها الرئيس بوتين العملية العسكرية، إذ اكتفى الغرب بالترديد بأن بوتين أسير للأحلام القيصرية، ومريض بجنون العظمة، ويقارنه مرارًا بهتلر، كما يستضيف الإعلام الغربى أشخاصًا معادين لروسيا وينحازون للجانب الغربى فى التعليق على الأحداث.

ومنذ القدم وتوصف أوكرانيا من قبل الخبراء بأنها «الخاصرة الطرية» لروسيا الاتحادية - إذا خسرت روسيا أوكرانيا لن تكون الخسارة جيوسياسية فقط، بل خسارة لجزء من التاريخ والذاكرة ومكونات الهوية الروسية، وإذا ما خضعت لنفوذ دولة عظمى منافسة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية فقطعا ما ستكون منصة الانطلاق الأخطر إلى قلب روسيا، ذلك فى ظل غياب مانع جغرافى طبيعى بينهم، دخلت روسيا فى سباق عسكرى مفتوح لتحقيق أهدافها الاستراتيجية فى أوكرانيا حتى يتم التوصل سريعا لوقف إطلاق النار فى هذه الحرب بشروطها وأصبحت الشروط الروسية واضحة ومعلنة، ذلك بعد أكثر من جلسة بمحادثات ثنائية مع الجانب الأوكرانى. من هذه الشروط ضمان حياد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى أى تكتل سياسى أو عسكرى.. فى الاتحاد الأوروبى.. وحلف الناتو، ويتبع ذلك بالطبع بأن روسيا لن توافق على وقف الحرب بدون رفع وإلغاء جميع العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. لقد ظلت أزمة الصراع الساخن على أوكرانيا تتصاعد بين روسيا وأمريكا منذ عام 2014 وحتى اليوم، ذلك لأن أوكرانيا تقع على الحدود الروسية من الشرق وحدود دول شرق ووسط أوروبا من الغرب.

من المؤكد أن الروس عندما انطلقوا فى حربهم ضد أوكرانيا كانوا على يقين من أن تكلفتها ستكون باهظة على كافة المستويات «سياسيًا وعسكريا واقتصاديا» لكنهم مع ذلك مضطرون إليها نظرًا لأن الرئيس الأوكرانى الصهيونى «فولوديمير زيلنسكي» أراد الانسلاخ من روسيا والارتماء فى أحضان حلف الناتو والاتحاد الأوروبى، وهو ما يعنى للروس وجود قواعد غربية على حدودهم وازدياد النفوذ الغربى عليها، وما يمثله ذلك من تهديد أمنى خطير لروسيا، الأمر الذى يصعب على رجل مثل الرئيس «بوتين» أن يسكت عليه أو يغض الطرف عنه، كان أمامه خياران، إما أن يقف متفرجًا على الغرب وهو يزحف على بلده ويهدد أمنه ويتركه فريسة للألاعيب والحيل الغربية التى سبقت وتسببت فى انهيار الاتحاد السوفيتى، والخيار الثانى هو التحرك سريعًا ومهاجمة أوكرانيا ونزع سلاحها والحد من قدراتها العسكرية قبل فوات الأوان. دارت عجلات الحرب ومعها انهالت العقوبات فوق رأس الروس، وجمدت الأصول الروسية وأخرج البنك المركزى من محفظة التعاملات الغربية، كما منع الطيران الروسى من التحليق فوق الأجواء الأوروبية والأمريكية، إلى أن اتضح أن روسيا لديها 650 مليار دولار من الاحتياطيات النقدية، ثم تحويل ٪85 منها إلى ودائع بالذهب واليورو واليوان الصينى.. ذلك بعيدًا عن أى عقوبات أمريكية أو أوروبية، كان يمكن للرئيس الأوكرانى «لو امتلك الرشد والحكم» أن يختار حياد بلاده ولو فعل ذلك لجنب أوكرانيا ويلات شراسة الحرب من جارته روسيا القوية المدججة بكل أنواع السلاح، والتى كانت أوكرانيا جزءًا منها، كما أنه لو امتلك حكام حلف الناتو الحكمة والإنسانية والتجرد لنصحوه نصيحة صالحة بعدم إمكانية الانضمام لهذا الحلف، مثلما فعلت بعض دول أوروبا، لكن هؤلاء شجعوا الرئيس الأوكرانى الموالى لهم «صنعتهم» على التقدم رسميًا للانضمام لحلف الناتو وبدلا من الرفض المباشر منهم، يخبرونه بأن الطلب قيد الدراسة، ذلك للمزيد من استفزاز روسيا، بل لاستدراجها، وهذا ما يتردد عالميا، لقد كشفت الحرب بين روسيا وأوكرانيا ومن خلفهما الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا كثيرا من الحقائق التى أخذناها كمسلمات، وباتت أقرب إلى الأساطير عن القوى العظمى وما تستطيع أن تفعله متسلحة بأسلحتها النووية وتكنولوجياتها المتقدمة، تبين من خلال هذه الحرب هشاشة هذه القوى وضعفها.

إن من صدعوا آذاننا وأرادوا أن يعلموا الدنيا حقوق الإنسان هم من أمعنوا فى انتهاكها، وهم يدعمون الجانب الأوكرانى، فحق الغير فى الحياة وحرية الرأى والتعبير ومواثيق الأمم المتحدة التى ساهمت تلك الدول فى وضعها، وزادت عليها بوضع الإضافات تلو الإضافات فوق الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، كل هذا تعرض لأبشع الانتهاكات من قبل نفس تلك الدول، حيث تتغاضى عن القهر والإذلال لكل من هو ليس أوروبيًا أو أمريكيًا، ذلك ما حدث مع الأحداث الأخيرة، حين هرب الأوكرانيون من جحيم الحرب فى أوكرانيا ليلجأوا للدول الأوروبية مثل أى هارب من الحروب فاستقبلوا كلاجئين بمنتهى الترحاب ولم تعتبرهم حكومات أوروبا مهاجرين مثلما فعلت مع السوريين والأفارقة واليمنيين وغيرهم الهاربين من حرب أشعلها الغرب وحلفاؤه فى أوطانهم، خلاصة القول: إن هذا التمييز هو تمييز عنصرى بمعنى الكلمة، إن العنصرية والمعايير المزدوجة ظهرت جليًا دون أى مساحيق تجميل، حيث الفضاء السيبرانى بتعليقات من جميع أنحاء العالم الغربى تصف فيها أن ما حدث فى أوكرانيا واللاجئين المتدفقين إلى دول جوارها بتعليقات «عنصرية» بأن هذه أوروبا وليست دولا فى الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا - «هؤلاء بيض البشرة وشقر وذوى عيون ملونة ويشبهوننا» - كيف يحدث لهم ذلك؟ أيضًا جاء الجيش البولندى إلى الحدود مع أوكرانيا ليكونوا فى استقبال الأوكرانيين وهو مزود، ليس بخراطيم المياه والأسلاك الشائكة كما فعل مع اللاجئين السوريين والعراقيين الفارين من نيران الحرب فى بلدانهم، قابل الجيش البولندى الأوكرانيين البيض وأوقف البعض من أصحاب البشرة السمراء بالرغم من أن بعضهم كان يحمل جواز السفر الأوكرانى، قابل الجيش الوجوه البيضاء بالترحاب مصحوبًا بالمأكل والمشرب والملبس والدواء والإيواء، أما الفارون الآخرون سواء الأفارقة أو الآسيويون حجزوا وردعوا وبلغ الأمر حد الاعتداء عليهم بالضرب لمنعهم من اجتياز الحدود، هذه ليست تصرفات فردية بل سياسات لحكومات ترفع لنا يافطات حقوق الإنسان والحرية، هنا أتساءل هل حرك العالم ساكنًا وهو يرى على الشاشات الأبراج السكنية فى غزة تدك بالصواريخ الصهيونية؟ هل فرض أى عقوبات على الكيان الصهيونى الذى يحتل أرضًا فلسطينية منذ أكثر من 54 عامًا رافضًا تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟

هل تحرك العالم الحر لإجبار الصهاينة بوقف الاستيطان وقتل البشر والتنكيل والسجن لكل فلسطينى يعارض ويقاوم هذا المحتل الصهيوني؟

هل حرك العالم ساكنًا وهو يرى كل هذا؟ بالطبع لا ولم يفرض على الكيان الصهيونى طوال مدة الاحتلال وحتى يومنا هذا ولم يطبق عليه أى عقوبات.

ما حدث كان وازعًا لرئيس وزراء باكستان عمران خان بأن يرد على مطالب الغرب له فى رسالة موجهة من الدول الأعضاء فى حزب الناتو بالتصويت لصالح القرار الذى يدين العدوان الروسى على أوكرانيا. رد عليهم وهل فعلتم نفس الشيء عندما قامت الهند بضم كشمير إليها فى مخالفة صريحة لجميع قرارات الأمم المتحدة؟

.. تحيا مصر.