الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. الإصلاح لا يعنى وجود فساد.. الكنيسة المصرية فى طريق التطوير والتجديد والتحديث!

مصر أولا.. الإصلاح لا يعنى وجود فساد.. الكنيسة المصرية فى طريق التطوير والتجديد والتحديث!

فى 27 نوفمبر 2021 كتبت مقالاً على صفحات مجلة «روزاليوسف» بعنوان (من يملك عصا الإصلاح.. بعد 9 سنوات على البابا تواضروس الثانى!). ولم أكن أتصور فى البداية أن يكون هذا المقال بداية لمقالات أخرى، ولكن التفاعل الذى وجدته من البعض من رجال الدين وغيرهم.. سواء بالاتفاق أو الاختلاف مع ما كتبته.. جعلنى أتناول العديد من ملفات الإصلاح الكنسى بشكل أكثر دقة وتفصيلاً. وهو الأمر الذى وصل بالمقالات إلى سلسلة من 13 جزءاً.. هذا المقال الأخير، يمثل خلاصة سيناريوهات  الحلول للملفات والقضايا التى تناولتها مع بعض التطوير لبعض الأفكار.



 

 فى مجال التعليم الكنسى..

لا يمكن فصل النقاش بين تجديد الفكر الدينى والتعليم الدينى بمناهجه ومدارسه المتعددة. والحديث عن التعليم الدينى المسيحى هو حديث معقد جداً لكونه ملفًا قليل التناول. والتحدى هو كيف يمكن لخريجى التعليم الدينى أن يكون لديهم معرفة حقيقية بالأديان المتعددة سواء السماوية أو الفلسفية؟ والقدرة على تحديد المساحات القيمية المشتركة التى يمكن أن تكون أساسًا للحياة المشتركة المرتكزة على التسامح والحوار والتعاون وقبول الاختلاف والحق والعدل والمساواة، ونبذ العنف والتمييز والتنمر والتطرف والتشدد والإرهاب.

تبدأ نهضة الكنيسة من إصلاح أحوال الرهبنة سواء من النواحى التعليمية للعلوم الدينية أو غيرها، وأيضاً بتوظيف التكنولوجيا والعلم الحديث لمواكبة العصر فى إنتاج فكر دينى متجدد. ومن الممكن فرض شروط جديدة لطالبى الرهبنة لتحقيق تحصيل علمى أعلى فى تخصصات تخدم الرهبنة والتعليم المسيحى. وأذكر أن تقنين وضع الأديرة واستحداث الجديد منها من خلال قانون واضح على غرار قانون تنظيم بناء وترميم الكنائس الذى أصدرته الدولة المصرية حفاظًا على قدسية الدير هو مطلب ضرورى. والمطالبة بالتسجيل القانونى لزى الكهنوتى والرهبانى على غرار زى رجال الأزهر الشريف ورجال الجيش والشرطة.

ولذا لا بد من وجود قانون للتأديبات الكنسية، والذى يعد بداية حقيقية لإصلاح أحوال رجال الدين المسيحى حتى لا يكونوا تحت رحمة اجتهادات فردية.. على اعتبار أنه من حق كل من يقع عليه الاختيار ليكون ضمن رجال الكنيسة.. أن يكون على علم بالتجاوزات أو الأخطاء التى يمكن أن تعرضه للتأديب الكنسى، وطرق النقض والدفاع عن نفسه بشكل عادل حتى لا نترك الاتهامات دون وجود معايير حاسمة.

 فى مجال التطوير المؤسسى..

التفعيل حقيقى لـ «لائحة مجالس الكنائس فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية» الصادرة فى شهر يونيو 2013 بمراجعتها وتعديلها وتطويرها للأفضل لأنه بكل تأكيد لا أعتقد أن الكنيسة تهدف إلى إصدار لائحة لا تريد تطبيقها، أو تطبيقها بشكل فاشل، أو عدم احترامها عند تطبيقها.

الكنيسة المصرية هى مؤسسة دينية ضمن أهم مؤسسات الدولة المصرية، ولكنها لا تتبع مالياً الجهاز الحكومى، ولا وجود لها فى الموازنة العامة للدولة. وهو ما يعنى أهمية تطويرها وضبط أداء عملها المالى من الداخل. ومن هنا تأتى أهمية وجود كيان منتخب على غرار «المجلس الملى» رغم تحفظى على اسمه ليقوم بهذا الدور حتى لا تترك الأمور المالية والإدارية تحت تصرف كل كنيسة أو دير على حدة، وحتى يكون هناك نظام معمم للمرتبات والتأمينات الاجتماعية والصحية للعاملين داخل الكنيسة بداية من الكهنة.. وانتهاء بعمال النظافة والحراسة.

ومن ضمن الإنجازات المهمة هو استعادة الكنائس المصرية لأوقافها.. فهى خطوة إيجابية فى سبيل تحقيق منظومة المواطنة المصرية، ولكن يبقى على الكنيسة القيام بدورها فى مركزية الاستفادة من الأوقاف بشكل عام، والقضاء على فكرة الجزر المنعزلة والمنفصلة فى قيام كل إيبارشية فى إدارة الأوقاف داخل نطاقها الجغرافى.

من هنا، تأتى أهمية وجود مجلس متطور بشكل جديد للمجلس الملى باعتباره قناة الاتصال المدنية المنتخبة فى علاقة الكنيسة بالدولة، ومع مراعاة وجوب تعديل اسمه ليصبح مجلسًا حقيقيًا للعلمانيين المسيحيين المصريين.. ومن شأنه متابعة المدارس والمستشفيات والملاجئ والأوقاف والأطيان التابعة للكنيسة.

 فى المجال الاجتماعى..

يحسب لمقترح مشروع «قانون الأسرة للمسيحيين» العديد من الإيجابيات التى حسمت العديد من المشكلات والأزمات. وفى مقدمتها مخاطبة المعنى بهم القانون بالاسم بشكل يتطابق مع منظومة المواطنة المصرية بعد ثورة 30 يونيو. ومن أهم الإيجابيات أن القانون قد حدد الطوائف المسيحية المعترف بها، وهى: الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية وغيرها. إن إصدار قانون الأسرة للمسيحيين هى خطوة غير مسبوقة.. تشكل اجتهاداً لاهوتياً واجتماعياً مسيحياً يتواكب مع المنظومة القانونية للدولة المصرية. وبصدوره لن يكون هناك احتياج للمجلس الإكليريكى للأحوال الشخصية بشكله التقليدى القديم.

تمثل جمعيات المجتمع المدنى القوة الناعمة الشعبية المصرية. ولقد كان للجمعيات المسيحية المصرية تاريخ  الريادة فى الاهتمام بالفن القبطى (الرسم والأيقونات والخزف والخشب)، والموسيقى القبطية (الألحان)، والآثار القبطية، والعمارة القبطية. كما كان لبعضها دور فى إصدار الإنتاج الفكرى المسيحى المصرى من مؤلفات لاهوتية وتراثية مقدرة. كما كان لبعضها دور وطنى فى دعم الثورات المصرية على غرار ثورة 19. وقبل ذلك كان لبعضها الريادة فى التعليم والتنمية.

 فى المجال الوطنى..

لا يوجد شخص محدد يتكلم باسم المواطنين المسيحيين فى مصر. وفى المسيحية يُمثل البابا رأس الكنيسة، حيث يعاونه العديد من الأساقفة الذين يشكلون فى مجملهم «المجمع المقدس» الذى يقوم بدور السلطة الدينية العليا للكنيسة وللمواطنين المسيحيين المصريين، وبالتالى فالسلطة هنا هى سلطة دينية فقط، وليست سلطة سياسية أو ثقافية أو اجتماعية. وهو الأمر الذى تجلى بوضوح بسبب قيام الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو العظيمة وفى جمهوريتها الثانية على استيعاب المواطنين المسيحيين المصريين.. وعدم اختزالهم فى كنيستهم.. لتعود الكنيسة إلى دورها الروحى، ولتعود الدولة كمظلة لجميع مواطنيها المسيحيين والمسلمين.. وليعود المواطنون المسيحيون المصريون إلى الاندماج فى منظومة المواطنة المصرية الحقيقية دون تهميش أو استبعاد أو إقصاء أو تمييز أو تنمر.. وتكون الدولة هى المعبرة عن هموم المواطن المصرى وليس مؤسسته الدينية.

العلمانيون داخل المؤسسة الدينية ليسوا مكوناً ثانوياً، بل هم مكون أساسى وثابت. كما أنهم أيضاً يمـثلون صمـام الأمان لعـلاقة المؤسسة الكنسية بالدولة أى علاقة الدين بالمجتمع وبالسياسة، فمن شأنهم أن يقوموا بدور الوسيط المحايد الذى يميل إلى الاعتدال والوسطية.. فى ظل الأزمات وفى ظل التغيرات المجتمعية المتلاحقة، بحيث يمثلون معاً وجهين لعملة واحدة لكل منهما خصائصه المميزة له، والدور الذى يجب أن يقوم به كلاهما. وبالتالى، يجب أن يكون اعتماد الكنيسة على العلمانيين المسيحيين المصريين من خلال من يمثل منهم «أهل الكفاءة والخبرة»، وليس «أهل الثقة» الذين يطيعون طاعة عمياء، تضر أكثر مما تنفع.

لاحظت أنه فى السنوات الأخيرة، أصبح للعديد من القيادات الكنسية محبون وداعمون ومدافعون عن قراراتهم ومواقفهم من خلال الترويج لما ينشر على الصفحات الرسمية لهم، ولكن لم يمنع ذلك من ظهور «الوكلاء» تلك الظاهرة التى تعانى منها الكنيسة المصرية الآن وهى الظاهرة التى انتشرت الآن بشكل واسع رغم وجودها من سنوات طويلة بسبب وسائل التواصل الاجتماعى والميديا الجديدة.. لكون هؤلاء الوكلاء قد أعطوا لأنفسهم مساحات كبيرة باعتبارهم الأكثر حرصاً وخوفاً على استقرار الكنيسة ومكانة رجالها بالرفض المطلق لأى نقد للمؤسسة أو أى مراجعة للقرارات والإجراءات.

نقطة ومن أول السطر..

حديث الإصلاح الكنسى هو حديث التطوير والتجديد والتحديث للأفضل فيما يخص سيناريوهات مستقبل الكنيسة المصرية العريقة فى مواجهة التحديات والمتغيرات، ولا علاقة له بالفساد أو الانحراف أو التقصير سوى فى العقول المتشددة والمتطرفة التى تتعامل مع الإصلاح باعتباره من المحرمات.