السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فى الذكرى الـ«60» للأزمة.. التاريخ يعيد نفسه «كوبا» شوكة روسيا فى ظهر أمريكا

تستمر الأزمة بين روسيا وأوكرانيا فى احتلال صدارة المشهد العالمى فى الآونة الأخيرة، فيما دخلت كوبا على خط الأزمة مؤخرًا معلنة دعمها الكامل لموسكو وهجومها العنيف على الغرب بتصريحات لوزير خارجيتها، برونو رودريجيز باريلا الذى قال إن الحكومة الكوبية تعتبر اتهامات واشنطن لروسيا بشأن المسائل الأمنية «هستيريا دعائية» وبأن بلاده تعارض توسع الناتو إلى حدود روسيا التى وصفها بالبلد الشقيق.



جاء ذلك خلال زيارة نائب رئيس الوزراء الروسى يورى بوريسوف إلى هافانا الأسبوع الماضى، حيث التقى بنظيره الكوبى الذى أعرب عن تضامنه مع موسكو فى مواجهة «حملات التضليل والحرب الدعائية المستمرة» للولايات المتحدة، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الكوبية.

كما عبر الرجلان عن رغبتهما فى «مواصلة توسيع التعاون الثنائى فى كل المجالات» بين كوبا وروسيا ولا سيما فى مجالات النقل والطاقة والصناعة والخدمات المصرفية والمالية.

وشكر نائب رئيس الوزراء الكوبى موسكو على «الدعم المستمر والتضامن» مع كوبا خلال جائحة كوفيد-19، بما فى ذلك إرسال خمس طائرات محملة مساعدات طبية، فضلاً عن قارب يحمل دقيق القمح يتوقع وصوله قريبًا. وقبل شهر، تحدث الرئيسان الروسى فلاديمير بوتين والكوبى ميجيل دياز كانيل هاتفيًا، وبحثا تعزيز «الارتباط الاستراتيجى» بين البلدين.

التاريخ يكرر نفسه

وبينما يحتشد عشرات الآلاف من الجنود على الحدود بين روسيا وأوكرانيا تمهيدًا للغزو المزعوم، سادت خلال الفترة الأخيرة تكهنات تتحدث عن أن التاريخ قد يكرر نفسه باحتمالية قيام موسكو بإرسال صواريخ قادرة على حمل رءوس نووية إلى كوبا، الحديقة الجنوبية للولايات المتحدة الأمريكية، واستعادة سابقة أزمة خليج الخنازير فى كوبا قبل 60 عامًا، عندما نصب الاتحاد السوفيتى صواريخ تحمل رءوسًا نووية على الأراضى الكوبية، الأمر الذى اعتبرته آنذاك الولايات المتحدة تهديدًا لأمنها القومى،  وكاد أن يجر العالم لحرب عالمية ثالثة نووية يمكن أن تؤدى إلى فناء العالم، ولكن جرت تسوية بين الدولتين تقضى بسحب الصواريخ الروسية من كوبا، مقابل سحب الصواريخ الأمريكية من تركيا.

علاقات استراتيجية 

التكهنات بشأن احتمالية نشر موسكو صواريخ فى كوبا تلك الجزيرة الواقعة فى البحر الكاريبى والتى تبعد نحو 90 ميلاً فقط عن ساحل ولاية فلوريدا الأمريكية، ترجع لاعتبارات عدة أبرزها: أولاً: العلاقات القوية التى تربط بين كل من موسكو وهافانا على جميع المستويات.

فموسكو التى كانت أكبر مؤيدى هافانا فى عهد الاتحاد السوفيتى، تجمعها اليوم بكوبا علاقات سياسية واقتصادية، يصفها كبار قادة البلدين بأنها استراتيجية، وقد تعمقت فى السنوات الأخيرة، مع استثمارات روسية قوية فى العديد من القطاعات الحيوية للاقتصاد الكوبى.

كما تتضح أيضًا مظاهر العلاقات القوية بينهما من خلال الدعم الروسى القوى للحكومة الشيوعية فى كوبا وللنظام الموالى لها فى فنزويلا والتى تخضع هى الأخرى للعقوبات الأمريكية. 

وكانت روسيا قد حذرت، العام الماضى الولايات المتحدة من التدخل فى شئون كوبا، بعد أن أعرب الرئيس الأمريكى جو بايدن عن دعمه للاحتجاجات غير المسبوقة التى شهدتها كوبا منتصف العام الماضى على إثر الأوضاع الاقتصادية المتردية فى البلاد.

كما زادت روسيا صادراتها النفطية إلى كوبا بنحو أربعة أضعاف فى الأشهر الستة الأولى من العام 2019، فى خضم أزمة نقص فى المحروقات تعانى منها الجزيرة الشيوعية، تُحمل هافانا مسئوليتها للعقوبات الأمريكية. 

أكبر قاعدة تجسس 

وقبل ذلك بخمسة أعوام اتفقت كل من موسكو وهافانا على إعادة افتتاح قاعدة «لورديس» المغلقة منذ 2001، حيث تم التوصل إلى الاتفاق خلال زيارة الرئيس بوتين إلى هافانا خلال عام 2014. وكانت روسيا أغلقت قاعدة التنصت فى جنوب هافانا بأوامر من بوتين لتوفير الأموال وإثر تقارب مع الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، ولكن منذ ذلك الحين أظهرت موسكو اهتمامًا بأمريكا اللاتينية وبكوبا حليفتها خلال الحرب الباردة، كما أن علاقتها مع الغرب بدأت بالتدهور جراء الأزمة الأوكرانية.

وقد أنشئت القاعدة فى 1964 بعد أزمة الصواريخ الكوبية للتنصت على الولايات المتحدة. وكانت تعتبر القاعدة العسكرية السرية السوفيتية الأكبر فى الخارج، إذ كانت تضم ثلاثة آلاف موظف وتبعد عن الساحل الأمريكى 250 كلم. وكانت القاعدة تستخدم للتنصت على الإشارات الآتية من الغواصات الأمريكية والسفن والأقمار الاصطناعية.

تعزيز موقع روسيا الدولى

وقبيل توقيع الاتفاق كانت روسيا قد وافقت على إلغاء 90 بالمائة من ديون كوبا التى تعود إلى الحقبة السوفيتية وتبلغ فى مجموعها 32 مليار دولار، حيث كانت تدفع لكوبا 200 مليون دولار سنويًا لاستئجار القاعدة خلال سنوات عملها الأخيرة. وصرح المسئول السابق فى جهاز الاستخبارات الروسى فياشيسلاف تروبنيكوف للإعلام: إن من شان القاعدة أن تعزز موقع روسيا الدولى. وأضاف أن لورديس منحت السوفييت القدرة على مراقبة الغرب كله، موضحًا أنه «بالنسبة إلى روسيا، التى تقاتل من أجل حقوقها وموقعها فى المجتمع الدولى، فلن تكون (القاعدة) أقل أهمية مما كانت عليه بالنسبة للاتحاد السوفيتى». 

الردع المتبادل 

ثانيًا: التلويح الروسى بإمكانية نشر صواريخ روسية فى كوبا وفنزويلا ردًا على رفض واشنطن وحلفائها الغربيين مطالب الكرملين حول أوكرانيا، والتى لاقت مزيجًا من التجاهل والتحفز فى الولايات المتحدة، حيث حذر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، خلال الأزمة الأوكرانية الراهنة، من اتخاذ إجراءات عسكرية إذا استمر استفزاز الغرب، كما أنه أشار عام 2019 إلى إمكانية نشر سفن حربية روسية تحمل صواريخ «زيركون الهايبرسونيك» فى المياه الدولية قرب الشواطئ الأمريكية. 

وقد اعتبر مراقبون أن التصريحات الروسية الأخيرة، لها العديد من الدلالات الرمزية القوية، والتى تكمن فى سعى موسكو إلى توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أنها قادرة على مضاهاة تهديد واشنطن العسكرى لها فى عمقها الاستراتيجى، من خلال تعزيز روسيا حضورها العسكرى والأمنى فى الفناء الخلفى للولايات المتحدة، وهو ما يعنى تهديد أمنها القومى وتحدى نفوذها التاريخى فى أمريكا اللاتينية، مما يعكس رغبة روسيا فى تشكيل ما يمكن وصفه بـ «التأثير الرادع المتبادل» على واشنطن، وذلك لمواجهة ما تُعده تدخلًا أمريكيًا فى فنائها الخلفى، وتحديدًا فى أوروبا الشرقية، خاصة فى ظل التحركات الأمريكية الأخيرة الداعمة لأوكرانيا. 

تهديد بضربات ساحقة

فى هذا الإطار تحدثت مجلة «ماليتارى ووتش» الأمريكية عن أن الوجود الدائم للوحدة العسكرية الروسية فى كوبا أو فى بلدان أخرى من أمريكا اللاتينية يهدد الولايات المتحدة وشركاءها بمتاعب خطيرة. 

وذلك بعد أن اعترفت وزارة الخارجية الروسية خلال الفترة الأخيرة بإمكانية نشر أسلحة روسية فى أمريكا اللاتينية ردًا على توسع الناتو شرقًا. وأشار خبراء مجلة «ماليتارى ووتش» إلى أنه حتى الاتحاد السوفيتى كان له وجود عسكرى كبير فى كوبا، والآن أصبحت عودة القواعد الروسية مرة أخرى موضوع نقاش. 

وأوضح المحللون: «إن الوجود الروسى فى كوبا سيضع مزيدًا من الضغط على الولايات المتحدة، لأنه سيفتح إمكانية التسليم السريع للأسلحة النووية إلى الأراضى الكوبية، وهذا تهديد خطير على البر الرئيسى الأمريكى. 

واتفق الخبراء على أن ظهور منشآت عسكرية فى كوبا يمكن أن يردع الناتو بشكل أكثر فاعلية مما كان يمكن لروسيا أن تفعله على طاولة المفاوضات. 

انطلاقًا من ذلك، يذهب بعض المحللين إلى أنه مادام لكل حرب لاعبون مؤثرون وغير مؤثرين، فإن دورًا محتملًا لدولة كوبا بدأ بالتشكل مع التصريحات الدبلوماسية الأخيرة الداعمة بشدة لموسكو من هافانا، وسط احتدام المواجهة بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا، وحشد موسكو الآلاف من قواتها المقاتلة على الحدود الأوكرانية، رغم نفيها المتواصل لذهابها إلى الحرب مع كييف.

وتدعم وجهة النظر هذه، مساعى موسكو خلال السنوات الماضية لتعزيز حضورها العسكرى فى نصف الكرة الغربى نظرًا للأهمية الجيواستراتيجية لمنطقة أمريكا اللاتينية بفعل قربها الجغرافى من الولايات المتحدة الأمريكية.