السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مأســــــاة.. منى.. والطراوى

مأســــــاة.. منى.. والطراوى

.. ذات يوم فى عام 1984 إذا لم تخنى الذاكرة.. اتصل بى الجميل المنتصر بالله.. وقال: وأنا فى طريقى إلى المسرح سأمر عليك لنذهب سويًا.. فقد كانت هناك مناسبة سيحتفل بها فريق مسرحية «علشان خاطر عيونك» فى بيت الجميلة الراحلة سهير البارونى.. وجاء المنتصر وذهبنا إلى وسط البلد وترك سيارته فى الجراج وقطعنا طريقًا طويلاً استغرق ربع ساعة على الأقدام، وقبل أن نصل إلى المسرح بخطوات معدودة.. وجدت شبحًا يطير فى الفضاء ويستقر فوق أكتاف المنتصر بالله وصراخًا مستمرًا. و«مونتى».. «مونتى».. الصوت كان عذبًا.. محببًا للأذن والشكل كان مقبولًا، ولكن صاحبته فى حاجة إلى البقاء فى مسمط بلدى لكى تسترد عافيتها..



 

 فقد بدت لى هذه الفراشة الطائرة وكأنها مصابة بالجفاف.. واكتشفت خفة دم منقطعة النظير.. وأنا أسأل عنها.. مين الشبح الطائر ده؟ فقالت: بكره ح تعرف أنا أبقى مين.. وقال المنتصر بالله: دى حنونة.. حنان ترك والله يا سعدنى ح تبقى نجمة المستقبل.. وما هى إلا سنوات قليلة وتحققت نبوءة المنتصر بالله.. وشقت حنان ترك طريقها نحو القمة واستقرت عليها ولم يتغير  فيها شىء على الإطلاق. احتفظت بخفة الفراشات وبصوتها الذى يشبه لحنًا حزينًا يخترق كل الجدران ليصل إلى سويداء القلب.. راقبت هذه البنت الجميلة التى تسكنها موهبة شيطانية تستطيع أن تتلون وتتحول وتجسد ما شاء لها من نماذج بشرية.. ومع هذه المعجونة بالموهبة.. انطلقت بنت أخرى ضحكتها تشبه ضحكة عبدالحليم حافظ في سحرها، فإذا ابتسمت لا تدرى لماذا تدخل السعادة على كيانك بأكمله.. وإذا مثلت تجذبك بصوت امتزجت فيه البهجة مع الأحزان فى عصير غير مسبوق.. إنها منى زكى التى شعرت منذ إطلالتها الأولى أنها أقرب البشر إليها.. إنها متواجدة فى حياتنا كلنا.. وبأشكال متعددة.. فهى الحبيبة التى تجلب الألباب وتتعلق بها النفوس فلا تجد مفرًا من الاقتراب منها.. وهى الأخت بحنان مشع وعاطفة جياشة.. وهى الصديقة التى ربما تكون أجدع من عشرات الرجال.. والحق أقول أنى وجدت نفسى ميالاً لمنى زكى مدهوشًا برحلتها الفنية بأكملها منبهرًا بهذا التراكم من الشخصيات والأنماط البشرية والأدوار التى لعبتها منى.. وكنت أمنّى النفس بالآمال بأن يستمر هذا الثنائى الرائع.. فى مسيرة العطاء فلا يمنعه مانع من التألق ومن المنافسة التى تقضى إلى الأجمل والأرفع والأنفع.. ولكن حنان ترك فجأة وبدون مقدمات قررت الانسحاب من السباق وتركت منى تمضى وحدها وتنافس نفسها وتواصل رغم ذلك تألقها المعتاد، والحق أقول إننى متابع فوق العادة لكل إنتاج هذه الصغيرة الحجم الرائعة الموهبة.. حتى جاءت الكارثة الكبرى عبر النتفليكس لعنة الله عليها.. تسببت فى إحداث ثورة ليس لها حدود على حبيبتى وصديقتى وأختى وزميلتى التى عشت معها عبر سلسلة إبداعها سنوات طويلة لا حصر لها ومتعة تكاد لا تحدها حدود فى هذا المشهد الذى نعرفه جميعًا سقطت أسطورة منى زكى.. فأيًا كانت الأسباب والمبررات أنا لا أقبل لهذه الفنانة التى ملكت عقولنا وقلوبنا عبر اختيارات هى الأفضل وأداء هو الأروع أقول: كيف يتسنى لهذه المبدعة أن تقبل بهذا الدور.. وأنا هنا لا أدعو إلى رقابة على الفنون، ولست من هواة الانغلاق والانبعاج والانشقاق وكل المسميات الهبلاء التى يطلقها بعض مدعى الحريات.. فنحن من نعيش فى مجتمع لا يزال يتحصن بالخير ولا تزال تحكمه مبادئ وقيم وتقاليد يقبل كل ما هو جديد، ولكن من خلال إشارات أو إيماءات كانت كفيلة بأن تخلع أى ممثلة حتى ملابسها، ولكن دون أن نرى شيئًا منها على الشاشة. فهذه ليست مهنة الفن أن تدخل إلى مناطق نخجل أن نشاهدها فى جو أسرى.. ومنى من الفنانات اللاتى تعاقدنا معهن على كل ما هو جميل، منذ إطلالتها الرائعة فى «صعيدى فى الجامعة الأمريكية» فهى تحولت إلى عنوان للجودة، بل علامة تجارية عليها.. وبالطبع ما قدمته منى فى هذا العمل لا يندرج تحت هذا البند، بل إن على منى زكى ألا تسعى للدفاع عن هذا الخطأ البشع الذى ارتكبته بقدر ما أدعوها للسعى إلى الاعتذار لجمهورها العريض عما جرى فى هذا الفيلم الكارثى، وأتمنى ألا يخرج عليّ أحدهم مدافعًا عن الحريات والإبداع والذى هو لا تحده حدود وليس له سقف وإلا فإننى أطالب هذا البيه تحديدًا أن يشرح لنا ما هى العبقرية فى مشهد خلع الملابس الداخلية.. ويا ترى إذا تطور بنا الحال.. هل سنرى فى مستقبل الأيام ما شخصية هذه الملابس باعتبار سعادتك حارسًا على الحريات والإبداع.. الحق أقول من يتصدى للدفاع عن هذه الأفعال هو بالتأكيد باحث عن الشهرة أو التريند أو الاختلاف، وهذا الشخص سقط فى نظرى تمامًا كما تسقط ورقة التوت، فقد تعرى هو الآخر ولم يعد لما يقول أى قيمة ولا هدف ولا فائدة.

وأعود إلى منى زكى وأقول: يا منى أنت أصبت أحد عشاق شخصك وفنك وهو شخصى الضعيف بكارثة ربما لم أوفق معها حتى هذه اللحظة.. كل ما أتمناه.. أن تعود منى زكى  فارسة الأحلام.. المشعة كما الشمس التى تكرس موهبتها فيما يفيد الناس أو يسعدهم أو حتى يملأ أوقات فراغهم وهو أضعف درجات الفن.

عودى كما عودتنى أنا شخصيًا.. ونفس الدعوة أرسلها إلى هذه الفراشة التى التقيت بها ذات مساء عام 1984 تطير فى الهواء لتستقر على أكتاف المنتصر بالله.. والتى توقعت أيامها أنها سوف تخترق الحواجز.. وقد كان ولكن يا ميت خسارة الحلو ما يكملش.  

 

الطراوى

كان معرض محمد الطراوى فى دار الأوبرا المصرية كل عام هو ملتقى المبدعين فى مصر وزوار مصر.. فقد انتشر محمد الطراوى بفضل إبداعه فى أنحاء العالم العربى، وأصبح أفضل رسام «واتر كلر» فى الوطن العربى بأسره.. فى معرض الطراوى الأخير لم أستطع الحضور بفضل الكورونا التى انتشرت برعبها فى أنحاء المحروسة وهى بالنسبة لى ليست مرضًا عاديًا، ولكنها مرض قاتل.. فأنا مريض حساسية وسبق أن أصبت مرتين بها وأسأل الله أن ينجينا من شرورها.. ولكن منذ عدة أعوام قليلة.. حضرت معرض الطراوى والحق أقول إنه تحول إلى ندوة ثقافية اجتمع فيها أساتذتنا الكبار الذين تعلمنا منهم فنون المهنة أستاذنا الطيب الودود لويس جريس الذى أخذ بيد الجيل الذى أنتمي إليه، وكان صاحب فضل لا يمكن إنكاره والأستاذ والمعلم الرائع مفيد فوزى.. والذى ينير الأمكنة حتى وإن ظل صامتًا.. وجمال هلال الرسام الذى تخرج فى مدرسة عماد تاج الرأس جمال كامل.. والزملاء الأفاضل عصام طه ونبيل صديق ولمحت من بعيد أحد الرجال الذين أعتز بهم وإن لم يسعدنى الحظ بلقائهم إلا فى معرض الطراوى، إنه ابن المؤسسة الأكثر انضباطًا فى حياتنا اللواء محمود خلف الرجل الذى أتابع كل لقاء تليفزيونى له ومعه عمنا سمير فرج.. فهما معًا.. عند التصدى لأى موضوع مهما بلغت درجته التعقيدية.

ستجد نفسك تستمع إلى متحدث يعلم جميع التفاصيل ويدرك الأبعاد كلها.. والأجمل يشرحها بطريقة تجعل الأمى مثله مثل المثقف يفهم تمامًا المشكلة التى كادت تبدو عويصة على الفهم.. وأقول كانت معارض أخونا الجميل الطيب القلب الرفيق المشاعر محمد الطراوى ندوة ثقافية يحضرها الكبار علمًا وثقافة يتناقشون فى أمور الحياة والسياسة والثقافة والفنون، وقد آلمنى أن محمد طراوى تعرض لأزمة صحية خطيرة استدعت دخوله المستشفى وبعد فحص وتحاليل وأشعات تقرر نقله من المستشفى الخاص إلى معهد ناصر، حيث يتوافر هناك العلاج وهنا ينبغى أن أذكر بالخير.. عددًا من الزملاء وأصدقاء العمر.. فى مؤسسة هى الأعجب والأمتع والأكثر اتساعًا بما تنتجه من مواهب مؤسسة روزاليوسف.. أود أن أتوجه بالشكر إلى الزميل الكبير ابن روزاليوسف كرم جبر الذى وعد وأوفى وقرر صرف الحد الأقصى لسرعة إنقاذ زميل له فى القلب مكانًا غاليًا.. ونفس الأمر وجدته لدى الغالى العزيز عبدالصادق الشوربجى، وهو أيضًا أحد المواهب التى أفرزتها تجربة الإدارة فى مؤسستنا، وقف عبدالصادق ذات الموقف الذى عهدناه منه كلما تعرض زميل لمرض أو حادث، وهو أمر ليس بجديد على الزميلين الكبيرين، ولكن تكلفة العلاج تعدت هذه المبالغ مع الأسف، وينبغى أن أذكر دور النقابة، وعلى وجه التحديد الزميل المتحرك كما النحلة التى لا تهدأ على الإطلاق الصغير فى السن الكبير فى العطاء أيمن عبدالمجيد.

أقول رغم كل هذه الدفعات من الزملاء الأفاضل لم تستطع توفير سوى نصف المبلغ المطلوب، وبمجرد أن استمع إلى هذا الأمر الوزير الفنان فاروق حسنى تكرم بسداد المبلغ المتبقى دون دعاية ولا إعلان، وهو أمر يبقى علينا أن نشكر عليه هذا الفنان الرائع والإنسان الراقى.. لقد كان من دواعى سعادتى أن تعرفت على فاروق حسنى بعد الثورة «المباركة» واقتربت من الرجل كثيرًا فاكتشفت أننى أمام خبيئة إنسانية تحوى كنوزًا يندر أن تتوافر فى هذا الزمان.. وجدت فاروق حسنى بعدد ميزات وهبها المولى عز وجل للطراوى باعتباره أفضل رسام «واتر كلر» فى عالمنا العربى بأسره.. واكتشفت أن فاروق حسنى لا يزال يتابع هؤلاء النبهاء الذين تزخر بهم صحافتنا من أمثال محمد الطراوى.. وقد كانت لمكالمة فاروق حسنى لمحمد الطراوى وقع السحر على الطراوى وهو يمر بمرحلة صحية حرجة.