السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كيف ولماذا؟ حكـــم السيسى مصـــر «قناص العيون» مَن يكون؟ "4"

كيف ولماذا؟ حكـــم السيسى مصـــر «قناص العيون» مَن يكون؟ "4"

قبل أن أغلق ملفَّ وزارة الداخلية وما حدث لها فى هذه الأيام المؤلمة، هناك قصة واجب علىَّ أن أكشفها لنعرف مدَى القسوة التى عشناها فى أحداث 2011م، عندما يكون الفاعل من أبنائك ارتضى لنفسه أن يكون صنيعة قوى خارجية فيقوم بقتلك بقلب جامد ودم بارد، ويتزامن هذا الحدث مع أبشع مواقف مرّت علينا، ولكن للأسف لا تزال مستمرة، إنها «الشائعات» التى انتشرت بصورة مرعبة فى ذلك الوقت وتمادت الآن بصور أخرى، وتندهش عندما تعلم أن باعث الشائعة وجهًا لوجه أمامك مع أنه فى كثير من الأحوال يكون الباعث مجهولًا، ولكنه هنا كان معلومًا، والأكثر أنه لم يخشَ ما يفعل؛ بل كان متباهيًا مزهوًّا ليثبت لمَن يعمل لحسابهم أنه يقوم بما كلفوه به على أكمل وجه.



 

حدث ذلك فى يوم الأربعاء 23فبراير 2011م، كان الفعل (حريق مبنى الأدلة الجنائية الملحق بوزارة الداخلية فى شارع محمد محمود)، وكنا نحو الساعة الثانية عشرة ظهرًا، كنتُ بالتاكسى أريد الذهابَ إلى عملى بـ«روزاليوسف»، ولكن السائق لفَّ عدة شوارع كثيرة ليجد مَخرجًا ينفذ منه لشارع قصر العينى لتوصيلى، ولكنه لم يتمكن؛ حيث كان الدخان يتصاعد بكثافة وشكل مخيف للغاية، وعليه نزلتُ من التاكسى لأترجَّل ورأيت النساء الموظفات اللاتى يعملن فى الوزارات بشارع قصر العينى يجرين مهرولات مذعورات تجاه ميدان التحرير حتى يجدن أى وسيلة مواصلات توصهلن إلى منازلهن، بالطبع قمتُ أنا الأخرى بالجرى والهرولة، ولكن فى اتجاه معاكس لهن؛ حيث كان مقصدى الشارع الذى أتوا هن منه.. المهم وصلتُ عند الباب الخلفى للجامعة الأمريكية ورأيت على الباب من الخارج ضابط شرطة برتبة «نقيب» يتحدث مع النساء فيزددن ذعرًا ويفررن هاربات مرددات «يا ساتر يارب»، ووقف بجانب الضابط ثلاثة أشخاص بملابس مدنية أعمارهم ثلاثينية وواضح أنهم أمناء أو صف من «أمن الدولة»، وهم جميعًا حراسة على الجامعة الأمريكية، فذهبتُ إليهم وسألتهم ماذا يحدث، ما هذا الدخان؟ رد علىَّ الضابط الذى لم يكن ينتظر فى بعض الأحيان أحدًا يسأله ليطلق ضحكة شيطانية وينظر لأفراد الأمن معه ثم يتوج ذلك بإطلاق قذيفته الكلامية النارية التى هى عبارة عن «شائعة» مع سبق الإصرار والترصد، بمعنى أن الحريق الذى تم بفعل أفراد من الشرطة أنفسهم تابعين للعادلى والإخوان، ثم تحريك مثل هذا الضابط العميل ليطلق الشائعة وهو مرتدى زى الشرطة، قال لى: «ده يا ستى الجيش أحرق مبنى بالداخلية» فقلتُ له باستغراب واستنكار أنت بتقول إيه «الجيش»!!، فقال: أيوه يا «حاجة» الجيش، مالك مستغربة كده؟!، فقلت له: والجيش حيحرق المبنى ليه؟! أساسًا هو بيحمينا ويحمى البلد ولا يمكن يقوم بهذا، هو يعنى فاضى يطفّى حرايق، الداخلية لم يبقَ فيها إدارة واحدة تقوم بذلك، مش كفاية اللى عملتوه!!.. بالطبع كان يجهل أنى صحفية، ولم أفصح له عن ذلك لأنى أدركتُ أنه يقوم بعمل مريب للغاية ومحمى بالجامعة الأمريكية التى يقف على بابها، نظر إلىَّ وأكمل قائلًا: أصل اتنين أمناء شرطة كانوا محتجين فقام الجيش بضربهم بالرصاص فقام زملاؤهم بالاحتجاج فقام الجيش بضربهم ثم أحرق المبنى. فقلت له: يا سلام!! بقى الجيش عمل كده!!، قال: طبعًا، أومَّال إنتى فاكرة إيه بيحميكم، وعلى فكرة دى مش أول مرّة، إنتى فاكرة الوقفة الاحتجاجية للأمناء والضباط الأسبوع الماضى ما هو برضه الجيش ضربهم. ثم نظر لأفراد الأمن معه مستشهدًا بهم، أعطيتُ لهم ظهرى أستطلع طريقًا أمشى منه فوجدته يقول بصوت عالٍ حتى أسمعه هى الناس مش مصدقة ليه!!. وضحك بهستيرية وقال: أنتم لسّه شفتوا حاجة، إحنا هنسوّد عيشتكم وخلوا الجيش ينفعكم، قال مش مصدقين قال. انتهى كلام هذا الشخص المأجور والحزن يعتصرنى من أن بعض أفراد الشرطة هم مَن صاروا مصدر شائعات للنَيْل من الجيش وعلاقته الحميمة بالشعب، وأدركتُ من كلام الضابط ومَن معه أن مَن يقوم بإحراق أقسام الشرطة هم بعض الخائنين، من أفراد الشرطة نفسها ويقومون بذلك أو يُسهّلون للغوغائيين فعل ذلك، إنهم ينفذون أوامر «العادلى» وأقطاب نظام التوريث المتضررين من سقوط نظامهم، ولكن المفارقة هنا أنه بعد عدة أيام ظهر هذا الضابط على شاشات الفضائيات مصوبًا مسدسه تجاه بعض المتظاهرين فى شارع محمد محمود، وكان ماهرًا فى التصويب تجاه العين، حتى أفقَدَ البعض بصرهم، وأثناء فعله هذا رأيتُ الأمناء الذين كانوا معه على باب الجامعة الأمريكية يشجعونه وكأنه لعّيب كرة صائحين: أيوه يا باشا جت فى الصميم. وبَعدها تم إلقاء القبض على هذا الضابط ومحاكمته الذى لا يعرف أحدٌ كم الجرائم التى ارتكبها بوازع من الأمريكان والعادلى، والغرض الإساءة للجيش؛ حيث أوحى للبعض بأن ما يقوم به من إطلاق نار وكأنها أوامر من الجيش الذى كان قد تسلم إدارة شئون البلاد من 11فبراير بعد تنحّى «مبارك».

 العيسوى يستعين بالفنجرى

عند ذلك كانت الداخلية قد تم تفكيكها تمامًا بواسطة «العادلى» ورجاله المقربين، وسعى إلى انتشار الفوضى فى البلاد وإثارة الشائعات ضد الجيش ليعوق حمايته للشعب والوطن، وحتى بعد أن قام «مبارك» بتعيين اللواء «محمود وجدى» خلفًا للعادلى إلّا أنه لم يقدر على ترميم ما أفسده «العادلى» ودفع بأربابه فى الوزارة لإفشال «وجدى» حتى تمَّتْ إقالته بعد شهر واحد ليأتى «منصور العيسوى» وزيرًا للداخلية فى حكومة «عصام شرف»، لكن المجلس العسكرى وفّرَ له مكانًا آمنًا لإدارة شئون البلاد، وبدوره طلب من الجيش مساعدته فى إعادة بناء الداخلية؛ خصوصًا أن «العادلى» ورجاله لم يتركوا أى شىء عن الهيكل التنظيمى للوزارة، وفى ظل التطهير الذى قام به «العيسوى» بشكل جزئى حتى يتم الدفع بعناصر جديدة يتم تأهيلها بأسلوب آخر يتوافق ومتطلبات الشعب من حفظ حقه وأن تكون الشرطة فى خدمة الشعب فعليّا وليس لقهره وإخافته، وعليه طلب المشير «طنطاوى» من اللواء «محسن الفنجرى» كونه كان يقود إدارة التنظيم والإدارة بالجيش بأن يقوم بمساعدة «العيسوى» فى ذلك، وبالفعل مكث «الفنجرى» عدة أشهُر لمساعدة قيادات الداخلية الشرفاء بأن يعيدوا بناء وزارتهم على أسُس تنظيمية سليمة لا مكان فيها للمحسوبية والأرباب، فقط الخضوع لاختبارات ومعايير محددة بقوانين لا يُستثنى منها أحد.

 سليمان وزير خارجية مبارك

كان «عمر سليمان» بمثابة الرجُل الغامض الملتزم مهنيّا وأخلاقيّا وعمله فى جهاز المخابرات العسكرية ثم بعد ذلك المخابرات العامة يكفل له هذا الغموض الذى يُعتبر صفة أساسية يجب أن يتحلى بها أىُّ رجُل مخابرات فى العالم، ومنذ خروجه من الجيش فى عام 1991م وهو عام «حسْم» بمعنى الكلمة لاختيار القيادات العسكرية التى تتمتع بالحِرفية ولا تطمح فى السُّلطة، هذا كان المعيار الأول والشرط الأساسى فى اختيار «مبارك» المبنى على معلومات أكيدة بأن «سليمان» و«طنطاوى»، الذى تقلّد هو الآخر وزير دفاع فى العام نفسه، بأنه وضعهما تحت الاختبار السرّى لمعرفة درجة ميولهما للسُّلطة، ونجحا، فكل من الرجُلين كان لديه التزام بحب المهنة والعطاء فيها لأقصى درجة دون المطالبة بالمقابل الذى ربما سعى إليه مَن قبلهما كثيرون.. وكان منصب «عمر سليمان» يمنحه حق الاختفاء دون أن يسأل أحد أين هو؟ إلّا أنه من خلال السنوات الخمس الأخيرة من حُكم «مبارك» كانت هناك ملفات عدة تلقى على عاتقه فى غياب مقصود لـ«وزارة الخارجية» التى كان «مبارك» يجد أنه ليس من حقها أن تعرف كل ما يجول فى فكره، فهو لا يريد تكرار شخصية «عمرو موسى» الذى سرق منه الأضواء وغنَّى له المطرب الشعبى «شعبان عبدالرحيم» بأنه قادر على قهر إسرائيل، ودعّمه الزعماء العرب أكثر مما دعّمه هو فى منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية.

كانت وزارة الخارجية عبارة عن موظف يقوم بأبسط الأشياء فى المحافل الدولية، ولكن الملفات الشائكة وضعها «مبارك» على كاهل «سليمان»؛ خصوصًا بعد حادث محاولة اغتياله فى إثيوبيا التى اعتقد أن الخارجية أخفقت فى تقدير الموقف لحضوره هذا المؤتمر.. المهم أن «سليمان» حمل العبءَ وقام بالكثير من الأعمال، منها الملف الفلسطينى الشائك بفعل فاعل هو «الإخوان» وفرعهم «حماس»، وكان هذا مقصودًا من «الإخوان» الذين يعلمون أن «سليمان» على دراية كاملة بتحركاتهم فى الخارج ولديه الكثير عنهم، ومن ناحية أخرى دخل «جمال مبارك» على الخط فى مواجهة غير معلنة لمحاربة «سليمان» والتخلص منه بكل الطرُق الممكنة يعاونه فى ذلك «العادلى» ورجاله، ولم يقفوا فى حربهم ضده عند حد معين؛ فقد كانوا مبعث الشائعات التى تضر بموقفه عند «مبارك» من وقت لآخر؛ خصوصًا بعد رجوع «مبارك» من رحلة علاجه الطويلة بألمانيا نوعًا ما فى تغيبه عن البلد، وفى الاستقبال بالمطار ظهر «مبارك» يشد على يد كل من «سليمان وطنطاوى والعادلى» شاكرًا لهم حفاظهم على مصر فى غيابه، وكان الزج بالعادلى مقصودًا من «جمال» الذى يعتبره أحد رجاله؛ بل أكثرهم فى الاعتماد عليه لتنفيذ مشروع «التوريث».

 اغتيال سليمان

كانت الطامة الكبرى لجمال عندما عَيّن «مبارك» «سليمان» نائبًا له، وكان قد سبق أن عرض ذلك على المشير «طنطاوى» قبل «عمر»، لكن «طنطاوى» اعتذر لمبارك وقال له (أنا شايف موقعى وسط القوات المسلحة حتى تعبر مصر هذه الأحداث بسلام)، ورفض أن يكون نائبًا لمبارك، وقبل «عمر» على مضض، فلم يعد هناك مفر لأن نظام «مبارك» فى النفَس الأخير، وكان يريد أن يرمم شتات النظام حتى يحين موعد الانتخابات الرئاسية فى أكتوبر ويتم انتقال السُّلطة بشكل سَلس لا يكلف الوطنَ أرواحًا وخرابًا، وحتى لا يَنفُذ «الإخوان» عبر الثغرات التى تكاثرت فى النظام المباركى، كان ملف «الإخوان» مع «سليمان» ينذر بالكثير دون مواربة أو تجاهل، ولكن الأمر عند «جمال» وأربابه التوريثيين مختلف، فقد استقبلوا خبر تعيين «سليمان» نائبًا بغل وحقد ليس له مثيل؛ خصوصًا أن «مبارك» اتخذ هذا القرار بعيدًا عن حاشية القصر الرئاسى أو استشارة أسرته التى كانت تتدخل فى كل قراراته بآخر ثلاث سنوات من حُكمه، ولكن ما أسفَر عنه موقفهم هو حادث الاغتيال، ذلك عندما تمت مكالمة تليفونية من الرئاسة تستدعى «سليمان» لأمر مهم، وكان بمقر المخابرات العامة يجمع أوراقه وحاجاته ليسلم جهاز المخابرات إلى المسئول الجديد اللواء «ممدوح موافى»، وأثناء ذلك وردت مكالمة أخرى من «جمال» لـ«حسين كمال»- مدير مكتب «سليمان»-، وسأل الوريث عن السيارة التى سيأتى بها النائب؛ حيث كان معه سيارة من الرياسة ليرجع بها إلى مَقر الاتحادية؛ لأنه سيكون سلم جهاز المخابرات لـ«موافى» وليس من حقه استخدام شىء بعد ذلك، لكن نتيجة استعجال طلبه للحضور من قبل الرياسة وفى عجلته غادر مسرعًا لقصر العروبة، ومن عجلته ركب سيارته المعتادة القديمة ولم يستخدم السيارة التى حصل عليها من الرياسة، وعليه قامت سيارة الرياسة باللحاق به فكانت تسير خلف السيارة التى بها «سليمان»، وكان هناك من أخذ تعليمات بإطلاق نيران على سيارة الرياسة التى كان من المفروض أن يكون بداخلها «سليمان»، ومرّت السيارة الأولى والخاصة بالمخابرات واعتقد مطلق النار أنها لحراسته وتأمينه وليس داخلها فأطلقت النيران على السيارة الثانية عند مدخل «كوبرى القبة» ولم يكن بها سوى السائق والحارس اللذين لقيا حتفهما.

عَلم «مبارك» بالحادث فكلف «الحرس الجمهورى» بالتحقيق فى الأمر بسرعة، وبالفعل قدّموا له ملف التحقيقات بعد الانتهاء منها وعندما اطلع عليه وعرف أن أسرته ضالعة فى الحادث بشدة طلب إغلاق الملف واكتفى بتوبيخهم وعتابهم شفويّا.