السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

واجه المتطرفين فى ذروة قوتهم لإنقاذ المجتمع: سر تكفير أبناء «سيد قطب» لـ«سيد القمنى»!

بمجرد ذكر اسم سيد القمنى، ينقسم الناس إلى فريقين كل منهما يريد فناء الآخر، كأنه عصا موسى التى شقت الموج لنصفين متخاصمين.. والحقيقة أن كلا الموقفين المتعصبين مع الرجل وضده ينطويان على سذاجة لا حدود لها.



من يدعم القمنى يبالغ فى ذكر محاسنه ومواقفه ضد الإسلام السياسى والحركات الإسلامية المسلحة والإرهابية، ومن يقف ضده ينعته بالكافر والملحد.. فهل هكذا تناقش الأفكار يا سادة؟!

 

وسط ذلك الاستقطاب الحاد؛ كان القدر صانع مفارقات كعادته، ليتم الإعلان عن رحيل «القمنى» يوم الأحد الماضى متأثرًا بفيروس كورونا، بينما المجتمع فى حالة جدل حول معنى «النشوز» فى النص القرآنى والمؤسسة الدينية توضح الحالات التى يجوز فيها ضرب الزوجة(!)

يمكن لهذه المفارقة البسيطة أن تقودنا لعدة أسئلة حول خطاب سيد القمنى وطريقة تفكيره: كيف نال الرجل من الإسلام؟.. ولماذا يتعمد البعض تكفيره ورفض الترحُّم عليه؟.. وهل أنزل الله الإسلام لندافع عنه؟!.. 

ربما بالإجابة عن هذه الأسئلة نجد إجابة للسؤال الأهم: ما دورنا كمجتمع الآن؟

 كيف نال سيد القمنى من الإسلام؟

لا يختلف أحد على أن هدف الأديان كلها هو «صالح الإنسان والمجتمع».. هذا هو هدف الدين فى شكله البسيط، لكن ما حدث أن الأديان (والإسلام طبعًا) تلوثت بأهواء السياسة والبشر، وبالتالى عند الحديث عن «الإسلام» فالحديث ليس عن القرآن الكريم فقط؛ لأن الدين يشمل السنة النبوية والفقه وغيرهما من الفروع الكثيرة التى اعتمدت على اجتهادات بشر مثلى ومثلك، الفرق الوحيد أنهم اجتهدوا لتحقيق هدف الدين الأهم لخدمة المجتمع.

على الجانب الآخر، استفاد بعض رجال الدين من «السلطة» التى دعمها جهل المجتمع ووظفت الجماعات الإرهابية النص المقدس لخدمة أهداف دنيئة.. 

وبالتالى فإننا الآن أمام مشكلة تتكون من أضلاع ثلاثة: «نص مقدس، أصحاب مصالح، جهل فى المجتمع».. والضلعان الآخران يدعيان أنهما يعتمدان على النص الإلهي.. المعادلة فى صورتها الحالية تفسر لنا أحد أسباب الهجوم الهجوم على القمني.

فى أى لقاء تليفزيونى مع سيد القمنى (أو ما يسمى تجاوزا مناظرة) وأحد المتحدثين باسم الإسلام؛ يلجأ الطرف الآخر دائمًا إلى تكفير القمنى لكى يكسب ما يتصورها معركة من الجولة الأولى، فيما يريد القمنى تفكيك أصل المشكلة: أصحاب المصالح والجهل، من دون الاقتراب من النص المقدس.

يستند القمنى فى خطابه إلى كثير الأفكار التى تستحق المناقشة والمرويات التى يتضمنها التاريخ الإسلامى نفسه، لكن أصحاب المصالح تعمدوا إخفاءها خوفًا على سلطتهم.. لأنه بهذه الطريقة يهدم أصلا تأسس عليه ما سمى بـ«الإسلام السياسى» الذى اعتمد على إقصاء الآخر وتكفيره.. فكيف نال الرجل من النص المقدس؟!

نحن الآن نطرح هذه الأفكار ونكتبها فى ظل كيان دولة متماسك يضمن لنا سلامتنا، لكنه كان يطرحها فى ظل وجود سطوة حقيقية للجماعات المتطرفة فى التسعينيات أو ما يسمى بـ«الصحوة الإسلامية»؛ حيث كانت الجماعات الإسلامية وقتها تدير جدالا حول أن المسلم الهندى أقرب للمسلم المصرى من جاره المسيحي. فضلا عن عمليات اغتيال لعدد من رموز السياسة المصرية أبرزهم وزراء الداخلية والأمين العام لمجلس الشعب. كما يتم تفجير السياح باسم الدين.. وتكفير من يستنكر ذلك (!).

أصر القمنى على إكمال مهمته ومواجهة تلك الأفكار، حتى بعد اغتيال صديق عمره «فرج فودة» فى يونيو 1992، الذى حضر معه لحظاته الأخيرة قبل أن تفيض روحه إلى خالقها.

وقتها (منذ 30 عامًا) كانت الدولة نفسها تعلن الحياد والمؤسسة الدينية ومشايخ الأزهر على رأسهم الشيخ محمد الغزالى، الذى قال وقتها أن «قتل المرتد هو واجب الأمة كلها». وقدم أفكاره أيضًا على صفحات هذه المجلة فى العام 2005.

مواجهة القمنى حتى نفسه الأخير كانت ضد الأفكار التى عانينا منها جميعًا عند صعود الجماعة الإرهابية إلى سدة الحكم فى 2012، وضد السلطة الدينية التى تعمدت تجهيل المجتمع واعتمدت عليه.

الرجل الذى تعمد ترديد الشهادتين فى كل لقاءاته لم يكن يعنيه أصلًا أن ينال من نص مقدس.. بل كان معنيًا بالرصاص الموجه لصدورنا باسم الله «كذبًا». 

يمكننا أن نفهم الآن لماذا يتعمد أبناء «سيد قطب» تكفير «سيد القمنى» ورفضوا الترحم عليه.

الجماعات الإسلامية.. كيف يفكر الوحش؟!

رأى القمنى أن «الخطر الحقيقى على العالم هو الإسلام بالشكل المتداول الآن فى العالم العربى والإسلامى» كما يقول فى إحدى محاضراته عن جذور التطرف فى بروكسل 2016، وبالتالى اعتبر أن دوره الأهم هو «أن أعرف كيف يفكّر الوحش وأدخل بنية تفكيره حتى لا يستطيع هزيمتى».

وهو ما ظهر واضحًا فى خطابه ومؤلفاته، حيث نقل قراءة (اجتماعية/سياسية) للتاريخ الإسلامى فى كتبه «حروب دولة الرسول»، و«الحزب الهاشمى وتأسيس الدولة الإسلامية» و«النسخ فى الوحى» وغيرها من المؤلفات.

فيما نقل فى مؤلفات أخرى الدراسات المتعلقة بالعصور السابقة للإسلام والتى تناولت الأساطير القديمة والتى اعتقد أنها المصدر الأساسى الذى أخذت عنه التوارة، وذلك  فى  كتبه: «الأسطورة  والتراث»  و«قصة الخلق: منابع سفر التكوين» و«مدخل إلى فهم دور الميثولوجيا التوراتية»، و«النبى إبراهيم والتاريخ المجهول»، و«إسرائيليات التوراة: التاريخ التضليل». اشتبك أيضا مع القضايا المعاصرة من أبرزها «أهل الدين والديموقراطية»، و«شكراً بن لادن»، و«خريطة الطريق نحو الإصلاح»، و«الفاشيون والوطن»، و«صحوتنا لا بارك الله فيها»، و«الحجاب وقمة الـ 17». 

الأفكار التى طرحها سيد القمنى لم تكن بعيدة عما طرحه «فرج فودة» و«نصر حامد أبو زيد» و«حسن حنفى»، ومنهجه لا يختلف عما نادى به أستاذه «فؤاد زكريا» بتطبيق المنهج العلمى فى التفكير.. وأيضا سارت فى نفس طريق دراسات مكسيم رودنسون، ثم محمد أركون.. كان يستهدف نقل تلك الأفكار التى اعتبرها البعض أكاديمية إلى كل المستويات والطبقات الاجتماعية، ليواجه أصحاب المصالح على نفس الأرض.

تطرح أفكار القمنى ومجايليه سؤالًا مهمًا: هل حكمة الله من وجود الأديان هو أن ندافع عنها؟!.. إجابتنا عن هذا السؤال يمكن أن تحل إشكالية كبيرة فى تعاملنا نحن مع الدين، ربما نحتاج لاستحضار موقف النبى إبراهيم مع الله وخطابه عندما قال له: «أرنى كيف تحيى الموتى» لنعرف أن طريقتنا لنتأمل حكمة الله الحقيقية من رسالاته.. هل دورنا الحقيقى هو الدفاع عن الدين أم محاولة فهمه ومناقشته ونقده بكل ما يتاح لنا من وسائل.

وبما أن الله عز وجل ذكر موقف خليله إبراهيم فى القرآن الكريم.. لماذا يخاف عباده «المشايخ» من أسئلة عباده «المسلمين» التى قد تصل إلى شك إبراهيم أم أنهم يخافون على الدين أكثر من خالقه؟!

ينقلنا ذلك إلى سؤالنا الأخير: 

ما دورنا كمجتمع الآن؟

بعد إعدام سيد قطب، ظن الجميع أن فكرة جماعة الإخوان قد ماتت، لكن ما حدث أنهم تغذوا على المظلومية بل وانتشروا فى مؤسسات الدولة لعقود طويلة.. نحن الآن أمام محاولات لتكرار السيناريو نفسه، دون أن نعى الدرس كمجتمع.

لذلك، تتجدد المطالبة للمؤسسة الدينية بالانحياز الواضح لقيم الدولة المدنية، وفتح باب الاجتهاد بما يخدم المجتمع أولًا (والكثير من القضايا تنتظر فى حاجة للنظر)، حتى لا نكون مثل من حرم أكل الطماطم لنصف قرن بدعوى أنها «مؤخرة الشيطان» أو من حرموا استخدام الصنبور فى الوضوء كونه بدعة(!)

وفى سعينا للدولة المدنية فإن جميع مؤسسات الدولة مطالبة أن تقرر بجدية مناقشة ما طرحه طه حسين وفودة والقمنى وأبوزيد وغيرهم الكثيرون.. الآن عرفنا أنهم أثناء طرح تلك الأفكار كانوا على درجة كبيرة من الوعى بأهمية مواجهة «الإرهاب» وتفكيك أفكاره. وفى ذلك السياق فإن وزارة الثقافة (صاحبة الدور الغائب) مطالبة بمواكبة خطوات الدولة.. المواجهة الآن فكرية بالأساس.

رحل سيد القمنى؛ لكن أفكاره لا تزال مطروحة للنقاش الجاد والنقد.