الجمعة 2 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ..الخيبة الكبـرى

الحقيقة مبدأ..الخيبة الكبـرى

فى البداية أرجو أن يتقبل عزيزى القارئ اختلافى مع شاعرنا الفلسطينى العظيم «محمود درويش»، حينما قال فى إحدى قصائده إن «خيبتنا الكبرى فلسطين» ذلك لأنى أرى أن خيبتنا الكبرى ليست فلسطين، إنما تكمن خيبتنا فى تكويننا الاجتماعى وعلاقاتنا العربية - العربية، والتى آلت إلى مستوى مؤسف من الانكفاء على الذات والاستسلام للأمر الواقع والخوف من العصا الغربية لكل من يفكر ولو فى قرارة نفسه وداخل وجدانه، برفض الاستعباد المفروض علينا.. هذا فى حين أننا من نمتلك الثروة وكافة المقومات البشرية، والمواقع الاستراتيجية جيوسياسيا.



 

استسلمنا للهزيمة فى 1948 وهرولنا فى التسعينيات وسال لعاب البلاهة السياسية على أفواه بعضنا ونحن نتراقص على الجسد الفلسطينى فرحًا بأن الكل أحفاد سيدنا إبراهيم.. ذلك بالرغم من أن الحلول ملك أيدينا، ولعل أبسطها هو ما يقدمه الغرب عندما يريد الضغط على أصحاب العزة والكرامة، يصرخ الغرب مناديا بضرورة احترام حقوق الإنسان وحرية المعتقد والتعبير والحياة الآمنة للبشر فى كل مكان، إلا فلسطين محتلة من الصهاينة صنيعتهم. فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة عام 1945 تم حينها عقد محاكمات نيورمبرج، ليتم الانتقام من رجالات الحزب النازى، لأنهم قاموا بقتل الآلاف من يهود أوروبا، هذا بالإضافة إلى إرغام آلاف أخرى من اليهود على التهجير إلى أراض بعيدة عن أوطانهم، كما قاموا بالاستيلاء على ثروات وممتلكات البعض الآخر ولم تنته  محاكمات نيورمبرج إلا بإعدام رجال الحزب النازى وسجن البعض مدى الحياة ومطاردة البعض الذى استطاع الهرب للانتقام منهم أيضًا. وجاءت النكبة عام 1948 حيث سمح الغرب بإعطاء الدولة الصهيونية الحق فى ملاحقة الهاربين، واغتيالهم أحيانًا أو اختطافهم ونقلهم إلى تل أبيب، والتنكيل بهم ثم إعدامهم فى أحيان أخرى بارك العالم المحاكمات والإعدامات والاختطافات والاغتيالات، والتدخل فى شئون وسيادة الدول!! والترويج الفج والمغرض بأن ما يرتكبه الصهاينة هو تطبيق للعدالة، لكن ألم يفعل الصهاينة ما فعله النازى معهم بنفس السيناريو مع الشعب الفلسطينى،  ذلك من قتل وتهجير واستيلاء واحتلال للأرض الفلسطينية؟! فمنذ عام 1911 وحتى الآن قامت العصابات الصهيونية مثل «شتيرن وأراجون» بما هو أفظع مما قام به النازى، ثم قامت حكوماتهم المتعاقبة ومنذ 1948 وحتى الآن بما هو أشنع مما قامت به العصابات بل وقف العالم يشاهد فى صمت أو فى سعادة.. قتل وتشريد وطرد السكان أصحاب الأرض وتحويلهم بالإجبار إلى لاجئين أو الزج بهم فى السجون، ونهب الموارد والثروات وانتهاك المقدسات الإسلامية وتدنيسها بأرجل الصهاينة وكذلك نفس الأسلوب مع المقدسات المسيحية، هذا مع الإمعان فى التنكيل والإهانات اليومية بغطرسة القوة المفرطة، لا يستثنى منهم أحد لا طفل ولا شيخ ولا امرأة، ذلك بالدعم الغربى والدولى ومؤخرا بالدعم العربى من البعض. الكيان الصهيونى الغاصب للأرض ما هو إلا كيان استعمارى استيطانى مدعوم من قبل القوى الإمبريالية الغربية الطامعين بالثروات العربية ومنع تنمية وتقدم بلدان والاعتداءات المسلحة على البلدان العربية التى يخشى الغرب قوتها مثلما فعل مع مصر وسوريا والأردن ولبنان، حيث قام الغرب بدعم الكيان الصهيونى بالأسلحة المتقدمة، بل تمادى الأمر بأن سمح العالم الغربى لأمريكا بأن تنهب الأراضى التى مازالت محتلة فى كل من سوريا ولبنان ومنحت ملكيتها للكيان الصهيونى الاستيطانى كالجولان السورى المحتل للآن وجنوب لبنان وهى أراض خارج نطاق تقسيم الأمم المتحدة، بل قام دونالد ترامب بالاستجابة لطلبات دعاة مذهب الصهيونية المسيحية، وهم من دعموه فى انتخاباته ليكون رئيسا للولايات المتحدة وقام بمنح الكيان أراضى الجولان والقدس الشرقية ليكرر ما فعله من قبل بلفور بوعده المشئوم الذى أعطاه للصهاينة بإنشاء وطن لهم بأرض فلسطين مكررا مبدأ «من لا يملك يهب لمن لا يستحق» ذلك يحدث وحدث تحت سمع وبصر من يدعون أنهم حماة حقوق الإنسان، والحياة الآمنة المستقرة فى أرضه، هم فى الحقيقة أول البلدان التى تنتهك الحريات والحقوق والعمالة والأمن فى بلدانه وأرضه، بل وتقسيمها ولا تبالى بأى إدانات لهم من الآخرين، والمستضعفين بسلب حقهم المشروع بالاغتصاب والتنكيل به بكافة أشكاله، طالما أنه ليس صهيونيًا، حتى وإن كان يحمل الجنسية الإسرائيلية.

وهو ما حدث فى صحراء النقب جنوب الكيان الصهيونى من السياسات الصهيونية لتشجير المنطقة وتجريفها فى إطار أعمال الصندوق اليهودى «كاكال» باعتبارها أراضى الدولة، الأمر الذى أثار غضب المكون العربى والبدو المقيمين بتلك المنطقة والذين اشتبكوا مع قوات الأمن الصهيونية فى 12 يناير الشهر الماضى فى مواجهات خلفت إصابات متبادلة واعتقل على أثرها العديد من أهل قرية «سعوة الأطرش» بينهم نساء. كما قامت القوات المسلحة الصهيونية بهدم المخيمات التى يقيم بها أصحاب الأرض والمعتصمون فيها. هذا على الرغم من أن هؤلاء المواطنين يحملون الجنسية الإسرائيلية، وهم الذين بقوا متمسكين بالأرض ولم يهاجروا إلى الدول العربية المحيطة بهم سواء فى الأردن، أو لبنان أو سوريا.

وتشكل أراضى النقب نحو ثلثى فلسطين التاريخية، وقد صادرت الدولة الصهيونية على مدار سنوات نحو 90 ٪ من أرض النقب المملوكة للعرب، فى ظل سياسات وممارسات صهيونية لتغيير الهوية لتلك المنطقة وتهويدها، هذا الكيان ما هو إلا حليف دائم للغرب فى تلك المنطقة الحساسة من العالم. إن العالم العربى مازال فى حالة اضطراب نتيجة ما حدث ويحدث له إلى الآن من عدم الاستقرار فى بعض بلدانه، وهناك الكثير من الخيبات التى حلت به نتيجة لبعض التحولات الحديثة التى يشهدها الشرق الأوسط والمنطقة العربية وأيضا التغيير فى شبكة التحالفات وبقاء الأذرع الغربية داخلها لكى تبقى المنطقة فى حالة من عدم الاستقرار، نجد استمرار الصراع العسكرى فى سوريا واليمن والخلافات السياسية فى السودان وتونس وليبيا واضطرابات للأوضاع الاقتصادية فى لبنان، وحالة انسداد فى مشاورات البيت الشيعى العراقى على تشكيل الحكومة، العراق فى أمس الحاجة إلى الخروج فى أقرب وقت من حالة السيولة السياسية والصراعات غير المجدية التى يعيشها منذ فترة طويلة والتى أدت إلى قيام بقايا داعش فى العراق بعمليات إرهابية ضد الجيش العراقى فى محافظة ديالى، مستغلين حالة الانقسامات السائدة، كما أن العراق فى أمس الحاجة إلى الأمن والاستقرار، ليبدأ عملية إعادة إعماره. هنا نسأل: أليس ما مررنا به ومازال مستمرًا ما هى إلا خيبات فى تكويننا الاجتماعى وعلاقاتنا العربية - العربية، كما ذكرت من قبل؟ وليست فلسطين هى خيبتنا الكبرى، ولكن هى خيبتنا الأولى لتتوالى الخيبات، التى يرعاها الغرب المطالب بضرورة احترام حقوق الإنسان، وهو العاجر عن تطبيق القرارات الدولية التى تصدر عن مؤسساته وبالأخص الخاصة بالشعب الفلسطينى المكلوم سواء من الأمم المتحدة ومجلس الأمن والتى وصل عددها إلى 400 قرار دولى لصالح الشعب الفلسطينى وكلها لم تنفذ فى حين أنه عندما تصدر قرارات لصالح الصهاينة فلتنفذ فورا وفى نفس يوم صدورها. أليس ما يجرى فى القدس والمسجد الأقصى، يثبت للعالم كله أن الغرب ظالم أعمى لا يرى ولا يسمع ما يحدث فى فسطين ومدى الكارثة الذى يعيشها هذا الشعب العربى ولا حتى يرى التقارير الدولية الصادرة من مؤسسات إحداها تتبع المنظمات الدولية وهى منظمة العفو الدولية التى صدر عنها الأسبوع الماضى تقرير مهم يدين فيه الكيان الصهيونى، ويحمله المسئولية عن العديد من الانتهاكات الصهيونية التى ترتكب بحق الشعب الفلسطينى أصحاب الأرض المحتلة ووصف التقرير الكيان الصهيونى بالعنصرية وبممارساته لسياسات «الأبرتايد» التى تميز وتصنف الناس على أساس ديانتهم وأصولهم وأعراقهم. وسبق هذا التقرير تقريران آخران مؤخرا عن منظمتى «بتسليم» الحقوقية الإسرائيلية والآخر عن منظمة «هيومين رايتس ووتش» الدولية أيضًا، يحمل كلا التنظيمين نفس المحتوى الذى صدر عن منظمة العفو الدولية، وجميعها وصف سياسات الكيان الصهيونى بالفصل العنصرى فى أنحاء فلسطين كافة، لا يستثنى منها أحد سواء كان يحمل الجنسية الإسرائيلية والمعنى بهم عرب 1948 . القدس وبيت المقدس أول القبلتين وثالث الحرمين، يئن من ظلم وانتهاكات جسيمة وتدنس أرضه الشريفة بأرجل اليهود الصهاينة بسبب غياب الضمير العالمى الذى يغفل حقوق الإنسان وحرية العقيدة للشعوب الإسلامية عامة وللشعب العربى بشكل خاص. أين هنا دور وواجبات المنظمات الدولية والحقوقية والعالم الغربى الذى يصرخ فى وجوهنا فقط باحترام حقوق الإنسان.

وتحيا مصر