الثلاثاء 8 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البوصلة

البوصلة

1



فطر قلبى خبر وفاتها.. هى الكاتبة الصحفية الكبيرة الأستاذة زينب منتصر، ابنة روزاليوسف التى أثرت صفحات الفن والثقافة بكلمات من نور.

2

علاقتى بالأستاذة زينب رحمها الله لم تكن فقط علاقة التلميذة بالأستاذة، بل كانت علاقة أم حانية بابنتها، تعلمت منها الكثير منذ نعومة أظفارى، وتأسست فكريًا ومهنيًا على فكرها ونصائحها الذهبية، هى التى أدخلت حب الثقافة فى قلبى، حدثتنى عن الشعر  والموسيقى، وجادلت أفكارى برقى شديد حتى جذبتنى كليًا إلى الأرض التى تقف هى عليها، وكانت أحد أسباب زيادة تعلقى بمؤسسة روزاليوسف وألا أتخيل نفسى فى أى عمل خارجها، مؤسسة حقًا جمعت كنوز البشر تحت سقف واحد.

3

الأستاذة الجميلة رحمها الله كانت صديقة مقربة من والدتى بحكم الجيرة، ومن والدى بحكم الزمالة فى روزاليوسف، وكانت بيوتنا مفتوحة وكأنها بيت واحد وعائلة واحدة، فمنذ صغرى وطنط زينب -كما كنت أناديها- قريبة من قلبى، تحبنى كثيرًا، وتستثمر فى عقلى كما تفعل مع أبنائها الثلاثة حنان وحسام وريم.

4

تعلمت منها «قيم إنسانية» كثيرة وعندما كبرت اكتشفت أنها وهبتنى احترامًا لا يقدر بثمن، ومنها أن كل إنسان هو انعكاس لبيته وأهله ويجب أن نتسابق جميعًا فى إظهار أفضل ما لدينا، تعلمت منها أيضًا أن الدنيا عطاء وأخذ، وأن مقابل العطاء هو راحة نفسية وبركة ربانية لا يقدر بشر على منحها.

5

منذ صغرى علمتنى أن أرد الكلمة بأفضل منها، وأشكر الناس دائمًا وأبدًا.

6

كانت هى وأمى من مبهجات الحياة رحمة الله عليهما، وكانت ضحكاتهما تملأ البيت سعادة ونورًا، فكلامها نموذج للسيدة الناجحة عمليًا راجحة العقل، والأم المبهجة، والأنثى التى تهتم دائمًا بتفاصيل جمالها.

7

يوم عزاء والدتى حضرت طنط زينب والتقطتنى من بين المعزيين، وجذبتنى إلى حضنها الدافئ دون أن تنطق بحرف، واستسلمت أنا لها كطفلة تائهة فطر قلبها من كثرة البكاء وشعرت بالأمان أخيرًا، وبعد فترة صمت طويلة قالت لى: (شريط الدنيا كله عدى قدام عينيا يا مى أول ما سمعت الخبر، افتكرت ندى حبيبتى وضحكتها الحلوة ولمتنا مع بعض وافتكرتك وانتى راجعة من المدرسة، ومحمد حبيبى بسماره الجميل.. هى ازاى الدنيا قاسية أوى كدا).

وأقول لها أنا الآن :(نفس شريط الدنيا عدى قدام عينى أنا أيضًا وإحساسى بالوحدة زاد من بعد رحيلك.. نعم حبيبتى الدنيا فى منتهى القسوة، وقسوتها تترك بصمتها الغائرة أكثر فأكثر على وجهى المصدوم الباهت... الدنيا أصبحت بالنسبة لى أيامًا منزوعة المذاق، فمع كل غالى يرحل ترحل معه حلاوة الدنيا ويبقى مذاقها العادم).

8

آخر مكالمة كانت بيننا فى شدة مرضها وكانت تتحامل على نفسها كى تتحدث وقالت لى: (ألف مبروك سيادة النائبة).

فقطعت كلامها سريعًا وقلت لها : (لا يا طنط عشان خاطرى ما تعمليش كدا معايا.. معاكِ إنتى أنا لا سيادة ولا يحزنون، أنا بنتك الصغيرة اللى عمرها ما هتكبر عليكى).

9

ورحلت من علمتنى أن التماهى ارتقاء ولكن مع من يستحق.

10

ألف رحمة ونور على روح سالمة، نشرت الحب والسكون والبهجة وتركتنا نشقى بعدها.. ألف رحمة ونور على الكاتبة الصحفية الكبيرة زينب منتصر.