الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
طبقوا قانون الطفل

طبقوا قانون الطفل

حسنا أن تقرر الدولة بناء كوبرى فى المنطقة التى وقع بها حادث معدية الموت بإحدى قرى المنوفية، والذى راح ضحيته 8 أطفال تتراوح أعمارهم بين عشر سنوات و17 عاما، ولعل هؤلاء الأبرياء سيكتب فى ميزان حسناتهم أن تضحياتهم لم تذهب هباء، وأن جثامينهم ستمنع وقوع ضحايا آخرين، ولكن بناء الكوبرى والذى سيتم قريبا والـ150 ألف جنيه التى قرر محافظ المنوفية منحها لأسرة كل ضحية، لن يعوضا الأهالى عن فقد أبنائهم، قد يكون فى الكوبرى بعد إنشائه عزاء لهم ولكن لن يمنع حزنا سيلازمهم طوال حياتهم، القصص المحزنة للضحايا كثيرة، وأكثرها إيلاما ما نشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى ونقلا عن الصحفية أمل معوض والتى روت مشهد السيدة حسنة والتى وقفت على حافة نهر النيل صامتة أكثر من 9 ساعات لا تبكى ولا تصرخ مثل باقى أهالى الضحايا، فقط تنظر للمياه لعلها ترى جسدى ابنتها وابنها خارجين من المياه التى ابتلعتهما وحينما تفوهت قالت «اللى مزعلنى وحازز فى نفسى أن بنتى كانت سقعانة ومش عايزة تروح تشتغل، وقالت يا أمى أنا سقعانة، أخوها اتحايل عليها وشدها وقال نروح نشتغل علشان أمك تجيب لنا البروفر اللى يدفينا من السقعة، أهم الاتنين ماتوا من السقعة غرقانين فى النيل».. الست حسنة صمتت بعد هذه الكلمات وعادت تنظر إلى المياه فى رجاء أن ترجع لها جثمانى ابنها وابنتها، الاثنان ذهبا للعمل فى مزرعة فراخ بأجر يومى زهيد، وركبا معدية ليست مرخصة، وليس بها أى وسائل أمان، فماتا هما وزملاؤهما غرقا.



 الست حسنة ليست الوحيدة، وابناها نموذج لكثير من الأطفال الذين يعملون فى ظروف قاسية ولكنهم مجبرون عليها من أجل مساعدة أسرهم، لهذا فإن العزاء الحقيقى ليس فى تقديم صاحب المعدية للقضاء، ولكن فى تحسين ظروف عمل الأطفال، وتطبيق نصوص قانون الطفل والذى صدر من أجل توفير الحماية القانونية والاجتماعية للأطفال ولكن يبدو أن بعض نصوصه معطلة أو صدرت مع إيقاف التنفيذ، مثلا ينص القانون على: «تكفل الدولة حماية الطفولة والأمومة، وترعى الأطفال، وتعمل على تهيئة الظروف المناسبة لتنشئتهم التنشئة الصحيحة من جميع النواحى فى إطار من الحرية والكرامة الإنسانية».. فهل تم تطبيق هذا النص على ضحايا معدية الموت؟

ينص القانون أيضا على: «يحظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم خمس عشرة سنة ميلادية كاملة، كما يحظر تدريبهم قبل بلوغهم ثلاث عشرة سنة ميلادية.

ويجوز بقرار من المحافظ المختص، بعد موافقة وزير التعليم، الترخيص بتشغيل الأطفال من سن ثلاث عشرة إلى خمس عشرة سنة فى أعمال موسمية لا تضر بصحتهم أو نموهم ولا تخل بمواظبتهم على الدراسة».. فهل تم تطبيق هذه المادة القانونية على الأطفال الضحايا؟.. هذا القانون يمنع: «تشغيل الطفل فى أى من أنواع الأعمال التى يمكن، بحكم طبيعتها أو ظروف القيام بها، أن تعرض صحة أو سلامة أو أخلاق الطفل للخطر، وتبين اللائحة التنفيذية لهذا القانون «نظام تشغيل الأطفال والأحوال التى يجوز فيها التشغيل والأعمال والحرف والصناعات التى يعملون بها وفقًا لمراحل العمر المختلفة»، فهل تطابق عمل الأطفال فى الظروف التى أدت إلى وفاتهم غرقا مع القانون؟

ينص القانون أيضا على: 

«فى جميع الأحوال يجب ألا يسبب العمل آلامًا أو أضرارًا بدنية أو نفسية للطفل، أو يحرمه من فرصته فى الانتظام فى التعليم والترويح وتنمية قدراته ومواهبه، ويُلزم صاحب العمل بالتأمين عليه وحمايته من أضرار المهنة خلال فترة عمله»، فمن يطبق هذا النص الذى من المفترض أنه ملزم للجميع.

يقول القانون: «لا يجوز تشغيل الطفل أكثر من ست ساعات فى اليوم، ويجب أن تتخلل ساعات العمل فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل فى مجموعها عن ساعة واحدة، وتحدد هذه الفترة أو الفترات بحيث لا يشتغل الطفل أكثر من أربع ساعات متصلة، وفى جميع الأحوال لا يجوز تشغيل الأطفال فيما بين الساعة السابعة مساءً والسابعة صباحًا».. لكن أطفالنا يعملون ساعات أكثر من المحددة فى القانون، بل إنهم يخرجون للعمل فى الفجر حتى يلحقوا بموعد العمل فيموتون من «السقعة».

المثير أن القانون نص على: «تنشأ بكل محافظة لجنة عامة لحماية الطفولة، برئاسة المحافظ وعضوية مديرى مديريات الأمن والمختصة بالشئون الاجتماعية والتعليم والصحة وممثل عن مؤسسات المجتمع المدنى المعنية بشئون الطفولة ومن يرى المحافظ الاستعانة به، ويصدر بتشكيل اللجنة قرار من المحافظ وتختص هذه اللجنة برسم السياسة العامة لحماية الطفولة فى المحافظة ومتابعة تنفيذ هذه السياسة وتشكل فى دائرة كل قسم أو مركز شرطة لجنة فرعية لحماية الطفولة، يصدر بتشكيلها قرار من اللجنة العامة، ويراعى فى التشكيل أن تضم عناصر أمنية واجتماعية ونفسية وطبية وتعليمية، على ألا يقل عدد أعضائها عن خمسة ولا يجاوز سبعة أعضاء بما فيهم الرئيس، ويجوز أن تضم اللجنة بين أعضائها ممثلًا أو أكثر لمؤسسات المجتمع المدنى المعنية بشئون الطفولة. وتختص لجان حماية الطفولة الفرعية بمهمة رصد جميع حالات التعرض للخطر والتدخل الوقائى والعلاجى اللازم لجميع هذه الحالات ومتابعة ما يتخذ من إجراءات ومعالجتها بما يحقق سرعة إنقاذ الطفل من كل عنف أو خطر أو إهمال».. بالطبع الكلام السابق لا يوجد على أرض الواقع وإن وجدت هذه اللجنة فهى مجرد حبر على ورق، كل الإجراءات مجرد مسكنات لمشكلة عمالة الأطفال، والحل الحقيقى فى تطبيق قانون الطفل وتفعيل نصوصه المعطلة حتى لا تتكرر المأساة.