الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
يمكنه أن يرسخ الجزر المنعزلة بين أبناء الوطن الواحد تحدى التجديد.. مشكلة التعليم الدينى!

يمكنه أن يرسخ الجزر المنعزلة بين أبناء الوطن الواحد تحدى التجديد.. مشكلة التعليم الدينى!

لا يمكن فصل النقاش بين تجديد الفكر الدينى والتعليم الدينى بمناهجه ومَدارسه المتعددة، وهو حديثٌ شائكٌ ليس فقط لأنه مرتبط بالمنظومة الدينية؛ ولكن لأنه مرتبط بتعليم ذات طبيعة خاصة، سواء بمناهجه أو رموزه أو مدارسه الفكرية.



والحديث عن التعليم الدينى المسيحى هو حديث معقد جدًا لكونه ملفًا قليل التناوُل، والشائع هو تناوُل التعليم الدينى الإسلامى بسبب ربط البعض بينه وبين ظهور بعض الاتجاهات المتطرفة والمتشددة والإرهابية؛ ارتكازًا على مرجعية النصوص التراثية المشكوك فيها، والتى يرفضها الأزهر الشريف نفسه قبل غيره.

يتسم التعليم الدينى بكونه نظام تكوين تعليمى خاص، يهدف إلى الحفاظ على العقيدة الدينية، ونقلها من جيل إلى جيل للإسهام فى تكوين متخصصين منشغلين بالشأن الدينى بداية من الوعظ والخطابة، مرورًا بتدريس العلوم الدينية والبحث العلمى، ووصولًا إلى الإنتاج المعرفى والاجتهاد الدينى، وهو ما من شأنه تشكيل الوجدان الدينى العام من خلال التنوع والانفتاح الفكرى من أجل ترسيخ ذهنية الاعتدال والوسطية التى تعوق اختراق المجتمع من قِبَل تيارات دينية متشددة ومتطرفة.



قديمًا، كانت الرهبنة هى أساس الحفاظ على التعليم الدينى المسيحى عبر العصور، ثم ظهرت «مدارس الأحد» والتى قدمت شكلًا جديدًا منظمًا للتربية والتعليم الكنسى على يد جبيب جرجس؛ وذلك بهدف تنشئة أجيال مرتبطة بالكنيسة من خلال دراسة الكتاب المقدس واكتساب السلوك المسيحى المنضبط، وتنظيم رحلات دينية للأديرة سواء للتعرف على الأديرة أو للخلوة الروحية للتأمل والصلاة. وتُعتبر مدارس الأحد هى النواة الأولى للتكوين الدينى للعديد من الرهبان والكهنة والأساقفة والباباوات، كما كانت مدارس الأحد هى بداية الطريق لإنشاء المعاهد والكليات الإكليريكية للكنيسة المصرية.

بدأت المعاهد والكليات الدينية المتخصصة أكاديميًا للطوائف المسيحية فى الظهور على غرار: الكليات الإكليريكية التابعة للكنيسة الأرثوذكسية فى القاهرة وفروعها سواء داخل مصر أو خارجها، والمعاهد المتخصصة مثل: معهد الدراسات القبطية، ومعهد الرعاية والتربية، وكلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة والمنيا والإسكندرية، والكلية الإكليريكية للكنيسة الكاثوليكية بالقاهرة والجيزة والإسكندرية وطهطا، وكليات العلوم اللاهوتية والإنسانية.

كما نذكر هنا، أن الكنيسة المصرية كانت طيلة تاريخها.. تتسم بتنوع المرجعيات الفكرية والدينية لها، ومثال ذلك: بيت التكريس بالجيزة، ودير أبومقار، وبيت مدارس الأحد بروض الفرج، ومركز دراسات الآباء.



تعود أهمية تناوُل ملف التعليم الدينى لأنه يمثل مرحلة «التكوين»، وهو ما يعنى أهمية الاهتمام به باعتباره يمثل الحالة العلمية والتعليمية للكهنة والأساقفة بحيث تتاح لهم المزيد من فرص التعلم والحصول على درجات علمية لاهوتية.. تعيد مكانة رجال الكنيسة المصرية ضمن قائمة أهم لاهوتيى العالم. وتأسيس نظام جديد ومتطور فى اختيار الأساقفة. مثل: شرط الحصول على الدرجة العلمية «الدكتوراه تحديدًا» لرفع مستوى القدرات اللاهوتية والعلمية والفكرية لأعضاء المجمع المقدس.. بما ينعكس إيجابيًا على أداء رجال الكنيسة، وعلى أن يتم تنفيذ هذا النظام بعد 7 سنوات من إقراره؛ لترسيخ نظام جديد دون المساس بالنظام القديم ورجاله، كما أذكر هنا الأهمية القصوى لتطوير الأديرة والاهتمام بها، وإعادة الاعتبار لما تملكه من محتوى دينى وثقافى أثرى.. يمثل كنزًا معرفيًا للباحثين والعلماء والخبراء. وأتمنى لو تم إقرار معايير الصحة البدنية والنفسية لجميع رجال الإكليروس من الرهبان والكهنة والأساقفة، فضلًا عن إقرار الذمة المالية لهم قبل بداية مسيرتهم الدينية.



فى اعتقادى، أن تجديد الفكر الدينى المصرى من شأنه الارتقاء بمناهج التعليم الدينى.. فهما وجهان لعملة واحدة، ولذا نحن نحتاج إلى تجديد الفكر الدينى وليس الخطاب الدينى.. فالخطاب الدينى آراء شخصية فى معظمه «الوعظ والإرشاد»، ويرتكز على فكر دينى «أفكار وتصورات» لاجتهادات لاهوتية وفقهية على مَرّ السنوات، أمّا تجديد الفكر الدينى فيمثل فهم الإنسان للدين، ورؤيته الشخصية. وليس المقصود بالقطع تجديد النص الدينى أو الكتب السماوية. والتجديد هنا غير معنىّ بشكل الخطاب وكلماته؛ بل بتعديل سيكولوچية الفكر الدينى ومضمونه بما لا يتعارض أو يمس النصوص بثوابتها الدينية والإيمانية؛ خصوصًا أن تراثنا الدينى يحتوى على بعض ما يخالف أصول الدين، ويخالف المنطق العقلى، فلا يمكن رفض النص الدينى منطقيًا لأنه مَرجَعٌ غيرُ قابل للشك، وفى الوقت نفسه لا يمكن قبول تفسيراته كليًا لما فى بعضها من تجاوزات غير مقبولة دينيًا أو فكريًا.. على غرار اقتران الهوية الدينية بالقتل من جيش الرّب فى أوغندا وداعش فى ليبيا والعراق وسوريا. التعليم هو الذى يمكن أن يقوم بسَد الفجوة بين التراث والتحديث بالمنطق العلمى الذى يدعم أركان الدين فى مؤسّساتنا الدينية العريقة، وليس بالمنطق الخرافى القائم على الدجل والخرافات؛ لتدعيم فقه التبرير للعجز والفشل والهزائم أمام الغرب على مدار 60 عامًا مضت.



أسئلة مُعلقة..

الدين فى العقلية الجمعية المصرية.. مكون أساسى منذ الفراعنة وإلى الآن. ولذا يتعامل الكثيرون مع التعليم الدينى باعتباره من المقدسات غير المسموح بنقده أو الاقتراب منه. وفى تقديرى.. كمؤمن بالدولة المدنية المصرية أن المسألة أكبر من الدعوة بإلغاء التعليم الدينى كما يطالب البعض، وأعتقد أننا نحتاج إلى فتح باب النقاش الوطنى مع المفكرين والمتخصصين قبل تقديم إجابات سابقة التجهيز حول:

أولًا: هل فعلًا يعتبر التعليم الدينى فى مصر هو الأساس القيمى للمجتمع والدولة؟ وهل هناك تناقُض بين التعليم الدينى والتعليم المدنى؟ وهل استطاع التعليم الدينى صناعة عقل ناقد من خلال تقديم معرفة دينية رصينة.. ترتكز على القواعد العقلانية فى النقد والتحليل وتقديم وجهة نظر.. تتواكب مع متغيرات المجتمع وتحدياته؟ وهل التعليم الدينى الآن متطور ومواكب للعصر من الأصل؟ وهل حقًا يقدم التعليم الدينى مناهج للكراهية، ومنتجًا بشريًا متطرفًا؟ وهل الحل فى استبدال التربية الدينية بالتربية الوطنية والمواطنة؟

وهل محتوى مناهج التعليم الدينى متطور ويتسق مع مناهج البحث العلمى وأدواته أمْ لا تزال أسيرة الماضى وتكريس الغيبيات وأحادية التفكير من خلال وجهة النظر الواحدة غير القابلة للنقاش أو التحليل أو التطوير؟ وهل تطوير التعليم الدينى هو دراسة اللغات أو الكمبيوتر؟ وفى حالة إذا ما كنا طورنا مناهج التعليم الدينى بالفعل.. ما حال القائمين على التدريس الذين هم منتج لمحتوى دائمًا ما طالب الجميع بإعادة النظر فيه؟

ثانيًا: هل خريجو التعليم الدينى لديهم معرفة حقيقية بالأديان المتعددة سواء السماوية أو الفلسفية؟ وهل لديهم القدرة على تحديد المساحات القيمية المشتركة التى يمكن أن تكون أساسًا للحياة المشتركة المرتكزة على التسامح والحوار والتعاون وقبول الاختلاف والحق والعدل والمساواة، ونبذ العنف والتمييز والتنمُّر والتطرُّف والتشدُّد والإرهاب؟ وهل استطاع التعليم الدينى بناءَ إنسان «رجل دين» قادر على نشر السلوكيات الراقية والقيم المنضبطة والمبادئ الإنسانية السامية؟ وهل استطاع التعليم الدينى.. أن ينتج مواطنين مشاركين أمْ منعزلين.. يمكن لهم أن يروّجوا للتسامح والمساواة بين أبناء الوطن الواحد فقط؟ أمْ ستكون النتيجة شكلًا فقط، وفى الحقيقة يتم ترسيخ فكرة سيادة الدين الحقيقى المطلق على باقى الأديان؟ وهو من شأنه ترسيخ فكرة الجُزر المنعزلة داخل الوطن الواحد. ثالثًا: هل يمكن إعادة صياغة التعليم الدينى على أسُس؛ أهمها: بناء شخصية متوازنة نفسيًا وعلميًا، ومتفاعلة وإيجابية، ومدركة لرسالتها الإنسانية، وتواجه الدجل والغيبيات، وتعتمد العقل فى التحليل والتفكير بعدم الخلط بين الدينى والسياسى، ومواجهة توظيف أحدهما للآخر أو استغلاله، وتوجيه سلوك الدارسين نحو سلوك دينى.. يرسخ القيم الديمقراطية.



نقطة ومن أول السطر..

فى مصر الآن إرادة سياسية لتجديد التعليم والفكر الدينى، ولكن يبقى السؤال الأساسى: هل المؤسّسة الدينية «المسيحية والإسلامية» المصرية لديها الدافع الحقيقى لتحقيق هذا التجديد؟ أمْ أن حالة التجديد تصطدم بوكلاء الدين وأوصيائه من دون أى مراعاة للمصلحة الوطنية العليا؟ وهل يمكن للمؤسّسة الجامعية «الحكومية» بوجه خاص أن تتبنى العلوم الدينية ضمن مناهجها باعتباره منهج بحث علمى مع الاحتفاظ بخصوصيته كتعليم دينى؟.