
تحية عبدالوهاب
الحقيقة مبدأ.. عام جديد وأزمات موروثة
مر عام 2021 من دون أى تغيير نوعى فى الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية وبدأ العام الجديد حاملًا نفس الأزمات التى ورثها من الأعوام السابقة، مضيفًا لها الأزمة الصحية التى خيمت على العالم كله.. وهنا يأتى التساؤل حول كيف يبدو المشهد العربى فى مطلع العام الجديد؟ دول ما زالت أسيرة حروب متعددة الأوجه والأسباب واللاعبين، مثل سوريا واليمن وليبيا ومن قبلها القضية المركزية للعالم العربى بشكل أساسى مستمرة منذ عام 1948، وهى القضية الفلسطينية والأرض المغتصبة وشعبها الأسير من المحتل الصهيونى، ودول تعيش أزمات قاسية ذات تداعيات خطيرة عليها إذا ما استمرت وتصاعدت هذه الأزمات، مثل لبنان والسودان وتونس.
ولا تنس بالطبع الحالة الصومالية المستمرة منذ عقود من الزمن والتى صارت نموذجًا للدول الفاشلة، وهناك أيضًا حالة العراق الذى أخذ مسار الخروج، وليس ذلك بالأمر السهل، وما زال يواجه الكثير من التحديات. نجد الوضع الفلسطينى على الصعيدين الداخلى أو الخارجي، كما هو وطن مغتصب من عدو يرتع فى أرضه مرتكبًا كافة الجرائم من مذابح وتخريب أرض الزيتون وحرقها لبناء المستوطنات الصهيونية غير المشروعة على الأرض المحتلة باعتراف العالم وبقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، تلك القرارات التى لم تنفذ منذ 1967 وحتى اليوم. هذا بالرغم من أنه كانت هناك بادرة أمل حدثت منتصف العام الماضى وهو الهبة الشعبية العارمة التى عمت كل فلسطين الجغرافية، ذلك بالاحتجاجات التى اندلعت فى القدس المحتل، بحى الشيخ جراح، والتى قامت بها العائلات الفلسطينية المقيمة بالحى جراء مطالبة السلطات الصهيونية المحتلة بإخلاء منازلهم وتوطين المستوطنين الصهاينة فى منازلهم التى يمتلكونها منذ القدم، بل أيضًا حرق أراضيهم المزروعة بالزيتون والبرتقال من أجل بناء مستوطناتهم، بل أيضًا انتهاك مقدساتهم وحرمانهم من دخول المسجد الأقصى والصلاة فيه، فى الوقت الذى يسمح فيه لدخول الصهاينة وحراستهم من قبل الشرطة الصهيونية، ليدنسوا الحرم القدسى بأرجلهم النجسة، لكن للأسف ما حدث فيما بعد من تعذر قدرة الفلسطينيين على استثمار تضحياتهم وبطولاتهم فى تلك الهبة التى شارك فيها عرب 48، بل أيضًا يستثمرون التغييرات الدولية والإقليمية التى حدثت بعد تلك الأحداث. ذلك بسبب افتقار الفلسطينيين لإدارة أحوالهم، فشاهدنا انكفاء جهود المصالحة بين حركتى فتح وحماس، وإقلاع السلطة الفلسطينية عن إجراء الانتخابات التشريعية لتجديد شرعيتها واستنهاض أحوالها، كما قام الكيان الصهيونى بشن حرب جديدة على قطاع غزة.
هذا مع عدم قيام الإدارة الأمريكية الجديدة بأى جديد للفلسطينيين، وبقى المشهد فى بداية العام الجديد كما هو دون أى تغيير سياسي، والصراع العربى الصهيونى لم يكتب له نهاية لدى الشعب العربى الذى يؤمن بأن نهاية الصراع مرتبطة بعودة كل الأراضى العربية المحتلة فى عام 1967، فى كل من فلسطين ولبنان وسوريا وضرورة إقامة دولة فلسطين، هذا بالرغم من بعض التحولات التى حدثت خلال العام الماضى من بعض الدول العربية التى قامت بالتطبيع المجانى مع الكيان الصهيونى. أما الوضع السودانى فهو الآخر ظللت سماؤه الكثير من الغيوم، حيث شكلت الخلافات التى جرت فى 25 أكتوبر الماضى بين الفريق الركن عبدالفتاح البرهان الرئيس السيادى للسودان وإقالته لحكومة دعبدالله حمدوك رئيس الوزراء، ثم اعتقاله هو و6 من أعضاء حكومته، الأمر الذى اندلعت بسببه الاحتجاجات وطالبه بإلغاء القرارات التى اتخذت، وتواكب ذلك مع مطالبات دولية وخارجية وإقليمية بأهمية عودة الحكومة ورئيسها لاستكمال المرحلة الانتقالية وفقاً للوثيقة الدستورية. بعد استجابة البرهان وعودة حمدوك، ذلك بعد شهر من إقالته، لكن بدلًا من أن يساعد ما حدث على التخفيف من حالة الاحتقان السياسى فى الشارع السودانى إلا أن المشهد زاد اشتعالًا، ذلك أن حالة الانقسام فى المكون المدنى زادت اشتعالًا، وانضمت شرائح منه مع قيادات الجبهات المسلحة التى كانت قد عقدت اتفاقًا للسلام بجوبا، واعتبر المكون المدنى المعارض لقرارات المكون العسكري، أن د.عبدالله حمدوك بتوقيعه الاتفاق السياسى الجديد مع البرهان لم يعد يعبر لا عن مطالب الثورة ولا يمثل المكون المدنى فى السلطة التنفيذية، وأنه تخلى عن الوثيقة الدستورية، وأصبح متوافقًا مع المكون العسكري، بل اتهموه بأنه أصبح واجهة له. ومن ثم طالبوا خلال التظاهرة الاحتجاجية برحيل حمدوك، وأن يسلم المكون العسكرى السلطة للمدنيين، وعليه تصاعدت المظاهرات مع استخدام السلطات الأمنية القوة المفرطة والعنف فى مواجهة المتظاهرين السلميين، الأمر الذى زاد من أزمة الثقة بين المكون المدنى والمكون العسكري، وحاول حمدوك أن يعالج أزمة الثقة بينه وبين المكون المدنى وطالب بضرورة تشكيل حكومة جديدة من كل الأحزاب والأطياف السياسية وغيرها، لكن مجلس السيادة الجديد برئاسة البرهان ونائبه حميدتى تمسك بأن تكون الحكومة، حكومة تكنوقراط، الأمر الذى جعل حمدوك يستقيل، الأمر الذى قابله الثوار فى الشارع بأنه أمر محمود معتبرين أن وجوده كان فى صالح المكون العسكرى وقدامى السياسيين الذين يحاولون إعادة الأوضاع السياسية إلى ما كانت عليه فى ظل النظام السابق الذى قامت الثورة ضده.
وأصبحت صورة السودان الحالية تتركز حول حالة احتجاجية تقودها قوة الحرية والتقييد وتجمع المهنيين ولجان المقاومة وتعلن كل يوم رفضها التفاوض مع المكون العسكرى. إن تعقيدات المشهد السياسى فى السودان فى أمس الحاجة إلى حد أوفى من الثقة المفقودة بين الحكومتين المدنية والعسكرية، كما يجب رأب حالة الانقسام والمخاوف داخل المكونين، وأيضًا فى حاجة لإقناع المكون المدنى بأن إخراج المكون العسكرى فى هذه الفترة الانتقالية غير واقعى. دلل على ضوء ما يحيط السودان من تحديات أمنية داخلية وعلى الحدود، الوضع الحالى بالسودان يحمل أخطارًا كبيرة قد لا يراها الفاعلون الثوريون المنغمسون فى العمل السياسى اليومى وهو خطر الفوضى والمواجهات الأمنية.
يبقى المطلب الملح فى هذا الوقت هو صياغة اتفاق بين المكونين مبنى على الوثيقة الدستورية مع ضمانات بتنفيذه لاستكمال المرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات لإقامة حكم مدنى ديمقراطي، هذا لأن الشعب السودانى عاشق للديمقراطية ولا يطيق الاستبداد الذى يجلب معه الفساد. أما الحالة التى تعيشها تونس فهى حالة فريدة حيث تتسم حالة الانقسام السائدة السلمية حتى الآن، ذلك لحرص كلا الطرفين المعارضين لأسلوب الرئيس قيس سعيد والمؤيدين له، على تجنب الصدامات الحادة، آخذين فى الاعتبار عدة عوامل منها أن مدة العام التى حددها الرئيس لتنفيذ برنامجه ليست طويلة، كما أنها ستنتهى بإجراء انتخابات برلمانية، لكن ما يقلق المعارضة هو ماذا ستكون عليه التعديلات الدستورية وقانون الانتخابات اللذين يعدهما الرئيس قيس سعيد؟، وهل سيتضمن قانون الانتخابات الجديدة مواد تحول دون دخول بعض الأحزاب والكتل السياسية الانتخابات، ذلك على ضوء ما يوجهه الرئيس لتلك المجموعات بأنها تتلقى دعمًا خاصًا ومخالفة القانون، هذا إلى جانب رؤيته لها بأنها قد تجاوزها الزمن. ومن المتوقع أن يكون عام 2022 مليئًا بالاحتقان فى تونس، كما أن هناك حالة من الترقب لما سوف يفرغه تطبيق برنامج الإصلاح السياسى الذى أطلقه الرئيس قيس سعيد، وما أحدثه من انقسام لن يهدأ حتى ترضى المعارضة، وتحدث انفراجة أو تضطر لقبول ما يريده الرئيس، ويبقى بالتالى الانقسام والاحتقان قائمين، أما المشهد اللبنانى فالمنتظر من عام 2022 أن يكون عام الاستحقاقات فى لبنان، انتخابات نيابية وانتخابات رئاسية إلا أن الاستحقاق المهم والأساسي يكمن فى العمل على وقف الانهيار المتسارع، من حروب سياسية فى الداخل من خلال تبادل الاتهامات بمسئولية ما آلت إليه الأوضاع وشلل فى السلطة التنفيذية، وأكثر ما يعبر عن هذا الشلل هو غياب أو تغييب دور مجلس الوزراء فى تحمل مسئولياته فى الوقت الذى فيه البلد فى أمس الحاجة إليه. ويأتى السؤال هل هناك أمل بالتوصل إلى هدنة بين الأطراف اللبنانية لإنقاذ لبنان من الغرق؟ ألم يحن الوقت بعد لحل أزماتنا وحروبنا المختلفة والتى يدفع ثمنها الجميع من شعوبنا.