الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
وائل الإبراشى.. الأسطى الكبير

وائل الإبراشى.. الأسطى الكبير

كنت حديثة التخرج من الجامعة ولا أزال أشق طريقى فى بلاط صاحبة الجلالة، أسبوع بالكاد هو الذى كان قد مر على التحاقى بالعمل كصحفية تحت التمرين فى جريدة صوت الأمة تحت رئاسة تحرير الأستاذ، وما إن رأيت خبر وصور انتحار شاب شنق نفسه أعلى كوبرى قصر النيل لعدم قدرته على الزواج ممن أحب، دخلت فى نوبة بكاء كانت أشد على نفسى من وقع الحسام المهند، ولا إراديًا وجدت نفسى أصعد الطابق الثانى وأطلب مقابلة رئيس التحرير، كان أغلب ظنى أنه لن يقابلنى كونها ليلة تقفيل العدد الأسبوعى ومن يعمل بالمهنة يدرك جيدًا حجم انشغال رئيس تحرير ليلة تقفيل عدد أسبوعى، المهم أبلغه سكرتيره بطلبى وعاد بعد دقائق «الأستاذ بيقولك اتفضلى»، دخلت عليه تتابع الدموع على وجهى ولا أستطيع السيطرة عليها، وما إن رآنى حتى ترك ما فى يده وسألنى مذهولًا «إيه ده فى إيه؟» بصوت متحشرج أخبرته أن واقعة انتحار الشاب هى السبب فى اختناقى نفسيًا لهذا الحد وأنى أريد كتابة مقال أعبر فيه عن رأيى فى الواقعة، والعاملون فى المهنة أيضًا يعرفون مدى صعوبة فرد مساحة رأى لصحفى تحت التمرين فى العدد الورقى، لكن الأستاذ قدر حالتى وعشمى فيه وقال لى «طب متعيطيش، انزلى اكتبى مقال وهاتيه بسرعة عشان بقفل ومفيش وقت»، عدت إليه بعد نصف ساعة بالضبط ومعى المقال مكتوب على ورقة دشت مبللة بدموع كانت تسقط منى أثناء الكتابة، أمسك بالورقة ونظر إلىّ متأثرا وقال «هنشره.. إنا لله وإنا إليه راجعون»، وكان أول مقال ينشر لى، من يومها رأيت مساحة الإنسانية فى شخص وائل الإبراشى واتخذ مكانته فى قلبى كقائد ومعلم وأستاذ كبير، توالت مواقفه الداعمة، المحفزة، الدافعة للأمام، لم ألجأ إليه يومًا وخذلنى، لم يبخس حقى قط، لم أره أبدًا إلا إنسانًا شديد التواضع، بابه مفتوح للجميع، يقدم الجميع، يفرد مساحة للجميع، لا يقصده أحد ويرده خائبًا أبدًا، خبر وفاته صاعق بحق، ولو كان يعلم كورونا أنه سكن رئتى أسطورة بحجم وائل الإبراشى لقتل نفسه خجلاً مما فعل فى آلية تنفس شخص قضى حياته يفتح متنفسًا للجميع، ولو كان يعلم أن استمرار نخره فى رئتى الأسطى الكبير وإنهاء حياته سيفتح الباب لشماتة الخونة وتشفى أذنابهم فيه لراجع نفسه كثيرًا، بحثًا عن الراحة سنقول أنها إرادة الله ولا نقول إلا ما يرضى عنه، أسال الله العظيم أن يتغمده بواسع رحمته وأن يجعل خيره فى الدنيا مصبوبًا فى ميزانه وشماتة الناقصين فى موته درجة يرفعه بها عنده، وداعًا أستاذى وأستاذ جيلى، وداعا الأسطى الكبير، وعلى خطاك ما استطعنا لهذا سبيلاً .