
تحية عبدالوهاب
الحقيقة مبدأ.. حصاد عام مضى: إرادة الشعوب تمرض ولا تموت
رغم أن العديد من مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام فى دول العالم تقوم برصد توقعاتهم للعالم فى العام الجديد، فإننى سوف أستعرض خلال عام مضى فى محاولة لسرد حصاد عام مضى، وما حدث بمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام وما حدث بالوطن العربى شكل خاص، حيث يتعرض الوطن العربى لحروب طمس الهوية بالمحاولات المستمرة للتشكيك بمصداقية دولنا ومدى قدرتها على النهوض بشعوبها، والقدرة على التحمل والثبات. ذلك بالتذكير بما حدث خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، عندما قامت الانتفاضات الشعبية التى تفجرت فى العديد من أقطارنا العربية عبر هذا العقد الماضى.
كان هناك زخم شعبى لتغيير أوضاع جثمت على ظهور شعوب تلك الأقطار، لكن كان هناك أيضا المتربصون من طيور الظلام لهؤلاء الشباب الطامحين لحياة أفضل، إلا أنهم مفتقدون للحنكة السياسية وألاعيب المتربصين، عجز هؤلاء الشباب عن تحقيق ما كانوا يصبون إليه، هنا ظهر هؤلاء المتربصون لينقضوا على السلطة مثلما حدث فى كل من مصر وتونس ثم سوريا وليبيا واليمن وأخيرا السودان فيما بعد كان هؤلاء الانتهازيون من أحزاب وتنظيمات الإسلام السياسى وتحت أسماء متعددة لها مثل الدواعش والحوثيين وجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية الذين انقضوا على ثورة تونس ومنها إلى ثورة 25 يناير بمصر وبدأوا فى تنفيذ مخططاتهم الإجرامية بالتوغل داخل مفاصل الدولة المصرية، قاموا بإشعال الحرائق بالفتن والتشكيك فى كل شىء عدا ما يقترفونه.
استولوا على السلطة فى مصر وحكموا مصر لمدة عام، كانت مصر خلاله فى طريقها للحروب والتناحر بين شعبها مثلما حدث بعد ذلك فى كل من سوريا وليبيا وتونس واليمن، والتى مازالت بها تلك الحروب والتناحر والصراعات ليومنا هذا. إلا أن الله أنقذ مصر من براثن هؤلاء الإرهابيين وفشلت خطتهم بفضل الانتفاضة الشعبية بثورة 30 يونيو التى حماها جيش مصر الوطنى، الذى وقف بجانب شعبها وتم إسقاط هؤلاء الإخوان المسلمين الإرهابيين، ليتولى حكمها بعد ذلك أحد أفرادها من الشعب المصرى وتولى المسئولية لإنقاذ الوطن من السقوط، وهو الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى نجاها من هذا السقوط، أخذ على عاتقه خلاصها وتنميتها والبناء وليس الهدم، أما سوريا الجريحة التى مازالت تنزف دماؤها ويموت شعبها إما غرقا فى البحر للذين هربوا فارين مما يحدث بهجرات غير شرعية، ناشدين النجاة من تنظيمات إسلامية إرهابية ممن يدعون من الإسلام السياسى بمسمى داعش، ثم تآلب على سوريا الحبيبة كل من روسيا وتركيا وإيران للسيطرة على أرض الأشقاء السوريين، وكنا نتابع أيضًا الصهاينة والأمريكان وهم يزاحمون هذا الثلاثى وكان أسوأ ما جرى عندما تفاقمت الأزمة السورية، بتدويلها وإحالتها من الجامعة العربية التى وقفت موقف المتفرج على المشهد وذهبت الأزمة السورية إلى مجلس الأمن، ثم تجميد السفارة السورية بالقاهرة فى عهد الرئيس الإخوانى الأسبق مرسى، وتم إخلاء مقعدها فى الجامعة العربية بضغوط بعض الإخوة العرب الأعضاء بالجامعة العربية ومازال مقعدها شاغرًا وحتى يومنا هذا. مازالت سوريا تنزف دماؤها بسبب وجود هؤلاء الإسلاميين الإرهابيين فى بعض مدنها، ومازالت تعانى من الضربات الجوية الصهيونية على أرضها وشعبها ولا تجد من بلدان العالم المتحضر والذين يتشدقون بالحرية وحقوق الإنسان وهم أبعد مما يتشدقون به، نفس السيناريو يتكرر مع تونس من خلال من يسمون بالإسلام السياسى والتابعين أيضا لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابيين، تبع تونس كل من اليمن وليبيا والسودان، ورغم تلقى أحزاب وتنظيمات الإسلام السياسى عدة هزائم مدوية فى السنوات الثلاث الأخيرة فى عدة دول عربية وإسلامية خلال العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين، وكانت آخر تلك الهزائم فى انتخابات المغرب وتونس والجزائر والعراق، إلا أنه لم يعلن بعد عن وفاتهم، ورغم أن مغزى تلك الهزائم التى حدثت جاءت من رفض شعبى متزايد وليس من خلال إجراءات أمنية حكومية وتلك الهزائم امتدت من العراق شرقا إلى المغرب على سواحل المحيط الأطلسى، أى بامتداد الوطن العربى كله، بما فيهم تنظيم جماعة الإخوان المسلمين الذين ومنذ تأسيسها على يد حسن البنا عام 1928، ورغم كبواتهم خلال السبعين عاما التالية لتأسيسها، فإنهم لم يختفوا أو يتم القضاء عليهم وعندما سنحت لهم الفرصة للانتقاء بانتخاب محمد مرسى ظنوا وتخيلوا بقاءهم فى السلطة لمائة عام وخططوا لهذا، إلا أن انتفاضة الشعب المصرى وبحماية الجيش له أقصوا هؤلاء الإرهابيين، ورغم كل ما حدث لهم فإنه لم يعلن بعد خبر وفاتهم، ذلك لأنهم يكمنون كالثعالب فيمارسون نشاطهم الإجرامى فى محاولات خبيثة ليبثوا سمومهم الهدامة من أماكن كمونهم من إسطنبول إلى لندن إلى كاليفورنيا وماليزيا، لهم فروعهم بـ66 دولة حول العالم.
أما الوضع فى لبنان فهو مختلف عن باقى الدول العربية، حيث يعيش لبنان حالة انفصام شديدة بجميع مكوناته وأطيافه تتمثل بالانهيار المجتمعى الحاصل لجميع أنواع الانفجارات من الاقتصادى إلى الاجتماعى إلى السياسى إلى الأمنى، ذلك مع الكلفة الباهظة التى يدفع ثمنها المواطن اللبنانى، أزمة تعكس صراعًا سياسيًا لبنانيًا يتداخل فيها العامل الداخلى بالعامل الخارجى، وعلى اللبنانيين بجميع طوائفهم تدارك الموقف حتى لا يغرق بلدهم. يأتى الوضع فى اليمن «السعيد» الذى لم يعد سعيدا ليزيد الحزن العظيم على وطننا العربى وما يجرى فيه، فهذا اليمن قد دمر تماما نتيجة الصراع الدائر بين أفراد شعبه الذين انقسموا إلى الحوثيين المدعومين من إيران والشق الثانى من الشعب الذى يدفع ثمن الدمار والانهيار مدعومين من البعض الآخر! والنهاية فى هذا الصراع هو دمار اليمن وشعبها كله نتيجة لتلك الحرب العبثية التى يمارسها الشقان. أما ليبيا فهى كذلك تعيش حالة حصار من ميليشيات متعددة وأطماع لتركيا فيها.
مازالت الصراعات على من سيتولى السيطرة والسطو عليها، ليبيا تعيش حالة ارتباك عام فى إدارة الملفات السياسية والأمنية نتيجة القوة الخارجية التى تدعم الميليشيات المتمركزة فى طرابلس، هذا بالإضافة إلى القوى المحلية المحركة لمشهد الفوضى نتيجة هذا الارتباك وتلك الأحداث الأخيرة التى جرت خلال الأيام القليلة الماضية، جاءت مخيبة لآمال انتهاء الأزمة الليبية، توقفت عملية الانتخاب الرئاسية التى كان مقدرا لها أن تعقد يوم 24 ديسمبر، ذلك وبعد تصاعد الأحداث فى العاصمة طرابلس التى وقعت تحت سيطرة أمراء الحرب والميليشيات المسلطحة الخاضعة لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، عجزت الحكومة الليبية المدعومة دوليا عن تنفيذ قرار إجراء الانتخابات وإزالة حالة القوة القاهرة التى تواجه استكمال العملية الانتخابية، كما لم تتم عملية الاحتواء السياسى المنوط به المعالجات الرشيدة لتلافى سيناريو الفوضى الذى كان يغطى الأراضى الليبية من قبل وجود الفاعلين المدعومين من جانب لجنة البعثة الأممية التى تشارك فى الاجتماعات السياسية، يبقى السؤال: ماذا سوف تنبئ به الأحداث القادمة لدولة ليبيا؟! أما السودان الشقيق حيث تتصاعد الأمور وتتشابك على نحو يصعب معه ملاحقة التطورات التى تنمو بشكل لا يدع مجالا آمنا بعد مصرع الثقة، حتى إن تصريحات الأطراف الفاعلة التى تحمل الكثير من المضامين التى ربما لا يقف صاحبه ذاته على أكثرها قدرة على الحياة، ذلك بعد أن تحولت القوى فى السودان بعد ثورة 2019 التى أطاحت بحكم البشير، تحولت تلك القوى الفاعلة إلى صراعات على من يتولى نظام الحكم الهجين «عسكرى ومدنى»، هذه الخلفية أسفرت وطبقا لما تقوله الأمم المتحدة عن السودان «إن أكثر من نصف السكان يعيشون فى فقر، كما بلغ معدل سوء التغذية بين الأطفال 38٪ ونظام الرعاية الطبية فى حالة انهيار»، ومع الميل إلى ترجيح كفة الإرادة الوطنية التى بات عليها الانطلاق لتحقيق تطلعاتها المشروعة فى حياة كريمة حرة بإرادة شعب السودان وإيمانه بقيم ومبادئ ثورته، وعليه أن يمشى المشوار الذى قطعته مصر بخطوات سريعة صادقة معبرة بصدق عن تفرد العلاقة الخاصة بين الشعب ومؤسسته العسكرية التى حملت دائما آماله وطموحاته وعملت على تحقيقها، أما عن فلسطين المنكوبة التى أصبحت هى وشعبها لا رأى لهما فى مستقبلهما الذى بات عصيا على الحل، حيث يحرم الشعب الفلسطينى بأن يكون له رأى فى مستقبله الذى بات عصيا على الحل، يحرم شعب فلسطين من إقامة دولة التى قررتها له قرارات من الأمم المتحدة ومجلس الأمن منذ 1967، ولم تنفذ تلك القرارات حتى يومنا هذا، بل يتم نفيه من أرضه وتحرق حقوله ليبنى عليها المستوطنات الصهيونية غير المشروعة، يتم إذلاله ويخضع للقيود اليومية التى يفرضها عليه المحتل الصهيونى الغاصب لوطنه و قاتل أبناء فلسطين وتدنس مقدساته وانتهاك كل المحظورات التى تمارس على هذا الوطن المنكوب بصمت من يدعون أنهم حماة حقوق الإنسان، يعاقبون عليها الدول التى يتهمونها بانتهاك تلك الحقوق، فيما عدا الكيان الصهيونى الذين يقفون أمامه عميًا بكمًا صمًا مما يقترفه من جميع الجرائم ضد شعب أعزل محتلة أراضيه محروم حتى أن يدلى برأيه فى أى قضية تعنيه ويمارس عليه سياسة الفصل العنصرى.
وتحيا مصر.