الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا..السؤال الشائك والمعلق دائمًا عن إداراتها أموال الكنائس من أين وإلى أين؟!

مصر أولا..السؤال الشائك والمعلق دائمًا عن إداراتها أموال الكنائس من أين وإلى أين؟!

أموال الكنيسة.. تعتبر من أكثر الملفات الشائكة فى الحديث عن إصلاح الكنيسة. وذلك لكونه يأتى ضمن أولويات ملف التطوير المؤسسى للكنيسة المصرية. وهو الأمر الذى يتطلب وجود نظام مالى عام وموحد وواضح للكنيسة بإشرافها ومتابعتها. وهو ما يعنى تطوير هيكل عمل الكنيسة لتتحول بشكل كامل للعمل المؤسسى الجماعى لجميع الكنائس والأديرة والأوقاف والممتلكات التى تقع تحت إداراتها أو الإشراف عليها..



 

وهو الأمر المنوط به المجلس الملى باعتباره المجلس المدنى المنتخب تحت إشراف لجنة الانتخابات بوزارة الداخلية. وهو المجلس الذى لا يعرف أحد مصيره بشكل دقيق إلى الآن، ومع جميع التحفظات التى ذكرناها فى مقال سابق عن اسمه.

الحديث بوجه عام عن متابعة الأموال.. هو حديث شائك جدًا لأنه يثير التحفظات من جانب، ويجعل البعض يستنتج الشبهات والاتهامات من جانب آخر. رغم أن الحديث عن متابعة الأموال وضبط صرفها هو ضمن أهم قواعد التطوير والعمل المؤسسى لتحقيق قدر كبير من الشفافية وتعظيم الاستفادة من أسلوب صرف تلك الأموال. وهو حديث بعيد كل البعد عن توجيه الاتهامات أو الإدانة لأن طرح هذا الملف للنقاش يندرج تحت دعاوى الإصلاح والتفكير، وليس بغرض المراقبة والتحقيق..

الإصلاح والتطوير هو سمة الحياة ومتغيراتها، ولا علاقة له بوجود تقصير أو وجود فساد.

بين الحين والآخر، يتم الحديث عن أموال الكنيسة، ولكن تصعيد النقاش فى هذا الملف الشائك.. تم فى مرحلة صعود تيارات الإسلام السياسى بعد أحداث 25 يناير، حيث تم استثماره وتضخيمه فى إشارات واضحة بالتهديد والتلويح بوضع أموال الكنائس تحت رقابة الجهاز المركزى للمحاسبات.. تزامنًا مع تصعيد العديد من الاتجاهات الفكرية والسياسية قضية معرفة مدى شفافية مصادر تمويل جماعات الإخوان الإرهابية ومواليها من جماعات الاسلام السياسى، وأوجه الإنفاق، ونوع الأنشطة التى تمارسها، ومدى قانونيتها من عدمه.

ومن واقع تتبع الحديث عن أموال الكنيسة.. خاصة منذ تسعينيات القرن الماضى، أعتقد أن أحد أهداف جماعات الإسلام السياسى فى هذا الأمر هو الترويج لمناخ من الشائعات حول أموال الكنيسة ووجود الذهب والأسلحة فى الأديرة.. بشكل تراكمى حتى تم استثمار هذه الصورة الذهنية بعد أحداث 25 يناير كنوع من التمهيد لاتخاذ قرارات استباقية ضد الكنيسة وممارسة الضغوط عليها. 

إنها أسطورة جماعات الإسلام السياسى التى روجت لمفاهيم على غرار «الكنيسة دولة داخل الدولة» و«الإمبراطورية الاقتصادية للكنيسة».. لزرع الشكوك والأزمات والتوترات بين أبناء المجتمع المصرى.

بعيدًا عما سبق، فإن الحديث عن أموال الكنيسة هو حديث شائك جدًا لعدة أسباب، منها:

أولًا: الكنيسة لا تتلقى أى دعم مادى من الدولة بشكل مباشر أو دورى سواء فى صرف مرتبات رجال الدين المسيحى، أو الصرف على أنشطة الكنيسة الخدمية، أو المصروفات الإدارية والنثرية الدورية. كما أن تلك المصروفات لا تندرج تحت الموازنة السنوية للدولة ولا تتكفل بها الدولة لأن الكنيسة لا تتبع الجهاز الإدارى للدولة المصرية. ولذا لا علاقة لمراقبة الجهاز المركزى للمحاسبات بالرقابة على أموال الكنيسة كما يردد البعض بين الحين والآخر لأنه المنوط به الرقابة على مؤسسات الدولة الحكومية.

ثانيًا: جميع مصادر أموال الكنائس المصرية بالدرجة الأولى هى تمويلات ذاتية من تبرعات المواطنين المسيحيين المصريين من داخل مصر أو من خلال أتباعها من المهاجرين المسيحيين المصريين. وهو الأمر المعروف داخل الكنيسة باسم «العشور» المرادف للزكاة عند المواطن المسلم المصرى، أو النذور أو العطايا، ودائما ما تكون فى شكل تبرعات مادية وعينية. وهى جميعها فى نهاية المطاف أموال فردية شخصية خاصة، ولا تندرج تحت المال العام ولا علاقة لها به، فضلًا عن بعض المصادر الثانوية الأخرى المرتبطة بتأجير قاعات العمل الاجتماعى للأفراح وتلقى العزاء، وإدارة المدارس والمستشفيات إن وجدت.

ثالثًا: الكنائس فى عمومها لا تقوم بأنشطة اقتصادية، ولكن الأديرة هى التى تقوم ببعض المشروعات الإنتاجية. على غرار: الأراضى الزراعية ومزارع تسمين العجول والمزارع السمكية ومزارع الدواجن وورش النجارة. وهى تمثل أحد المصادر الأساسية لتمويل الكنيسة بأنشطتها المتعددة بما فيها العديد من المشروعات التنموية فى قرى الصعيد الأكثر احتياجًا. ونذكر أيضًا، أن «الموالد المسيحية» تمثل أحد مصادر التبرعات خاصة للأديرة المنوط بها تنظيمها.

رابعًا: لا يعلم العديد ممن يكتبون فى هذا الملف.. أن غالبية الكنائس والأديرة لها حسابات بنكية معلنة ومعروفة لدى الجهاز المصرفى المصرى، كما أن العديد من التبرعات تأتى فى شكل تحويلات رسمية مثبتة فى الحسابات البنكية، وهو ما يعنى أنه بغض النظر عن أى ملاحظات عن النظام المالى للكنيسة.. فهو معروف ومعلن بشكل عام، وهذا لا ينفى الحاجة إلى تطويره ليكون أكثر شفافية ومؤسسية.

خامسًا: نذكر هنا ملاحظة مهمة، أنه رغم ما سبق.. فقد قامت الدولة بواقع مسئوليتها بعد ثورة 30 يونيو العظيمة بدورها فى ترميم جميع الكنائس والمنشآت ومبانى الخدمات التابعة للكنيسة المصرية، والتى تم حرقها وتدميرها، بعد فض ميدانى رابعة والنهضة فى 14 أغسطس 2013، كما قامت بتخصيص الأرض وإنشاء كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة، والتى تم افتتاحها مع مسجد الفتاح العليم فى 6 يناير 2019، كما وجه الرئيس بقيام أجهزة الدولة المعنية بإنشاء كنيسة فى كل مدينة جديدة يتم التخطيط لها. وهى سياسات لم تتبع قبل ذلك فى التعامل مع ملف المواطنة المصرية.

وبناء على كل ما سبق من معلومات وملاحظات، يتأكد أن الكنيسة المصرية هنا هى مؤسسة دينية ضمن أهم مؤسسات الدولة المصرية، ولكنها لا تتبع الجهاز الحكومى المصرى، ولا وجود لها فى الموازنة العامة للدولة المصرية، وهو ما يعنى أهمية تطويرها وضبط أداء عمها الإدارى والمالى والقانونى.

من هنا تأتى أهمية وجود كيان منتخب على غرار «المجلس الملى» رغم تحفظى على اسمه ليقوم بهذا الدور حتى لا تترك الأمور المالية والإدارية تحت تصرف كل كنيسة أو دير على حدة، وحتى يكون هناك نظام معمم للمرتبات والتأمينات الاجتماعية والصحية للعاملين داخل الكنيسة سواء من الكهنة أو غيرهم.. انتهاء بعمال النظافة والحراسة.

ليست القضية مرتبطة بثبت التبرعات والمصروفات من خلال دفاتر الإيصالات لأن هذا يحدث فعليًا، ولكن الأهم هو وجود نظلم عام تحت إشراف كيان منتخب كنسيًا على غرار المجلس الملى لمتابعة جدوى الصرف وتعظيم الفائدة لكونه نظامًا ماليًا لمؤسسة دينية وليست مؤسسة ربحية على الإطلاق، والهدف فى النهاية هو مساندة غير المقتدرين على مواجهة تحديات الحياة، وهو دور ظل مساندا للدولة لسنوات طويلة، ولكنه يحتاج الآن إلى إعادة نظر بعد أن استعادت الدولة دورها الاجتماعى والسياسى بقوة فى ملف حصر ومساندة الفئات غير المقتدرة، وتقديم برامج دعم وحماية اجتماعية لهم. وربما يحتاج الأمر إلى إعادة نظر فى إنشاء مبانٍ للخدمات وربما إعادة توجيه تلك الأموال فى تأسيس مشروعات صغيرة للشباب حديثى التخرج.

نقطة ومن أول السطر..

الإصلاح والتطوير من خلال وجود نظام إدارى ومالى قوى هو من شأنه دعم رسالة الكنيسة دينيا واجتماعيًا ووطنيًا، واستمراراها بقوة. وعلى الوكلاء أن يمتنعوا عن التعليقات والاستنتاجات الساذجة.

ومن له أذنان للسمع.. فليسمع ويفكر ويفهم.