الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الدولة تبحث عن طلعت حرب

الدولة تبحث عن طلعت حرب

أحد رجال المال أصدقائى كان يمتلك فى التسعينات مصنعين للملابس الجاهزة وفروع محلات فى القاهرة تصل إلى 20 فرعًا قال لى «أنا زهقت من العمال وقرفهم وقررت أقفل المصانع وأستورد لبس من تركيا أنضف وأرخص وميبقاش عندى عمالة تقرفنى». 



قابلته بعدها بسنوات قاعد على كافيه فى المول سألته عن المصانع قاللى شديت مكانهم برجين بعتهم تمليك وبعت الـ 20 فرعًا وفتحت مكتب استيراد والحمد لله مغرق البلد لبس تركى.

سألته والعمال؟ 

قاللى يا راجل بلا قرف ولا تأمينات بقى ولا معاشات ولا أدفع كهربا ولا ميه. 

ولقيته بيقوللى: أنا قررت أشتغل فى المقاولات. 

قلت له: بس أنت معندكش خبرة! 

قاللى: دى لقمة طرية المكسب فيها بالهبل هقدم على 100 فدان فى طريق مصر اسكندرية الصحراوى. 

قلت له: تفكير ممتاز استصلاح الأراضى فكرة هتخدمك وتخدم الدولة. 

قاللى: استصلاح مين؟ أنا هقسمها فيلات بجناين كل فيلا 1500 متر هعمل كمبوند وأبيع بالمتر.

 

النهاردة وأنا أقرأ تصريحًا لأحد كبار رجال المال فى مصر يشتكى فيه من أن الدولة تزاحم رجال الأعمال فى سوق العمل وأنه يطالب بخروج الدولة وترك المجال مفتوحًا أمامهم، سألت نفسى: لماذا يشتكى رجال الاستثمار العقارى ولا يشتكى رجال الاستثمار الصناعى؟

مثلًا الدولة تمتلك أكثر من مصنع لإنتاج السلع المعمرة، والسوق مليء برجال الأعمال فى هذا المجال، كلهم ناجحون وبعضهم وصل نجاحه إلى تصدير منتجات مصانعه إلى إفريقيا والخليج وأوروبا ولم نسمع منهم شكوى واحدة. 

الدولة تمتلك مصانع حديد وأسمنت، ورجال الأعمال فى المجال يحققون أرباحًا ويفتحون أسواقًا للتصدير دون أن تصدر عنهم شكوى واحدة.

الدولة تمتلك مشروعات دواجن ولحوم وأسماك ومشروعات زراعية، والقطاع الخاص مليء بالمصانع والشركات فى هذا المجال ولم نسمع شكوى واحدة. 

إذن المشكلة كما تبدو فى عملية الاستثمار العقارى؟ 

عندما جلست مع أصدقاء يعملون فى المجال عرفت أن هذه البوابة الملكية للانتقال من خانة المليونيرات إلى خانة المليارديرات بسهولة ويسر، وأن تلك السوق كانت مفتوحة بلا ضوابط طوال عقود، والشاطر هو من يعرف مسئولًا أو ابن مسئول يشاركه بالمجهود ورجل المال بالمال. 

مثلًا حصل كبار رجال الأعمال على أراضى الظهير الصحراوى فى طريق مصر الإسكندرية الصحراوى كاستثمار زراعى بتراب الفلوس، تحولت فى سنوات قليلة إلى كمبوندات سكنية فخمة لعلية القوم، وبعد أن كان رجل المال يشترى الفدان بخمسمائة جنيه أصبح يبيع المتر بخمسة آلاف. 

بعض رجال الأعمال أخذوا أراضى فى الشيخ زايد و6 أكتوبر للاستثمار العقارى بأسعار لا تتجاوز الـ20 جنيهًا للمتر قاموا باستثمار ربعها فى كمبوندات أيضًا ثم تسقيع الأراضى خمس سنوات ليعاد طرح المتر بأكثر من 20 ألف جنيه.

نعود إلى السؤال هل تنافس الحكومة شركات القطاع الخاص العقارية؟ 

عندما طرحت الحكومة فكرة إنشاء عاصمة إدارية جديدة لم يتحمس ولا رجل أعمال مصرى واحد للتقدم لإنشاء هذه المدينة، من تحمس كانت شركات عربية كبرى وشركات أجنبية منها شركة صينية، وفشلت المفاوضات بسبب أن تلك الشركات طلبت أن تقدم 10 % من قيمة الاستثمار من محفظتها المالية بينما تحصل من البنوك المصرية على قروض تصل إلى 90 % من قيمة المشروع، وأن تؤول ملكية الأراضى التجارية الخاصة بالمولات والمصانع وغيرها للشركة المنفذة مقابل أن تسلم الدولة مجموعة من مبانى الوزارات والهيئات.

  طبعًا الدولة رفضت وقررت إنشاء المشروع، واستعانت بخبرات وعقليات استثمارية كبرى فى هذا المجال، وحققت الدولة من بناء العاصمة الإدارية أرباحًا مليارية وباعت لبعض المستثمرين العقاريين أراضى وصل سعر المتر فيها إلى 3500 جنيه بينما كانوا يحصلون عليه فى السابق بـ 35 جنيهًا. 

رجال المال استكثروا على الدولة أن تحقق أرباحًا تذهب إلى دعم الصحة والتعليم وبناء المساكن للقاطنين فى المناطق الخطرة. 

وبالتالى بدأت الشكاوى من نوعية إننا لا نعمل والدولة هى من تقوم بكل شيء مع أن مشروعات الدولة كلها عاصمة إدارية وعلمين جديدة والمونوريل والقطار السريع والكبارى والأنفاق يتم تنفيذها من خلال شركات مصرية من ضمنها شركات رجل المال الذى يهاجم الدولة.

مشكلتهم أن هناك كيانًا اسمه الهيئة الهندسية مسئولًا عن التخطيط والإشراف والاستلام، وبالتالى لا يمكن اللعب معه كما كان فى السابق، وأصبحت الشركات العقارية تحقق أرباحًا صافية 30 % فقط بعد أن كانت تحقق 300 % بفضل منظومة الفساد السابقة، وأصبح رجل المال مطالبًا بتسليم المشروع فى موعده وبالجودة المطلوبة. 

بينما مثلًا عند إنشاء التجمع كانوا يضعون مواسير مياه وصرف صحى وأسلاكًا أقل كثيرًا جدًا من المواصفات المطلوبة، وهو ما كان يؤدى إلى انقطاع المياه والكهرباء وغرقان الشوارع فى الأمطار، وهو ما دفع الحكومة لإعادة استبدال البنية التحتية فى التجمع بسبب السرقات والفساد السابق والذى حول الكثيرين من مليونيرات إلى مليارديرات، وبالمناسبة شركات مصرية هى من تنفذ البنية التحتية الجديدة لكن بإشراف حديدى من الحكومة. 

محاولة العودة إلى زمن الفساد الجميل كما يحلو لهم تسميته لن تنفع مع الإدارة الحالية، ولن يحصل رجل مال على أرض بقروش قليلة وتقوم الدولة بتوصيل المرافق له مقابل 100 فيلا و200 شقة توزع على الحبايب أو تعيين 20 حمادة و30 مروة من أولاد كبار المسئولين فى مشروعاتهم بأرقام فلكية. 

مصر تحتاج إلى رجال أعمال من عينة عبود باشا وأبو رجيلة.

مصر تحتاج إلى طلعت حرب جديد، رجل يبادر قبل الدولة. 

طلعت حرب أنشأ شركة طيران وبنك مصر وشركة سينما ومصانع والكثير مما كان المفروض أن تقوم به الدولة.  طلعت حرب كان رجل أعمال لديه رؤية وهدف يسعى إلى أن يساعد مصر لكى ترتقى، وليس قومسيونجيًا مثل الكثير ممن هم على الساحة حاليًا.

مصر بدأت صناعة السيارات من الستينيات وأغلقت الدولة مصانعها فى بداية الألفينيات وتركت الساحة مفتوحة لرجال الأعمال، فهل صنعنا سيارة وهل زاد مكون الإنتاج المصرى فى السيارة عما كان حادثًا أيام دخول الدولة فى الإنتاج؟! 

لماذا فشلنا فى تصنيع سيارة مصرية بالكامل واستمر رجال المال فى تجميع السيارات داخل مصر دون محاولة التصنيع. 

العيب ليس أبدًا فى الدولة، العيب فى الباحث عن الربح السريع ولو على حساب تنمية دولته. 

مصر تحتاج إلى رجال أعمال، تحتاج إلى رجال صناعة، تحتاج إلى عقلية طلعت حرب. 

مصر لا تحارب أبدًا طلعت حرب، ولا حتى تحارب القومسيونجية، لكنها تريد ضبط أدائهم وأن يتوقفوا عن مص خير البلد لآخر قطرة، وأن يتوقفوا عن الشكوى، لأن الدولة سدت فى وجوههم أبواب الفساد. 

بالمناسبة هناك أسماء عديدة وكبيرة ومحترمة فى مصر تسير على نفس نهج طلعت حرب والدولة تدعمهم وتثق فيهم بل وتبحث عنهم.