الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
المضللون وثائق كشــف أكاذيب الإخوان الكتاب الأخطر لسيـد قطب.. لم ينشـر!

المضللون وثائق كشــف أكاذيب الإخوان الكتاب الأخطر لسيـد قطب.. لم ينشـر!

قصة كتاب مجهول لـ«سيد قطب»



أخطر من «معالم فى الطريق»

 

كان سيد قطب أحد الذين قُبض عليهم فى مؤامرة 1954، وحُكم عليه بـ 15 سنة سجنا، وحين خرج من السجن بعفو صحى فى العام 1964، بدأ يخطط من جديد لاغتيال عبدالناصر، لكن الشاهد أن هذه الخطة كان قطب قد بدأ الإعداد لها وهو فى السجن، يظهر لنا هذا من مذكرات على عشماوى. 

فى هذا الوقت كان على عشماوى يعيد بناء تنظيم الإخوان من جديد مع عبدالفتاح إسماعيل وآخرين، وبإشراف زينب الغزالى وبمعرفة حسن الهضيبى مرشد الإخوان.

 

 يقول على عشماوى: «فى أحد الأيام اتصلت بنا الحاجة زينب الغزالى، وأخبرتنا أنه قد تم الاتصال بالأستاذ سيد قطب، عن طريق أخته وأنه أرسل معها رسالة خاصة، ذهب الشيخ عبدالفتاح إسماعيل إليها، وأحضر الرسالة وقرأها لنا فى أحد لقاءات المجموعات، كانت حوالى عشر صفحات مكتوبة باليد، كان بها حديث مطول عن العقيدة ووجوب تصحيح الاعتقاد أولا، وبعد ذلك تأتى الأمور الدينية والدنيوية، وأن تصحيح الاعتقاد لا يمكن إلا بمعرفة أنه هو الله والرب وأنه لا عبادة إلا لله، ولا يكون فى أمر العبادة إلا ما يريد رب العباد».

وجاء فى رسالة قطب أيضا: «إننا نعبد الله ونخلع ما يُعبد من دونه، وهذا ملخص مركز للاعتقاد، وإذا كانت هذه هى الحال مع الله، فلا ولاء ولا خوف ولا عبادة إلا له وحده، وهذا يحرِّر العباد من عبادة العباد، ويردهم إلى عبادة الله وحده».

أوصى سيد قطب مجموعة الإخوان الذين استهدفهم بألا ينهجوا منهجا دراسيا حدده بدراسة سورتى الأنعام والأعراف، مع قراءة ودراسة بعض الكتب ومنها كتب «المودودى – المصطلحات الأربعة – الحجاب مع منهاج المسلم – هل نحن مسلمون – العقائد – ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ - الغارة على العالم الإسلامى».  ختم قطب خطابه بوعد إلى الإخوان أن يدوم الاتصال واللقاء فى المستقبل.

 تحمَّس عشماوى ورفاقه إلى مواصلة الاتصال مع سيد قطب، فهو أقرب إلى أفكارهم ولا يشعرون معها بالغربة، إلى جانب أنه كان يحمل اسمًا لامعًا، وكانوا وقتها حريصين على البحث عن قيادة معروفة شهيرة، ولا ينكر عشماوى أنه تحمس للاستمرار مع سيد قطب والسير خلفه.

ما جعل على عشماوى يتحمس أكثر لخطة سيد قطب لاغتيال عبدالناصر، أن زينب الغزالى أخبرت عبدالفتاح إسماعيل أن مكتب المشير عامر مهتم بالانقلاب على عبدالناصر برعاية الوفد والإخوان. 

يحكى عشماوى ما جرى: «فى صبيحة أحد الأيام اتصل بى الشيخ عبدالفتاح إسماعيل وأخبرنى أنه يريدنى للقاء مهم، تواعدنا والتقينا، وقال لى: إنه تقابل مع الحاجة زينب الغزالى وأنها أخبرته أن مكتب المشير عامر يسأل عن القوى الشعبية التى يمكن أن تقف معه إن هو حاول الانقلاب ضد عبدالناصر، وأنه مهتم بصورة أساسية بالإخوان وحزب الوفد على أساس أنهما القوتان الفاعلتان فى الشارع المصرى. طلبت منه تفاصيل أكثر عن هذا الموضوع ولكنه قال لى: إن التفاصيل مع الحاجة زينب الغزالى، وطلب منى أن نذهب معًا لمناقشتها فى الأمر، وذهبنا، وأخذت تشرح لنا الأمر وتصوره علي أنه فرصة العمر قد أتت إلينا للخلاص من عبدالناصر».

عندما سمع عشماوى من زينب الغزالى ما سمعه فتر حماسه قليلا. قال لها: «إن المشير ليس هو الشخصية التى تستطيع أن تنفذ ذلك إلى النهاية، خاصة أنه خذل عددا كبيرا من الضباط الموالين له، حين حشدهم ضد عبدالناصر ولما أشار له عبدالناصر بإصبعه تبعه وترك أعوانه دون غطاء أو حماية وتم اعتقالهم، إلى جانب أن هذا الأمر برمته يمكن أن يكون من صنع رجال عبدالناصر فى مكتب المشير لمعرفة وجود تنظيمات للإخوان والوفد من عدمه».

«وقلت لها إننى أرى عدم التورط فى هذا الأمر، ثم سألتها عن موقف حزب الوفد فأخبرتنى أنه قد تم الاتصال بهم عن طريق المستشار محمد قطب، وأنه مستعد للاجتماع، وأخبرتها برأيى النهائى وهو رفض حضور هذا الاجتماع، وضرورة إخبارهم بأن الإخوان ليس لهم تنظيم ولا قيادة ولا أى كيان يمكن الاتصال به، ثم انصرفت».

يتضح لنا من سرد عشماوى لما جرى تمزق جماعة الإخوان وتشتتها، فقد طالب صلاح شادى القيادى الإخوانى والذى تولى رئاسة النظام الخاص فى بدايته أنصاره بإبلاغ البوليس عن أى تشكيل جديد للنظام الخاص.  وقتها جرت مواجهة بين على عشماوى وصلاح شادى: 

 سأل عشماوى: لماذا طالبت بالإبلاغ عنا؟ 

«ورد شادى: لأننا القادة ويجب أن تسمعوا كلامنا قبل أى تحرك.. وكان لابد من عقابكم لأنكم تصرفتم دون إذنى فنحن الذين نقوم بتوجيه الجماعة، ومن يتصرف خارج هذا الإطار ولا بُدَّ أن يوقف بصورة أو بأخرى».

ويعلق عشماوى على هذه الواقعة بقوله: «اطلقت علينا بعد ذلك مجموعة صلاح شادى أننا جواسيس للحكومة أو للأمريكان أو لأى جهة، المهم إننا جواسيس لأننا خرجنا عن رأيهم كمجموعة، ولم نخرج على رأى الجماعة بدليل معرفة المرشد عنا، وإقراره لوجودنا، وهنا يمكن بحث هذا السلوك والفكر الذى قاد انقلابا داخل الجماعة ضد السندى ومجموعته ليقوموا بإحكام قبضتهم على الجماعة وتوجيهها إلى الوجهة التى يريدون، ولست بذلك أدافع عن السندى ولكنى أقرر حقيقة ما حدث».

بعد خروج سيد قطب من السجن التقى به على عشماوى فى منزله بحلوان. يقول عن اللقاء: «كان حديثه معنا فى البداية حديث مجاملات، ثم أخبرنا بزيارته لمنزل المرشد، وأنه استأذنه فى العمل معنا، فأذن له، ثم تحدثنا فى موضوع كان يقلقنا ويقض مضاجعنا، هو مسألة الأستاذ فريد عبدالخالق والأستاذ مراد الزيات والخوف من أن يبلغوا عنا وأن يكشفوا عملنا».

وقال لنا سيد قطب: إن الأستاذ منير الدلة قد أخبره بشيء من هذا القبيل، وأنه حذره منا ومن الأستاذ عبدالعزيز على ومن الحاجة زينب الغزالى، وقال إن سبب خوفهم هو اتصالنا بالحاجة زينب والأستاذ عبدالعزيز على اللذين يعملان لصالح المخابرات الأمريكية، وكان رأيه أن نترك له الأمر تماما، وألا نشعر أنفسنا إلا بشيء واحد، وهو إعادة بناء التنظيم وإعادة بناء الفكر كما سيرتبه لنا، وبالأسلوب الذى يراه هو».

أخذ سيد قطب على عاتقه أن يوقف تصرف منير الدلة وفريد عبدالخالق ومراد الزيات، وقال لعشماوى ومن معه إنه يضمن الحاجة زينب الغزالى وعليهم أن يتركوها له، لأنه يرى أنها مكشوفة، وأنه لا يمكن أن تستعين بها مخابرات دولة أجنبية وهى مكشوفة بهذا الشكل، ثم أشار إلى أنها على علاقة طيبة بمنزل الهضيبى.

بدأ سيد قطب بعد ذلك فى الحديث مع زائريه حول البناء العقيدى الجديد الذى يراه، وكان قوام هذا البناء يقع فى أمرين أساسيين: 

 أولا: إن الاعتقاد الإسلامى يقوم على الفهم الحقيقى والدقيق لمعنى التوحيد الوارد فى كلمة«لا إله إلا الله»، وقال إن هذا المعنى كان يفهمه المسلمون الأوائل أو العرب فى صدر الإسلام، لأنهم كانوا على دراية تامة باللغة العربية وهم أهلها، لكن الناس فى هذا الزمن الذى نعيشه قد فقدوا معنى اللغة والإحساس بها، وقد تعددت اللهجات بحيث لا تعنى المعنى نفسه، فقد يقال فى الصعيد إن فلانا قد قتل فلانا، ولو شهدت المحكمة بهذا لأعدم القاتل، ولكنها تعنى أنه ضربه بشدة.

 وعند قطب أن فهم «لا إله إلا الله» أيام الرسول كان يعنى الإيمان بالله ورسوله إيمانًا قاطعًا ينفى أى تبعية أو إيمان أو خضوع أو خوف من أى شيء آخر إلا الله، وكان الرسول يقول للناس: «أن تؤمنوا بالله وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه»، وهذا معنى انتفاء وجود الأرباب لأن خلع ما دون الله هو عدم الخضوع لأى أحد أو فكر أو عادة أو عُرف يخالف أمر الله، ولذلك فإن فهم الإسلام وإعادة تذكير الناس بهذا المفهوم هو ضرورة حقيقية لإعادة بعث الفكر الإسلامى والعقيدة الإسلامية فى نفوس المسلمين الذين تاهوا عن الطريق والذين قد انحرفوا وابتعدوا عن أصل العبادة. 

 ثانيا: إن رحلة الأنبياء من أول نوح حتى محمد عليه الصلاة والسلام تتلخص فى أمرين، الدعوة إلى إسلام الأمر لله، وأن الدين هو الإسلام، فجميع الأنبياء قد جاءوا بهذا المعنى، توحيد الله سبحانه وتعالى أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، ثم إن الدين عند الله الإسلام، هذان المعنيان هما أب الرسالات المتعاقبة من أول نوح وحتى محمد عليه الصلاة والسلام، وهذا دليل على وحدة الرسالة منذ بداية الخلق، ولهذا فإذا كان ذوو الأديان السابقة للإسلام قد فرطوا فى عقيدتهم وبعدوا عنها، فقد اعتبروا متخلين عن دينهم واعتبروا أنهم عادوا إلى الجاهلية مرة أخرى، ولذلك فإذا بعد المسلمون بالقدر نفسه وفرطوا، فهم بذلك قد استحلوا أن يقال عنهم أنهم ارتكنوا إلى الجاهلية هم أيضا، وأنه ولا بُدَّ من إعادة تصحيح عقيدتهم مرة ثانية، وهو اعتبار الناس كفرة، ويترتب على ذلك ألا تأكل ذبيتحهم وألا تتزوج منهم، وأن تعتزلهم، وأن تستبيحهم، «كان هذا اتجاهًا خطيرًا، ولكننا اندمجنا فيه، مع هذه المحاضرات التى بدأها معنا الأستاذ سيد قطب، وكان قد حدد لنا بعض الكتب التى ندرسها فى هذا الاتجاه ومنع عنا أن ندرس كتبًا أخرى حتى لا تغبش الرؤية التى يريدنا أن نكون عليها». 

 يعلق عشماوى على ما ذهب إليه سيد قطب، يقول: «كان هذا الأمر جديدا علينا بهذا الفهم، فإنه يؤدى حين نتعمق فيه ونسير على دربه إلى أن تستشعر أنك بعيد عن عقيدة الناس، وأن الناس قد بعدوا عن دينهم وتستطيع الإحساس بأنك فى واد وهم فى واد آخر، وأنهم فعلا ليسوا بمسلمين».

أصبح سيد قطب مرجعية عشماوى النهائية.

ذهب إليه أحد الإخوان، وقال له: «إنه سوف يرفض ذبيحة المسلمين الموجودين حاليا، فحمل عشماوى المسألة إلى قطب الذى قال له: دعهم يأكلوها، فليعتبروها ذبيحة أهل كتاب، فعلى الأقل المسلمون الآن هم أهل كتاب». 

 ومرة أخرى ذهب إخوانى آخر إلى على عشماوى، وقال له: «إننا مازلنا نعمل على إقامة الدين وإقامة جماعة إسلامية على الأصول الشرعية، ولا بُدَّ أن نقيم الحد فيما بيننا، أى أن نجلد الزانى أو نرجمه إن كان متزوجا، وأن نجلد شارب الخمر، وأن نجلد رامى المحصنات، واستشعرت أننا مقبلون على خطر لسنا أهلا له».

 ذهب عشماوى إلى سيد قطب وألقى بالمسألة أمامه، فقد قال له: «قل لهم إن إقامة الحدود مشروطة بالسيطرة على الأرض، فلا حدود بدون دولة، ولا دولة بدون أرض، ما دمنا غير مسيطرين على الأرض ولا نستطيع أن نقيم حكومة إسلامية، ولا أن نقيم الحدود».

 يكشف على عشماوى الخدعة التى كان سيد قطب يمارسها فى انحطاط شديد. ففى أحد لقاءاته معه استمع إليه وهو يقول: «الدعاة فى مثل حالتنا لا ينبغى أن يقولوا كل ما يرون للمسلمين أو للناس، لأننا لو قلنا لهم ابتداء أنهم غير مسلمين لنفروا منا، ولكن ينبغى أن يكون هذا الفهم بيننا ولا نجهر به للآخرين، وإنما علينا أن نحاول فقط تصحيح اعتقادهم وتفهيمهم ثمن ربطهم بنا فى النهاية». 

 من بين أهم ما يكشفه على عشماوى فى مذكراته ما قاله عن الكتاب المجهول لسيد قطب، وهو الجزء الثانى من كتابه القنبلة «معالم فى الطريق».

يقول عشماوى بشكل عابر فى مذكراته: «كان الأستاذ سيد قطب يرى أن للحركة الإسلامية قواعد أو أحكاما فقهية مختلفة كثيرًا – وفى كثير من الحالات – عما هو مقرر فى الفقه الإسلامى العادى، وسمعنا منه لأول مرة تعبير «فقه الحركة»، وكان يقول أحكامًا قائمة على فقه الحركة مخالفة- إلى حد ما – الأحكام العامة، وفى كتابه الذى لم ينشر «معالم فى الطريق – الجزء الثانى» كان يفرد جزءًا كاملاً لفقه الحركة، ولكنه عندما أخذ رأيى فى نشر هذا الكتاب رجوته ألا ينشره، لأنه سيثير انقسامات واختلافات كثيرة وسيثير الدنيا علينا، وسيقولون إن سيد قطب ابتدع فى الإسلام بدعة، ووافق على رأيى ولم نر الكتاب، ولا أعرف مصيره بعد ذلك».

لم يركز عشماوى كثيرا على هذا الكتاب، ولم يقتبس شيئا منه اللهم إلا إشارته إلى فقه الحركة، التى يصفها بأنها كانت أحكاما مخالفة إلى حد ما للأحكام العامة، ولم يقل لنا شيئا إلا أنه يجهل مصير الكتاب، ويبدو أن هذا الكتاب تم إعدامه أو التخلص منه، فلم يذكره أحد، ولم يحاول أحد نشره بأى طريقة من الطرق، بما يؤكد أنه ليس موجودا على الإطلاق، لكن هذا لا ينفى أن سيد قطب كان مبدعا فى فقه الدم والتنظير له، ولم يكتف بجزء واحد من كتابه معالم فى الطريق، بل كتب جزءًا ثانيًا، ونحمد الله أنه لم ير النور. 

 يحدثنا على عشماوى عن بداية بناء تنظيم سيد قطب يقول: «كان سيد قطب بعد أن سألنا عن عدد الأفراد الذين فى أيدينا وأخبرناه أنهم حوالى ثلاثمائة، كان يرى أن سبعين منهم على الأقل سيكونون قادة مبرزين أو إيجابيين أكثر، وقال يجب أن نبحث عن هؤلاء السبعين، وأن نعمل على إعطائهم جرعات أكثر من الفكر، وأن نبدأ بتدريب هؤلاء تدريبًا خفيفًا، حتى يكون ذلك بداية لتأهيلهم فى أن يكونوا قادة العمل الذى نحن بصدده فى المستقبل القريب».

تمت إعادة تشكيل المجموعات، وكانت المجموعة بين ثلاثة إلى خمسة أفراد، واتفق على أن يكون لكل خمس مجموعات قائد، وكل قائد على علاقة مباشرة برئيس المنطقة التى يقوم بالعمل فيها، وبهذا يتمكنون من عزل أى مجموعات يتم كشفها أو القبض على أحد أفرادها بتهريب المسئول عن هذه المجموعات، وبهذا لا يتم كشف التنظيم كله، كما كان يحدث سابقا فى أغلب تنظيمات الإخوان الهرمية، التى كانت إذا اعتقل أحدهم يتم الاعتراف على باقى التنظيم ومعرفة كل أفراده بسهولة شديدة. 

 بدأ العمل فى تجنيد مجموعات جديدة من الشباب المتحمس، وكان من أقرب المجموعات لسيد قطب تلك المجموعات المندمجة فى جماعة «التبليغ والدعوة» وكان من السهل إقناعهم بأنهم يعطونهم أكثر، وأن هذا هو الخط الإسلامى المتكامل الذى ينبغى أن يسيروا فيه، لأن هذه الجماعة كانت تُنكر الجهاد، ويضعون بدلا منه مسألة الخروج فى سبيل الله ثلاثة اشهر فى السنة للدعوة إلى الله، وأنهم يعتبرون ذلك هو الجهاد المفروض، أما الجهاد كما يفهمه سيد قطب، فكانوا ينكرونه حرصًا على رضاء الحُكَّام، وحتى لا يصطدموا بالدول التى يعملون بها، فكانوا يرون أن هذا أكثر أمنا لهم فى الحركة، ولكنهم وقعوا فى محظور شديد وهو تضييع مبدأ مهم من مبادئ الإسلام.

يقول عشماوى: «أعدنا بناء التنظيم، وظلت اجتماعاتنا ومتابعاتنا للأمور فى كل المحافظات تتوالى وتسير بخطى وئيدة، وكنا كل يوم نكسب أرضًا جديدة وإخوانًا جددًا، وكانت لقاءاتنا مع الأستاذ سيد قطب تتوالى أسبوعيا، وفى بعض المرات كان يقابلنا فى القاهرة فى أحد البيوت التى أعددناها لهذا الغرض، واكتمل الشكل النهائى للإخوة فى التنظيم كالآتى: صبرى عرفة الكومى، على أحمد عشماوى، عبدالفتاح إسماعيل، أحمد عبدالمجيد عبدالسميع، مجدى متولى، وهؤلاء هم المجموعة التى تلتقى مع الأستاذ سيد قطب وتتوالى لقاءاتها به، وتأخذ تعليماتها منه وتنفذها أولا بأول».

فى أحد اللقاءات قال سيد قطب للمجموعة بأنه وردت إليه معلومات من مكتب المشير عامر تقول: «نضرب الإخوان الآن.. أم ننتظر عليهم بعض الوقت».

 وقال: «إن هذه المعلومات أكيدة، وأنه متأكد من مصادرها، وأن الحكومة تُعد لضرب الجماعة، وأن عليهم أن يستعدوا لذلك، ولا ينبغى أن يعطوهم الفرصة ليضربوا الجماعة دون أن يردوا عليهم، وكان من رأيه أنهم ينبغى – بناء على ذلك – أن يسرعوا فى تدريب المجموعات التى ستقوم بتنفيذ أى عمليات فيعطونها أولوية فى العمل، وأن يشتروا أسلحة وأن يجهزوا أنفسهم لو حدث أى صدام بحيث يردوا عليه بعنف».

 بدأ تنظيم سيد قطب يعمل كعصابة تماما. 

 يقول عشماوى عما جرى بعد ذلك: «كان هذا ما اتفق عليه فى هذا اليوم، وخرجنا من عنده نعد للأمر، واتفق على أن أتولى أنا الأمور الخاصة بالتسليح والتدريب إلى جانب عملى كمسئول عن القاهرة، وبدأت فى إجراء لقاءات تدريبية فى بعض المحافظات وفى القاهرة، كنا نعطيهم تدريبا فى الدفاع عن النفس وثانيا على السلاح وثالثًا على بعض الأعمال التكتيكية التى يمكن أن تجابهنا فى المستقبل».

 «ظلت هذه التدريبات قائمة على قدم وساق، وكانت إحدى مشاكلنا أن الوقت قصير، ولم تكن الأسلحة وصلتنا، ولذلك فإن مهمتى للتجهيز كانت صعبة جدا، وكان علىَّ أن أبدأ فى حشد أسلحة ومفرقعات استعدادًا لمثل هذه الأحداث المرتقبة، فقمت بتكليف الأخ مبارك عبدالعظيم بأن يختار من بين الإخوة المتخرجين فى كلية الهندسة قسم كيمياء لتكون نواة لعمل أبحاث فى صناعة المفرقعات، وتكون هذه المجموعة تحت إشرافى أنا مباشرة، وقمت أنا وبعض الإخوة الآخرين بشراء بعض قطع الأسلحة التى يمكن أن تستعمل، وقام الشيخ عبدالفتاح بالاتصال ببعض الإخوة من طنطا وهو الأخ أحمد سلام- وكانت له علاقة بالجيش – فأحضر بعض الأسلحة والقنابل اليدوية». 

«بدأنا التدريب بهذه الأسلحة التى اشتريناها والتدريب على صناعة المفرقعات، وقد كلفنا هذا جهدًا ومالاً، ولما احتجنا إلى الأموال عقدنا اجتماعا وطلبت من الشيخ عبدالفتاح أن يبدأ فى صرف الأموال من المبلغ المجمد عنده من قبل، وهو مبلغ 4 آلاف جنيه التى كان أعطاها له الأخ سعيد رمضان وقال إنه يحفظها عند الاستاذ الهضيبى، وبدأوا يصرفون مبالغ لشراء الأسلحة وشراء الكيماويات اللازمة للمفرقعات، وفى هذه الأثناء فرضنا ضريبة على كل الإخوان المنتظمين فى التنظيم هى 5 بالمائة من دخل كل فرد يعطيه طواعية كل شهر للمسئول عنه حتى تصل الأموال إلينا لتغطية نفقات الانتقال، واستئجار بعض الشقق وشراء المفرقعات والأسلحة وخلافه».

«اضطررنا لشراء بعض الكتب والمراجع الخاصة بصناعة المفرقعات حتى أننى لجأت إلى مكتبة السفارة الأمريكية للبحث عن هذه الكتب، ووجدت بعضها ونقلت منها بعض الموضوعات، واستعنا ببعض الكتب التى اشتريناها من الأسواق، وكان بحثنا كله يجرى فى اتجاه صناعة مادة (T.N.T) وهى صناعة محفوفة بالمخاطر من الناحية الفنية، خاصة مع عدم وجود معامل مجهزة، وكنا نخشى إنشاء هذه المعامل فى مكان ما، لأن هذا غير مأمون بالنسبة لأمان الناس الموجودين، وأيضا بالنسبة للتأمين ضد هجمات الحكومة، فقد كان يصعب نقلها من مكان إلى آخر عند اللزوم».

«جاءنا أحد الإخوة المختصين بالكيمياء، وقال إنه وجد مادة يمكن أن نفعل بها ما نشاء، وأن نركب منها المفرقعات المطلوبة، وشرح لنا هذه التركيبة ببساطة، وقال: إنها مادة نيترات الأمونيوم يضاف إليها السولار العادى مع التجفيف فى أفران خاصة مع التقليب المستمر، وقال إن هذه المادة شديدة الانفجار، ويمكن أن يصنعوا منها عينة، وأن نقوم بتجربتها، وقال إن لديهم الإمكانات الخاصة لتنفيذ ذلك، كان هذا الأخ ضمن مجموعة تعمل فى لجنة الطاقة الذرية فى أنشاص، وكانت تحت يدهم الإمكانات الخاصة بالأفران فى هذه المنشأة، فاشتريت لهم «نيترات الأمونيوم» وأعطيتها لهم، وحصلوا هم على السولار، وبدأوا فى تركيب هذه العبوات الناسفة، وقلت لهم أن يضعوها فى برطمانات يزن كل واحد نصف كيلو، فهذا حجم معقول جدا بالنسبة لهذا النوع من المفرقعات». 

 «وأتونى بعينة وذهبت مع الأخ أحمد عبدالمجيد إلى أبو رواش فى منطقة محاجر من الطبيعى أن تسمع فيها أصوات انفجارات دون أن تثير أى تساؤل أو اهتمام من أحد، واخترت حجرًا ضخمًا حوالى 2 متر مربع أى حوالى 8 أمتار مكعبة ووضعت العبوة تحته وأوصلتها بمفجر من التى أتانا بها الأخ أحمد سلام، ثم أوصلناه ببطارية ووقفنا خلف صخرة أخرى، ثم فجرت العبوة، وإذ بهذه الصخرة الضخمة قد أصبحت وكأنها «بودرة» ولم يبق منها شيء، وكانت النتيجة مذهلة وغريبة جدا، واعتمدنا هذا النوع من المفرقعات التى سوف نستعمله إن أردنا، وأمرتهم بصنع كمية 10 كيلو أو 15 كيلو من هذه المادة وتعبئتها وتخزينها فى مكان أعددته لهم». 

 غضب على عشماوى من سيد قطب بسبب كذبه، كان قد كلفه قطب باستلام أسلحة من الخارج أرسل بها إخوانًا يقيمون فى السعودية، متخطيا بذلك عبدالفتاح إسماعيل الذى كان التعامل مع الخارج من اختصاصه. 

 يقول عشماوى: «ذهب الشيخ عبدالفتاح إسماعيل إلى سيد قطب، وأتانا بعد أيام وقال: إنه سأل الأستاذ سيد إن كان قد أعطى هذه التعليمات لى لكى أتسلم شحنة السلاح وأنقلها وأقوم بتخزينها، فنفى ذلك، وهنا أحسست بإحباط شديد وخيبة أمل كبيرة، فقد كان الأستاذ سيد قطب بالنسبة لى المثل الكبير للقائد والمفكر والفيلسوف، وكنت متأثرًا به إلى حد كبير، ولكنه بعد أن أنكر ما قاله لى أمام ثورة الشيخ عبدالفتاح إسماعيل سقط فى نظرى، وقلت للشيخ عبدالفتاح إننى سوف أذهب للقائه وذهبت إليه، وكان معى بعض الإخوة، فى صباح يوم الجمعة وواجهته بما بدر منه، فقال: إنه ينبغى أن نسأل إخواننا فى القيادة، وألا ننفرد بقرار وينبغى أن يكونوا راضين عما نفعل، وأننى قد فهمت الأمر خطأ، فهو لا يقصد المعنى الذى فهمته، وتأكدت أنه قد عاد فى كل كلمة قالها لى بشدة».

 لم يكن الإحباط فقط هو ما أصاب على عشماوى، يكمل: فى هذه اللحظة ومن كثرة غيظى وإحباطى أحسست أننى قد ضيعت عمرى، وقد ضيعت حياتى وسرت بعيدًا فى طريق خطأ، فقد انكسرت فى نفسى أمور كثيرة لا يمكن أن تجبر بعد ذلك، ومع تسارع هذا الإحساس داخلى أجهشت بالبكاء أمامه وأمام من كان معى من الإخوة، ولكن الأستاذ سيد قطب أحس أن موقفه فى غاية الحرج».

 حدث ما هو أكثر، فقد جاء وقت صلاة الجمعة، فقال عشماوى لسيد قطب: «دعنا نقم ونصلّ، وكانت المفاجأة أنه علم أن قطب لا يُصلى الجمعة، وقال: إنه يرى فقهيا أن صلاة الجمعة تسقط إذا سقطت الخلافة، وأنه لا جمعة إلا بخلافة، وكان هذا الرأى غريبا عليه، ولكنه قبله لأنه فيما يحسب أعلم منه».

فى هذا اليوم صمم على عشماوى أن ينسحب من تنظيم سيد قطب، وينسحب من الأمر كله، لكنه وجد صديقه أحمد عبدالمجيد يقول له: «إننا تورطنا إلى هذا الحد معا، فلا ينبغى أن ترجع من منتصف الطريق، ولو حدثت اعتقالات فسوف تعتقل وسوف تحاكم كما لو كنت معنا». 

 لم يدرك صديق عشماوى أنه ينسحب لأن الإحساس بالصحوة بدأ بداخله، وتأكد أن ما كان عليه خطأ وعبث، وأن القيادات تسوس القطيع، لكن عشماوى أدرك أنه تورط فى الأمر بالفعل حتى أذنيه، وأن هذه الصحوة قد أتت بعد فوات الأوان، وأنه ينبغى الاستمرار حتى النهاية، فأكمل معهم رغم أنه أصبح فاقد الثقة فى كل القيادات من حوله، ومضى دون أن يدرى بما تخبئه له الأقدار. 

 يقول عشماوى: «كنت كمن يسير إلى حتفه دون إرادة، وكأنى منوم تنويمًا مغناطيسيًا، حضرت اجتماعًا للقيادة، وكان خاصًا بترتيب خطة المواجهة مع الحكومة والتى كانت تتلخص فى اغتيال كبار الشخصيات، والشخصيات المؤثرة فى دولاب الحكم، وتخريب بعض المنشآت التى يمكن أن تساعد فى إحداث خلل وفراغ وارتباك فى الدولة، ولكن لم يكن من الأمور المحسوبة ماذا سيحدث بعد أن ينهار الحكم، ومن الذى سوف يثب إلى الدولة فيحكمها، لم يكن ذلك فى حسبان أحد، وكأننا من ضيقنا أردنا أن ننفجر، ولكنه انفجار غير منظم».

من الشخصيات التى كانت معرضة للاغتيال: جمال عبدالناصر والمشير عامر وزكريا محيى الدين، وتخريب بعض المنشآت التى ورد أنها ولا بُدَّ أن تحطم أو تدمر، ومنها مبنى الإذاعة والتليفزيون، ومحطات الكهرباء، لإحداث إظلام يمكن أن يفيد تحركهم، وهدم القناطر الخيرية.

يوثق عشماوى ما حدث يقول: «تم الاتفاق على أن يتم التنفيذ فى هذه الحدود، طلبنا أن نؤجل البت النهائى حتى نلتقى بالأستاذ سيد قطب، ونعرض عليه الخطة للتنفيذ فى المواجهة المقبلة والمتوقعة مع الحكومة إذا هم بدأوا بضرب الحركة الإسلامية التى كنا نعمل فيها».

اعترض سيد قطب على اغتيال شخصيات أخرى غير جمال عبدالناصر، مثل عبدالحكيم عامر، حيث كان يراه شخصية غير مؤثرة فى شيء، وأنه لا حول له ولا قوة، وقال لهم: «إن الشخصية المؤثرة والخطيرة فى البلد بعد جمال عبدالناصر هو على صبرى لأنه رجل الأمريكان فى مصر»، وكان هذا بالنسبة لعشماوى رأيا غريبا، فقد كان يعرف أن على صبرى له ميول يسارية، وأنه قريب جدا من روسيا.

 بدأ التنظيم يعمل على تنفيذ مخططه. يقول عشماوى: «كنا فى الفترة السابقة على علاقة بأحد الإخوان وهو إسماعيل الفيومى، وكان فى موقع حساس ومتميز يمكننا من اغتيال عبدالناصر بسهولة، فقد كان واحدًا من الحرس الخاص بالرئيس عبدالناصر، وكان من الهدافين الذين لا يخطئون الرماية، وكان يمكن أن يعهد إليه بتنفيذ العملية ويقوم بها وهو مطمئن جدا إلى التنفيذ، ورغم علم كل الإخوة بذلك، إلا أن الأخ مجدى كان متحمسًا لأن يقوم هو بالعملية فى الإسكندرية، ولهذا فقد تركنا الأمر عند هذا الحد، وإن احتجنا لخدمات إسماعيل الفيومى فى لحظات أخرى فسوف نخبره بأن ينفذ العملية».

ويستكمل عشماوى ما جرى: «كنا منشغلين جدا بإعداد الاغتيالات وتدمير المنشآت، وكانت الأنباء تتوالى من جميع الإخوة الذين هم على اتصال ببعض المسئولين، وكان أحمد عبدالمجيد ينسق هذه المعلومات بصفته مسئولا عن جمع المعلومات للتنظيم، وكانت هناك مجموعة أخرى مسئولة عن سماع الإذاعات الأجنبية وكتابة تقارير عنها، ومجموعة ثالثة مسئولة عن قراءة الصحف الأجنبية وكتابة تقرير يومى عنها، وكان كل ذلك يأتى إلىَّ لأقرأه وأحلل ما به، وأتوقع ما سوف يحدث غدًا، ولهذا فقد كنت أعلم بما يجرى أولاً بأول، واتفقت مع الإخوة المسئولين عن القطاعات أن يكون بيننا لقاء عبر التليفون يوميًا حتى أعلم إن كان هناك أحد قد اعتقل أم لا، وكانت كلها إجراءات ولا بُدَّ منها لسرعة الاتصال، وسرعة وجود المعلومات فى وقتها المناسب». 

 عمل على عشماوى الترتيبات لدراسة بعض المنشآت التى سوف يتم نسفها أو تدميرها أو وقفها عن العمل، حتى أنه ذهب مع أحد المدرسين ويدعى الأخ يحيى لزيارة محطة شمال القاهرة، ونظر إليها يحيى وشاهد جميع المولدات التى بها، وقال إن وقفها عن العمل عملية سهلة جدا، وأنه هو الذى سيتولى هذه العملية، كما كان هناك ترتيب آخر لوقف محطة جنوب القاهرة حتى يضمنوا الإظلام الكامل للمدينة، وتم الاتفاق على الهجوم على عسكر الدورية الموجودين فى الشوارع وأن يتم الاستيلاء على أسلحتهم، كل ثلاثة أفراد ينقضون على حارس من الحراس الواقفين فى الشارع، ويأخذون سلاحه، وبهذا يستطيعون الحصول على السلاح فى الليلة نفسها التى تكونت بها المجموعات فى أعمالها التنفيذية. 

 خلال هذه الأحداث تزوج على عشماوى، والتقى بسيد قطب وعبدالفتاح إسماعيل فى رأس البر، وسمع منه ما قاله من أن الأخبار لديه تتوالى وتؤكد أن الصدام قائم وآت لا ريب فيه، وأنه أحس بشدة أن الأوامر لضرب الحركة الإسلامية آتية من الخارج، وأنها نتيجة مجسات فكرية غريبة قرأت ما يصدر فى مصر، وأحست أن هناك تنظيمًا، وأنهم بالتأكيد لا يعرفون شيئًا عن هذا التنظيم، ولكنهم سيحاولون الضرب العشوائى حتى يحصلوا على بداية الخيط. 

 وهنا يظهر لنا حديث آخر عن الجزء الثانى من «معالم فى الطريق» الذى لم ير النور، يقول عشماوى: «أخبرنى الأستاذ سيد أيضًا أنه انتهى من كتابه «معالم فى الطريق» الجزء الثانى، ولكنى رجوته للمرة الثانية ألا ينشره، لأنه سيكون طامة كبرى على الكل، خاصة أن الجزء الأول كان هو الذى أنبأ عن وجود تنظيم خلف هذا الفكر، وفى اليوم التالى قرأت بعض فقرات من الكتاب، وكانت كلها عن الحركة وعن تقنينها وعن فقهها».

كلف على عشماوى «جابر رزق» بأن يقوم بتأجير مجموعة شقق جديدة وأعطاه خمسمائة جنيه لهذا الغرض لتكون أماكن أخرى للإيواء فى حالة الضرورة، ووقتها فوجئ أعضاء التنظيم بالقبض على محمد قطب، ووقتها فسر سيد قطب القبض على أخيه بأن كتبه التى كتبها دلت على شيء، وأنه يمكن أن يكون بداية الخيط للقبض على باقى التنظيم. 

 أمر على عشماوى الإخوان أن يكمنوا وألا يتحركوا كثيرا بعد ذلك، وأن يداوموا الاتصال بالمسئولين عنهم يوميًا،وحدد تلك الطريقة حتى يعرف من الذين يتم القبض عليهم، فعدم اتصال العضو بالمسئول عنه يوميا، يعنى أنه قبض عليه. 

 كان عشماوى يرصد الاعتقالات التى يراها عشوائية، لأن الحكومة لم يكن لديها علم بالتنظيم ولا من يقف وراءه، لكنه كان يتابع حتى اللحظة الأخيرة ما يجرى، يقول: «كان الأخ إسماعيل الفيومى قد اتصل بى وقال إنه ذاهب لحضور احتفالات 26 يوليو بالإسكندرية وأن بإمكانه أن يقتل جمال عبدالناصر فى هذا الاحتفال، وكان يلح علىَّ أن أعطيه الإذن بذلك، ولكنى حذرته أن يفعل بدون أمر، لأننا نود أن نقوم بعمل متكامل وفى وقت واحد، وأننا سوف نرتب للأمر فى حينه، ومنعته من أن يقوم بتنفيذ أى شيء حتى أخطره بأن يقوم بدوره فى الوقت المناسب».

الاعتقالات أربكت سيد قطب، استدعت زينب الغزالى على عشماوى إلى منزلها لمقابلة حميدة قطب شقيقة سيد قطب لأنها تحمل رسالة من شقيقها إلى أعضاء التنظيم. يقول عشماوي: «بالفعل قابلتها وأخبرتنى برسالة من أخيها الأستاذ سيد مفادها أنه يطلب منا وقف تنفيذ أى عمل، وقال بالحرف الواحد: أنا لا أريد زوبعة فى فنجان، إذا كنتم قادرين على تنفيذ عمل ضخم يهز أركان البلد فافعلوا، وإن لم تكونوا على مقدرة بذلك فالغوا جميع الأوامر والخطط المتفق عليها، وهذا خير لنا جميعًا. 

 وقلت لها: كيف نفعل ذلك وقد بدأت الاعتقالات؟ وقد قال لنا الأستاذ سيد من قبل إنه لا ينبغى أن تمر الاعتقالات بسلام، ولكن ينبغى الرد عليها، ثم نفاجأ فى هذه اللحظة بإلغاء الأوامر المتفق عليها، قالت: إنه يرى أن الاعتقالات خير من المواجهة الضعيفة، فقلت لها: سوف أتدبر الأمر وتركتها، ونادتنى الحاجة زينب الغزالى وأنا أهم بالخروج قالت لى: 

«ولا بُدَّ من تنفيذ العمليات، وأن الأستاذ المرشد قد باركها، ولا بُدَّ من قتل جمال عبدالناصر بأى ثمن».

 لم ينفذ التنظيم شيئًا، كل ما جرى أنه تم القبض عليهم، ودخلوا جميعًا السجن الحربى،وهناك بدأت رحلة على عشماوى للخروج من التنظيم ومن الجماعة.