الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الجرائم الشاذة والغريبة تستوجب الإجابة عن الأسئلة الصعبة: هل يعيش المجتمع مرحلة تدهـور أخلاقى؟!

شهدنا جميعا خلال الأسابيع القليلة الماضية عددا من الجرائم الغريبة على مجتمعنا، وربما لا يخلو مجتمع من المجتمعات مهما بلغ رقيها وتقدمها من جرائم شاذة وسلوكيات غريبة طوال تاريخنا البشرى، فعمر الجريمة من عمر الإنسان نفسه.



 لكن فى ظل قوة السوشيال ميديا وقدرتها على تضخيم الأحداث وربطها ببعضها فى سياق مختلف؛ علينا أن نسأل الأسئلة الصعبة ونواجه أنفسنا: 

ما الذى أدى لوجود شعور عام بأن مصر تعانى من تدهور أخلاقى غير مسبوق؟ وهل الدولة مسؤولة عن أخلاق مواطنيها؟.. والأهم: كيف نواجه (كمجتمع) تلك الظواهر الغريبة؟

 

فى أوقات الأزمات يصبح من الصعب فصل الشعور بوجود تدهور أخلاقى عن ظاهرة أكثر خطورة وهى اتجاه البعض إلى تحميل الدولة وسياستها وأجهزتها مسؤولية هذا التدهور. 

وبالتالى تجد الدولة- أى دولة- نفسها فى وضع ضاغط، وهو ما تستغله الجماعات الفوضوية والقوى الخارجية للتشكيك فى جدارة السلطة وكفاءتها ومحاولة نشر الفوضى فى هذه الدولة أو تلك لتحقيق مصالح خاصة بدول منافسة.

لكن هل يعنى ذلك أن نكذب الشعور المنتشر فى المجتمع؟ أو إنكار وجود جرائم شاذة فى المجتمع (رغم تضخيم تلك الحوادث الفردية)؟

 علينا أن ندرك جميعا أن التكذيب والإنكار فى مواجهة أى مشكلة تواجه المجتمع ليس حلا، وأيضا اللجوء إلى نظرية المؤامرة لن يعيد الأوضاع إلى مسارها الصحيح.. الأفضل أن ننطلق فى تعاملنا من الواقع، وتصبح معالجتنا هى محاولة تفكيك تلك الحوادث إلى مكوناتها للوصول إلى استراتيجية متكاملة للتغلب على هذه الظواهر. 

 

الخطابات الـ5 للدولة

فى هذا السياق يبرز أهمية تكامل جميع خطابات الدولة المتمثلة فى الخطاب السياسى، والخطاب الإعلامى، الخطاب التربوى والتعليمى، الخطاب الدينى، الخطاب الثقافى. 

ومن الضرورى فتح المجال أمام السينما والدراما والمجتمع المدنى والمؤسسات الدينية والتعليم للوقوف على الدور الذى يمكن أن تقوم به هذه المؤسسات فى إعادة بناء المنظومة الأخلاقية فى المجتمع المصرى.

أيضا لا بد أن نشير إلى الدور المهم المطلوب من وزارة الثقافة بقطاعاتها المختلفة وقصورها الموجودة فى جميع المحافظات، إذ تشكل الثقافة العنصر الأهم فى الحفاظ على الهوية وتفكيك المشكلات المختلفة فى المجتمع، كما تمثل أداة تواصل مهمة وربط بين الشباب والمجتمع والدولة.

دور الدولة فى الحفاظ على الأخلاق

إن العصور التى كانت تتولى فيها الدولة دور الحافظ للأخلاق قد انتهت تماما بظهور وسائط التواصل الاجتماعى خاصة، وثورة الاتصالات المستمرة عامة، وبالتالى لا بد أن يكون هناك إعادة تعريف لدور كل من الدولة والمجتمع والأفراد فى الحفاظ على معايير أخلاقية للحد من الحريات الفردية الأساسية ولا تضر فى نفس الوقت بصورة المجتمع، ولا تتسبب أيضا فى تمكين الدول المنافسة أو المعادية من استغلال فكرة الحرية لنشر الفوضى وتقويض الدول والمجتمعات.

ومن المهم إدراك أن الأخلاق يجب ألا يكون مصدرها عنصرًا واحدًا مثل الدين، أو التقاليد المتوارثة، بل يجب أن تمتد لتشمل كل إنتاج إنسانى فكرى يستهدف نشر ثقافة الالتزام بالإخاء الإنسانى.

لذلك فدور الدولة يكمن فى عملية تأهيل الدعاة الدينيين لتصحيح المفهوم الخاطئ والذى ساد خلال العقود الأربعة الأخيرة فى مصر، والذى اختزل الدين فى الممارسات الطقوسية والتعصب والكراهية ضد المختلفين فى المذهب أو الدين، بل إن الدين الحقيقى يتمثل فى الممارسات اليومية التى تبين مدى التزام الأفراد بقيم مثل الصدق والأمانة والإخلاص فى العمل وعدم التطفل والتدخل فى شؤون الآخرين.

فضلا عن وضع مقررات دراسية فى كل مراحل التعليم تعتمد على التقنيات الحديثة لتعريف الأجيال الجديدة بخطورة التخلى عن المسؤوليات الاجتماعية مثل: الحفاظ على المجال العام من السلوكيات الشاذة والضارة، والارتكان إلى القناعة الزائفة بأن هذا الملف متروك للدولة وحدها.

الخطاب الإعلامى والثقافى 

من الملحوظ للجميع ازدياد دور المنصات الإعلامية التى تبث عبر اليوتيوب ووسائط التواصل الاجتماعى الأخرى، ومن ثم قد يكون من المفيد أن تستثمر الدولة بكثافة فى إنشاء ودعم والتشجيع على بناء هذه المنصات وتزويدها بكوادر مدربة جيدا على تمرير ثقافة المسؤولية الفردية والمجتمعية عن وضع كود أخلاقى ليس من خلال برامج أو منتجات تلقينية، بل بوسائل تركز على المتعة والتسلية. 

أيضا للمحطات الإذاعية دور مهم رغم أنها تنتمى للوسائط التقليدية، إذ أن الأزمات المرورية التى تعانيها المدن الكبرى فى مصر تجعل من استخدام محطات الإذاعة فى تمرير الثقافة الجديدة والأخلاق المطلوبة فاعلة فى أوساط جمهور واسع يقضى ساعات طويلة فى سيارته أو فى وسائل المواصلات العامة. 

كما نقترح إنشاء أكاديمية متخصصة فى تخريج المتخصصين فى كتابة الدراما والسينما وبرامج التوك شو وبرامج المنصات الإعلامية على أن يتم تزويدها بكوادر مدربة وتمتلك ثقافة موسوعية للتدريس فيها، ويتم التوافق بين هذه الأكاديمية وبين نخب مختارة من أساتذة الجامعات ومراكز البحوث، خاصة هؤلاء العاملين فى مجال الدراسات البينية، دراسات تتناول موضوعات تتقاطع مع عديد من التخصصات الأساسية والفرعية لوضع المناهج الملائمة لتخريج طلاب لديهم مهارة الربط بين مجالات متعددة حينما يكتبون الدراما أو السيناريوهات فى السينما أو برامج التوك شو، ويحاربون منهج التسطيح الذى ساد لسنوات طويلة وأدى إلى إنتاج ثقافة تعتمد على تعميم الحوادث الشاذة على مجمل التفاعلات الاجتماعية والسياسية فى البلاد، واحترام قيم العمل والتنوع والاختلاف وقبول الآخر والتعايش المشترك فى ظل وجود هذه الخلافات.

لا مكان لثقافة التلقين

ثقافة تلقين القيم عبر دور العبادة والمدارس، ووسائط الإعلام، والفنون والآداب لم ولن تكون فاعلة، لا الآن ولا فى المستقبل القريب والبعيد، وبالتالى من الضرورى حث المؤسسات التقليدية التى كانت تتولى هذه المهمة فى السابق على تطوير خطابها وأدواتها للتعامل مع مستجدات العصر، وهو ما يقوى من الدعوات التى تتبناها الدولة، ضرورة الإصلاح الدينى، وتطوير التعليم، ونشر ثقافة العقل لا النقل، وغيرها.

الدور الغائب لمؤسسات المجتمع المدنى

 يجب الالتفات لحقيقة الغياب شبه الكامل لمؤسسات المجتمع المدنى عن المشاركة فى تطوير وتحديث المنظومة الأخلاقية للمجتمع، وهو أمر زاد من العبء الملقى على كاهل الدولة فى هذا المجال. 

بالتالى يمكن للجمعيات الأهلية والنوادى الرياضية ومراكز الشباب أن تقوم بجهد فى مجال نشر ثقافة الاعتماد على الذات، وتأهيل الشباب لتقبل فكرة أنهم مسؤولون عن صناعة مصيرهم وعن صورة مجتمعهم، على ألا يتم ذلك بوسائل لم تعد مجدية، مثل عقد المحاضرات والندوات المخصصة لذلك، بل بتصميم برامج حديثة تجمع ما بين استخدام التقنيات المتطورة والشكل الجذاب وبين المحتوى الذى يتم تحميله بالقيم المطلوب نشرها.

ومن المهم أيضا تنمية الحركات التطوعية التى تتم بمبادرات ذاتية، وتوجيه أصحابها لعدم قصر نشاطهم على تقديم المساعدات الإنسانية للفقراء، بل يجب أن تتولى هذه الحركات مهمة إضافية بنشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية فى المجال الأخلاقى بين أفراد المجتمع فى نواحى متعددة مثل الحفاظ على الممتلكات العامة، واحترام القانون والنظام، ونظافة البيئة، ومقاومة الانحرافات الأخلاقية مثل التحرش وتعاطى المخدرات.