الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

اقبض علىَّ فى فراش زوجتى لو استطعت! "الحكاية الأخيرة"

على صفحات المَجَلّة التى شهدت معاركه وتجربتَه الفريدة، نستعيد مع الأستاذ «عادل حمودة» أحدَ أهَمّ تحقيقاته الصحفية «ستيك هاوس.. شخصيات لامعة فى زنزانة الجنس الانفرادى».



هنا تصبح الكلماتُ بساطًا سحريًا ينقلك لتعرف الكثيرَ من الخبايا خلف الأبواب المغلقة، والبيوت التى ربما نَمُرّ أمامَها كل يوم لكن لا نعرف أىَّ شىء عمّا يدور بداخلها، يغزل بحكاياته الوجه الآخر لمشاهير وصعاليق.. فنانين وكُتّاب.

استطاع بحسّه الصحفى الذى لم يغادره أبدًا أن يغوص بنا فى أعماق وتفاصيل مجتمع «الشخصيات اللامعة»؛ ليظهر لنا جوانب حياتهم التى جاهدوا لبقائها بعيدة عن الأضواء.

ينتقل الأستاذ «عادل» من دراسة أسباب انتشار ظاهرة «زنَى المَحارم» فى العشوائيات وقتها، إلى قصر أحد الدعاة الذى تورّط فى علاقة مُحرّمة مع شقيقة زوجته.

أيضًا تكشف حكايات الكتاب الكثيرَ من التناقضات فى المجتمع وقتها فيما يخص علاقتنا بالدِّين؛ حيث يكشف تفاصيل قضية رشوة تورّطت فيها مهندسة مع مقاول شهير، ودخلت معه فى علاقة جنسية «لكنها لشدة تدَيُّنها كانت ترفض أن تلقاه يومَىْ الاثنين والخميس لأنها تصومهما»!

بين العشوائيات والقصور، نتعرّف خلال الحلقات المنشورة على حكايات لم نعلم عنها شيئًا.. حكايات مدهشة رُغْمَ مرور سنوات عليها.. وتفاصيل تؤكد أن فنون العمل الصحفى لا يزال لها بريقُها الخاص وأهميتُها فى رصْد ظواهر المجتمع بشكل محترف حتى فى زمن السوشيال ميديا.. 

 

وحدُها من دون جميع النساء غيّرت هندسة حياته وإيقاع أيامه، ولم يعترض، تسللت بخفة إلى عالم شئونه الصغيرة، وقفلت الباب وراءَها، ولم يعترض، جلست فوق أهدابه وعبثت بشعره، ولم يعترض، شخبطت على مستقبله وفرضت نفسَها عليه، ولم يعترض، رفع رايته البيضاء، وبايعها أميرةً على عرش قلبه مدَى الحياة.

كنتُ فى ديفوس عندما رأيته بقامته القصيرة وملامحه النافرة ونظرته الحادة المتحدية وهو يمشى مزهوًا بنفسه وكأنه وحده فى المكان وأسعده بالقطع أن يهمس مَن يراه وهو يشير إليه «كاروس غصن».

كان برفقته زوجته عارضة ومصممة الأزياء الأمريكية كارول نحاس، المحتفظة برشاقتها وأناقتها والأهم برومانسيتها رُغم أنها تخطت الخمسين بعدة سنوات، كانت تمسك بيده بمناسبة أو من دون مناسبة، وتمسح بأصابعها عليه، ولم تتوقف عن حمل كئوس الكونياك الفرنسى الفاخر- كورفازييه- إليه وهو يقف وسط مجموعة من الرجال المهمين، ولم تكن لتتردد فى احتضانه كلما وجدته أمامَها، والتقطت لهما أكثر من صورة وهما يرقصان التانجو فى مطعم لا يُضاء إلا بالشموع ويمنع دخول الهواتف والكاميرات، ولعل تلك المَشاهد الناعمة جعلته الأكثر جذبًا لمراسلى الصحف والمجلات الذين يغطون أخبار ديفوس.

وديفوس قرية جليدية سويسرية، تقع على نهر يسمى لاندويسر، يصعب العيش فيها بسبب شدة برودتها، لم يسمع العالمُ عنها إلا بعد أن أسّس كلوس شوب أشهَر منتدَى عالمى ويحضره كل يناير ألف شخصية مؤثرة، رؤساء وأمراء ومليارديرات ورجال أعمال ليضعوا جدول أعمال العالم من العام إلى العام، ورُغم أنهم يتحدثون فى الاقتصاد؛ فإنهم فى الحقيقة يسيطرون على السياسة.

مشاهير الدنيا حولك بلا حراسة ظاهرة، تصب لنفسك فنجانًا من القهوة فتجد بجانبك نيلسون مانديلا، تتجه نحو مدفأة ستجد ياسر عرفات سبقكك إليها ليختلى بشيمون بيريز، تجلس لتدخن فى «سيجار بار» فتجد بالقرب منك بيل كلينتون يراجع كلمته التى سيلقيها فى إحدى الجلسات، وقطعًا لن تتعرف علی المديرين التنفيذيين للشركات متعددة أو متعدية الجنسيات، وجوههم غير معروفة، إلا  كارلوس غصن، فوجهه محفوظ بسبب جنون الميديا به واستجابته لها، وبسبب المعجزة التى حققها فى شركة نيسان اليابانية للسيارات بعد أن نقلها من خسارة تصل إلى 20 مليار دولار إلى ربح وفير تزايد سنة بعد أخرى، وسَجّل ذلك فى كتابه «التحول: النهوض التاريخى لشركة نيسان».

والمؤكد أن كل من رأيتهم فى المنتدى من النجوم المرصعة فى سماء يصعب الصعود إليها كانوا يحرصون على وضع ابتسامة هادئة على وجوههم رُغم أهميتهم التى لا تحتاج إلى دليل أو إثبات، إلا هو، بدا مزهوًا بنفسه، أو قُل منتفخًا بذاته، يمشى مختالاً بين نجوم المال والسياسة والسينما والبنوك المركزية والاستثمارية وكأنه فوقهم جميعًا.

وربما كان على حق؛ فقد سَجل اليابانيون قصة حياته فى كتاب من كتب «المانجا» المصورة بريشة كبار الفنانين والتى توزع ملايين النسخ ويقرأها الكبار قبل الصغار، كما وضعوا اسمه على إحدى قوائم الطعام السريع المسماة «صندوق بيتو»، وفى استفتاء عن أكثر الشخصيات تأثيرًا سبق وقتها فى الترتيب الرئيس الأمريكى باراك أوباما وغالبية رؤساء الحكومات فى اليابان.

لكن كل ما تراه من تعالٍ فى ملامحه لم يكن ليحتاج أكثر من نظرة حانية من عين زوجته حتى تعود إلى ملامحه الصفاء ومظاهر النقاء.

إنها الوحيدة التى تجعله يسترد شعوره بالتوازن، أصبحت بالنسبة له كتاب قراءة، كيس حلوى، نبيذ رهبان، مرايا حلم، خشب مَركب مسافرة، عنوان عينيه، مفتاح قلبه.

كارول زوجته الثانية سبقتها ريتا قرداحى التى التقى بها فى فرنسا عام 1984 وأنجب منها أربعة أبناء «كارولين ونادين ومايا وأنتونى»، وطلقا عام 2012 بعد 28 سنة من الحياة المشتركة.

وبقدر ما أحبته «ريتا» بقدر ما كرهته وبقدر ما ساندته بقدر ما تمنت الإجهاز عليه؛ بل إنها لم تخف إحساسَها بالشماتة عندما قبض عليه فيما بعد فى طوكيو وكتبت على حسابها الخاص فى فيسبوك كاشفة عن جوانب سلبية سيئة فى شخصيته، قائلة:

«النرجسيون منافقون يدّعون أنهم أصحاب أخلاق وقيم لا يتصفون بها فى الحقيقة وخلف الأبواب المغلقة نراهم يكذبون ويهينون وينتقدون ويقللون من احترام الآخرين».

ربما كان لشماتة ريتا ما يبررها؛ فقد تحملت غصن فى سنوات كفاحه الأولى وصبرت على حياة شاقة معه، بينما نالت كارول كل العَسل.

استأجر غصن قصر فيرساى «مقر إقامة ملوك فرنسا القريب من باريس بنحو ثلاثين كيلومترًا»؛ ليحتفل بزواجه من كارول، وفى تلك الليلة الأسطورية استرد ضيوفهما الحياة الملكية المترفة وتناولوا العشاء على أنغام موسيقى اختارها نابليون بنفسه لزوجته جوزفين وارتدى مقدمو الطعام ثياب ذلك العصر البعيد.

عبّرت مجلة «تاون آند كانترى» عن ذلك المشهد بقولها: «حين توجهون الدعوة إلى ضيوف للقدوم إلى منازلكم يفكرون، ولكن حين تكون الدعوة فى قصر فرساى يهرعون».

ومنذ اللحظة الأولى تمتعت كارول بنعيم ثروة غصن الذى كان راتبه الشهرى يزيد على 15 مليون يورو ووصلت ثروته إلى 150 مليون يورو بخلاف القصور والفيلات واليخوت والطائرة الخاصة التى حملتهما إلى أبعد نقاط على الخريطة.

لكن كارول- التى طلقت من زوجها الأمريكى الأول روزفلت بعد أن أنجبت منه ثلاثة أبناء- بقيت فى الحقيقة قطب المغناطيس القوى الذى حفز غصن على الفرار من السُّلطات القضائية فى اليابان فى صندوق حتى يهدأ ويتدفأ ويطمئن فى حضنها، لم يتخيل أن يُسجن ويبتعد عنها، أو يظل على ذمة المحاكمة شهورًا طويلة دون أن يراها، أو يقبلها أو يضم أصابعها بكف يده.

على أن كارول عبّرت عن وفائها لزوجها بعد القبض عليه فى اليابان بطرْق كل الأبواب من باب رئيس فرنسا إلى باب الجمعيات الحقوقية قائلة:

«كل شىء جائز من أجل إنقاذ الزوج، فوجوده فى السجن أو تحت الإقامة الجبرية كابوس حقيقى ولن أكف عن الكفاح من أجله، والمؤكد أن الظلم مَنحنى القدرة على الصمود دون انهيار».

بهروبه من دولة أمنية صارمة مثل اليابان عاد كارلوس بشارة غصن ليصبح حديث الدنيا كلها، تصدرت أخباره نشرات الأخبار، واحتلت صورته أغلفة مجلات بارى ماتش وفوج وبيبول، وجلس واثقًا من غروره أمام شبكات الفضائيات، واشتعلت على شبكات التواصل الاجتماعى حرب أهلية بسببه، هناك من اعتبره فاسدًا، خائنًا، وهناك من اعتبره ضحية نكران الجميل.

وكأن التاريخ يكرر نفسه؛ فقد سبق أن اتهم والده بالقتل فى بيروت، وسُجن هناك، ثم وجد من يُهربه إلى البرازيل. لكن؛ هذه ليست البداية.

البداية كانت بهجرة جدّه من لبنان إلى البرازيل وعمره نحو خمسة عشرة عامًا وبعد سنوات من الشقاء عمل فيها سمسارًا نجح غصن الأول فى إدارة شركات زراعية وتجارية وأقنع ابنه چورچ بالزواج من امرأة نيچيرية هاجرت عائلتها إلى لبنان لتساعده بما تملك من مال فى تأمين مستقبله وأخذ كارلوس ملامحها، ولكن مع بشرة أبيه.

وُلد كارلوس يوم 9 مارس 1954 فى مدينة بورتو فاليو، ولكن عائلته انتقلت إلى ريو دى چانيرو لعلاجه من مرض أصابه بسبب شربه ماءً ملوثًا وعمره عامان كاد أن يقضى عليه، ولكنه لم يتعافَ تمامًا منه.

عندما كان عمره ست سنوات عاد كارلوس مع والده وأخته إلى بيروت ليستقروا فى بيت جدته هناك وأكمل تعليمه فى مدرسة تحت المتوسط، وفى الوقت نفسه بدأ الأب فى البحث عن مشروع تجارى يعيش هو وأسرته من أرباحه، وفى تلك السنوات من ستينيات القرن الماضى اشتبك الأب مع أحد التجار حتى سقط قتيلاً وبعد محاكمة جنائية وسجن مشدد الحراسة نجح الأب فى الهروب إلى البرازيل وظل بها حتى توفى فى بداية الألفية الثانية.

واصل كارلوس دراسته الثانوية فى فرنسا وأكملها بالحصول على بكالوريوس الهندسة من جامعة إيكوليه بولتكنولوچى وحصل على الماچستير من المدرسة الوطنية العليا للمناجم فى باريس وساعد على تفوقه إتقانه اللغة الفرنسية التى يتكلمها بطلاقة بجانب العربية والإنجليزية والبرتغالية وفيما بعد أضاف اليابانية إليها.

فور تَخرُّجه عمل فى شركة ميشلان الفرنسية للإطارات وصعد فى سلم إدارتها وحل مشاكل فروعها فى أمريكا اللاتينية بسبب فهمه لطبيعة المستهلكين هناك وحقق للشركة أرباحًا لم تحلم بها ردت الروح إليها بعد أن كادت الخسارة تخنقها.

ولكن بعد ثلاثين سنة من العمل فى ميشلان قرر الاستقالة عندما أدرك أن طريق الصعود إلى قمة الشركة مسدود باختيار فرانسوا ميشلان ابنه ليخلفه.

ولكن نجاحه فى ميشلان منحه منصبًا رفيعًا فى شركة رينو للسيارات بشرط أن ينقذها من الانهيار، وبعد دراسة لم تزد على أسبوعين نجح فى إعادة هيكلة الشركة وأغلق عدة مصانع لها ووفر مئات العمال فيها وأعاد مؤشر الربح إليها من جديد وعُين مديرًا تنفيذيًا لها.

هنا كشفت قسوة القلب التى يتمتع بها غصن عن أحد أسباب نجاحه، فهو يلفظ من لا يحتاج، وينحنى لمن يحتاج، وكأنه دكتور چيكل الطيب الذى يتحول إلى مستر هايد الشرير بلا تأنيب من الضمير، وربما يفسر ذلك لنا ما فعل بزوجته الأولى ريتا، حتى إنها لم تُخفِ شماتتها فيما ناله من مصائب قلبت حياته إلى جحيم، وفى الوقت نفسه نجد وفرة من مشاعر الرقة تجاه زوجته الثانية كارول جعلته يغامر بحياته ليعود إليها بعد أن عجز عن تحمُّل فراقها.

وصل نجاحه فى رينو إلى حد أنها اشترت 37 ٪ من أسهم نيسان بسعر رخيص بعد أن وصلت ديونها إلى مستوى الأرقام الفلكية.

تعهد غصن بتنفيذ خطة لإنقاذ نيسان واضعًا استقالته رهنًا إذا ما فشل، ودون تردد أغلق خمسة مصانع للشركة وسرّح أكثر من عشرين ألف عامل وموظف واكتفى بإنتاج عدد محدود من موديلات السيارات لا يقبل المستهلكون على سواها.

مرة أخرى، قسوة القلب تعويذته السحرية.

فى أقل من عام ارتفعت أرباح نيسان بعد خصم ربع الديون وبعد أقل من ثلاث سنوات أصبحت الشركة الأكثر ثراءً بين نظيراتها فى اليابان وسيطر غصن على إدارتها بجانب وجوده على رأس رينو.

رفض غصن عرضًا من شركة فورد الأمريكية بعد أن أصر مجلس إدارتها على أن يكون له القرار الأخير دائمًا. ولكن قبل ذلك وافق غصن على عرض من شركة إفتوفاز الروسية لإنقاذها من الكساد.

وبشراء نيسان حصة حاكمة فى ميتسوبيشى أصبح غصن نجمًا عالميًا فى صناعة السيارات، وانتخب رئيسًا لجمعية مصنعى السيارات الأوروبية عام 2014 وأصبح مُرَحَّبًا به فى جامعات العالم وحصل منها على أكثر من دكتوراه فخرية وفكر اللبنانيون فى ترشيحه رئيسًا لهم.

ولكن ذلك كله تناثر هباءً فى لحظة واحدة.

فى 19 نوفمبر عام 2018 هبطت طائرته الخاصة مطار طوكيو ولم يكن فى استقباله طاقم مكتبه وإنما ضباط فى الأمن اليابانى قبضوا عليه وسط دهشة العالم واستغرابهم، وجهت إليه اتهامات يعاقب عليها القانون اليابانى بالسجن المشدد، التهرب من الضرائب، استخدام أموال نيسان فى أمور شخصية، تمويل وشراء مقار إقامة فاخرة فى أربع دول دون أن ينزل فيها، وتقاضى عمولات بأسماء أعضاء آخرين فى مجلس الإدارة، وضمت زوجته كارول للقضية باتهامها ببيع يخت لزوجها من الشركة التى تعمل مستشارة لها بأموال من نيسان.

بعد 3 أيام عُزل غصن من نيسان واتخذت ميتسوبيشى القرار نفسه بعد 33 يومًا وظلت فرنسا تنتظر إدانته، لكنها فى النهاية أقالته من رينو بعد 56 يومًا.

وأفرج عن غصن بكفالة فى 4 أبريل 2019، ولكن أعيد اعتقاله بدعوى وجود اتهامات جديدة، وتكرّر ذلك أربع مرات فى حالة غير معتادة.

وأحس غصن بأن القضية ستطول وأن تحديد موعد محاكمته بعد نحو ثلاث سنوات من اعتقاله نوع من التعسف لا يضمن خروجه بريئًا وربما كان لديه شعور بالإدانة، فقرر أنه لا بُد أن يهرب وكان مبرره أن العدالة فى اليابان تميل إلى العقاب وتكره البراءة.

ربما حمل ذلك بعض الصحة ولو من وجهة نظره، ولكنه نسى أن الثقافة اليابانية تجبر الفاسد على الانتحار دون ضغوط من أحد ليطهّر شرَفه مما ارتكب.

الفاسدون فى اليابان لا ينتظرون القبض عليهم أو محاكمتهم، يُنفذون القصاص بأيديهم، سلوك شائع هناك، مريح للسُّلطات القضائية التى يثير استغرابها بالقطع من يقبل بالتحقيق معه وينتظر محاكمته، وربما لذلك السبب يطول نظر القضايا.

فى 29 ديسمبر الماضى خرج غصن من بيته الفخم فى وسط طوكيو وذهب إلى فندق قريب ليلتقى برجلين تجاوزا سن الشباب أخذهما إلى حى شيناجاورا الراقى ليستقلوا القطار السريع «شينكانسن» إلى أوساكا فى رحلة استغرقت ثلاث ساعات.

فى أوساكا توجه الثلاثة إلى فندق بالقرب من مطار كانساى الدولى، وبعد قليل غادر الأمريكيان الفندق وهما يحملان صندوقين كبيرين كان غصن فى أحدهما، وضع فى طائرة خاصة من طراز بومبارييه تحمل علامة «تى إس تى إس آر» هبطت مطار أتاتورك الدولى فى الساعة الخامسة والربع من صباح يوم 30 ديسمبر.

جرى شحن غصن داخل الصندوق فى طائرة خاصة أخرى إلى بيروت من طراز بومباردييه تشالنجر 300 تى سى آر إيه غادرت استانبول بعد 45 دقيقة.

حسب التحقيقات التركية تبين أن الشخصين اللذين رافقا غصن من استانبول هما ميشيل تى وهو أمريكى الجنسية وعمره 60 سنة، والثانى لبنانى الجنسية يدعى دورچ أنطونيو وعمره 67 سنة وكانا معه فى الطائرة التى جاءت به من أوساكا.

اعتقلت السُّلطات التركية 7 أشخاص - منهم 4 طيارين - على خلفية صلتهم بالطائرتين بسبب استخدام إحداهما بشكل غير قانونى وثبت تزوير فى قائمة الركاب.

دخل غصن بيروت بنسخة أخرى من جواز سفره الفرنسى وكانت النسخة الأخرى فى حقيبة تحت تصرّف النيابة اليابانية مع محاميه مفتاحها.

كان تبرير وجود نسختين من جواز السفر أن غصن كان دائمًا على سفر بما لا يسمح له الوقت بالحصول على تأشيرات دخول كثير من الدول فكانت هناك نسخة أخرى من جواز السفر لدى سكرتيرته لتحصل له على التأشيرات، وما إن تعطيه تلك النسخة حتى تأخذ النسخة الأخرى لتحصل على ما يريد من تأشيرات وهكذا.

لكن هناك من يؤكد أن غصن دخل بيروت بجواز سفر مزور ضاعف الحصول عليه من الملايين التى دفعها لتنفيذ خطة هروبه.

على أن ما يثير الدهشة هو نجاح خطة الهروب رُغم وجود أجهزة دقيقة قادرة على كشف المسافرين بطريقة يصعب التحايل عليها.

وعلى ذلك لا مفر من وجود شبكات محترفة لتهريب الأفراد والشحنات الممنوعة قادرة على رشوة مسئولين فى ثلاثة مطارات كما فى حالة غصن.

وحسب وول ستريت چورنال؛ فإن عملية غصن دبرها عميل سابق فى القوات الخاصة الأمريكية يدعى مايكل تايلور يوصف بأنه «خبير فى فن عمليات الهروب السرية» وساعده فى تنفيذها الرجلان اللذان رافقا غصن وهما من العملاء السابقين لوكالة المخابرات المركزية.

إذن كل شىء ممكن ومباح مادمت قادرًا على الدفع، مما يعنى أن كثيرًا من العمليات الخفية يمكن أن تنفذها تلك الشبكات وتنسب إلى حكومات تدفع ثمَنها غاليًا.

كل شىء ممكن رُغم القيود الأمنية الصارمة وشبكات المعلومات المتبادلة وبصمات العين واليد أمام ضباط الجوازات فى كل مطارات العالم.

لم تعرف كارول بخطة هروب زوجها وإلا لمنعته خوفًا على حياته حسبما قالت فيما بعد وإن أضافت أنها كادت أن تفقد عقلها من الفرحة عندما رأته أمامها.

سألت بارى ماتش غصن: هل كان الانضمام إلى زوجتك المحرك الرئيسى وراء هروبك؟

التفت غصن إلى كارول التى وضعت رأسها على كتفه فى حنان قائلا: «صحيح أنه لو سمح لنا أن نكون معًا فى اليابان ربما كنت سأكون أكثر صبرًا وكان محتملاً أن يكون قرار الهروب غير صحيح».

لقد أرادوا النيل منّى وكسرى عندما استولوا على هاتف زوجتى وجهاز الكمبيوتر الخاص بها، أدركوا قوة العلاقة بيننا، وبالتالى تعمدوا حرمانى من وجودها حتى صوتها.

وقبل عيد الميلاد طلبت ساعة من الاتصال عبر الفيديو مع كارول، طلب القاضى قائمة بالموضوعات التى سنتحدث فيها، إلى هذا الحد كانوا مؤلمين، أرادوا أن يعرفوا لم يحتاج والرجل أن يتحدث مع زوجته، هذا ما فعلوه لإذلالى، لكى تشعر أنك فى قبضتهم، إذا لم تنحنِ فسوف تعانى».

نعم الحب يصنع المعجزات، ولكن يظل السؤال: ما مدى حقيقة ما ينسب إلى غصن من فساد؟ وما مدى صدق ما يقول عن تعسف السُّلطات القضائية فى اليابان؟ وهل ما تعرّض له نكران جميل أمْ طمع زائد على الحد من جانبه؟

أتصوّر أن من الصعب الوصول إلى الحقيقة مَهما طال الزمن.