
محمود بسيونى
المبادرات الرئاسيــة حولــت أحـــلام المصريين إلى واقع
رُغْمَ التخوفات العالمية من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المصاحبة لموجات التضخم وارتفاع الأسعار المخيفة والمحيطة بكل دول العالم والمرتبطة بالآثار الجانبية الخطيرة للتعامل مع فيروس كورونا والحد من انتشاره بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود وتعطل سلاسل الإمداد العالمية وتسببها فى انفلات الأسعار الذى نعيشه؛ فإن مصر تقف بشهادة المؤسّسات الاقتصادية العالمية خارج منطقة الخطر بفضل توجهها السابق نحو تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية وتحوله إلى جدار حماية للمواطن والدولة ضد أى نوّات اقتصادية سلبية قد تؤثر بالسلب على حالة الاستقرار والأمن.
ونجحت دولة 30 يونيو فى تحويل مفهوم العدالة الاجتماعية من شعار ثورى إلى خطة عمل لمؤسّسات الدولة المصرية فى توجهها إلى تأسيس الجمهورية الجديدة، وتحركت على مسارين متوازنين ينطلقان من فهم لأهمية الالتزام بالاتفاقيات الدولية وشرعية حقوق الإنسان وتحقيق إصلاحات حقيقية يشعر بها المواطن المصرى، وقامت الدولة بوضع استراتيچية وطنية لمحاربة الفساد، ووضعت التشريعات لتحقيق المساواة فى توزيع الدخل بين الأفراد، ووصلنا إلى تطبيق حد أدنى للأجور، ووفرت الدولة شبكات الحماية الاجتماعية لكل أفرادها سواء بتقديم الدعم فى صورة مواد غذائية أو توفير معاشات شهرية للأسر ضمن مشروع «تكافل وكرامة»، وهو ما دعم تحركات الدولة نحو الإصلاحات الشاملة فى الاقتصاد المصرى وربطه بحركة الأسواق العالمية ووفرت للدولة القدرة على التحرك فى المشروعات القومية الكبرى القائمة على تحسين بنيتها التحتية فى المقاوم الأول، وهو أحد أهم شروط تحقيق العدالة الاجتماعية.
وعانت مصر لسنوات طويلة من غياب العدالة فى توزيع الثروة واتساع الفجوات بين الأغنياء والفقراء، وهو ما ألقى على الدولة عبء إعادة التوازن لتحقيق العدالة الاجتماعية، وبالفعل أولى الرئيس «عبدالفتاح السيسى» عقب توليه السُّلطة اهتمامًا خاصًا بملف العدالة الاجتماعية، وبدأ فى التعامل الفورى مع أزمة العشوائيات، وهو ملف أهملته الحكومات السابقة، وتحرّك فى إطار خطة طموحة لتطوير المناطق غير الآمنة وتوفير فرص عمل وجوده حياة لقاطنى تلك المناطق، وظهرت مشروعات مثل حى الأسمرات، وتطوير منطقة ماسبيرو، وبشاير الخير فى الإسكندرية، وانتقل ذلك إلى باقى المحافظات، واقتربت مصر من حلم التخلص من المناطق غير الآمنة وإعلانها خالية من العشوائيات.
وفى مجال الضمان الاجتماعى، استجاب الرئيس لحُكم القضاء المصرى بضم العلاوات الخمس المستحقة لأصحاب المعاشات بنسبة 80% من الأجر الأساسى وبذلك انتصر الرئيس لأصحاب المعاشات الذين تداولت قضيتهم لسنوات دون استجابة.
وفى فبراير 2016 ظهرت «رؤية مصر 2030»، ويمكن اعتبارها أول أچندة وطنية لتحقيق العدالة الاجتماعية انطلاقًا من مبادئ وأهداف التنمية المستدامة فى كل المجالات، وتوطينها بأجهزة الدولة المصرية المختلفة؛ حيث أولت اهتمامًا خاصًا بالعدالة الاجتماعية والارتقاء بجودة حياة المواطن وتحسين مستوى معيشته؛ حيث نص الهدف الثانى من الرؤية على العدالة والاندماج الاجتماعى والمشاركة؛ حيث أكدت على أن الرؤية تسعى إلى تحقيق المساواة فى الحقوق والفرص، وتوفير الموارد فى كل المناطق الجغرافية، فى الريف والحضر على حد سواء، وتعزيز الشمول المالى، وتمكين المرأة والشباب والفئات الأكثر احتياجًا، ودعم مشاركة كل الفئات فى التنمية، وتعزيز روح الولاء والانتماء للهوية المصرية.
ويمكن اعتبار الاهتمام الرئاسى بقضية العدالة الاجتماعية إشارات إلى شكل الجمهورية الجديدة وانطلاقها من نقطة تحويل الدولة لتطبيق منظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليها فى العهد الدولى الصادر عام 1966 إلى برامج تصل بتلك الحقوق إلى كل المواطنين دون تمييز.
هذا التحرك ساهم فى تراجُع معدلات الفقر فى مصر لـ29.7 % خلال عام 2019 / 2020 مقارنةً بـ32.5 % فى بحث عام 2017 / 2018، وذلك بعد دخول مشروعات الحماية الاجتماعية التى أطلقها الرئيس «عبدالفتاح السيسى» خلال السنوات الخمس الماضية حيز التنفيذ، والتى كان على رأسها برنامج «تكافل وكرامة»، والدعم، ودعم المرأة المعيلة، ويستفيد من البرنامج أكثر من 3 ملايين مواطن، وارتفع متوسط الدخل السنوى للأسرة من 60 ألف جنيه سنويًا إلى أكثر من 69 ألف جنيه سنويًا، وقد ساهم الدعم التموينى للأسرة والذى يستفيد منه نحو 70 مليون مواطن فى تراجع معدلات الفقر بشكل كبير.
وانتبهت المؤسّسات النقدية الدولية لما تقوم به الدولة المصرية وبدأت فى رصد التجربة المصرية فى تطبيق العدالة الاجتماعية، وهو ما رصده تقرير التنمية البشرية الأخير والذى تحدّث عن التطورات الإيجابية من واقع تعاونه مع الحكومة وإتاحتها لبياناتها بشكل شفاف يعكس التزام مصر بمبدأ الشفافية فى إدارة علم الدولة، كما أشارت منظمة العمل الدولية، إلى أن مصر هى الأعلى إفريقيًّا وعربيًّا فى الإنفاق على الحماية الاجتماعية، كما أشار البنك الدولى إلى أن الحكومة المصرية قامت بتعزيز برامجها للحماية الاجتماعية للحد من معدلات الفقر والتصدى للآثار السلبية لأزمة كورونا، وأكد صندوق النقد الدولى أن مصر عام 2021 تضمن من خلال الإصلاحات الناجحة مساحة إضافية للإنفاق على مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
وكان للمبادرات الرئاسية المتتالية التى أطلقها الرئيس «عبدالفتاح السيسى» أثرها الإيجابى على تحسين جودة الحياة وبناء الإنسان وساهمت فى إحداث تغييرات كبيرة فى الواقع المصرى، وفى توطين مفهوم العدالة الاجتماعية، وكان لمبادرات مثل «100 مليون صحة» وإنهاء قوائم الجراحات الحرجة فى المستشفيات والاقتراب الرئاسى من المواطنين فى الجولات الخارجية واستجابة الرئيس لطلباتهم المباشرة أثرها المباشر فى دعم ثقة المواطنين فى أن أحلامهم فى العدالة الاجتماعية قابلة للتحقق؛ بل دفعت كل مؤسّسات الدولة إلى الاهتمام بالإنسان، وساهم ذلك الاهتمام الرئاسى فى اهتمام كل مؤسّسات الدولة وتعاونها لإصدار أول استراتيچية وطنية لحقوق الإنسان تضع حقوق الإنسان شعارًا للجمهورية الجديدة وتقدم تعهدًا بحماية الدولة لحقوق الإنسان بمفهومها الشامل فى الجمهورية الجديدة.
وانعكس ذلك الفكر أيضًا فى صدور مجموعة من التشريعات عن مجلس النواب والتى تحقق مفهوم العدالة الاجتماعية الشامل، كان من بينها قانون رقم 104 لسنة 2015 الخاص بتحقيق العدالة الضريبية، وقانون رقم 242 لسنة 2011 بشأن الحد الأقصى للدخول وربطه بالحد الأدنى، وقوانين 67 لسنة 2016 وصدور قانون الضريبة على القيمة المضافة، وقانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، وقانون 60 الصادر فى العام ذاته، والخاص بزيادة المعاشات وتعديل بعض أحكام قوانين التأمين الاجتماعى، بالإضافة إلى قانون التأمين الصحى الشامل رقم 2 لسنة 2018 والذى جاء فى نصوصه أنه نظام إلزامى، يقوم على التكافل الاجتماعى وتغطى مظلته جميع المواطنين المشتركين فى النظام، وتتحمل الدولة أعباءه عن غير القادرين بناء على قرار يصدر من رئيس مجلس الوزراء بتحديد ضوابط الإعفاء.
وقد انحاز الرئيس «السيسى» بشكل فاعل للطبقة الوسطى وتحرّك من أجل زيادة الحد الأدنى للأجور الثابت منذ عام 1981 وتم تحديده وقتها بـ 25 جنيها شهريًا، بينما كانت أول زيادة بعد 27 عامًا، ففى عام 2008 ارتفع الحد الأدنى للأجور إلى 112 جنيهًا، ثم كانت الزيادة الثانية للحد الأدنى للأجور بعد ذلك بعامين ليرتفع إلى 400 جنيه عام 2010، ووصل عقب أحداث يناير إلى 700 جنيه، ثم جاءت الزيادة الجديدة فى الحد الأدنى للأجور فى يناير 2014 ليصبح 1200 جنيه شهريًا ثم وصل إلى 2400 جنيه هذا العام 2021، كما انحاز الرئيس أيضًا لأصحاب المعاشات بعد حصولهم على حكم قضائى بصرف فروق العلاوات الخمس وقرر تنفيذ الحكم بصرف فروق علاوات المعاشات الخمس، وقام بمضاعفة الحد الأدنى للمعاشات خلال 7 سنوات ليصل إلى 900 جنيه شهريًا هذا العام بعد أن كان 450 جنيهًا عام 2014.
ربما رجل الشارع العادى قد لا ينتبه للغة الأرقام التى تهتم بها المؤسّسات الدولية، فهو يبحث عن الاستفادة المباشرة من تحركات حكومته فى ذلك الإطار، وهو ما تحقق فى مشروعات الإسكان الاجتماعى والمستفيدين من شبكات الطرُق الجديدة التى خلصت ملايين الناس من الزحام المرورى حتى وصلنا لأهم تطبيقات العدالة الاجتماعية وهو مشروع «حياة كريمة» الذى أطلقه الرئيس «السيسى» كأكبر مشروع لتطوير الريف المصرى ويستهدف تحسين جودة حياة %60 من المصريين فى 4741 قرية بتكلفة 700 مليار جنيه ويسعى للارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين التخفيف على كاهل المواطنين وخفض معدلات الفقر، ولأول مرة تصل التنمية إلى داخل بيوت المصريين فى القرى والريف، عبر وصلات الصرف الصحى والمياه النظيفة وشبكات الإنترنت فائقة السرعة وتوفير فرص العمل بالمجمعات الصناعية الكبرى والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
لقد اتخذت الدولة المصرية من تطبيقات العدالة الاجتماعية نقطة انطلاق وتحول نحو تأسيس مجتمع جديد يوفر العدالة فى توزيع الثروة القومية على المصريين، ويعالج نقاط الضعف فى بناء الشخصية المصرية التى كانت فى السابق تتشكك فى حكوماتها وقدرتها على علاج المشاكل المزمنة الناتجة فى أغلبها عن الانفجار السكانى المرعب، ووفق تلك الرؤية من جانب الدولة يمكن أن نرصد تقدمًا كبيرًا استجابت فيه لمطالبات الشعب المصرى بالعدالة الاجتماعية وبدأت تطبيقها وفق مفهومها الحديث الذى أرسته الأمم المتحدة وحددته المعايير الحقوقية الدولية لتوفير جودة الحياة للمواطن.