السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

نساء فى حياة الأنبياء النبى محمد.. وآخر زوجاته: السيدة مارية.. القبطية المصرية! "18 الأخيرة"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

هى مارية بنت شمعون القبطية، بعث بها المقوقس حاكم مصر ومعها أختها سيرين كجاريتين للنبى عليه الصلاة والسلام، وأسلمت مارية وتزوجها النبى، وأهدى أختها سيرين لحسان بن ثابت فتزوجها.

والقرآن الكريم لم يسجل السيرة الذاتية للنبى محمد عليه الصلاة والسلام، ولو كان النبى محمد هو الذى قام بتأليف القرآن كما يتهمه البعض، لقام النبى بتسجيل بعض الأحداث العصيبة التى مرت به، مثل وفاة عمه أبو طالب، أو وفاة زوجته السيدة خديجة، أو وفاة بناته وأولاده. 

 

 إبراهيم ابن النبى:

حملت السيدة مارية من النبى، وفى آخر سنة 8 هـ، ولدت ولدًا، وأراد النبى أن يسميه فقال: «ولد لى الليلة غلام، فسميته باسم أبى إبراهيم»، يعنى على اسم النبى إبراهيم عليه السلام، وعاش إبراهيم ابن النبى سنة وبضع شهور، ولكنه مرض قبل أن يكمل عامه الثانى، واشتد مرضه، وتوفى سنة 10 هـ.

وحزن النبى عليه الصلاة والسلام حزنًا شديدًا، وعندما سأله الصحابة عن بكائه وهو رسول الله، قال: «إن العين لتدمع، والقلب يحزن، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون، ولكن لا نقول إلا ما يرضى الله، إنا لله وإنا إليه راجعون».

وقد حدث يوم موت إبراهيم كسوف الشمس، فاعتقد البعض أن كسوف الشمس حدث بسبب موته، فقام النبى خطيبًا بالناس، وقال: «إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات اللَّه يريهما عباده».

وتوفيت السيدة مارية سنة 16 هـ، بعد وفاة النبى بحوالى خمس سنين، فى خلافة عمر بن الخطاب الذى صلى عليها والمسلمون، ودفنت بالبقيع مع زوجات النبى.

 من مصر للمدينة:

بعد صلح الحديبية سنة 6 هـ، بدأ النبى نشر الإسلام خارج حدود الجزيرة، فأرسل النبى الرسل إلى الملوك والحكام يعرفهم بأمر الدين ويدعوهم للإسلام، فأرسل فى سنة 7هـ، إلى هرقل عظيم الروم، والنجاشى ملك الحبشة، وكسرى ملك الفرس، والمنذر بن ساوى ملك البحرين، وجيفر وعبد ابنى الجلندى صاحبى عمان، والمقوقس عظيم القبط فى مصر، وكان استقبال بعض الحكام لرسائل النبى بالحسنى، والبعض بغير الحسنى، كما حدث مع ملك فارس.

وأرسل النبى إلى مصر «حاطب بن أبى بلتعة»، برسالة إلى المقوقس الذى قال: «إنى قد نظرت فى أمر هذا النبى فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آية النبوة، وسأنظر».

ثم رد رسالة إلى النبى، جاء فيها: «إلى محمد بن عبد الله، من المقوقس عظيم القبط سلام عليك أما بعد فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيًا بقى، وكنت أظن أنه سيخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان فى القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام عليك».

 قبطى تعنى مصرى:

ذكرت كتب التاريخ أن السيدة مارية بنت شمعون قبطية أى مصرية، وكلمة قبطى حدث لها تحريف فى دلالة المعنى، وفى الأصل أن كلمة قبطى تطلق على سكان مصر، وكانت مصر فى العهد الرومانى يسود فيها الدين المسيحى، لأنها كانت تابعة للإمبراطورية الرومانية التى كانت تدين بالمسيحية، ومن هنا تداخلت دلالة كلمة قبطى مع المعتقد السائد، وارتبطت بالتعبير عن الدين، وأصبحت كلمة قبطى تعنى مسيحى، وهذا ليس صحيحًا فكل قبطى هو مصرى، وليس كل قبطى مسيحيًا.

 حديث الإفك:

فى الروايات فى تفسير للآية: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ) التحريم 1، «أن النبى اختلى بمارية فى منزل حفصة بنت عمر، وهى فى زيارة لأبيها، لكنها عادت ورأتهما، فقالت له: إنى قد رأيت من كان معك فى البيت، فى يومى وفى بيتى وعلى فراشى، فأجابها الرسول: اكتمى على، ولا تخبرى عائشة ولك على ألا أقربها أبدًا، فلم تعمل ابنة الفاروق بالوصية، وأخبرت عائشة التى غضبت، ولم تزل بالنبى حتى حلف ألا يقرب مارية، فأنزل الله الآية عتابًا للرسول على قراره».

وزادت الغيرة حين تم الإعلان عن حمل مارية، وتناثرت شائعات عن حادثة إفك، وأن النبى شك فى زوجته القبطية وهى حاملًا فى إبراهيم، وأن بعض الناس قالوا بحق مارية وابن عمها، وأمر بقتل ابن عمها الذى كان يزورها بدون محرم، وأن النبى ظل فى شك حتى جاءه جبريل عليه السلام فقال: «السلام عليك يا أبا إبراهيم، فاطمأن إلى ذلك».

وفى رواية أخرى: «أن الرسول دخل يومًا على أم إبراهيم، فوجد عندها نسيبها «مأبور» الذى قدم معها من مصر، فوقع فى نفسه شيء، ولما خرج من دارها لقى عمر بن الخطاب، ولما أخبره دخل الفاروق شاهرًا سيفه، فكشف مأبور عن نفسه فإذا به ليس بين رجليه شيء، رجع عمر وأخبر الرسول بما رأى، فأجابه أن جبريل أخبره أن الله برأها وقريبها، وإن فى بطنها غلامًا منى، وأنه أشبه الخلق بى، وأمرنى أن أسميه إبراهيم».

 سورة النور:

من أوائل السور التى نزلت فى المدينة، وجاءت بتشريعات اجتماعية تنظم السلوكيات لحماية المجتمع الإسلامى، وفى قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْك عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور 11،

الآية تتحدث عن اتهام جماعة من أهل المدينة لجماعة من المؤمنين الأبرياء، فالآيات لا تتحدث عن أم المؤمنين مارية، ولو كان لها علاقة بحديث الإفك لنزل ذلك فى القرآن صراحة، فقد تحدث عن أمهات المؤمنين وبيت النبى فى سورة الأحزاب وفى سورة التحريم، وخاطبهن فى أمور أقل خطرًا من ذلك الاتهام، ولكن سورة النور لا تتكلم عن أى واحدة من نساء النبى. 

تبدأ السورة بتقرير عقوبة الزنا وهى الجلد، ثم عقوبة رمى المحصنات، ثم قضية الملاعنة بين الزوج وزوجته، ثم حديث الإفك بتقرير نفهم منه أن عقوبات الزنى وقذف المحصنات ترتبط بالحديث التالى عن الشائعات التى انتشرت فى المدينة وقتها.

وأن حديث الإفك ليس خاصًا بإحدى نساء النبى، وإنما هو أمر اشترك فيه جماعة من المؤمنين اتهموا جماعة أخرى من المؤمنين بالباطل، وفى ذلك يخاطب تعالى المؤمنين فى المدينة: (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) النور 11، وقد أنزل تعالى فى السورة التشريعات التى تنظم الحياة الاجتماعية للمسلمين حتى لا يتكرر المجال للشائعات.

ثم الحديث عن عموم المؤمنين: (وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) النور 16، والآيات تخاطب المسلمين، لأن المظلومين جماعة والذين ظلموهم جماعة أخرى، وقد تداول المسلمون الشائعات بدون تفكير: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النور 19، فالمنافقون أرادوا أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا.

ولأن المظلومين جماعة من المسلمات العفيفات فإن الله توعد الظالمين بعذاب شديد: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور 23.

وعبارة (الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ)، دليل على أنهن كن يتصرفن بالفطرة النقية فى التعامل مع الناس، ولو كان مجتمع المدينة خاليًا من المنافقين والذين فى قلوبهم مرض ما لحقت بهن الشبهات والاتهامات. 

السيدة مارية أم المؤمنين لا علاقة لها بحديث الإفك فى سورة النور، مع الوضع فى الاعتبار أن القصص القرآنى حق مطلق لأنه كلام الله تعالى، أما الحق فى الروايات التاريخية فهو نسبى لأنه كلام البشر، ولذلك فالقصص القرآنى يصحح لنا أخطاء الروايات التاريخية.

 السيدة مارية المؤمنة:

المقوقس حاكم مصر وصف شمعون والد السيدة مارية بأنه من عظماء القبط، المتعبدين المخلصين العارفين بالإنجيل، من أصلاب الأطهار أصحاب الدين.

والسيدة مارية كانت كتابية مؤمنة، والله يضرب مثالًا برسوله فى التشريع، حيث أحل للمسلم المؤمن أن يتزوج بالكتابية المؤمنة، وفى الروايات أن السيدة مارية قد أسلمت قبل زواج النبى بها.

وأم المؤمنين السيدة عائشة، وصفت السيدة مارية بأنها: «من بنات الملوك»، وعن السيدة عائشة أيضًا قولها: «ما عزت على امرأة إلا مارية، وذلك أنها كانت جميلة».

وأخيرًا فقد أوصى النبى عليه الصلاة والسلام بمصر وأهلها بالخير: «ستفتح عليكم بعدى مصر، فاستوصوا بأهلها خيرًا فإن لكم منهم ذمة ورحمًا»، أو كما قال: «أن لكم فيها صهرًا ونسبًا»، فالصهر بالسيدة مارية، والنسب بالسيدة هاجر أم النبى إسماعيل عليه السلام، جد العرب وابن النبى إبراهيم عليه السلام.