الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الموقف الروسى من التنافس «الصينى-الأمريكى»: تأرجح أمْ حياد؟!

اعتادت «الولايات المتحدة»- منذ نهاية الحرب الباردة- على أن تكون صاحبة القرار الذى يحرك مجريات الأحداث على المسرح الدولى، ولكن خلال السنوات القليلة الماضية، اختل ميزان القوى مع ظهور لاعبين مؤثرين فى المَشهد، مما أثر على شكل النظام الدولى أحادى القطبية بقيادة «واشنطن»، وأدّى إلى تشكيل عالم جديد يصعب التنبؤ به.



فى الوقت الحالى، صارت «الولايات المتحدة»، و«الصين»، ومن بَعدهما مباشرة «روسيا»، أهم ثلاثة لاعبين چيوسياسيين فى العالم، ولكن تربطهم علاقة ثلاثية معقدة للغاية.. فالولايات المتحدة فى حالة مواجهة مع «الصين»، و«روسيا»، إذ تعمل «واشنطن» على تعزيز حلف الناتو لمعارضة «موسكو»، وفى الوقت ذاته توسع علاقاتها مع دول المحيطين الهندى والهادئ للتصدى لبكين. ورُغم الشراكة الاستراتيچية بين «روسيا» و«الصين»؛ فإنهما لم يُنشئا تحالفًا رسميًا للوقوف بشكل مشترك فى وجه «الولايات المتحدة» وحلفائها.. فمن جانبها، تقدر «بكين» شراكتها الوثيقة مع «موسكو»، لكنها بصفتها لاعبًا منفردًا، ليست مستعدة للدخول فى تحالف عسكرى معها؛ فيما تسعى «روسيا»- وهى جهة فاعلة دولية رئيسية مستقلة، ولكنها ليست قوة عُظمى مثل القوتين الأخريين- إلى الحفاظ على توازن فى المواجهة القائمة بين «الصين» و«الولايات المتحدة». وعليه؛ بدأ عالمٌ جديدٌ يتشكل من خلال التنافس بين القوَى العُظمى، وتحديدًا بين «الولايات المتحدة» و«الصين». ويرجح الخبراء الدوليون الآن، أنه قد تستمر هذه الحالة إلى أن تحدث أزمة كبيرة تحسم الأمور، مثل: «تايوان»، التى من شأنها أن تضع البلدين على شفا تصادم عسكرى، وتجعلهما ينشطان تحالفاتهما وشراكاتهما. ومع مرور الأيام، تتسارع وتيرة الأحداث والتحركات، التى تتضمن تحالفات على جبهة، وصراع على أخرى مع ازدياد توتر العلاقات «الأمريكية- الصينية». وأصبح السؤال الآن: كيف تدير «موسكو» علاقاتها فى ظل التنافسية بين قطبَىْ الشرق والغرب؟، إذ يرى الخبراء الدوليون أن موقفها قد يحسم عددًا من القضايا. لخص مدير مركز أبحاث «كارنيجى»، «ديمترى ترينين» رأى العديد من الخبراء الدوليين حول العالم على الموقف الروسى حاليًا، فأوضح أن «موسكو» تواصل توسيع علاقاتها مع «بكين» بعناية، فى الوقت الذى تدير فيه مواجهتها المستمرة مع «واشنطن». وأضاف أنه من الصعب على الجانب الروسى الوقوف إلى الجانب الأمريكى ضد الصينى؛ لأنه سيكون خطأ استراتيچيًا إن تحولت «الصين» إلى خصم لما سينتج عنه من عواقب على «روسيا» أسوأ من مواجهتها للولايات المتحدة. وفى الوقت ذاته؛ فإن وقوف «موسكو» إلى جانب «بكين» ضد «واشنطن» فى وقت السلم، يعنى التخلى عن جزء كبير من السيادة الاستراتيچية لروسيا، وترك مصير البلاد هناك مرهونًا بنتيجة التنافس بين القوتين العظميين.

لهذا، تجد «روسيا» نفسَها فى موقف حساس للغاية؛ خصوصًا بعد العديد من التطورات الجوهرية التى حدثت خلال عام 2021، ومن بينها توقيع اتفاقية (أوكوس)- بقيادة «الولايات المتحدة»- التى تشير إلى تحد واضح فى مواجهة «الصين»؛ بجانب إحياء (الحوار الأمنى الرباعى) بين «الولايات المتحدة، واليابان، وأستراليا، والهند»، باعتباره ميثاقًا سياسيًا واقتصاديًا وتكنولوچيًا؛ ناهيك عن الانسحاب العسكرى الأمريكى السريع من «أفغانستان».

وعَلق «ترينين»، أن هذه تطورات سريعة تستحق تمحيصًا دقيقًا حول كيفية تأثيرهما على استراتيچية «روسيا»، فيما يتعلق بالتنافس «الصينى - الأمريكى» المتصاعد.

تأثير (أوكوس) على الكرملين وعلاقاته

أوضح «ترينين» أن هناك فرقًا كبيرًا بين تأثير اتفاقية (أوكوس) على «الصين»، مقارنة بتأثيرها على «روسيا»، إذ سيسمح الاتفاق الجديد للبحرية الأسترالية بتسيير دوريات فى مياه بحر الصين الجنوبى، ومضيق «تايوان» وما وراءهما، بصورة تعزز احتواء «الصين»، بقيادة «الولايات المتحدة».

وفى المستقبل، من المحتمل أن تكون الغواصات الأسترالية قادرة على الإبحار إلى شواطئ المحيط الهادئ الروسية، والقطب الشمالى، وبالتالى لا يمكن لموسكو تجاهل (أوكوس)، وهو ما هذا سكرتير مجلس الأمن الروسى «نيكولاى باتروشيف» إلى وصف التحالف بأنه تحرك مناهض للصين وروسيا.

لا يزال غير معروف طبيعة تحركات «روسيا» المقبلة، ولكن «ترينين» توقع أن يكون موقف «موسكو» محايدًا؛ مستدلاً بمواقفها المحايدة السابقة، بشأن النزاعات البحرية، التى شملت «الصين» ودولاً ساحلية أخرى. مضيفًا أنه رغم عدم اعتراف «موسكو» بدور «واشنطن»، و«كانبيرا»، و«لندن» فى بحر الصين الجنوبى؛ فإنها لن تتحدى عملياتهم البحرية هناك.

ثم أكد أن المهمة الرئيسية لروسيا فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، هى الدفاع الوطنى، وليس استعراض القوة، منوهًا أن (أوكوس) مجرد تغيير تدريجى لا ينبغى تجاهله، وإن كان لا يمثل تهديدًا مباشرًا كبيرًا للدولة الروسية.

 تداعيات (الرباعية) على «موسكو»

أدى الاشتباك الحدودى «الصينى- الهندى» فى جبال «الهيمالايا» عام 2020 إلى تدهور دائم فى العلاقات -المتوترة تاريخيًا- بين «نيودلهى» و«بكين»، مما وضع «موسكو» فى موقف حرج للغاية بين شركائها الاستراتيچيين الرئيسيين؛ حيث كان من الصعب أن تنحاز «روسيا» إلى أى طرف، دون المخاطرة بعلاقتها الكاملة مع أحد الشركاء الرئيسيين.

لذلك؛ عملت «موسكو» على (التشاور الثلاثى) وسهلت الاجتماعات رفيعة المستوى بين الوزراء الهنود والصينيين، ومع ذلك كان من المستحيل على الجانب الروسى فعل المزيد، بالنظر إلى رفض كلا الشريكين أى وساطة من طرف ثالث.

واعتبر كثيرون فى «نيودلهى» أن حياد «موسكو» خيانة وعلامة على اعتمادها المتزايد على «بكين» كشريك رئيسى؛ لذلك فضلت «الهند» تخفيف الارتباط التاريخى لبلادها مع «روسيا»، لا سيما فى مجال التعاون الدفاعى، وبدلاً من ذلك تتقارب أسرع وأكثر شمولاً مع «الولايات المتحدة».  فى الوقت نفسه، بذلت الإدارة الأمريكية الحالية جهدًا لتنشيط تنسيق التعاون الرباعى، الذى يجمع «الهند» مع كل من «أستراليا، واليابان، والولايات المتحدة». وفى عام 2021، شاركت «الهند»- بالفعل- فى القمة الافتراضية الرباعية.

وهو ما يوضح اعتراض «روسيا» على إحياء (المجموعة الرباعية)، أو (الحوار الأمنى الرباعى)؛ لأنها على أحد الجوانب تشعل منافسة «الولايات المتحدة» على سوق الأسلحة الهندية، وتكسب ود المسئولين الهنود للأمريكيين؛ وعلى الجانب الآخر، ترى «روسيا» (الرباعية) كمثال على سياسات «واشنطن» لإنشاء بنية سياسية واقتصادية وتكنولوچية وعسكرية فى منطقة المحيطين الهندى، والهادئ، من شأنه أن يخدم الهدف المركزى للإدارة الأمريكية المتمثل فى التنافس ضد «الصين».

 الانسحاب الأمريكى من «أفغانستان»

أدت النهاية المتسارعة للوجود العسكرى الأمريكى فى «أفغانستان» فى أغسطس الماضى، إلى انهيار فورى لنظام «كابول» الذى نصبته «الولايات المتحدة»، والذى أعقبه- فورًا- استيلاء «طالبان» على البلاد.

وكان القرار الأمريكى يهدف بوضوح إلى إعادة تركيز الجهود الچيوسياسية والعسكرية الأمريكية بعيدًا عن قضيتين، وهما: (الشرق الأوسط، والإرهاب)، نحو منافسة أمريكية أقوى مع «الصين».

وعليه، واجهت «موسكو» -مثل «بكين»- الحاجة إلى الدفاع عن مصالح أمنها القومى بشكل مباشر. فانخراط كليهما مع حكام «طالبان»، ولكن من خلال مشاركات إقليمية أوسع مع بعض دول آسيا. وكان الرد الرئيسى الروسى على الوضع فى «أفغانستان»، هو تعزيز وجودها العسكرى فى آسيا الوسطى، ودعم حلفائها الإقليميين، ولا سيما «طاچيكستان»، و«قيرغيزستان»، وإجراء تدريبات مع «أوزبكستان»، أمّا تعاون «روسيا» مع «الصين» فى هذا الصدد فكان سياسيًا ودبلوماسيًا فى الغالب.

وفى الوقت ذاته؛ تجاهلت «موسكو» رغبة «واشنطن» فى استخدام قواعد فى «آسيا الوسطى» لمراقبة التطورات فى «أفغانستان»، والرد عليها.

 وضع «روسيا» دوليًا

على المستوى الدولى، أدت التنمية الاقتصادية المحلية لروسيا، بما فى ذلك التحول فى مجال الطاقة نتيجة لتغير المناخ، والتحول التكنولوچى، إلى رفع أچندة «الكرملين»، باعتبارهما عاملين رئيسيين فى تشكيل مكانة «روسيا» الدولية.

وفيما يخص القضايا الثلاث: (أوكوس)، و(الرباعية)، و«أفغانستان»، فرأى «ترنين» أن «روسيا»، و«الصين» ستواصلان توسيع وتطوير علاقاتهما الثنائية على أساس المصالح المشتركة، والقواسم المشتركة فى وجهات النظر العالمية، والتكامل الاقتصادى، والاعتبارات الچيوسياسية.

وبالفعل، كانت «روسيا» و«الصين» أكدتا يوم السبت الماضى على ضرورة عقد قمة فى أقرب وقت، تجتمع فيها الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن؛ بهدف بحث سُبل مواجهة التحديات العالمية.