الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

التبرع بالأعضاء.. هل ينافى الملكية الإلهية للإنسان؟: الإفتاء تقف مع التبرع شريطة عدم المتاجرة.. وأزهريون يرفضون

أثار انتشار الحديث عن قيام مَشاهير بالإعلان عن التبرع بأعضائهم عقب الموت جدلًا واسعًا عبر وسائل التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام، وتزايد الحديث عن التبرع بالأعضاء كصدقة عقب الموت، ليظهر الخلاف حول إمكانية القول بتبرع أعضاء من الإنسان إلى غيره، وهل هو مخالف لمِلكية الله للإنسان؟، بحيث لا يحق للإنسان التصرف فى أعضائه بالتبرع أو البيع؟



وقبل الحديث عن الآراء المختلفة بين علماء الدين تجدر الإشارة إلى أن القانون المصرى نظم عملية زرع الأعضاء منذ أكثر من عشرة أعوام؛ حيث نص قانون رقم 5 لسنة 2010، بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية أنه لا يجوز إجراء عمليات زرع الأعضاء أو أجزائها أو الأنسجة بنقل أى عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان حى أو من جسد إنسان ميت بقصد زرعه فى جسم إنسان آخر إلا لضرورة تقتضيها المحافظة على حياة المتلقى أو علاجه من مرض جسيم، وبشرط أن يكون النقل هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة هذه الضرورة وألا يكون من شأن النقل تعريض المتبرع لخطر جسيم على حياته أو صحته. ويحظر زرع الأعضاء أو أجزائها أو الأنسجة أو الخلايا التناسلية بما يؤدى إلى اختلاط الأنساب.

بداية تقف دار الإفتاء موقف المؤيد لقضية نقل وزرع الأعضاء، فصدر عنها عام 2003 فتوَى مفصلة تؤيد النقل محددة عددًا من الشروط المفصلة للنقل.. وهى الفتوَى التى أصدرها د.«على جمعة» رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب ومفتى الجمهورية الأسبق؛ حيث تؤكد أن من الوسائل الطبية التى ثبتت جدواها فى العلاج والدواء والشفاء بإذن الله تعالى للمحافظة على النفس والذات نقل وزرع الأعضاء البشرية من الإنسان للإنسان، سواءٌ من الحىِّ للحىّ أو من الميت الذى تحقق موته إلى الحىِّ، وهذا جائز شرعًا إذا توافرت فيه شروطٌ معينة تُبعِدُ هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذى كرَّمه الله، ولا تُحَوِّله إلى قطع غيار تُبَاع وتُشتَرى.

ولفت د.«على جمعة» إلى أنه لا بُدّ أن يكون المقصد من النقل التعاون على البر والتقوَى وتخفيف آلام البَشر، وإذا لم توجد وسيلة أخرى للعلاج تمنع هلاك الإنسان. وشدد أنه كما يجوز أخذ عضو من الحىِّ إلى الحىِّ لإنقاذه من هلاك مُحَقَّق حالًا أو مستقبلًا فإنَّه يجوز أيضًا الأخذ من الميت إلى الحىِّ لإنقاذه من هلاك مُحَقَّق أو لتحقيق مصلحةٍ ضرورية له؛ لأن الإنسان الميت وإن كان مثل الحىِّ تمامًا فى التكريم وعدم الاعتداء عليه بأى حال.

وأوضح قائلًا: إذا كان المقرر فِقْهًا أنه إذا تعارضت حياة الأم مع حياة جنينها فإنه تقدم حياة الأم عليه؛ لأن حياتها محققة، وانفصال الجنين منها حيًّا أمرٌ غير محقق، فيقدم لذلك ما كان محققَ الحياةِ على ما شُكَّ فى حياته، فمن باب أَوْلَى أن يُقَدَّم الحىّ على مَن تأكد موته، ولا يُعَدُّ ذلك إيذاءً لميت؛ بل فيه ثوابٌ عظيمٌ له؛ لأنه يكون من باب الصدقة الجارية مدة حياة المنتفع المستفيد بالعضو المنقول له؛ لا سيما أن ذلك النقل يتم بعملية جراحية فيها تكريم وليس فيها ابتذال كما يتم مع الأحياء تمامًا سواء بسواء، وهذا الترخيص والجواز يشترط فيه أن يكون بعيدًا عن البيع والشراء والتجارة بأى حالٍ ودون مقابل مادىٍّ مطلقًا للمُعْطِى صاحب العضو إن كان حيًّا أو لورثته إن كان ميتًا.

ويشترط فى جميع الأحوال، وفق فتوى د.على جمعة: «صدور إقرار كتابى من اللجنة الطبية قبل النقل بالعلم بهذه الضوابط، وإعطاؤه لذوى الشأن من الطرفين المنقول منه العضو والمنقول إليه قبل إجراء العملية الطبية، على أن تكون هذه اللجنة متخصصةً ولا تقل عن ثلاثة أطباء عدول، وليس لأحد منهم مصلحة فى عملية النقل، وأن يكون الميت المنقول منه العضو قد أوصَى بهذا النقل فى حياته وهو بكامل قُوَاهُ العقلية ودون إكراه مادىٍّ أو معنوىٍّ، وعالمًا بأنه يوصى بعضو معين من جسده إلى إنسان آخر بعد مماته، وبحيث لا يؤدى النقل إلى امتهان لكرامة الآدمى؛ بمعنى أنه لا  تتضمن الوصية نقل كثير من الأعضاء تجعل جسد الآدمى خاويًا؛ وألَّا يكون العضو المنقول من الميت إلى الحى مؤديًا إلى اختلاط الأنساب بأى حال من الأحوال كالأعضاء التناسلية وغيرها، وذلك كما هو الحال فى نقل العضو من حىٍّ إلى حىٍّ تمامًا.

 فتاوَى مؤيدة 

كما ألحقت دارُ الافتاء قضية نقل الأعضاء بفتاوَى داعمة لموقفها؛ حيث يوضح د.«شوقى علام» مفتى الجمهورية فى الفتوَى رقم 15085 أن العلاج بنقل وزرع عضوٍ بشرىّ مِن متوفّى إلى شخصٍ حىٍّ مُصَابٍ جائزٌ شرعًا إذا توافرت الشروط التى تُبعد هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذى كرَّمه الله تعالى، وتنأى به عن أن يتحول إلى قطع غيار تباع وتشترى.

أضاف إن من الشروط الأساسية فى ذلك: تحقق موت المتبرِّع؛ بتوقف قلبه وتنفسه وجميع وظائف مُخه ودماغه توقفًا لا رجعة فيه؛ بحيث تكون روحُه قد فارقت جسدَه مفارقةً تامةً تستحيل بعدها عودته للحياة، ولا يقدح فى صحة الموت الحركةُ الآليَّةُ لبعض الأعضاء بفعل أجهزة التنفس الصناعى ونحوها، وهذا التحقق إنما يكون بشهادة الأطباء العدول أهل المعرفة فى فنّهم الذى يُخَوَّل إليهم التعرف على حدوث الموت، وأن يكون الميت قد أوصى بالنقل، وألا يكون العضو المنقول مؤديًا لاختلاط الأنساب.

د.«أحمد وسام» أمين الفتوَى، يشدد كذلك على شرط أن يكون النقل عن طريق التبرع وليس البيع، وأن يكون بوصية مكتوبة فيما لو كان النقل من ميت إلى حى. 

وحول كون نقل الأعضاء منافيًا لمِلكية الله لأعضاء الإنسان قال د.وسام: «إن التبرع بالعضو لشخص من أجل إنقاذه من المرض أمرٌ مشروع ويعد نوعًا من الصدقة لوجه الله، ولذلك كان التأكيد على أن يكون التبرع بلا مقابل وأن يتحقق الموت لمن سيؤخذ منه العضو المتبرع به  وأن يكون قد أوصى هذا التبرع حتى لا تكون هناك مشكلة مع الورثة».

أضاف إن تحريم البيع لأعضاء الإنسان يأتى من منطلق احترام كيان الإنسان مصداقًا لقوله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) ولقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «كسر عظام الإنسان ميتًا ككسره حيًا»، كما لا نريد أن يكون الإنسان سلعة أو الاستهانة بأمر أعضاء الإنسان.

 رفضٌ أزهرىٌ 

وتحت عنوان «تبرعوا بأموالكم لا بأعضائكم يرحمكم الله» كان هناك رأى مخالف لقضية إعلان البعض التبرع بأعضائه عقب وفاته للدكتور «عبدالمنعم فؤاد» الأستاذ بجامعة الأزهر؛ حيث قال: «الذين يُصدّعون رؤوسنا عبر الصحف، والمواقع، ويبشرون الأمّة: بأنهم سيتبرعون بأعضائهم للمرضى بعد وفاتهم، بعلة: أن الجسد ستأكله الديدان بعد الموت فلينتفع به المرضى لا الديدان!.. أقول لهؤلاء: اتقوا الله، وأصلحوا ذات بينكم، واعلموا أن الجسد بجميع أعضائه هو مِلك لرب العالمين لا يصح التصرف فى عضو منه -(عند فريق من العلماء وهو الأصح عندى من آراء أخرى ذكرت بضوابط لا محل لنقاشها). 

وعلل د.«فؤاد» رأيَه بالقول: «هناك أشياء خلقها الله، وجعلها للإنسان يتملكها ويتصرف فيها، وذلك معلومٌ من قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ. وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ..). فمن حق الإنسان التصرف فى هذه الأنعام المخلوقة لأن الله خَلقها، وهو مالكها ومع ذلك جعلها مِلكًا له، أمّا أعضاءُ الإنسان فهى مِلك للرحمن ولم يجعل له التصرف فيها، قال عز وجل: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ).  فهذه مِلكية لله فلا يصح التصرف أو التبرع بها لأن الله خَلقها.

وشدد أن الله لم يجعل للإنسان حق التصرف فى أعضائه- بخلاف ما خَلقه الله، ومَلّكك إياه، وجعل لك حق التصرف فيه؛ وإلا فلماذا يُحاسب الله الإنسان المنتحر، والقاتل لنفسه، ويجعله الله تعالى من أهل النار- لو لم يكن لانتحاره عذر مرضى مثلا- قال سبحانه:( وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا..). فهل يأتى واحد من أصحاب الفلسفة العقيمة الآن ويقول لنا: المنتحر له الحرية فى جسده يفعل به ما يشاء؟!.

واستطرد الدكتور «عبدالمنعم» قائلًا: «بغض النظر عن الآراء فى هذه المسائل- والتى نوقشت فى مكانها- إلا أنى أرى: أنه لا يصح أن يعلن الإنسان توزيع أعضائه على الآخرين بعد الموت، ويبشر بذلك إعلاميًا، بحجة أكل الديدان للجسد فى التراب!،  فالله سيبعث الإنسان أيها الإنسان بجميع أعضائه، حتى وإن أكلته السباع فى الغابات، والحيتان فى البحار، والديدان فى التراب,ويحاسبه على ما قدّم.

وفى رسالة لمن يتبرع بأعضائه خوفًا من الحساب قال د.عبدالمنعم فؤاد: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا)  ولا تظنوا أو تتوهموا أن توزيع الأعضاء، والتبرع بها: هو هروب من البعث، والحساب أمام رب العباد، فهذا وهْم الشياطين؛ بل الشيطان على علم أنه سيُبعث ويُحاسَب يوم يبعثون، والأوْلى والأنفع لهؤلاء بدلًا من الضجة المفتعلة هذه: أن يعلنوا بحق: التبرع للمرضى، والفقراء، والمساكين، بما لديهم من ذهب، وفضة، وماس، وألماظ، وشقق، وثروات- إن كان لديهم هذا-، ويتبرعوا به الآن فى الحياة قبل الممات طالما يحبون الخير للبشرية- فهذا هو التبرع المحمود الحقيقى لا الوهمى، وهو الذى يحقق (ترندات) من الحَسنات بالفعل لا بالخيال..- إن صح التعبير-  والله لا يضيع أجر المحسنين، بأموالهم لا بأعضائهم.

 فتوَى محايدة 

وبرؤية متوزانة يقول د.«عبدالحميد متولى» رئيس اتحاد الأئمة بالبرازيل، إن الاختلاف واردٌ فيما يتعلق بالتبرع بالأعضاء ولكننا مع الفريق الذى يجيز التبرع اعتمادًا على قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)  وهو أمرٌ نرغب فيه، والإحياء للنفس البشرية يكون بجميع الصور الممكنة، ومنها تبرع الإنسان بأحد أعضائه ابتغاء لوجه الله.