الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. الحق فى الإلحاد.. الله فى القلب.. لا فى خانة البطاقة!

مصر أولا.. الحق فى الإلحاد.. الله فى القلب.. لا فى خانة البطاقة!

الكتابة عن حرية الدين والمُعتقَد كالقبض على الجَمْر بيدَيْن عاريتَيْن، ومع ذلك نجد النظام السياسى المصرى جريئًا فى اشتباكه مع قضايا كانت بمثابة محرمات العمل السياسى والوطنى، ونجد إصرارًا منه على طرحها وحلها، من خلال الارتكاز على النصوص الدستورية التى مَثلت إنجازًا غير مسبوق فى دعم منظومة المواطنة والدولة المدنية المصرية.



 

حقائق عن حرية الدين والمعتقَد 

الدستور هو مجموعة من المبادئ الأساسية المنظمة لسُلطات الدولة، المُبَيِّنة لحقوق كل من الحكام والمحكومين فيها، والواضعة للأصول الرئيسية، التى تنظم العلاقات بين مختلف سُلطاتها العامة، وهو موجز السياق العام الذى تعمل الدولة بمقتضاه فى مختلف الأمور المرتبطة بالشئون الداخلية والخارجية. وبالتالى، يُعد الدستور بمثابة المرجع الأساسى لنا.

وعند العودة لدستور 2014 لدولة 30 يونيو 2013؛ نجد النصوص الدستورية التالية التى ترسّخ حرية الدين والمعتقَد:

المادة 1: «جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شىء منها، ونظامها جمهورى ديمقراطى، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون».

المادة 3: «مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المَصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية».

المادة 53: «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العِرْق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض».

المادة 64: «حرية الاعتقاد مُطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دُور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون».

النصوص الدستورية بهذا الشكل.. تؤكد على تميُّز المجتمع المصرى فى كونه مجتمعًا متعدد الأديان؛ حيث تؤكد على:

- الحق فى اعتناق أى دين، والحق فى تغيير هذا الدين بشكل طبيعى ودون أى معوقات.

- الحق فى الجهر بالمعتقَد وممارسة العبادة وإقامة الشعائر والطقوس الدينية.

- الحق فى أن يكون المرءُ محميًا بواسطة القانون، والقضاء فى كل فعل يمثل تعديًا على ممارسات الحريات الدينية.

- الحق فى إقامة أو تأسيس دُور العبادة والمحافظة عليها، والحق فى إزالة خانة الديانة من كل الهويات الشخصية والأوراق الرسمية وغير الرسمية؛ لما تتسم به من تمييز مبدئى.

وأعتقد أن الحق الأخير يمكن أن نصل إليه خلال مدة زمنية وجيزة بعد «رقمنة» معلومات المواطنين المصريين لتظهر فى جميع المؤسَّسات التى تحتاج معرفة ديانة المواطن. وحينها ستختفى أوهام حذف خانة الديانة، ويتأكد المعارضون لحذفها من أنها لن تؤثر على الأديان ومكانتها، وأن كل ما سبق من هذه التصورات هى مجرد افتراضات وهمية، وغير واقعية.. ترسِّخ نوعًا من أنواع التمييز المرتكز على التصنيف الدينى. 

معلومات عن حرية الدين والمعتقَد

يُعَد الرئيسُ «عبدالفتاح السيسى» أول رئيس مصرى يتحدث بشكل مباشر عن حرية الاعتقاد واحترام المعتقَدات باعتبارها واحدة من أخطر قضايا الحريات فى المجتمع المصرى، مثلما كان  أول رئيس يطالب المؤسَّسة الدينية بتجديد الفكر الدينى ويساندها ويدعمها دون استهداف السيطرة عليها مثلما كان يحدث سابقًا.

وهو ما يعنى حدوث تطوُّر نوعى وجوهرى فى الخطاب السياسى للنظام المصرى الذى يخاطب المواطن المصرى مباشرة فيما يمس منظومة حرياته الشخصية، التى كان الحديث عنها فى وقت من الأوقات من المحظورات، وهو ما يعنى أيضًا أن ما وصلنا إليه هو نتيجة طبيعية فى ترسيخ مبادئ دولة 30 يونيو، التى كرّست كرامة الشعب المصرى واحترام إرادته، وهو الأمر الذى تجلى فى تأكيد عناصر الحريات الدينية فى مصر بداية من إصدار قانون بناء وتنظيم الكنائس، مرورًا بالتعيينات فى المناصب العليا لأصحاب الكفاءة والاقتدار والتميز بغض النظر عن ديانتهم، وصولًا إلى التحاق مَن يستحق من الشباب المصرى فى كلية الشرطة والكليات الحربية بغض النظر عن دينه استنادًا إلى مدى اجتيازه معايير واختبارات القبول.

وفى اعتقادى، أن من أهم إنجازات ملف الحريات الدينية فى مصر بعد ثورة 30 يونيو العظيمة هو تراجُع الحديث عن مفهوم الأقلية والأغلبية الذى كرّس وصول الجماعة الإرهابية للحُكم، والتأكيد على مبدأ المساواة التامة فى الحقوق المدنية والسياسية، المادى فيها والمعنوى بين جميع المواطنين المصريين ترسيخًا لمنظومة المواطنة والدولة المدنية المصرية.

 استنتاجات عن حرية الدين والمعتقَد

- ترتبط قضية حرية الاعتقاد بشكل وثيق الصلة بتفعيل المادة الأولى من الدستور المصرى، التى تؤكد على منظومة المواطنة لجميع المصريين دون أى تمييز أو تخصيص أو استبعاد أو تهميش أو إقصاء، وهو ما يعنى ببساطة التعامل مع حرية الاعتقاد بعيدًا عن التوظيف الإعلامى الذى شهدناه لسنوات طويلة من بعض المتحوّلين دينيًا، والتأكيد على عدم «المتاجَرة» و«المزايَدة» على تلك الفئة من المتحوّلين للدين الذى تحوّلوا عنه؛ لكى لا يصبح هذا الأمر بمثابة تأجيج للأزمات والتوترات الطائفية من جانب، وحاجزًا أمام مسيرة المجتمع المصرى فى قضية حرية الاعتقاد من جانب آخر.

- أهمية الوصول لتحديد حلول قانونية فى ترسيخ فكرة حرية الدين والمعتقد؛ خصوصًا فيمن يتحوّل من ديانته، ويعود إليها مرة ثانية دون صعوبات، ودون منعه من تغيير أوراقه الرسمية، واعتبار ذلك فيما بعد تزويرًا فى أوراق رسمية، ينتج عنه عقوبات قانونية والحُكم بالسجن على صاحبه، وينتج عن ما سبق، ترسيخ مفهوم حرية الدين والمعتقَد.. بالإلزام بعدم الدخول فى متاهة إهانة المقدسات أو ازدراء الأديان؛ لكى لا يتحول الأمر وكأنها حرب بين أعداء، وليس حياة بين مواطنين فى وطن واحد. 

- تفعيل دَور المجلس القومى لحقوق الإنسان باعتباره المنوط به الحفاظ على حقوق الإنسان والدفاع عنها؛ خصوصًا فى تقنين قضية حرية الدين والمعتقَد، وفى اعتقادى أن الأمر يحتاج إلى وجود نظام عام للإجراءات القانونية التى تمنح الحرية لجميع المواطنين المصريين فى اعتناق دينهم أو تغييره، وما يترتب على ذلك من حرية تغيير بياناتهم فى الأوراق الرسمية بشكل طبيعى فى ظل احترام الحريات الأساسية للمواطن المصرى. 

- الخطوات التى اتخذها النظامُ السياسى المصرى منذ ثورة 30 يونيو إلى الآن.. تؤكد أن لديه تصورًا فى سبيل ترسيخ دولة القانون، ولديه رؤية فى الوصول للدولة المدنية المصرية.

أسئلة مُعَلقة بخصوص حرية الدين والمعتقَد    

تعاملت النصوص الدستورية المصرية مع مفهوم حرية الدين والمعتقَد أو حرية العقيدة بمعناها العام دون أى شكل من أشكال التمييز، غير أن البناء السياسى والاجتماعى للمجتمع المصرى سواء فى تطوره أو فى جموده.. قد نتج عنه أنماط واضحة من التمييز، بحيث تتفاوت الممارسات فى التعامل مع مَظاهر ممارسة هذا الحق الدستورى المُطلق فى «حق حرية الاعتقاد» من جانب الأفراد أو الجماعات، وهو ما يمثل مضمون المفارقة وجوهر التناقض.

والأسئلة المُعلقة الآن:

- لماذا لم تتفاعل المؤسَّسة الدينية المصرية مع الكلام عن حرية الدين والمعتقَد سواء بالتأكيد عليه، أو بتحديد مسارات هذه الحرية، أو بتسجيل المعوقات للتعامل معها، أمْ أن المؤسَّسة الدينية المصرية فى جوهرها البيروقراطى ضد هذه الأفكار المتقدمة؟

- الاستناد إلى النص الدستورى هو بداية الطريق، ولكن كيف يمكن تعميم هذه الأفكار بين المواطنين المصريين فى الشارع الذى يُعَد غالبيته سلفىَّ الهوَى؟ هذا الشارع الذى يضيره فى الكثير من الأحيان بناء كنيسة، أو سماع صوت أجراس الكنائس، فالشارع المصرى تشيع فيه ثقافة الاختلاف وعدم قبول الرأى المخالف، بل وتكفيره فى بعض الأحيان.

  نقطة ومن أول السطر

أعتقد أن الحديث عن الدين والسياسة هو حوارٌ لن ينتهى؛ خصوصًا فى ظل المحاولات المستمرة لتدين السياسة أو تسييس الدين، ولكن يُحسَب للدولة المصرية بداية طريق ترسيخ إعمال العقل؛ خصوصًا فى مفردات الإيمان التى تشكل العقيدة الدينية لكل مؤمن بعد فهمها والتفاعل الإيجابى معها، وهو أمرٌ أصبحنا فى أشد الحاجة إليه، فى ظل المحاولات المستمرة والمتكررة لخلط الدين بالسياسة وتوظيفهما لبعض.