الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. شُبِّه لهم.. المشير طنطاوى برىء من ماسبيرو ومحمد محمود وبورسعيد!

مصر أولا.. شُبِّه لهم.. المشير طنطاوى برىء من ماسبيرو ومحمد محمود وبورسعيد!

لا يتعلم السَّمَك من تجاربه المباشرة أبدًا.. فالسَّمَكة ترَى الطعام المُعَلق فى السّنارة، وتشاهد سَمَكة أخرى تلتقط الطُعْمَ لتشبك فى السنارة ويتم اصطيادها. ورُغْمَ ذلك تذهب هى الأخرى ربما إلى السّنارة نفسها لتلتقط الطُعْمَ، وتَلقَى المَصيرَ نفسَه. 



تذكرتُ هذا المشهد عقب الإعلان عن رحيل المشير «حسين طنطاوى» منذ أيام قليلة، وما تلاه من حملة إلكترونية شرسة عليه، حملة تستهدف تشويه الحقيقة لصالح شائعات طالما رَوَّجت لها الجماعة المحظورة والجماعات الاحتجاجية المزعومة التى ظهرت قبل وخلال أحداث 25 يناير 2011.

 

تلخصت حملة التشويه فى ثلاث قضايا محددة تم تحميلها بالكامل للمشير «حسين طنطاوى»، وهى: تسليمه البلد لجماعة الإخوان، ومسئوليته عن عدم دخول الشباب المسيحى المصرى إلى الكليات الحربية، ومسئوليته عن أحداث العنف؛ خصوصًا ما حدث فى«محمد محمود وبورسعيد وماسبيرو»، ومن الواضح أن العديد منا يتعامل مع القضايا السابقة باعتبارها قضايا مُعَلقة، يتم استدعاؤها وتوظيفها وتصديرها بين الحين والآخر اعتمادًا على ذاكرة السَّمَكة التى أصابت غالبيتنا.

والبداية دائمًا مع القضية الأولى، وهو الاتهام سابق التلفيق والتجهيز بأن المشير «حسين طنطاوى» سَلَمَ البلدَ لجماعة الإخوان، وهو منطقٌ فاسدٌ.. يختزل مصرَ ويعتبرها عزبة خاصة يتصرف فيها المسئول كما يريد، وتناسَى هؤلاء أن المشير «طنطاوى» تَسَلم قيادة البلاد على رأس المجلس العسكرى عقب تنحّى الرئيس الأسبق الراحل «حسنى مبارك»، وكان البلد فى حالة فوضَى عارمة، ويتم تنفيذ مخططات وأچندات محددة لدخول مصر فى نفق الأزمة، ومحاولة تصدير أزمات وانقسامات بين جميع فئات الشعب من جهة، وبين الشعب ومؤسّسات الدولة؛ خصوصًا الشرطة والقوات المسلحة من جهة أخرى، وقد تدرّجوا فى الكلام حتى رفعوا أصواتهم بالتشكيك فى المؤسّسة العسكرية والهجوم الإعلامى المنظم عليها.

وتناسوا أيضًا أن جماعة الإخوان الإرهابية قد صدَّرت لنفسها صورة ذهنية أمام الحياة السِّياسيَّة وأمام العالم باعتبارها الأكثر تأثيرًا فى الشارع المصرى بصيغة التتار فى حروب الزمن القديم عندما كان جنودهم يمتطون أحصنتهم وهم يرتدون الخوذات والدروع الضخمة؛ ليظهروا وكأنهم من العماليق ليبثوا الخوفَ والهلعَ فى قلوب مَن يحاربونه باعتبار ذلك أول طريق النصر لهم والهزيمة لمَن يواجههم.   

لولا قوة المؤسَّسَة العسكرية المصرية لما كنا استطعنا عبورَ أحداث 25 يناير المشئومة، ولولا تصميم المشير «طنطاوى» على عدم إقحام القوات المسلحة المصرية فى مواجهة مع شباب مصر الغاضب فى الشارع؛ لكنا وصلنا لمواجهات مسلحة وانقسامات لا مدَى لها، ولذلك حرصت القوات المسلحة المصرية حينذاك على حل العديد من مشكلات الاعتصامات المتكررة فى الكثير من المصانع والشركات ليس فقط القومية؛ بل والقطاع الخاص منها. وذلك من خلال التفاوُض لحل المشكلات بشكل سريع لا يترتب عليه وقفُ عملية الإنتاج أو تعطيله، وفى أزمة البنزين التى لاحظنا أثرَها جميعًا سواء من خلال محطات البنزين التى أصبحت خارج الخدمة؛ بسبب النقص الحاد، أو من خلال انتظارنا ضمْن «طابور» طويل من السيارات عند المحطات، التى كان لديها بنزين بالفعل، وقد قامت القوات المسلحة بتأمين سيارات نقل البنزين إلى جميع محافظات الجمهورية، وحرصت على تأمين ضمان وصوله إلى المحطات بدلًا من سَكْبه فى الصحراء أو تهريبه إلى غزة وغيرها.

وأذكر هنا، بأن ما وصلنا إليه من وصول جماعة الإخوان الإرهابية إلى الحُكم يعود فى اعتقادى لسَبَبَيْن؛ أولهما عدم القيام بإصلاحات حقيقية فى الحياة السِّياسيَّة المصرية، وثانيهما عدم قيام النخبة المثقفة والسِّياسيَّة بدورها الحقيقى، واكتفاؤها بالتنظير دون القيام بدور مؤثر وفعّال فى الشارع المصرى، وهو ما جعل للجماعة المحظورة نصيبًا لا بأس به فى التأثير على الرأى العام وتوجيه التصويت الانتخابى لصالحهم، وهو الأمرُ الذى يؤكد أن دعاةَ الدولة المدنية المصرية الحقيقيين أقلية فكرية وسياسية. 

أمّا القضية الثانية؛ فهى محاولة وصف المشير «حسين طنطاوى» بأنه ضد المسيحيين فى مصر، وهو كلامٌ مُرسَل يفتقد إلى الأدلة والإثبات، وأعلم يقينًا أنه لم يكن هناك أى تعليمات بعدم إلحاق الشباب المسيحى المصرى بالكليات الحربية، ولكن ما كان يحدث هو إحجام هذا الشباب عن الدخول والالتحاق؛ إمّا بسبب الصورة الذهنية عن صعوبة الاختبارات، أو بسبب ما كان يشاع من أهمية وجود «الواسطة» للدخول، أو بسبب طموحهم فى الهجرة، أو بسبب طموحهم فى دخول كليات تسمح لهم بالانطلاق فى العمل الخاص، مثلما أحجَمَ خريجو الجامعات من الأطباء من التقدم للكلية الحربية فى وقت ما. وأعلم جيدًا أن شروط القبول بالكليات الحربية واجتياز الاختبارات.. تخضع لمعايير محددة تراعى توازُن فئات المقبولين من المحافظات، ومن أبناء البدو وأبناء سيناء، ومن المواطنين المسيحيين.

وليس سرًا أن أذكر هنا أن صديق عُمْر المشير «طنطاوى» هو اللواء «سمير سامى حنا»، رئيس جهاز الخدمات العامة، الذى أحيل للتقاعُد متزامنًا مع خروج المشير نفسه. ومن تَعَامَل مع المشير عن قرب يعلم جيدًا كم هو إنسان مصرى بسيط ومتواضع وزاهد فى أمور كثيرة.

وأذكّر هنا بموقف القوات المسلحة المصرية تحت قيادته فى تأمين جنازة الراحل البابا «شنودة الثالث»؛ حيث قامت قوات الشرطة العسكرية بتأمين الكاتدرائية من الداخل والخارج، منذ إعلان وفاة البابا «شنودة الثالث» وإلى تأمين سيارة الإسعاف، التى حملت الجثمان من الكاتدرائية بالعباسية وإلى مطار ألماظة، ونقله بالطائرة العسكرية، ثم نقله إلى داخل المكان المخصص لدفنه بدير الأنبا بيشوى. وهو الأمرُ الذى حافظ إلى درجة كبيرة على ضبط النظام رُغم وجود تلك الأعداد الغفيرة التى شاهدناها جميعًا، وشَعرنا بتأثيرها من ميدان رمسيس إلى ميدان العباسية، ثم فى الدّير.

أمّا القضية الثالثة؛ فهى مسئوليته عن أحداث العنف؛ خصوصًا ما حدث فى «ماسبيرو ومحمد محمود واستاد بورسعيد»، أعتقد أن استدعاءَ هذه القضية بين الحين والآخر هو نوعٌ من التدليس عن دَور جماعة الإخوان الإرهابية فى عمليات القتل والحرق والتدمير التى اكتشفناها جميعًا، وهو الدور الذى قاموا به ببراعة حينذاك مع توظيف إلكترونى وإعلامى مكثف لإبعاد شبهة تورطهم فيما حدث؛ خصوصًا أن ما حدَث فى مصر وتصدّت له المؤسَّسَة العسكرية المصرية؛ لم تستطع دول الجوار التصدى له، ودخلت فى انقسامات داخلية لا تزال تدفع ثمَنها غاليًا إلى الآن. 

منذ الوهلة الأولى، انحازت المؤسَّسَة العسكرية المصرية لصالح الشعب المصرى، وأذكر جيدًا ما كان يُصرّح به من المجلس العسكرى فى لقاءاته مع المثقفين والسياسيين (دُعيتُ للمشاركة فيها)؛ حيث كان يتم التأكيد على أنه لا يمكن السماح بتوريط القوات المسلحة المصرية فى إراقة دماء المصريين، وهو الأمرُ الذى حاولت الجماعة المحظورة أن تشوّهه بكل الطرُق والأساليب، ولم تنجح. 

من المفارقات، أنه فى يوم رحيل المشير «حسين طنطاوى» الذى يُعد واحدًا من أبطال حرب أكتوبر المجيدة، أن يرحل «أحمد محمد أحمد إدريس»، ابن النوبة، صاحب فكرة الشفرة النوبية فى حرب أكتوبر المجيدة.. 

تتساقط أوراق أبطال حرب العبور، ولكن تظل إنجازاتهم خالدة على مَرّ التاريخ.. 

نقطة ومن أول السطر..

أكرّر: ما أعرفه أن القوات المسلحة المصرية هى جيش الشعب ومنه، وقد عمل رجاله وقياداته منذ أحداث 25 يناير 2011 إلى الآن لصالح الشعب المصرى دون سواه.