الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. الاستراتيچية الوطنية تخلع أقنعة كهنة حقوق الإنسان!

مصر أولا.. الاستراتيچية الوطنية تخلع أقنعة كهنة حقوق الإنسان!

منذ 10 سنوات، تم تأجيج المناخ السياسى فى مصر باستخدام بعض الشخصيات السياسية والإعلامية، وبعض مؤسَّسات المجتمع المدنى للإعداد والتأهيل والتجهيز لأحداث 25 يناير 2011. اتخذوا حينها مسألة «حقوق الإنسان» بشكل موجَّه لإشاعة مناخ الفوضى، بالتشكيك فى مؤسَّسات الدولة، والقيام بمحاولات مستميتة من أجل تفتيتها والقضاء عليها، وكانت وزارة الداخلية هى الهدف الأساسى لتلك الفوضى.



 

من ثوابت قوة الدولة المصرية هو عدم استدراجها إلى فخ الانقسام والحرب الأهلية، ولذلك لم ينجح مخطط اختطافها وسرعان ما استعادت قوتها بثورة 30 يونيو، ومنذ ذلك الحين تتغير ملامح الدولة المصرية تدريجيًا إلى دولة حديثة ذات مكانة، وربما يكون النموذج الدال على ذلك هو إطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسى «الاستراتيچية الوطنية لحقوق الإنسان»، وهى بمثابة وثيقة تُعَبر عن التوجُّه الحقيقى للدولة المصرية نحو الإصلاح والتغيير والجمهورية الجديدة، أو كما أطلق عليها دائمًا دولة 30 يونيو.

 

أود أن أذكِّر هنا ببعض الحقائق التى كتبت عنها أكثر من مرّة على صفحات مجلة «روزاليوسف» فيما يخص ترسيخ مفهوم «المواطنة»، وحسبما جاءت فى سياق «الاستراتيچية الوطنية لحقوق الإنسان»:

 

أولًا: نص الدستور المصرى على المواطنة منذ عام 2005 أى قبل أحداث 25 يناير 2011، وكان هذا التعديل الدستورى نتاج جهود سياسية وثقافية واجتماعية متراكمة لعدة سنوات، وترتب على ذلك توظيف مفهوم المواطنة إعلاميًا، بطريقة شكلية ضمن مفردات الحياة السياسية، بعيدًا عن تطبيق مضمونها عمليًا على أرض الواقع، وكذلك استخدام برامج المجتمع المدنى وأنشطته لها دون التوقف عند جوهرها، وانتهى الأمر نتيجة عدم تفعيلها إجرائيًا بالشكل الكافى أن أصبحت «المواطنة» مجرد كلمة لا طعم أو لون لها، وفقدت جوهرها وتأثيرها فى العدل والمساواة بين جميع المواطنين المصريين، رُغم الاحتفاء بها من المثقفين والمفكرين والسياسيين حينذاك.

 

ثانيًا: تحت مظلة دولة 30 يونيو 2013 اتخذ النظام السياسى المصرى إجراءات واضحة ومباشرة لتحقيق منظومة المواطنة وترسيخ الدولة المدنية المصرية، دون استخدام كلمة «المواطنة»، وفيما أذكر أنها المرّة الأولى التى يتناول فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى مفهوم «المواطنة» خلال إطلاق «الاستراتيچية الوطنية لحقوق الإنسان»، وقد ذكرها بعد جهود ضخمة فى ترسيخ قاعدة المساواة والعدل بين كل المواطنين المصريين، دون استبعاد أو إقصاء أو تمييز أو تهميش. تلك المنظومة التى تقرّر عدم التمييز بسبب الدين «اليهودية والمسيحية والإسلام»، أو النوع الاجتماعى «الرجُل والمرأة»، أو الطبقة الاجتماعية «مقتدر وغير مقتدر» أو الانتماء الجغرافى «المدينة والريف»، أو الحالة الجسدية «من أصحاب القدرات الخاصة وغيرهم»، أو الانتماء القبلى والعائلى، أو «من أصحاب البشرة السمراء والبيضاء»، أو الفئة العمرية «صغير أمْ كبير السّن»، أو الانتماء القبلى «من أبناء النوبة أمْ من أبناء البدو»، وهو ما يؤكد أن النظام المصرى فى الجمهورية الثانية قد تعامَل مع مفهوم «المواطنة» باعتبارها فلسفة عامّة للحقوق، وأن الدين مجرد عنصر من عناصر عديدة تمثل ركائز منظومة المواطنة، وهو ما يعنى بالتالى أن اختزال مفهوم «المواطنة» فى الدين كان خطأ جوهريًا من حيث الشكل والمضمون.

 

ثالثًا: ارتكازًا على ما سبق، شاع منذ قيام ثورة 30 يونيو العظيمة مناخ احترام حقوق الإنسان المصرى سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا وصحيًا، تحت مظلة العدل والمساواة بين جميع المواطنين المصريين، سواء فى الداخل أو الخارج، والنموذج الدال هنا هو طريقة التعامُل- فى إطار منظومة «المواطنة»- مع المواطنين المسيحيين المصريين، والمرأة المصرية، وذوى الاحتياجات ارتكازًا على إصلاحات وتعديلات تشريعية تحت مظلة المبادرات الرئاسية المتوالية من 2014 إلى الآن، لدرجة جعلت المهمشين منذ سنوات طويلة يستردون مواطنتهم بشكل عملى، ظهر فى العديد من برامج الحماية الاجتماعية والصحية، وهو ما يعنى أن حقوق الإنسان أصبحت بندًا من بنود عديدة تندرج تحت إطار منظومة المواطنة المصرية، بعد الاهتمام بالحق فى الصحة، والحق فى التعليم، والحق فى سكن آمن، والحق فى مجتمع آمن، والحق فى ممارسة الشعائر الدينية، وقبل ذلك كله الحق فى الحياة.

 

إن إصدار «الاستراتيچية الوطنية لحقوق الإنسان» هى فى حقيقة الأمر إعلان عن العديد من الإنجازات التى تم تأسيسها منذ ثورة 30 يونيو إلى الآن من خلال مرجعية الخبراء والمتخصصين والحوارات المجتمعية، وهى استكمال للحقائق السابقة. وعلى سبيل المثال:

رابعًا: انتباه النظام السياسى المصرى لجميع المشاكل الحقيقية التى كانت تواجه منظومة عمل حقوق الإنسان فى مصر، ولذا كان لا بُدّ من الارتكاز على وجود ضمانات دستورية لتعزيز وحماية واحترام حقوق الإنسان.. اتساقًا مع المعاهدات والمواثيق الدولية التى وقّعت عليها مصر، وهو ما يعنى مواجهة تحديات رئيسية، حسبما جاء فى الاستراتيچية من تعزيز ثقافة حقوق الإنسان، وتعزيز المشارَكة فى الشأن العام، ومواجهة حالة عدم الاستقرار والإرهاب فى المنطقة، ومدى اتساق كل ما سبق مع تحقيق التنمية الاقتصادية، وهى الأمور التى استهدفها النظام المصرى، سواء فى اتخاذ العديد من الإجراءات بشكل متكامل داخليًا، أو فى تفاعلاته الخارجية فى إطار المنظومة الدولية لحقوق الإنسان.

خامسًا: تراجُع نبرة عدم التمييز والإقصاء التى كانت منشرة فى بعض الأوقات، وشيوع مناخ المساواة والاحترام لكل مواطن، وإعلاء القيمة الوطنية فى الاحتفاء بكوننا مواطنين مصريين، وهو ما تمّت ترجمته فى استعادة الحقوق المتساوية للمرأة وللمواطنين المسيحيين ولأصحاب الهمم، وتحول الأمر تدريجيًا إلى نظام تتبعه جميع مؤسّسات الدولة، وهو ما يعنى أن هناك حالة من التثقيف وبناء القدرات التى تمَّت فعليًا فى مجال حقوق الإنسان، ولا تزال تحتاج إلى الاستمرار فى ترسيخ منظومة حقوق المواطنة الكاملة على مستوى الحرية الشخصية، وفى التقاضى وتعزيز ضمانات المحاكمات المنصفة، وفى معاملة السجناء والمحتجزين، وفى حرية التعبير والتجمع السلمى والخصوصية، وفى حرية المعتقد، وكذلك على مستوى الحق فى الصحة والتعليم والعمل والغذاء والسكن والحقوق الثقافية. 

سادسًا: تخصيص عام 2022 للمجتمع المدنى هو نقلة نوعية صريحة ومباشرة تعبيرًا عن تقدير الدولة المصرية للمجتمع المدنى بجمعياته ومؤسّساته، وهو رد عملى على ادعاءات عداء الدولة للمجتمع المدنى على خلفية مواجهتها للدور المشبوه لبعضهم قبل أحداث 25 يناير وبَعدها، وهو ما يعنى أيضًا اعتراف الدولة بدور المجتمع المدنى فى التنمية والتوعية باعتباره دورًا حقيقيًا مساندًا لجهود الدولة؛ خصوصًا أن إصدار «الاستراتيچية الوطنية لحقوق الإنسان» هو نتاج مشاركات عديدة من الأطراف المَعنية مثل رموز عمل المجتمع المدنى والحقوقى. 

 

فى كلمته بمناسبة إطلاق «الاستراتيچية الوطنية لحقوق الإنسان» شدد الرئيس عبدالفتاح السيسى على احترام التنوُّع والتعدُّد والاختلاف والمعتقدات والشعائر الدينية لكل مواطن، وأكد بوضوح على احترامه للاعتقاد وعدم الاعتقاد، على اعتبار أنها حرية كفلها الله للجميع، وهو ما يعنى ببساطة عدم وصاية الدولة أو المجتمع على المعتقدات الشخصية لأى مواطن، وهو الأمر الذى يمثل نقلة حقيقية فى ترسيخ مفهوم الدولة المدنية المصرية التى حددت «الاستراتيچية الوطنية لحقوق الإنسان» ملامحها فى سيادة القانون على جميع المواطنين دون أى تمييز، ووجود عدالة ناجزة ونافذة، وتعدد السُّلطات وتنوعها فى سبيل تحقيق المساواة، وإقامة انتخابات «رئاسية وبرلمانية» حُرّة نزيهة تُعَبّر عن رغبات مجتمعية، ووجود واقعى وحقيقى لتوازن القوَى السياسية فى المجتمع.

نقطة ومن أول السطر..

تناوُل النظام السياسى المصرى لقضايا شائكة مثل حرية الاعتقاد واحترام المعتقدات وتوثيق الطلاق بهذا الشكل المتقدم، الذى كان يتم تناوُله على استحياء قبل ذلك أو عدم تناوُله من الأصل، يؤكد على وجود رؤية واضحة لتطور الدولة خلال السنوات القليلة المقبلة، وأن تكون مصر فى المكانة التى تستحقها إقليميًا ودوليًا.