الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. سقوط أمريكى فى أفغانستان

الحقيقة مبدأ.. سقوط أمريكى فى أفغانستان

ما حدث فى أفغانستان عند انسحاب القوات الأمريكية وانتشار مشاهد الأفغان اليائسين وهم يتشبثون بالطائرات العسكرية الأمريكية وهى تغادر مطار كابول خلق صورة عن تراجع القوات الأمريكية سيصعب محوها.. هذه الأحداث مثَّلت نقلة كبيرة فى السياسة الخارجية الأمريكية، فقرار الانسحاب كان قد اتُخذ فى عهد أوباما ضمن استراتيجية أكبر للانسحاب من الشرق الأوسط، ثم تفاوضت إدارة ترامب مع طالبان لوضع شروط الانسحاب، إدارة بايدن  فقط  طبقت ما تم الاتفاق عليه على الرغم من أن التوقيت والطريقة لم يكونا مثاليين؛ حيث ترك دونالد ترامب وراءه ألغامًا كثيرة لوريثه بايدن، لكن أكثرها قدرة على الانفجار فى وجه الإدارة الجديدة كان قرار الانسحاب من أفغانستان بعد تفاوض طويل بين الإدارة السابقة وقادة «طالبان».



 

لم يكن سهلًا أن يتراجع بايدن عن ذلك القرار، مع أنه تراجع عن قرارات أخرى اتخذها العهد السابق له، التراجع كان سيعنى إغراق الولايات المتحدة فى حرب مفتوحة مع «طالبان» كما سيلحق الضرر بسمعتها كطرف لا يحترم تعهُّداته.

ما حدث أول الأسبوع الماضى من التفجيرين الانتحاريين اللذين نفذهما تنظيم «داعش» الإرهابى ببوابة مطار كابول والذى أسفر عن مقتل 13 عسكريًا والعشرات من القتلى الأفغان وسقوط الكثيرين من الجرحى وهؤلاء الأفغان الحالمين بالفرار إلى العالم الحر الذى بشّرت به أجهزة الدعاية الأمريكية والغربية على مدى عقود، مطلقة الشعارات عن حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية على الطريقة الغربية شعارات تتبخر يومًا بعد الآخر غير مطبقة فى الواقع، ذلك لأن قوات العالم الحر هم من يطلقون صواريخهم وجيوشهم لضرب الشعوب التى يريدون استهدافها استعماريًا وتسخيرها لأهدافهم الاستراتيجية.

دمرت تلك الجيوش الوطنية ومؤسساتها بتلك الدول المستهدفة من العالم الحر، دُمرت البلاد والأوطان مثلما حدث فى العراق وسوريا وليبيا، ذلك فى العقود الأخيرة، جعل ساحة تلك الدول ساحة مستباحة للإرهابيين والقتلة الذين طالت نيرانهم وذئابهم الانتحارية الجميع بمن فيهم الأطراف الذين ابتدعوهم وسلحوهم ومولوهم وأطلقوهم للقتل والتدمير، تحقيقًا لجميع أهدافهم الاستعمارية والصهيونية.

الإرهاب سرعان ما يرتد إلى صانعه ومحرضه كما حدث فى السابق بأحداث 11 سبتمبر عام 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية هذه العمليات التى جرت كانت بتنفيذ تنظيم داعش الإرهابى.

الحادث الإرهابى الذى جرى  حول مطار كابول جاء بضربة موجعة لأمريكا، كما كان فرصة  استغلها ترامب للهجوم على بايدن، وقال إن ما حدث مأساة ما كان لها أن تحدث وانتقد إدارة بايدن للأزمة فى أفغانستان وأسلوبه فى الانسحاب.

صحيح أن الانسحاب الأمريكى من أفغانستان كان أشبه بالزلزال، رغم أنه من الخطأ أن  يُفاجأ الجميع بالخروج الأمريكى وإن كان من حق الجميع الاستغراب من عدم الانضباط الذى شهد الإجراءات الخاصة بترحيل مواطنيها والتعامل غير الإنسانى الذى تعرض له أصدقاء أمريكا من الأفغان والمتعاملين معهم قبل اجتياح طالبان، وهم المهددون بمستقبل مظلم وسلامة أرواحهم إذا لم يغادروا.

التفجيران اللذان حدثا عند مطار كابول كانا نتيجة هذا الانسحاب السريع، وهو ما وصفه عميد وداهية السياسة الدولية والدبلوماسية الأمريكية «هنرى كيسنجر» بقوله: «كان الانسحاب مهينًا وغير مدروس وأنه كان قرارًا خاطئًا من الرئيس بايدن؛ حيث لم يؤهل البلاد  للانسحاب».

لكل رئيس أمريكى قرار يذكره له التاريخ، معتمدًا على ما بين يديه من معطيات وما لدى مستشاريه من نصائح، لكنه يبقى فى حساب الأرباح والخسائر المسئول الوحيد عن ذلك القرار.

قرار الانسحاب من أفغانستان جاء بعد تفاوض طويل بين الإدارة الأمريكية السابقة لبايدن وقادة طالبان. وُجِّهت انتقادات كثيرة لبايدن بعد تنفيذ قرار الانسحاب؛ حيث بدت مشاهد خروج قواته من أفغانستان انتصارًا لطالبان وهزيمة لأمريكا، ذلك بعد أطول وجود عسكرى خارج حدودها، دام لعشرين عامًا، أنفقت فيها أمريكا أكثر من تريليون دولار وفقدت أرواح الآلاف من جنودها هناك.

لدى البعض تساؤلات كثيرة منها كيف تصل واشنطن إلى اتفاق مع طالبان بكل ما يمثله هذا التنظيم من رؤى وصفات وممارسات بعيدة كل البعد عن المبادئ التى تحكم الحياة المعاصرة فى الولايات المتحدة والعالم الغربى.

المشاهد المصورة تفوق آلاف الكلمات وأوجه التشابه والتطابق بين أحداث كابول عام 2021 ومغادرة الولايات المتحدة لسايجون عام 1975 المشاهد تبقى ومعها حساب التاريخ؛ حيث تبقى المشاهد عالقة فى الأذهان عبر عصر الصور ومواقع التواصل الاجتماعى. عيون الأطفال الباكين خوفًا فى مطار كابول لن تُنسى وأيضًا ترك الأفغان الذين كانوا فى خدمة أمريكا لمصيرهم المجهول تحت حكم جماعة إرهابية ومستقبل لا يبشر بخير لهم خاصة ولا للشعب الأفغانى كله.

ما حدث عن هذا الانسحاب السريع زاد والأمر خطورة للعالم كله، ويزيد الأمر خطورة ما أكده المسئولون الغربيون من وجود تهديدات جديدة بوقوع أعمال إرهابية وشيكة، ستنفذها مجموعات موالية لتنظيم داعش فى أفغانستان، وهو ما حدث بالفعل بتنفيذ عمليتى الانتحار التفجيرية ببوابة مطار كابول.

هذا البلد دخلته القوات الأمريكية وحلفاؤها للانتقام من  قادة  القاعدة بعد هجمات 11 سبتمبر، تحول إلى ضحية جديدة لإرهاب أخطر وأوسع انتشارًا، وعلى الرغم من وعود طالبان بعدم السماح بأن تتحول أراضيها منصة لإطلاق أعمال إرهابية، أصبحت أفغانستان أخطر ولم تتخل عن علاقاتها مع تنظيم القاعدة وأصبحت أيضًا تحت حكم طالبان ملاذًا للجماعات المتشددة فى الدول العربية وغيرها، وبؤرة يخرج منها الجماعات الإسلامية المتشددة لتنفيذ عمليات إرهابية وزعزعة الاستقرار فى الدولة التى يريدونها.

احتفلت الجماعات الإسلامية المتطرفة فى جميع أنحاء المنطقة العربية بانهزام أمريكا أمام طالبان والدواعش والقاعدة المواقف الأمريكية المتناقضة هى سبب المشكلات الكارثية كافة فى العالم، هى التى دمرت أفغانستان بالتعاون مع حلفائها لمساعدتها لكسر الاتحاد السوفيتى -آنذاك- كما غضت واشنطن عينها عن تنظيم القاعدة فى الساحل الأفريقى.

المهم الآن أن نرى تداعيات هذه اللحظات والاستعداد للمستقبل بوضوح، وعلى الولايات المتحدة وحلفائها مواجهة الكوارث الإنسانية التى تنكشف الواحدة تلو الأخرى نتيجة هذا الانسحاب غير المدروس، وعلى إدارة الرئيس بايدن والحلفاء الذين سينضمون إليها أن يتحولوا الآن لتبنى استراتيجية جماعية جديدة لأن هؤلاء الإرهابيين لن يتوقفوا عن محاربة الجميع بمن فيهم صانعيهم الذين مكنوهم من أفغانستان وعليهم أن يتذكروا دائمًا أحداث سبتمبر ومطار كابول.