الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

إنهاء الغزو الرقمى لفتاوى التطرف الإفتاء الجماعى إرجاعٌ لدور العلماء فى الأمة وتفاعلهم مع المجتمع الإفتاء الجماعى ضرورة عصرية

شهدت الساحة الدينية والدعوية خلال الفترة الماضية حالة من عدم الاتزان التى تسببت فيها عددٌ من الفتاوَى الفردية لا سيما تلك التى يطلقها غير المتخصصين عبر صفحات التواصل الاجتماعى؛ بل إن الأمر ازداد تعقيدًا عندما تزايدت فتاوَى العلماء المتضاربة مما جعل الحاجة لوجود تعاون إفتائى على مستوى مؤسّسى يمنع تضارب الفتوَى أمرًا ملحًا.



 

ولقد استشعرت العديد من دور الإفتاء فى عالمنا الإسلامى الحاجة إلى ضرورة التعاون الجماعى فى مجال الفتوَى، فيما تبنت دار الإفتاء المصرية من خلال مؤتمراتها العالمية والتى عُقدت من خلال الأمانة العامة لدُور الإفتاء استراتيچية للتعاون بين المجامع الفقهية والمؤسّسات الدينية المتخصصة لملء الفضاء الإلكترونى بفتاوَى متخصصة ومحكمة؛ لا سيما فى القضايا المستحدثة، ولإيقاف فوضى الفتاوَى الفردية التى تحدث بَلبَلة بين المسلمين حول العالم. 

 وثيقة للتعاون 

حتمية التعاون الإفتائى ظهَر واضحًا فى إعلان دار الإفتاء فى مؤتمرها الدولى السادس عن «وثيقة التعاون والتكامل الإفتائى» تستهدف تبادلُ الخبرات، والتجارب بين المؤسّسات الإفتائية حول العالم، واستثمار الاختلاف الثقافى بين المؤسّسات الإفتائية لصالح مجال الإفتاء، واستثمار التقدم التكنولوچى والرقمى الذى توَصَّل إليه العالم فى مجالاته المختلفة، وعلى رأسها التواصُل والتعاون بين مؤسّسات الفتوَى، واستثمار العلاقة التى تربط بين مؤسّسات الفتوَى، وبين المؤسّسات ذات الأهداف والرسائل المتشابهة، وكذلك إبراز أهمِّ مجالات التعاون والتكامل بين مؤسّسات الفتوَى، وتحديد ضوابط التكامل بين دُور وهيئات الإفتاء.

 وقد صدرت الوثيقة عن مجموعة من القِيَم السارية فى مبادئها وبنودها، والقِيَم الحاكمة التى صدر عنها من قبلُ: «الميثاق العالمى للفتوَى»، و«وثيقة التسامح الفقهى والإفتائى»، وجاءت فى مقدمة تلك القيم التعاون من خلال المشاركة الإيجابية الفعالة، التى تحقق رفع مستوى الأداء الفردى والمؤسّسى، والمسئولية من خلال تعميق مفاهيم الإفتاء، وتحقيق إجراءاته وضبطها، وحفظ تراثه وحُسن استيعابه، وتحديد ما يُعتَمَد منه فى عصرنا وما يُدَّخر، واستثمار ذلك كله فى الرقى الإنسانى، والسعى لمواجهة التحديات، ومكافحة التعصب والتطرف، والعمل على دعم الاستقرار، ونشر الأمن على جميع المستويات، كما أكدت الوثيقة على التخصصية، والحفاظ على الهُويَّة، واحترام الخصوصيَّة والتنوُّع فى سياسات المؤسّسات الإفتائية؛ طبقًا للتنوّع المنهجى والثقافى والتاريخى للمتصدرين للفتوَى، وتنوع بيئات وأحوال المستفتين المستهدفين، وإذكاء الولاء للأوطان والمجتمعات والهُوِيَّات.

 أركان الاجتهاد الجماعى

الدكتور «على جمعة»، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب وعضو هيئة كبار العلماء، كانت له رؤية واضحة حول الاجتهاد والتكامل الجماعى فى الفتاوى؛ حيث يرى أن هناك ثلاثة أركان لا بُد من تحقيقها لتطبيق الاجتهاد الجماعى؛ أولها إدراك النص الشرعى، والثانى إدراك الواقع، والثالث هو هذا النص ما بين المطلق والنسبى؛ حيث تعد تلك الأركان المعيار الذى يقاس به الاجتهاد الجماعى.

وشدّد أن إدراك النص الشرعى يُعد من ضروريات الاجتهاد الجماعى.. لافتًا إلى  أن ذلك النص يتمثل فى الكتاب والسُّنة ،كما يتمثل فيما قام به مجتهدون أتقياء وصل عددهم إلى نحو تسعين مجتهدًا.. موضحًا أن إدراك الواقع يشمل عالم الأشياء والأشخاص والأحداث والأفكار، ويجب على الاجتهاد الجماعى أن يدرك هذه العوالم بعمق، وكذلك مفتاح كل عالم منها وكيف يتعمق فى إدراكها، ومن هنا نشأت الكثير من المجامع الفقهية.

 كيانات لمّ الشّمل

من جهته أكد الشيخ «أبوبكر عبدالله جمل الليل»، مفتى جمهورية جزر القمر، أهمية وضرورة الإفتاء الجماعى واشتداد الحاجة إليه فى هذا العصر، وقال: إنَّ الاجتهاد والإفتاء الجماعى هو إرجاعٌ لدَور العلماء فى الأمة، وإحياءٌ لمواقف العلماء وتفاعلهم مع المجتمع، وذلك من خلال تصدّيهم لكلِّ النوازل والقضايا والمسائل المستحدثة التى تُعرَض على الأمة الإسلامية، مع وجوب مراعاة واقع المجتمع فى الفتوَى؛ وذلك بمراعاة طبيعة البلاد، وما جرى به عمل المفتين فى البلاد، وما يسنّه ولاة الأمر من الأنظمة المعتبرة.

وشدد على ضرورة السعى فى تطوير مؤسَّسات الإفتاء الجماعيَّة فى الدُّور وهيئات الإفتاء فى العالم، من حيث التشكيل: بأن تتشكل من الفقهاء الراسخين، والخبراء الناصحين، والباحثين المتمرِّسين، ومن حيث المرجَعِيَّة: بتعميم الفتاوَى الصادرة من هذه المؤسَّسات، وإلزام الجميع بها، ومن حيث الاستفتاءات المقدَّمة: بأن يتمَّ التركيز على النوازل المعاصرة تأصيلًا وتنزيلًا.

وعن الإفتاء الجماعى والرَّقمَنة فى دار الإفتاء القمريَّة قال: «لقد كانت الفتوَى فى دار الإفتاء القمريَّة منذ استقلال البلاد عام 1975م فرديَّة، مختصَّةٌ بمفتى الجمهوريَّة، وربَّما استشار فيها بعضَ العلماء ممَّن يثق بدينه وعلمه، وبتولِّى المفتى الحالى منصبَ الإفتاء فى أبريل عام 2020م؛ ونظرًا لأهمِّية الإفتاء الجماعى ومنافعه وفوائده؛ اتخذتْ دار الإفتاء القمريَّة «الإفتاء الجماعى» منهجًا لها؛ حيث أَوْجَدَ مجلسَ الإفتاءِ فى نظامه الجديد، والمكوَّن من أحدَ عَشر عضوًا: تسعة أعضاءٍ دائمِين، وعضوَاْن مُنتدبَان من الخبراء المتخصِّصين فى المجالات الأخرى، بحسب موضوع الإفتاء».

 إفتاء المجامع الفقهية

فيما يرى الدكتور «مجدى عاشور»،  المستشار الأكاديمى لمفتى الجمهورية، أنه ليس بوسع الإفتاء الفردى أن يستوعب المستجدات، فضلًا عن إدراك واقعها المعقَّد بصورة كاشفة؛ لذا ينبغى أن يتصدر لمعالجة هذه القضايا المؤسّسات والهيئات الإفتائية والفقهية من أجل إصدار فتاوَى وأحكام شرعية ملائمة لواقع كل مسألة، حتى نحقق مقاصد الشرع الشريف ونرفق بالناس، وذلك كله حتى تأخذ الفتوَى بالناس نحو التحلى بالأخلاق والقيم الفاضلة بما يسهم بشكل إيجابى فى استقرار الأسرة والمجتمع.

د.«عبدالله النجار»، عضو مجمع البحوث الإسلامية، يرى كذلك أن الإفتاء الجماعى مهم فى الوقت الحاضر.

واستدل د.«النجار» على ضرورة الاجتهاد الجماعى بأن مشكلات العالم أصبحت معقدة ومتداخلة والعلاقات الأسرية لم تعد كسابق عهدها فى السير على مقتضيات الأعراف؛ فبَعد أن كان الإيجاب والقبول كافيًا لإتمام العَقد، اليوم تغيّر ذلك المعنى؛ فأصبح العقد يتم بين طرفين بينهما مسافات بعيدة.