الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ناصر - حليم - السعدنى حليـم المقامر و حسين كمال المغامر! "الحلقة 19"

ناصر - حليم - السعدنى حليـم المقامر و حسين كمال المغامر! "الحلقة 19"

حدث ذات مقال للسعدنى فى جريدة الجمهورية وهى لسان حال ثورة 23 يوليو ورئيس تحريرها الحقيقى  والمسئول الأوحد عن كل حرف فيها وأى قرار يصدر منها هو القائم مقام أنور السادات.. وهو صديق السعدنى وزميله فى التلمذة على يد الأستاذ الأكبر والمرجع الثقافى والأدبى والسياسى لجيل بأكمله هو العم زكريا الحجاوى.



 

 عرفت الراحل الجميل حسين كمال عن طريق أبو المسرح المصرى والعربى سمير خفاجى.. واكتشفت أننى أمام مكلمة خطيرة.. رجل يرص الكلام وكأنه صايغ عظيم يصنع من الألماظ والياقوت قطعًا غير قابلة للتقليد. وكان سمير خفاجى دائمًا ما يقول  حسين كمال فى الكلام صاحب مدرسة تأتى بعد مدرسة السعدنى  فهو . إذا تكلم (حسين كمال) فعلى الجميع أن يتحول إلى الصمت البليغ حتى لا تفوته هذه المتعة المبهجة.. وقد أحببت هذا الرجل على الرغم من كراهيته الشديدة لجمال عبدالناصر.. فقد تربيت فى بيت ومكان وبيئة كان ناصر فيها هو الزعيم الذى سكن سويداء القلوب، ولكن حسين كمال كان يرى فى ناصر الوجه القبيح الذى لا يجيد سوى معسول الكلام، وأما الأفعال فقد جاءت على شاكلة الوكسة الكبرى فى العام 1967..ع حد قوله . وبالطبع لم أدخل فى حوار  مع حسين كمال حول زعيم الأمة وخالد العرب الذى لايزال مرعبًا كل أعداء هذا الوطن، وقد كان حسين كمال فنانًا يرى أن ناصر ديكتاتور وأن هذا النظام الذى أوجده وتلك البيئة التى خلقها لا تصلح لكى يمارس الفنان إبداعه، ومع ذلك أخرج حسين كمال «شىء من الخوف»، وقدم بطل الرواية «عتريس» على أنه نفسه جمال عبدالناصر وخشى حسين كمال أن الرقابة سوف تمارس دورها وتمنع الفيلم أو تقوم بالقص واللزق فيختل العمل الفنى، ولكن الذى جرى كان هو قمة الديمقراطية والفهم الأعمق من ناصر لدور الفن فى المجتمع.. شاهد الزعيم الفيلم وأمر بعرضه  رغم أنف  الرقيب الذى هو ملكى دائمًا أكثر من الملك.. وقال لى الفنان العظيم أنه بحث فى أوراق تخص الزعيم ناصر.. فوجد أن من ضمن الأسماء التى يحملها أحد جدوده اسم عتريس.. وأن عبارة «جواز فؤادة من عتريس باطل».. كانت رسالة موجهة له هو شخصيًا.. هذا العبقرى الأعظم عندما عرض فيلمه فى الاتحاد السوفيتى.. قام الحضور بالوقوف وارتج المكان بعاصفة من التصفيق وتوقف عرض الفيلم ووجهوا الضوء نحو حسين كمال، حيث يجلس فوقف وانحنى احترامًا لتحية النخبة الرائعة التى حضرت لمشاهدة الفيلم.. وكان حسين كمال مؤمنًا بأنه أفضل من أخرج أفلامًا للأرشيف أى تلك التى يحتفظ بها  الوطن فى مكتبته ويفخر بها مثال «شىء من الخوف» و«البوسطجى» و«ثرثرة فوق النيل» و«المستحيل»، وقد شعر حسين كمال أنه أشبع رغبته فى تحقيق الذات وأثبت لنفسه وللغير أن إمكانياته تفوق أقرانه وتقترب من الخواجة؛ بل ربما تتفوق عليه وهنا فقط قرر حسين كمال أن يصنع فنا من أجل  البهجة وشباك التذاكر أيضا، ولكن ليس معنى هذا الهبوط  بالمستوى الفنى والتنازل عن أى  قيمة فنية، ومن هنا أقدم على إخراج سلسلة طويلة من الأعمال الفنية تُوجت بفيلم أحدث ضجة كبرى فى عالم الفنون والجنون وتحدى هذا العملاق نفسه وكل من كان حوله حتى العندليب الأسمر نفسه، الذى عشق حسين كمال المخرج والفنان والإنسان، واختلف كثيرًا معه حول حسين كمال صاحب الأفكار التى تناقض وتناصب العداء لنظام حكم الرئيس جمال عبدالناصر، وقد كان حليم حريصًا على توفير أسباب النجاح لأقصى درجة ممكنة وفى مجال الإخراج لم يكن هناك من هو أعظم قامة من حسين كمال ليقع عليه الاختيار ليقود الكتيبة الفنية التى اجتمعت فى فيلم «أبى فوق الشجرة» والذى لسبب لا أعلمه اعتبره الفنان العظيم حسين كمال هو البهاء الأخير للعندليب الأسمر، وحاولت أن أعرف منه السر وراء الأمر، فآثر الرجل الصمت وعدم الإجابة وكأنه كان يقرأ طالع العندليب فى عالم السينما، وجدت حسين كمال يتغزل فى صفات العندليب كأنه يصف محبوبته ويقول: انظر له حتى فى مرضه ومعاناته وألمه إنها أشياء متعبة لا تتمنى أن تصيب أى إنسان حولك، ولكنها عندما سكنت جسد هذا الفنان زادته عذوبة ورقة، وجعلته يتمدد داخل قلوب الناس أجمعين وليس قلوب العذارى وحدهم وحتى صوته الذى اجتمع فيه حزن نبيل كما يقول حسين كمال أو الصوت الذى كان فيه عصير أحزان الشعب المصرى كله كما قال الولد الشقى السعدنى الكبير، هذا الصوت يفتح أبواب القلوب الغليظة وتنهار أمامه كل الدفاعات ويصبح القلب أسيرًا له حتى بعد الممات، ولكن أخطر  ما لفت نظر حسين كمال فى عندليب مصر الجميل هو أن الزمن لم يكن له أهمية بالنسبة لحليم، فالساعة التى يرتديها فى معصمه كانت أشبه بالدبلة أو السلسلة لا يتذكرها ولا ينظر إليها وكان هذا الكلام أيضا ينطبق على شركاء حليم فى صوت الفن.. وقد حدث أن حليم وهؤلاء الشركاء قاموا بعملية مراقبة وتعقب لحسين كمال على مدى ثلاث سنوات بالتمام والكمال.. ولم ينتبه حسين كمال للأمر إلا عندما فاز بجائزة من فيلم «المعطف» فكان حليم متواجدًا فى عرض مسرحى لحسين كمال.. وجده أمامه حيث جاءه مهنئًا ثم تكرر المشهد فى أفلام «المستحيل» وبعده «شىء من الخوف»، و«البوسطجى»، كان حليم يحضر دومًا العرض الخاص.. وهو أمر له مغزى ومعنى بأن حليم يدرس إمكانيات هذا الرجل ويضع يديه على مواضع القوة ويلمس مدى قدراته الفنية فوجدها جبارة.. وتقرر أن يسند إليه إخراج العمل الفنى الأخطر فى تاريخ العندليب وصوت الفن معًا، وخرجت أصوات معارضة وبشدة، كيف لولد صغير أن يقوم بهذه المهمة، إنها مغامرة غير محسوبة، وأن على العندليب ألا يتسرع حتى لا يعقب ذلك التسرع الندم الشديد.. وقام أحدهم وقال: ده مخرج أفلام أرشيف الجمهور مش على خريطة اهتمامه ده بيبحث عن جوايز مهرجانات.

وبالطبع كان أشد المعترضين هو الأستاذ مجدى العمروسى والذى تحول بعد ذلك إلى أحد أجمل أصدقاء عمر حسين كمال، ولكن حليم كان عنيدًا فى اختياره يحارب من أجله إلى المدى الأقصى الممكن وغير الممكن.. وقد شعر العندليب الباحث عن التطور والجديد فى عالم الفنون أن هذا الفتى الموهوب؛ بل العبقرى هو الوحيد القادر على تقديم ما يحلم به حليم.. ذلك لأن الفيلم الاستعراضى أصبح تقليديًا بل وسخيفا والأغانى فى كل الأفلام تشعر أنها محشورة وإذا اضطر الممثل المطرب إلى الغناء فإنه يقف تحت شباك أو بلكون حبيبته ويمسك بعمود الكهرباء ويحتضنه ويغنى لها وهو يدور ويلف حوله.. ومع ذلك لم يقنع حليم الشركاء بأن حسين كمال هو وحده القادر على تحقيق معجزة فى عالم الاستعراض.. ساعتها هدد حليم الشركاء بالانسحاب نهائيًا وترك العمل لكى يختاروا له بديلا عن العندليب فى حالة عدم الموافقة على وجود حسين كمال، ولعل الشىء المثير للعجب أن فنانا عظيمًا فى حجم محمد عبدالوهاب كان يرى أن إسناد المهمة إلى حسين كمال هى بمثابة إشعال للفلوس ورميها فى الفضاء كلعب الأطفال.. لم ير عبدالوهاب فى شخص وفن حسين كمال ما ينبئ بأنه قدير على دخول فيلم ميزانيته هى الأضخم فى تاريخ دولة الفن وأمام إصرار حليم وتهديده رضخ الجميع لرأيه صحيح وافقوا فى النهاية.. ولكنهم وضعوا أيديهم على قلوبهم وكانوا فى انتظار حدوث كارثة مفجعة بالنسبة للشراكة الفنية والعائدات التى تصوروا أنها ستصيب الشركة بأعظم خسارة فنية فى تاريخها، وقد تهدد بالإفلاس التام وفض الشراكة.