الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا .. أكشاك لبيع تذاكر النعيم وأقنعة الشيوخ والكهنة!

مصر أولا .. أكشاك لبيع تذاكر النعيم وأقنعة الشيوخ والكهنة!

قضية تجديد الفكر الدينى «المسيحى والإسلامى» تُعدُّ واحدة من أهم القضايا التى تحتاج إلى تركيز الجهود الوطنية عليها، وهى جهود تتجاوز المؤسسة الدينية؛ إذ إنها تحتاج إلى دعم شركاء أساسيين فيها، كوزارات الثقافة  والتعليم  والعدل، بالإضافة إلى منظومة الإعلام بمؤسساتها المتعددة. فضلًا عن أدوار المثقفين والمفكرين والباحثين.



 

وفى هذا السياق، فإن أكثر الظواهر خطورة على تجديد الفكر الدينى هى ظاهرة «التديُّن الشكلى» فى المجتمع، وهو بمثابة نوع من التدين «المرضى» الذى يتم فيه تضخيم قيمة المفاهيم والمصطلحات على حساب المضمون.. مثل تضخيم أهمية الصيام على حساب السلوك المرتبط بالصيام، أو تضخيم أهمية الصلاة فى مواعيد محددة على حساب القيمة المعنوية المرتبطة بالصلاة، وما يترتب على ذلك من إعلاء قيمة المظاهر الخارجية على حساب المعنى القيمى للنص الدينى. والمتتبع لتطور ظاهرة التدين فى المجتمع المصرى يستطيع أن يرصد أشكالًا متعددة من التدين: 

1 - التديُّن المعرفى: وهو المرتبط بالجانب الفكرى لكل ما يتعلق بالممارسات الدينية، مثل الأحكام الشرعية والدينية لما يتعلق ببعض الممارسات الحياتية اليومية، وهو ما يمثله رجال المؤسسة الدينية. 

2 - التديُّن العاطفى: وهو الحماسى المرتبط بالانتماء للدين والدفاع عنه، مثل التصدى للرد على الرسوم المسيئة للرسول (ص) وللقرآن الكريم أو السخرية من الكتاب المقدس، دون معرفة حقيقية ومعلوماتية عن توجهات هذا الهجوم، والرد عليه بشكل علمى دقيق.

3 - التديُّن السلوكى: وهو المرتبط بتكرار العادات والممارسات الدينية، مثل الصلاة والصوم وأحكامهما. وتضخيم وتجريم من يخالفهما بشكل حرفى، وتفريغهما من مضمون القيم والمبادئ المرتبطة بممارستهما.

4 – التديُّن النفعى: وهو المرتبط بتحقيق مصلحة شخصية مباشرة من الإعلان عنه، مثل شيوخ الستالايت وكهنته، الذين لا ينتمى غالبيتهم إلى المؤسسة التعليمية الدينية، بقدر ما ينتمون إلى عالم الشهرة الواسعة، وهو عالم يساعد على انجذاب المواطنين إليهم.

5 – التديُّن التفاعلى: وهو المرتبط بالتفاعل مع مقتضيات الحياة اليومية، وردود الفعل حولها، مثل العلاقة الشخصية بين المواطن ومؤسسته الدينية، والدعوة للصلاة لتجاوز الأزمات والأوبئة، أو دق أجراس الكنائس أثناء صلاة الظهر عند صلاة الجنازة على شهداء المذبحة الإرهابية بمسجد الروضة فى 24 نوفمبر 2017. 

6 – التديُّن الدفاعى: وهو المرتبط بالشعور بالمسئولية الشخصية عن الدفاع عن الدين وإعلاء رايته  فى مواجهة  أى شائعة  أو مشكلة ترتبط بشكل مباشر بالدين، وهو الأمر الذى نلحظه تحديدًا على الصفحات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعى.

7 – التديُّن المرضى: وهى تلك الحالة الذهنية التى يتخيل فيها صاحبها أنه المسئول عن تنفيذ تعليمات دينه، وفرضها على غيره بأساليب متعددة تصل إلى حد استخدام القوة والعنف. دون الرجوع إلى مؤسسته الدينية الرسمية لمعرفة مدى صحة مرجعية تصرفاته.

8 – التطرف: وهو حالة من التشدد الفكرى فى فهم النصوص الدينية، وتفسيرها وتبريرها بما يتلاءم مع التوظيف السياسى للدين، وهى حالة ترفض تمامًا قبول أى اختلاف عن رأيها مهما كانت صحته.

9 – التصوف: وهو درجة من درجات التدين موجود فى المسيحية فى شكل الرهبنة، وفى الإسلام فى شكل الجماعات الصوفية المنتشرة فى جميع المحافظات. إنها حالة وجدانية تميل إلى الوسطية التى يعتقد فيها غالبية الشعب المصرى.

10 – التديُّن الأصيل: وهو تلك العلاقة بين المواطن ودينه، كعلاقة شخصية إيجابية وتفاعلية، لا يصل مداها إلى «تديين» مفردات الحياة اليومية ومجالها العام، بقدر ما تترجم إلى الالتزام فى ممارسة العبادات وضبط السلوك اليومى فى التعامل مع غيره. 

إن تلك الأمثلة المتنوعة تتطلب منا أن نميز بوضوح بين التدين الحقيقى من جهة، والتوظيف الدينى لأغراض تحقيق أهداف سياسية من جهة أخرى. 

يرى البعض أن العقائد الدينية انتقائية بطبيعتها، وتميل نحو استبعاد المختلفين معها، ومن ثم فإن تجديد الفكر الدينى هو الذى يمكنه ترسيخ مفهوم التماسك الوطنى مع تخطى محدودية العقيدة، كما يسهم فى دعم فكرة الوحدة مع التنوع، وهى فكرة حتمية لتطور المجتمع الذى ينتهج تحقيق العدالة والمساواة، كما أن المسئولية الإيمانية تتطلب خلق مجتمع القانون والحق، وهو ما يتطلب بدوره التغلب على الشعور بالانعزالية والاغتراب. 

وبالتالى نحن نحتاج إلى تجديد الفكر الدينى وليس الخطاب الدينى، فالخطاب الدينى آراء شخصية فى معظمه «الوعظ والإرشاد»، وله مشاهير من شيوخ الستالايت وكهنته، وهو يرتكز على فكر دينى «أفكار وتصورات» لاجتهادات لاهوتية وفقهية على مر السنوات. 

تجديد الفكر الدينى يمثل فهم الإنسان للدين، ورؤيته الشخصية، وليس المقصود بالقطع تجديد النص الدينى أو الكتب السماوية، والتجديد هنا غير معنى بشكل الخطاب وكلماته الذى يردده رجال الدين فى مجملهم؛ بل بتعديل سيكولوجية  الفكر الدينى ومضمونه بما لا يتعارض أو يمس النصوص بثوابتها الدينية والإيمانية، وهو المنوط به النخبة المفكرة من رجال الدين، التى لديها القدرة الحقيقية على الاجتهاد ومواكبة العصر وفى ظل الالتزام بالثوابت الدينية الحقيقية، خاصة أن تراثنا الدينى يحتوى على بعض ما يخالف أصول الدين، ويخالف المنطق العقلى، فلا يمكن رفض النص الدينى منطقيًا لأنه مرجع غير قابل للشك، وفى الوقت نفسه لا يمكن قبول تفسيراته كليًا لما فى بعضها من تجاوزات غير مقبولة دينيًا أو فكريًا، على غرار اقتران الهوية الدينية بالقتل من جيش الرب فى أوغندا وداعش فى ليبيا والعراق وسوريا.

رفض التجديد الدينى يعنى تجميد الأحكام عند فترة زمنية محددة فى التاريخ الماضى، وهو ما يعنى غلق باب الاجتهاد الذى يقوم أساسًا على التجديد، ويرتبط بذلك الحديث عن الإعجاز العلمى للأديان الذى يعتبر نوعًا من العجز تجاه تقدم الغرب وتكنولوجيته، والسؤال البديهى: طالما أن الكتب السماوية ذكرت لنا النظريات العلمية نحن أهل الإيمان فلماذا لم نكتشفها نحن؟ ولماذا نتأخر دائمًا ولم نتقدم؛ بل وتقدم غيرنا؟ وكيف يستقيم أن يكون الغرب المتقدم ماديًا.. وهو نفسه «المنحط» روحيًا وأخلاقيًا؟

الفصل بين العلم والدين لا يستند إلى أفكار نظرية المؤامرة حسبما يروج البعض؛ بل يبعد النص الدينى عن مهاترات المقارنة مع النظريات العلمية. النص الدينى ثابت لا يتغير، أما النظريات العلمية فهى متغيرة حسب الزمان والمكان ضمن نطاق التطور العلمى المستمر.

تجديد الفكر الدينى أهم وأكبر من تركه داخل حدود المؤسسة الدينية كما ذكرت من قبل، فالمفكرون والمثقفون لهم دور أصيل فى هذا التجديد بعيدًا عن التصورات المسبقة عن القطيعة بين المثقفين والمؤسسة الدينية.   

الدين عقيدة راسخة فى كيان الإنسان لا إكراه عليها، بمعنى أنه لا إجبار لأحد على قول أو فعل لا يريده عن طريق التخويف أو التعذيب أو ما يشبه ذلك، فالإكراه على الدين لا يأتى بمؤمنين صادقين بقدر ما يأتى بمنافقين وكذابين ومدلسين. كما أن الأديان لا تتقاتل فيما بينها رغم الاختلاف العقيدى أو التشريعى أو الطقسى، والدين لا يذهب إلى ميادين القتال، غير أن معتنقى هذا الدين أو ذاك هم الذين يتقاتلون، طبقًا لمصالحهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وبالتالى، صارت للأديان فى العلاقات والنزاعات أدوار وتوظيفات يختلف حجمها ونوعياتها حسب كل مرحلة تاريخية. 

نقطة ومن أول السطر..

فى مصر الآن إرادة سياسية لتجديد الفكر الدينى، ولكن الإرادة الدينية ليست بالقوة المطلوبة لتحقيق هذا التجديد؛ لدرجة جعلت البعض يظن أن المؤسسة الدينية المصرية ليست لديها رغبة حقيقية فى خوض طريق التجديد، باعتباره تهديدًا لمكاسب حققتها، فى ظل كل هذا التراجع الفكرى. وكأن القيمين عليها وكلاء الدين وأوصياؤه دون أى مراعاة للمصلحة الوطنية العليا.