الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

دراسة اجتماعية حديثة العولمة والتكنولوچيا أثرتا على القيم الأسرية

كشفت دراسة حديثة أعدها الدكتور وليد رشاد زكى أستاذ مساعد علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن هناك تحديات كبيرة تواجهها الأسرة المصرية تحتاج رسم سياسات اجتماعية واضحة مع التأكيد على أن الاستماع إلى الأسر ومشكلاتها، والجرائم المستحدثة، ليست فقط بناءً على لغة الأرقام، ولكن الأجدى البحث عن الأسباب المشتركة التى تقود إلى المشكلات ويتم الانطلاق منها إلى الجهات التنفيذية لاتخاذ القرارات المناسبة للحفاظ على الأسرة فى ضوء التحديات الراهنة.



«المشكلات الأسرية المستحدثة فى ضوء تحولات القيم» هى الدراسة التى أعدها الدكتور وليد زكى حيث بدأت الدراسة بسؤال عن التحولات التى طرأت على الأسرة المصرية، لماذا لم تتواكب السياسات الاجتماعية مع التحولات والتغيرات التى طرأت على الأسرة سواء من ناحية البناء الأسرى أو القيم الأسرية؟ وأكد د. وليد أن الاجابة على هذا السؤال مرهونة بعدة اعتبارات أولها أن التحولات التى تمر بها الأسرة على الصعيد المحلى تتأثر بالعديد من التحولات العالمية، وهو الأمر الذى يفسر لنا قصور التفسيرات المرتكزة على المحلية مع عدم مواكبة الأدوات والمنظورات التى نبحث بها فى المشكلات الأسرية مع الطبيعة الدينامية للمشكلات الأسرية المستجدة، فضلاً عن الجهود التى تبذل من أجل فهم وتفسير وصناعة السياسات التى تواجه المشكلات الأسرية، حيث إن معظمها يميل إلى جهود بحثية فردية مع محاولات قليلة جماعية كالدراسات التى يقوم بها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية.

وقال الدكتور وليد: المشكلات الأسرية لها طابع متعدد الزوايا وكل العلوم الإنسانية تشترك معًا فى فهم قضاياه، فالمشكلات الأسرية لا تقع على مؤسسة بعينها أو هيئة بذاتها.

فالأرقام من الناحية العلمية غير كافية فنجد العديد من المهتمين بقضايا الأسرة ينشغلون بالأرقام، والحقيقة أن خطاب الأرقام يبدو مهمًا عندما نقوم بتوصيف المشكلة مثل نسب الطلاق والزواج والإنجاب وغيرها، ولكن عندما يتعلق الأمر بأرقام تخص ضرب الزوج أو ضرب الزوجة أو ختان الأطفال، فهى أمور الأرقام فيها غير واضحة، والمهم فيها الخطاب السردى التفسيرى والدلالى والبحث عما هو وراء الأرقام.

وانتقلت الدراسة إلى الإجابة عن سؤال آخر وهو: كيف نفهم المشكلات الأسرية؟ فقال د.وليد: عندما نتأمل المشكلات الأسرية المستحدثة والتحولات التى طرأت على بنية الأسرة فى العالم بشكل عام وفى مصر بشكل خاص نجد أن المشكلات الأسرية ذات طابع علائقى معقد، فعندما نتأمل على سبيل المثال مشكلة مثل مشكلة الطلاق فإن الفهم القاصر يضعها فى قالب العلاقة بين الزوجين، هذه الزاوية المحدودة تقدم تفسيرًا قاصرًا إن المشكلات الأسرية برمتها ذات طابع علائقى فهى مشكلة علاقات داخلية وخارجية ووسيطة، أما الداخلية فيجب النظر إلى بناء الأسرة من الداخل والتغيرات التى طرأت عليه والعلاقة بين الزوجين والهيمنة فى معناها سواء الهيمنة الذكورية أو الهيمنة النسوية، ومن جانب آخر يجب أن يتحول الفهم إلى السياق العائلى الأكبر أى العائلة.

وأضاف قائلاً: إن مرحلة التحولات الاجتماعية التى يشهدها أى مجتمع تلعب دورها على التأثير فى الأسرة ومشكلاتها، وهذا الأمر يجب أن يوضع فى الاعتبار عند النظر إلى الأسرة ومشكلاتها، وفهم قضاياها وتحولاتها وإن استطعنا أن نحلل القضايا والمشكلات الأسرية بشكل أعمق فيجب أن يتسع الفهم ليشمل التحولات العالمية والإقليمية، إذ إنها تلقى بظلالها على المشكلات الأسرية حتى لو بشكل غير مباشر. نستنتج من ذلك أن ليس كل المشكلات الأسرية نابعة من الداخل، ولكن هناك مشكلات أسرية تأتى من خارج الأسرة. من هنا فإن الفهم الشامل للمشكلات الأسرية لا بد أن يجمع بين الداخل والخارج. 

وانتقلت الدراسة بعد ذلك إلى المشكلات الأسرية من منظور قيمى.. حيث أكد د. وليد أن التحول القيمى يلعب دوره البارز فى التأثير على الأسرة ومشكلاتها، ولا شك أن الأسرة شهدت العديد من التحولات بسبب القيم وخصوصاً القيم الجديدة التى فرضها العصر، ولكن فى الحقيقة ثمة فجوة وثغرة يجب وأدها حتى نستطيع أن نفهم العلاقة بين الأسرة والقيم، وتتمثل هذه الثغرة فى مجموعة من التحديات التى تحول دون فهم العلاقة بين الأسرة والقيم مؤكدًا على ضرورة عدم وضع القيم الأسرية فى سلة واحدة فإن القيم الأسرية تستمد من الثقافة بشكل عام، وهنا يمكن القول إن القيم الأسرية فى الريف تختلف عن البدو وعن الحضر كذلك، بل تختلف فى سياقات بعض العائلات والتى تفرض الزواج من داخلها، ليس معنى ذلك أنه لا توجد قواسم مشتركة قيمية بين الأسر، ولكن المراد هنا أن نكون على وعى عندما نتحدث عن القيم هل نقصد بها القيم الأسرية بشكل عام أم أننا نقصد القيم المرتبطة بالثقافات الفرعية؟

وقالت الدراسة إن الحديث عن العلاقة بين القيم والأسرة يجب أن يضع فى إطار التحولات المجتمعية على المستوى المحلى، وعلى المستوى العالمى وأن يكون الأمر من خلال فرق بحثية كبيرة وليس مجرد مجهودات فردية ولا نستطيع أن ننكر أهمية دراسة القيم الأسرية من منظورات متعددة وزوايا علمية مختلفة فإن هذا من شأنه أن يقودنا إلى فهم أعمق ورسم سياسات اجتماعية أوضح حول الأسرة.

ففى 2019: تم رصد مجموعة من الجرائم الأسرية أبرزها قيام شخص بمحافظة الجيزة بقتل شقيقه بسبب صوت التليفزيون المرتفع وشخص فى منشأة القناطر يقتل شقيقه لشكه فى علاقة بينه وبين زوجته وشاب فى السلام يقتل والده وزوجته بسبب خلافات مادية وشاب يقتل والده ثم يلقى نفسه بعد ثلاثة أيام تحت عجلات القطار، وشاب يشنق شقيقه فى الجيزة لمعايرته بفشله فى الدراسة. 

وفى عام 2020: تم رصد مجموعة من الجرائم الأسرية أبرزها رجل يقذف زوجته من الشرفة فى حى روض الفرج بسبب مشادات كلامية وشاب فى القليوبية يقتل والده ووالدته وشاب يقتل شقيقه بسبب مفتاح الشقة وشاب يقوم بذبح زوجته فى الجيزة لمعايرته له بأنه عاطل وأب يقتل ابنته بسبب مكالمة مع صديقتها فى محافظة القليبوبية.

ومن أبرز جرائم 2021: زوج يقوم بقتل زوجته بالوراق أمام أبنائه الثلاثة، وشاب يحرض أخاه على اغتصاب زوجته وتصويرها وطبيبة أسنان تشك فى خيانة زوجها فتقوم بتخديره وتخلع له جميع أسنانه، وزوج يكتشف أفلامًا إباحية لزوجته على فلاشة تحت الوسادة فيبلغ عنها ويرفع قضية شك فى نسب طفليهما.

وأكد د. وليد أن هذه الحوادث يغلب عليها الطابع الفردى، إلا أنها فى جوهرها غريبة عن المجتمع المصرى وعن الأسرة المصرية التى تعرضت للعديد من التغيرات والتى تحتاج إلى دراسة أكثر عمقًا ورسم سياسات أكثر واقعية فى التعامل مع هذه المشكلات. ومن المهم الكشف عن أبعاد هذه الجرائم وذلك عبر السرديات للتعرف بعمق عن الدوافع التى تقود إلى مثل هذه الحوادث الغريبة، من أجل الفهم وربط ذلك بطبيعة الحال بالتحولات والتغيرات التى تطرأ على الأسرة المصرية وبنائها.

 الطلاق المبكر

وكشفت الدراسة انتشار العديد من المشكلات المرتبطة بالزواج والطلاق والتى يمكن وصفها بأنها مشكلات مستحدثة، ويمكن فى هذا السياق الحديث عن بعضها ومنها الطلاق المبكر حيث ارتفعت معدلات الطلاق فى مصر فى الفترة الأخيرة بشكل واضح، حيث شهدت السنوات الأولىأعلى معدلات للطلاق. وفى هذا الإطار نشير إلى أن معظم الأدبيات حددت الطلاق المبكر بشكل إجرائى على أنه «الطلاق الذى يتم خلال الخمس سنوات الأولى من الزواج». ووفقاً لهذا التعريف نجد أن الطلاق الذى تم فى فترة أقل من سنة بلغ 21732 حالة، والذى استمر من سنة إلى أقل من سنتين بلغ 36216، ومن سنتين إلى خمس سنوات بلغ 29704، وبهذا تكون حالات الطلاق التى تمت خلال الخمس سنوات الأولى من الزواج بلغت 87.652، بنسبة 41.4 % من إجمالى حالات الطلاق. وقد بلغ معدل الطلاق عام 2018 (2.2 فى الألف)، فى حين ارتفع عام 2019 ليصبح (2.3 فى الألف).

تكشف هذه الأرقام والإحصاءات عن مشكلة تهدد المجتمع المصرى فالأمر يحتاج إلى استراتيجية للتعامل مع هذه المشكلة ومواجهتها، والخروج بسياسات اجتماعية من شأنها أن تحد من هذه المشكلة.

 عزوف الشباب عن الزواج

وأيضًا يواجه مجتمعنا مشكلة جديدة ترتبط بعزوف بعض الشباب عن الزواج غرس الطلاق صورة ذهنية سلبية لدى بعض الشباب بسبب الارتفاع فى معدلاته قد ألقت هذه المشكلة بظلالها على الشباب المقبل على الزواج فنجد بالملاحظات الميدانية أن هناك مشكلة جديدة تواجه الأسرة المصرية وهى لا ترتبط بالعنوسة وارتفاع سن زواج ولكنها ترتبط برفض الشباب للزواج، والاكتفاء بالعيش بدون زواج حتى أن بعض الشباب لديه الإمكانيات والقدرات التى تمكنه من الزواج ولكنه لا يقبل على الزواج فإما أن يظل معتمدًا على أسرته وإما أنه يستقل فى مسكن خاص ويعتمد على ثقافة الدليفرى تعد هذه المشكلة من المشكلات التى تهدد الشباب المصرى وخصوصاً أن العازفين عن الزواج من الشباب المتعلم.

ولا نقصد بالعزوف عن الزواج الفئة التى لا تتزوج بسبب الضغوط أو المشكلات الاقتصادية ولكن نقصد تلك الفئة التى لديها القدرة الاقتصادية على الزواج ولكنها تعزف عنه طواعية، تحتاج هذه المشكلة إلى تدخل ببرامج وسياسات اجتماعية لمواجهتها. 

 هروب الفتيات من المنزل

تعد مشكلة هروب الفتيات من المنزل من المشكلات المستحدثة والجديدة على مجتمعنا المصرى، فمشكلة الهروب من المنزل ترتبط بالذكور فى معظمها ولكن برزت على السطح مشكلة هروب الفتيات وتطالعنا العديد من الصحف بكثير من الحوادث المرتبطة بهذه الظاهرة وقد اختلفت دوافع الهروب من المنزل حيث هروب بعض الفتيات نتيجة معاملة الأسرة السيئة لها أو من أجل الهروب مع من تحب أو محاولة للتحرر من الأوامر والنواهى الأسرية فعلى الرغم من تنوع الأسباب فإن النتيجة هى بروز هذه المشكلة وجدير بالاعتبار الإشارة إلى أنه لا توجد إحصاءات أو أرقام عن هذه المشكلة، إلا أن الأمر يحتاج إلى سياسات اجتماعية لمواجهة هذه المشكلة فى مهدها. 

 زواج التجربة

من المشكلات المستحدثة والتى تتعلق بكيان الأسرة المصرية مشكلة زواج التجربة والتى أثارت حولها الجدل حيث يتم تحديد الزواج بمدة لا تقل على 3 سنوات وقد نال هذا الموضوع حظه عبر الصحف ومواقع التواصل الاجتماعى ما بين جدل المؤيدين والمعارضين. وقد أثار هذا الأمر حفيظة رجال الدين،وتدخل الأزهر ودار الإفتاء لحسم عدم مشروعية هذا النوع من الزواج ليست هذه المشكلات الأسرية المستحدثة ولكن ثمة مشكلات قديمة حديثة منها على سبيل المثال الزواج المبكر والعنف الأسرى ومشكلات النفقة والحضانة وغيرها من المشكلات.

وخلصت الدراسة أن التحديات الجديدة فى القرن الحادى والعشرين فرضت التكنولوجيا الحديثة على الأسرة مما أثر على مهام الوالدين والعلاقة بين الآباء والأبناء، فالعولمة والتكنولوجيا أثرت على واقع القيم الأسرية وخلقت نوعًا من الصراع بين الأصالة والمعاصرة، والدور الذى يلعبه الإنترنت فى التأثير على منظومة قيم الأسرة المصرية وعلاقاته بالطاعة والحوار الأسرى والثقة داخل الأسرة وغيرها من القيم التى تأثرت بفضل الإنترنت وتطبيقاته المختلفة.

وقد لعب الإنترنت – ولا يزال- دوراً أساسيا فى العلاقة بين الزوجين وعلى الرغم مما ينطوى عليه من مزايا إلا أن فتح بوابة جديدة للمشكلات الأسرية ومن أبرزها: 

الخرس الزواجى والانفصال العاطفى: تبين من خلال نتائج الحالات الميدانية لبحث الطلاق المبكر أن الإنترنت لعب دوره فى التأثير على الحوار الأسرى، حيث أشار إلى ذلك 27 حالة من واقع مائة حالة من حالات إحدى الدراسات الميدانية فقد تسبب الإنترنت فى انفصال عاطفى بين الزوجين، حيث إن كل طرف من الأطراف يكتفى بالجلوس أمام شاشة الجهاز ولا يحاور الآخر.

فضلاً عن الخيانة الزوجية، حيث فتح الإنترنت باباً للتواعد والخيانة الزوجية، ففى الوقت الذى تسبب فيه الإنترنت وتطبيقاته فى تحقيق مزيد من العزلة الاجتماعية على السياق الواقعى فقد أدى إلى المساهمة فى فتح الأبواب أمام التواعد وتكوين علاقات مع أفراد غير معروفين، مما قاد إلى العديد من الانحرافات السلوكية وفَتَحَ بابً للخيانة الزوجية وقد شهدت الفترة الأخيرة بروز الخيانة الزوجية عبر مواقع التواصل الاجتماعى بوصفها عاملًا من عوامل الطلاق والتفكك الأسرى.