
هاني لبيب
مصر أولا .. القضية الفلسطينية.. مصر «شريك» لا «وسيط» تحت الطلب والحاجة!
قيمة الزيارة الناجحة للسيد الوزير عباس كامل «رئيس جهاز المخابرات العامة» إلى الأراضى الفلسطينية وإسرائيل، خلال الأيام القليلة الماضية، تحمل رسالتين غاية فى الأهمية، الأولى؛ هى أن التعامل مع عدو عاقل.. أفضل بكثير من التعامل مع صديق جاهل، والثانية؛ هى عودة مصر للمشهد الفلسطينى- الإسرائيلى، رغم التمويل والجهود التى تمت، خلال السنوات الماضية، لإحراج مصر ومحاولات البعض اختطاف مكانتها، وسلبها دورها، وصفتها، وهى أنها «شريك» لا «وسيط».
عانت القضية الفلسطينية، خلال السنوات العشر الأخيرة، من حالة متقدمة من «الضبابية» بشكل أصبح صعبًا معه ظهور بريق من الأمل، نحو الوصول لحلول عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية. ودائمًا ما كان منبع هذه الضبابية محورين، الأول هو المحور الفلسطينى الداخلى، والثانى يخص المحور الإقليمى والإسرائيلى.
شهد المحور الفلسطينى العديد من الأزمات الداخلية، بقدر أكبر بكثير من أزماته الخارجية، وبات من الواضح أنه قد أصبح هناك صراع «فلسطينى – فلسطينى»، وتفاقمت الأمور إلى حد الصدام المسلح، كما تسببت فى شرخ كبير فى القرار الفلسطينى، وهو ما أدى فى نهاية المطاف إلى أن تبدو الصورة وكأنَّ هناك دولتين وحكومتين إحداهما فى الضفة الغربية والأخرى فى غزة، وترتب على ذلك خضوع القضية الفلسطينية لمحاولات متكررة ومكثفة لإضعاف شرعيتها.
عانت مصر خلال سنوات طويلة من حملات موجهة تقلل من دورها، وتحصرها فى فكرة واحدة، أنها «وسيط» فى حل المشكلة الفلسطينية -الإسرائيلية، وهو فى حقيقة الأمر قول حق يراد به باطل؛ إذ إنه اختزال لدور مصرى رئيسى فى الصراع العربى الإسرائيلى، وتجاهل لمعطيات تاريخ المنطقة وتركيبتها السكانية والجغرافية، لأن أبناء مصر شاركوا منذ سنة 1948 فى عدد من الحروب فداءً لـ«القضية الفلسطينية»، كما أن مصر لم تتوقف عن دعمها المادى والمعنوى، وما ترتب على ذلك من مواقف دولية، اعتبرها البعض «حكمة» و«رؤية مستقبلية بعيدة النظر»، واعتبرها البعض الآخر «عداءات مع بعض الدول» ترتّب عليها قطع علاقات دبلوماسية، وهو ما يعنى أن مصر لم تفعل ذلك من أجل أن تكون مجرد وسيط، تحت الطلب وحسب الحاجة.
ولا يمكن تحليل مواقف مصر من القضية الفلسطينية دون التوقف أمام ارتباط هذه العلاقة بمنظومة الأمن القومى المصرى، خاصة أن الأمر يتعلق بكيان مجاور لمصر، ويقع ضمن نطاق الدائرة الأولى لأمنها القومى، ويبقى السؤال: هل يمكن أن تترك مصر لغيرها ما قد يُشكل خطرًا على أمنها القومى ويفرض أمرًا واقعًا عليها؟ لم تقدم مصر دماء شبابها لتصبح مجرد وسيط فى القضية الفلسطينية؛ بل لأنها شريك رئيسى فى هذه القضية، بداية من خلال ما تقوم به من جهود دبلوماسية وسياسية، وصولًا إلى ما أنفقته وتحملت تبعاته اقتصاديًا فى سبيل حل هذه القضية، وبالتالى، لن تسمح مصر بأى حال من الأحوال بأن يتم فرض حلول محددة عليها، أو أن تتواجد بجوارها كيانات متشددة ومتطرفة من شأنها أن تهدد الأمن القومى المصرى.
أذكر سنة 2007 أن بعض وسائل الإعلام العربية والغربية قد قامت بنوع من تغييب الرأى العام فى الشارع العربى بخصوص حقيقة اقتحام معبر رفح، من خلال الترويج له فى إطار كسب تعاطف الشعب الفلسطينى، وليس من خلال نشر معلومات دقيقة، فقد تم تصوير الأمر وكأن مصر تشارك إسرائيل فى عزل الشعب الفلسطينى فى غزة، وعدم توفير مواد غذائية ومستلزمات طبية وأدوية له، مثلما يربط البعض بين فتح المعابر والترويج لتنفيذ عمليات إرهابية فى مصر، وكأن المعبر يعمل دون أى ضوابط أمنية أو معايير قانونية.
ما لا يعرفه هؤلاء أن معبر رفح محكوم ببنود الاتفاقية الموقعة فى 15 نوفمبر سنة 2005، والتى عُرفت باتفاقية المعابر، وهى الاتفاقية الثلاثية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والاتحاد الأوروبى تحت رعاية مصرية وأمريكية، وقد حددت تلك الاتفاقية العديد من الشروط الملزمة لأطراف الاتفاقية، ويأتى فى مقدمتها:
• إخضاع المعبر لرقابة الاتحاد الأوروبى.
• إخضاع المعبر للمراقبة الأمريكية من خلال المنسق الأمنى الأمريكى بين السلطة وإسرائيل.
• حظر مرور الأشخاص من غير حاملى الهوية الفلسطينية المسجلين.
• حق الاتحاد الأوروبى فى منع سفر أى شخص ومنع عبور أى حقيبة أو سيارة أو بضاعة.
• ضرورة التنسيق الأمنى الرباعى بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ومصر وأمريكا.
• حق الاتحاد الأوروبى فى تجميد هذه الاتفاقية فى حالة تقييمه سلبيًا لأداء السلطة فى المعبر.
ويترتب على ما سبق، العديد من الالتزامات القانونية، منها: تحديد موعد محدد لفتح المعبر، وعدم السماح بمرور وتهريب الأسلحة، والتدقيق فى مراجعة أوراق الهوية الشخصية وصحتها. كما أن مسئولية تشغيل المعبر تقع على عاتق مصر والسلطة الفلسطينية كل منهما على حسب الأراضى التى يسيطر عليها.
للتاريخ.. لقد ظلت مصر تمد غزة باحتياجاتها الأساسية من الكهرباء والمياه، خاصة عند بعض المناطق الحدودية ومنها رفح وخان يونس ودير البلح. ولا يمكن أن نهمل فى هذا السياق، أن إسرائيل منذ اتفاقية كامب ديفيد سنة 1979، وهى تحاول أن تحمّل مصر مسئولية قطاع غزة بمشاكله وهمومه والتزاماته، وهو ما رفضته مصر لكونه تفتيتًا للقضية الوطنية الفلسطينية، وكانت دائمًا مع وحدة الشعب الفلسطينى. ولم تترك الشعب الفلسطينى يواجه أزمات تهدد حياته اليومية رغم كل التحديات والصعوبات التى واجهتها مصر؛ إما بسبب دعمها للقضية الفلسطينية؛ أو بسبب تصرفات المنتمين للإسلام السياسى من أبناء فلسطين.
لقد تأكد تدريجيًا - مع مرور الوقت - أن القضية الفلسطينية قد أصبحت هدفًا مستباحًا على مدار السنوات للعديد من القوى التى لا تقوم بدور حقيقى فى صناعة سياسة المنطقة، أو بمعنى آخر «قبعة سياسية» يسعى البعض لارتدائها للتميز على الساحة السياسية، لكن مع الأسف تسببت التدخلات غير الوطنية وذات المنظور الشخصى فى وجود أشكال متباينة من الانقسامات الفلسطينية، وهو ما جعل القضية ترتبط بأجندات خارجية تم توظيفها لمصالح تتناقض مع استقرار الشعب الفلسطينى وأمانه.
إن رؤية مصر لحل الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى.. تحتاج إلى إجماع عربى للتأكيد على: ضرورة التزام إسرائيل بالتجميد الكامل للنشاط الاستيطانى فى جميع الأراضى الفلسطينية المحتلة بما فى ذلك القدس الشرقية، وتولّى المجتمع الدولى طرح شكل التسوية النهائية للنزاع الفلسطينى- الإسرائيلى، وعدم إضاعة المزيد من الوقت فى بحث تفاصيل يعلم الجميع أن مناقشتها لن تصل بالأطراف إلى التسوية المنشودة، وتجميد النشاط الاستيطانى يجب أن يتزامن مع المسار التفاوضى لتعزيز ثقة الجانب الفلسطينى فى النيّات الإسرائيلية، وإمكان التدرج فى تنفيذ التسوية طبقًا لجدول زمنى محدد يتفق عليه الطرفان وذلك فى حالة الاتفاق على الشكل النهائى لحدود الدولة الفلسطينية طبقًا لحدود 1967 كما سبق أن اتفق الطرفان على ذلك، من خلال مفاوضات عام 2020، وأن القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة وهى أحد موضوعات مفاوضات التسوية النهائية ولا يمكن أن تُستثنى من أى مفاوضات مقبلة، وانخراط إسرائيل فى التفاوض الجاد وطبقًا لإطار زمنى واضح المعالم يمكن أن يعيد الكثير من الأمور التى كانت قائمة خلال التسعينيات، من حركة التفاعل العربى معها، بهدف دعم الثقة المتبادلة وبالتالى دعم الجهد التفاوضى ككل.
نقطة ومن أول السطر..
المطلوب أن نقفز على الخلافات وأن ننظر إلى هم الوطن والشعب الفلسطينى بشكل أكثر موضوعية لكى لا نعطى الفرصة لبعض أصحاب المصالح الخاصة من الداخل الفلسطينى قبل الخارج لاستغلال حالة الضعف والانقسام فى عملية الهروب المنظم من حل شامل وعادل.. وترويج ذلك أمام المجتمع الدولى باعتبارنا شعوبًا غير قادرة على التعايش والتفاوض.
النتيجة المؤكدة دائمًا أن المبادرة الأساسية للخروج من هذه الضبابية يجب أن تأتى من داخل الشعب الفلسطينى بالدرجة الأولى قبل خارجه.
ترى، من الذى يملك المفتاح السحرى لحل تلك المشكلة المزمنة فى المنطقة العربية مع إسرائيل؟