الخميس 17 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا مظلة وطنية للمؤيدين والمعارضين والمطبلاتية والمغاوير

مصر أولا مظلة وطنية للمؤيدين والمعارضين والمطبلاتية والمغاوير

«مصر أولًا» هو الشعار الذى اتخذته «روزاليوسف» قبل ذلك كثيرًا كعنوان لمقالات وتحقيقات وملفات منذ عام 2007. وعلى الرغم من أننى كنت أميل فى الماضى لتصدير الفكرة العربية قبل الفكرة المصرية، غير أن التطور الفكرى فى موقفى من بعض القضايا جعلنى أميل تدريجيًا للتأكيد على أن مصر أولًا قبل أى شىء آخر.



العجيب بين الحين والآخر، أننا نشهد الكثير من اللغط حول الوحدة العربية المنشودة، صحيح أننا، بين حين وآخر، نرفع أصواتنا منادين بها، ونناشد رؤساءنا وحكوماتنا بتحقيقها، ونشجب كل ما يمكن أن يعرقلها، وندين تصرفات بعض الدول التى تساعد على المزيد من الانقسام، غير أن الواقع الحقيقى يصطدم بتصرفات عشوائية لا تخضع فى مجملها لأى توجهات سياسية، بقدر ما تعبر عن حالة فوضى تخص الرأى العام المصرى والعربى، وبالتالى استُهلك العقل المصرى والعربى فى «وهم» الوحدة العربية دون أى تأسيس مرجعى لها، وظلت الوحدة العربية مجرد شعار للاستهلاك الشعبى للتأثير فى الوجدان العربى، شعار لم نشاهد معه أى إجراء حقيقى للوصول إلى الوحدة المفترضة.

هذا التطور فى تقديرى هو ما رسّخ عندى فكرة أن مصر قبل الفكرة العربية، كما أن مصر موجودة قبل الأديان السماوية «اليهودية والمسيحية والإسلام» تاريخيًا، وهذا لا ينتقص من قيمة الأديان السماوية ولا يتعارض مع احترامها وقدسيتها، وبالتالى يمكننى القول ببساطة إن «مصر أولًا» هى المظلة الوطنية ضد كل استقطاب سياسى أو نعرات دينية وطائفية زائفة.

«دلالة مصر أولًا» ترتبط مباشرة بهذا الوطن قبل أى شىء آخر، كما تعنى أن المواطنين المصريين هم الأساس، بدون أى تمييز، لكننا فى أمسّ الاحتياج إلى دعم ثقافة المشاركة بينهم، خاصة بين الأطفال والشباب والمرأة من أجل بناء وطنهم.

قبل أحداث 25 يناير 2011 نصّ الدستور المصرى على المواطنة، ولكن نتيجة عدم تفعيلها إجرائيًا بالشكل الكافى أصبحت مجرد كلمة لا طعم أو لون لها، وفقدت جوهرها وتأثيرها فى العدل والمساواة بين جميع المواطنين المصريين، ولكن بعد ثورة 30 يونيو 2013 اتخذ النظام السياسى المصرى إجراءات واضحة ومباشرة لتحقيق منظومة المواطنة وترسيخ الدولة المدنية المصرية دون استخدام كلمة «المواطنة».

منظومة المواطنة التى نتحدث عنها تعنى تقدم ونهضة مصر على جميع المستويات (ثقافيًا واجتماعيًا وتربويًا وأخلاقيًا وقانونيًا)، منظومة تعد حافزًا للتقدم، وبداية نهضة شاملة لمجتمعنا.

كيف تكون «مصر أولًا»؟!

«مصر أولًا» تعنى إشاعة ثقافة الحوار والتنوع والتعددية الفكرية، وهو ما يدعم ويؤكد مفهوم المواطنة دون أدنى تمييز بسبب الدين «المسيحية والإسلام»، أو النوع الاجتماعى «الرجل والمرأة»، أو الطبقة الاجتماعية «مقتدر وغير مقتدر» أو الانتماء الجغرافى «المدينة والريف»، أو الحالة الجسدية «من أصحاب القدرات الخاصة وغيرهم»، أو الانتماء القبلى والعائلى «من أصحاب البشرة السمراء والبيضاء»، وهو ما يجعلنى أؤكد هنا على ملاحظة بديهية، وهى أن الدين مجرد عنصر من عناصر عديدة تمثل ركائز المواطنة المصرية المتنوعة.

إن مبدأ «مصر أولًا» يعنى أن مصر قبل الأديان وقبل الرموز، فهى التى أنجبت الرموز وصنعتهم، كما حافظت على الصبغة المسيحية والإسلامية المصرية التى يعرفها كل من سافر خارج نطاق حدود هذا البلد، وهو مبدأ يحتاج للتكاتف من أجل نشره وترويجه، خاصة من خلال المؤسسات الدينية ورموزها.

«مصر أولًا» هو مشروع فكرى «وطنى وثقافى وتربوى» يحتاج للدعم والمساندة، ولا يحتاج لأن يسطو عليه البعض أو يستخدمه البعض الآخر بأكثر مما يحتمل ويوظّفه لصالح أهداف خاصة، كما أن تمسكى بمبدأ «مصر أولًا» يعود فى اعتقادى الشخصى إلى الرجوع للفكرة المصرية الحقيقية الأصيلة باعتبارها صمام الأمان الأساسى ضد التوترات والأزمات التى أصبحت تحدث بشكل دورى اقترب من أن يكون يوميًا.

نحتاج إلى قيام المؤسسة التربوية والتعليمية من جهة، والمؤسسة الدينية فى مصر من جهة أخرى، بدعم اتجاه مبدأ «مصر أولًا» ومساندته، لما فى ذلك من تأكيد الاستقرار والتعايش الواحد بين أبناء هذا الوطن الواحد، وإن كنت أعتقد فى الفترة الأخيرة أن تقصير المؤسسة الدينية «المسيحية والإسلامية» وتراجعها هو السبب الرئيسى فيما وصلنا إليه من إعلاء النعرات الدينية فى مقابل التعتيم على القيم الوطنية.

فى المجتمع المصرى، تحدث مواقف وأحداث طارئة.. تعمل على إعادة «شحن» الوطنية المصرية، وهو أمر نحتاج إلى دراسته جيدًا واستثماره على أفضل وجه، لمواجهة جميع الاتجاهات والتيارات غير الشرعية التى تعبث بجوارنا وتحاول التسلل إلى وجداننا الوطنى للتشكيك فى مصريتنا وانتمائنا، مرتدية عباءة الدين، إذ توظفه سياسيًا لتحقيق أهدافها والوصول لأغراضها.

شعر العديد منا، خلال الفترة الماضية، بمشاعر متناقضة، بين الخوف على مستقبل مصر من جهة، والنجاح الذى حققته لضمان استقرارها إقليميًا من جهة أخرى، وفى ظل هذا اكتشفنا أن هناك من يتعاملون مع الدولة المصرية بمنطق «البيزنس»، ويغيرون اتجاهاتهم، حسب الزمان والمكان، فنجد من يتبرأ من أفكاره القديمة بعد أن كان فى وقت من الأوقات من أشد المدافعين عنها، بل المبشرين بها، كما نجد من «يركب الموجة» ليخلق لنفسه مكانًا ضمن حالة الحراك والفرز الموجودة الآن، كما نجد من يمسك العصا من المنتصف، منتظرًا اللحظة المناسبة ليميل مع الكفة الأثقل، متحولًا إلى رجل لكل العصور، والحكايات لا تنتهى عمن تخيل نفسه مرشحًا لمنصب ما، وعندما تم اختيار غيره انقلب على النقيض، وارتدى وجهًا قديمًا من وجوهه المتعددة، مثل وجه المعارض المغوار.

لكن بعيدًا عن مصطلحات الخيانة والتشكيك والعمالة والولاء والانتماء أعتقد أن هذا الوقت لا يحتمل إمساك العصا من المنتصف لكسب ود الجميع، خاصة فيما يتعلق بالمواقف الوطنية التى تحتاج إلى قوة وصراحة وحزم، بعيدًا عن محاولات تشويه كل من يساند مواقف الدولة المصرية، فالانحياز للوطن و«التطبيل» له رغم اعتراضى على هذه الكلمة الأخيرة، أفضل من تنفيذ «أجندات» خارجية تعمل لكل ما هو ضد صالح الدولة المصرية.

من المفيد الآن أن تقوم منظمات المجتمع المدنى المصرى ومراكزه بتحركات إيجابية محددة ودقيقة فيما يخص التوعية الحقيقية بأهمية مبدأ «مصر أولًا».. مصر فوق الخلافات.. مصر فوق النزاعات.. مصر فوق الأزمات، وهو مبدأ من شأنه أن يكون مظلة وطنية للجميع، للمؤيد وللمعارض الحقيقى الذى لا يعترض لمجرد الاعتراض، بل لديه رؤية لمصلحة المجتمع المصرى ومستقبله، مرتكزًا على فكر عملى قابل للتنفيذ حتى لو اختلفت رؤيته مع رؤية الحكومة.

 نقطة ومن أول السطر..

مصر أولًا.. قبل كل شىء، قبل كل الاتجاهات السياسية والفكرية، قبل الأحزاب حتى لو كان حزب الأغلبية، قبل الشخصيات العامة، فمصر الحقيقية هى الشعب المصرى، وليس شيئًا آخر.

 «مصر أولًا» هو مبدأ غير قابل للنقاش أو المساومة.

والتاريخ لا ينسى.