السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حوار خاص مع الرسول صلى الله عليه وسلم هذا إسلامى فاتبعوه "الحلقة الأولى"

حوار خاص مع الرسول صلى الله عليه وسلم هذا إسلامى فاتبعوه "الحلقة الأولى"

عندما تحاصرنا الشبهات من كل جانب، ويلفنا الظلام بخيوطه حالكة السواد فى كل طريق، وتختلط علينا المعانى فلا نعرف حقها من باطلها، وتجرجرنا الفتن فى أذيالها فلا ترحم ضعفنا وتهافتنا، وتهزنا العقول الضيقة والقلوب الصماء فتحرمنا من البراح الذى منحنا الله رحابه.. لا نجد غيرك يا سيدى يا رسول الله نلتمس منه العون، ونطلب منه المدد.



فأنت يا رسول الله الراحة لمن يطرق بابك، والملجأ لمن يطلب جوارك، والسكن لمن يدخل دارك، والمغيث لمن يرجو نجدتك.. نلوذ بك ونستغيث.

فأغثنا يا رسول الله.. أغثنا.

لسنوات طويلة وأنا أبحث عن الخلاص يا سيدى.

حاورت من يتحدثون باسمك.

تحدثت مع من يسبقون كلامهم بأن هذا هو كلامك.

جلست إلى من وضعوا أنفسهم فوق رقابنا متحججين بأنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة.

طالعت ما وضعوه بين صفحاتهم ملتمسًا النصيحة.. فطاردنى ركام الأوراق العفى الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع.

كلهم يا رسول الله يحتلون كلماتنا بتفسيراتهم لما قلت.

يجورون على أرواحنا بما يتوهمون أن الله خصهم به.

يحجرون على أحلامنا.. يصادرون منا مجرد رغبتنا فى التفكير.. يحولون بيننا وبين أن نلوذ بنعمة العقل التى منحنا الله إياها وإلا أصبحنا فى عرفهم خارجين عن سنة الله فى الأرض، رغم أن سنة الله تقودنا إلى عقولنا.. فمن فينا يعطل سنة الله فى الأرض يا رسول الله؟

قرأت كتبهم التى عكفوا عليها وصنعوا منها أصنامًا أرادوا منا أن نعبدها ونقدم على هامش صفحاتها القرابين، تأملت اجتهاداتهم التى أوهمونا أنها التجديد لروح ديننا الراقى المتحضر، فإذا بها تجمدنا فى قوالب صلبة، تيبست فيها حركتنا وتصلبت شرايينا، ففقدنا القدرة على السير، وتعطلت أقدامنا عن المسير.

لقد أوسعونا وعودًا يا سيدى يا رسول الله أن يكونوا حماة لدين الله، وعندما جمعتنا بهم جلسات الحساب وجدناهم وقد ضيعوه.

أوسعونا وعودًا أن يقفوا على ثغور ديننا يدفعون عنها سهام الخصام، وعندما حانت المعركة بحثنا عنهم فلم نجدهم.

أوسعونا وعودًا ألا يخدعونا فى دين الله أبدًا.. وعندما راقبناهم وجدناهم فى حلقات الذكر للدنيا ومكاسبها.

سألناهم يا سيدى يا رسول الله.. فتجاهلوا أسئلتنا.

حاولنا أن نعاتبهم – مجرد العتاب – لم يقبلوا عتابنا.

هاجمناهم فلم يلتمسوا لنا عذرًا.

أحلوا دمنا، بعد أن كذبوا على الناس بأننا نريد دين الله، جعلوا من أنفسهم الدين ذاته.. فهل يرضيك ما قالوا وما فعلوا؟

ولما قررنا أن نتركهم وشأنهم باحثين عن مرفأ جديد ترسو عليها سفننا التى جنحوا بها فى مجرى عقولهم الضيقة، رفعوا فى وجوهنا رايات التكفير وهددونا باللعنة فى الدنيا وبالجحيم فى الآخرة.

حاولت يا سيدى يا رسول الله.. حاولت أن أنصت إليهم كثيرًا، لكننى فشلت.

 

رسوم  : عماد عبدالمقصود
رسوم : عماد عبدالمقصود

 

فكلما شربت ظمأت.

وكلما عرفت جهلت.

وكلما اقتربت ابتعدت.

وكلما فهمت غمت على الأفكار فاضطربت.

وكلما هممت بالانصراف عنهم أمسكوا بأطراف ثوبى حتى أجالسهم سطوة وقهرًا منهم ورغمًا عنى.

ادّعوا يا رسول الله أن فراقهم فراق لدينك، والبعد عنهم بعد عن طريقك، ومخاصمتهم خروج على جادة صوابك، وأنا يا سيدى لا ألتمس طريقًا غير ما سلكت أنت، ولا أبحث عن سبيل إلا ما سرت فيها أنت، ولا أنصت لكلام إلا إذا عرفت أن من قاله هو أنت.

لم أرتوِ منهم أبدًا يا سيدى يا رسول الله. 

ترددت كثيرا قبل أن أكشف عن رغبتى ومرادى بالحديث إليك والجلوس بين يديك.

خشيت منهم وهم الذين جعلوا من أنفسهم كهنة معبد لا تقر لهم به ولا توافقهم عليه، لكنهم بنوه وأقاموا فيه شعائرهم ومارسوا طقوسهم، وأرغمونا أن نقف خلفهم، فهم الأئمة ونحن الرعايا الذين إذا خالفناهم أرسلوا بنا إلى الجحيم، وإذا تمردنا عليهم هددونا بالنار وبئس المصير، فعلوا ذلك يا رسول الله وهم لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا.

ضاقت حلقاتهم يا سيدى يا رسول الله على رقابنا فضقنا بهم.

كيف يمكننا أن نطمئن إليهم وهم يبررون القتل ويبيحون سفك الدماء؟

وكيف نسلم لهم بما يقولون وهم يحتقرون من يخالفهم فى الرأى – مجرد الرأى - ويحرضون عليه ويستحلون ماله ودمه وعرضه؟

وكيف نثق فيهم وهم يطوعون كلام ربنا وكلامك سيدى يا رسول الله ليحكموا الناس ويتحكموا فيهم بالباطل قبل الحق؟!

وكيف نسير خلفهم وهم يخاصمون واقعنا ويسلمون أنفسهم إلى اجتهادات عصور سحيقة، ولا يحاولون – مجرد المحاولة – الاجتهاد بما يناسب عصرنا وبما نريده نحن، لا ما يريده من سلف؟

قررت أن أتركهم ورائى قاصدًا بابك وحدك، وأعرف أنك لن تصدنى أبدًا، فمن يأتيك لا ترده، وأنا جئتك خاضعًا وخاشعًا وطالبًا هديك.

فهل تسمح لى يا سيدى يا رسول الله وتمنحنى شرف أن أقف بين يديك، أخلو إلى كلماتك وحدها، وأضعها بين يدى الحيارى الحائرين، وأمام الفاقدين المفقودين، علّهم يعرفون أن ديننا عظيم، وأن ما يتقوّله عليه المتقولون ليس إلا إفكًا كاملاً من هوى أنفسهم.. وافتراء من سقط غرض عقولهم.

هل تسمح لى يا رسول الله أن أدخل فى حوار ممتد مع ما حاولوا أن يخفوه عنا من هديك وهداك، حوار من يعرف لحبيبه قدره، ويقرّ له بشفاعته، ويلتمس من نور كلماته قبسًا يعينه على القفز فوق خطوب الحياة وتجاوز عثراتها؟

هل تسمح لى يا سيدى يا رسول الله أن أجلس بين يديك، أنهل من النبع الصافى، أنصت إلى كلماتك التى حاولوا طمسها برغبات عقولهم وشهوات قلوبهم وحسابات مصالحهم ودناءة أطماعهم التى لا تنتهى، خادعين إيانا بأنهم يمكنون لدينك فى الأرض.. وهم لا يمكنون إلا لأنفسهم؟

هل تسمح لى يا سيدى يا رسول الله أن أعيد على العالم كله ما قلته، ما أهديته للدنيا من نور وفضل وإنسانية علهم يسمعونه من جديد، فيتركون خلفهم ضلالاتهم ويسيرون فى طريقك.. وطريقك وحدك من جديد؟

أعرف أنهم سيحاولون الوقوف بينى وبينك.. سيقطعون الطريق علىّ، سيتهموننى بأننى أتجاوز فى حقك يا سيدى.

إننى أعذرهم يا سيدى يا رسول الله، إنهم يصادرون منا حتى أحلامنا، فكيف لهم أن يعرفوا أننى الضعيف الذى يستقوى بك.. والمخطئ الذى يستعين بهديك.. والضائع الباحث عن سبيل الرشاد على أعتاب بابك.. والمستغيث بجاهك وسلطانك.. والطامع فى فضلك؟

سيقولون: كيف تجرؤ؟

سيشوهون محاولتى فى الوصول إليك، سيضعون بينى وبينك ألف باب، وكل باب عليه ألف حارس.. وحارس يتجهمنى، ليطردنى بعيدًا عن سنا رحابك.

سيقولون لى: لقد ترك فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لن نضل بعده أبدًا كتاب الله وسنته، فالزم حدودك، واستمع إلينا فنحن أدرى بما قال من الناس جميعًا، ونحن الباب الذى لن يعبر إليه أحد إلا بعد أن ينال رضانا وبركاتنا.

لم أصدقهم يا سيدى يا رسول الله.. فقد شوهوا ما تركته خلفك.. خرجوا بنا من براح الدنيا واتساعها إلى ضيقها وخنقتها.

كيف أركن إليهم وقد منحوا أنفسهم الحق فى أن يفهموا كتاب الله وسنتك على هواهم، فاختطفوا دينك، وقالوا لنا هذا هو الإسلام؟ 

لم يكن ما يتحدثون عنه يا سيدى إلا إسلامهم هم.

هذه المرة أيضًا يا سيدى يا رسول تركتهم جميعًا وراء ظهرى وجئت إليك أنت وحدك.

جئتك من أجل كل المخدوعين على هذه الأرض.

هؤلاء الذين أضلهم من انحرفوا بهديك وهداك عن الطريق المستقيم.

جئتك من أجل كل مسلوبى العقل والإرادة. 

هؤلاء الذين يبايعون على السمع والطاعة بشرًا لا يملك لهم ضرًا ولا نفعًا.

لكن ما حيلتهم يا سيدى ومن يسلبونهم الفهم يقدمون أنفسهم إليهم على أنهم منك وأنت منهم؟

جئتك من أجل كل الذين يبذلون حياتهم اعتقادًا منهم أنهم سينالون رضاك.. فيقتلون ويسفكون الدماء باسمك، وأنت منهم برىء.

فما كان لمن جاء ليحيى البشرية أن يبارك من يريدون الأرض خرابًا.

جئتك من أجل الإنسان.

الإنسان الذى قهروه واستعبدوه وجعلوا منه تابعًا خاضعًا ذليلاً.

الآن يريد هذا الإنسان أن يتحرر بين يديك، أن يعثر على خلاصه على ضفاف كلماتك.

حلمى يا سيدى يا رسول الله أن أطوى المسافات، فلا يفصل بينى وبينك شىء.

قادنى خاطرى يا سيدى يا رسول الله أن أحمل متاعى القليل، وأقف على البعد من أصحابك الكرام رضى الله عنهم وأرضاهم وهم يستمعون إليك وأنت تلقى عليهم خطبة الوداع.

يومها سمعك العالم كله وأنت تقول يا سيدى: «أيها الناس اسمعوا منى أبين لكم، فإنى لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا فى موقفى هذا».

اضطرب فؤادى يا سيدى يا رسول.

قرأت فى كلماتك وداعًا للدنيا التى جئتها لتتم بك رسالات الأنبياء الكرام.

دعوت الله أن يبقيك أبدًا، لكنها سنة الحياة التى نخضع لها جميعًا.

حبست دموعى على فراق بدا بين يدى، وأبقيت عقلى يقظًا لكلماتك الأخيرة.

ها أنت يا سيدى يا رسول الله تقولها: «أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربى على عجمى فضل إلا بالتقوى.. ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد، وليبلغ الشاهد الغائب».

نقل الشاهد للغائب ما قلته يا سيدى يا رسول الله، لكن الغائب ضل الطريق، وتاه فى زحام التأويلات والتفسيرات والتخريجات.. فغرق وطاب له غرقه.

لقد وضعت الغائبين يا رسول الله على أول طريق الإنسانية، فربهم واحد، وأبوهم واحد، لكنهم اختاروا أن تكون قلوبهم شتى فتفرقوا.. أفلتوا من بين أيديهم خيطك.. فتشابكت الخيوط حول أصابعهم فأعجزتهم.

أعرف أنك يا سيدى يا رسول الله لم تأت لتدل الناس على ربهم فقط.

ولم تأت لتعلمهم كيف يعبدونه فقط.

لقد جئت لتضع للبشرية دستورها الإنسانى.

لكننا وبفعل سماسرة الأديان شوهنا هذا الدستور ومزقناه.

فهل تسمح لى يا سيدى أن أستمع منك إلى هذا الدستور من جديد، فربما أكون الشاهد الأمين الذى يبلغ الغائب الحائر المنتظر؟

حملتنى أحلامى إلى اللحظة التى يمكن أن أجلس فيها يا سيدى يا رسول الله بعد أن تنتهى من خطبة وداعك.

لكن كيف لى أن أفعلها، وهل يمكن أن تقبلنى إلى جوارك، أحدثك وتحدثنى؟

دنوت منه صلى الله عليه وسلم، وتشفعت بين يديه بما قاله لأصحابه الكرام، يوم بكى بينهم. 

سألوه: ما يبكيك يا رسول الله؟

فقال لهم: اشتقت لأحبابى.

فقالوا: أو لسنا أحبابك يا رسول الله؟

فرد عليهم: لا.. أنتم أصحابى، أما أحبابى فقوم يأتون من بعدى يؤمنون بى ولم يرونى.

لقد سمعتهم يا سيدى يا رسول الله وهم يقولون إن هذا الحديث ليس صحيحًا، وأن أصحابك الكرام لم يسألوك، وأنك لم تجبهم بشىء، لماذا يا سيدى يقفون بيننا وبين أحاديث المحبة والتسامح والرقة والسلام، ويبالغون فى مدح ما نثق أنه لا يمكن أن يصدر عنك يا سيدى؟ 

لم ألتفت إليهم، قادتنى أحلامى أن أقترب من النبى صلى الله عليه وسلم بعد أن انتهى من خطبته، شققت طريقى إليه، فلم يمنعنى أحد، نظرت إليه وقلت له: أنا واحد من أحبابك يا رسول الله.

أفسح لى فى مجلسه مكانًا، وقال لى: سل تعطَ.

قلت له: جئتك يا سيدى يا رسول الله من القرن الحادى والعشرين أشكو إليك ما فعله بنا من تاجروا بدينك، وجعلونا فرجة للعالم، جئتك ألتمس منك ما يعيننا على مواجهة من صنعوا لأنفسهم دينا، وقالوا لنا إن هذا هو الدين، جئت لتقول لى ماذا نفعل وقد تداخلت علينا الطرق وضللنا السبل.

اعتقلت حلمى فى قلبى، تراجعت عن رغبتى، مجرد رغبتى أن أتخيلنى أحاور النبى صلى الله عليه وسلم وجهًا لوجه، اكتفيت بما أملكه وهو أن أقف مع أحاديثه الباقية.. أقف سائلاً على بابها ومجيبا من فضلها.

يمكنك أن تتهمنى بأننى جبنت، ستقول أنك خشيت المضى فى حلمك أن يجرجروك فى المحاكم بتهمة الإساءة إلى النبى صلى الله عليه وسلم.

سأقول لك: خفف عنك أثقالك وتخفف من همومك، فأنا لم أجبن، أنا فقط أفوت عليهم فرصة قطع الطريق الذى يستحق أن نسير فيه حتى النهاية، تعلمنا ألا نمنحهم فرصة مرة أخرى ليمنعونا عما نريد.

لقد أفسحت عن حلمى بأن أجلس بين يدى سيدى رسول الله.. وليس من حق أحد أن يحاكمنى على أحلامى.

أما ما سيجمعنا هنا وعبر لقاءات عديدة فهو شىء أعتقد أنه يستحق أن تبقى معنا.