الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الأمان الوظيفى والاستقرار المعيشى واستقطاب الكفاءات أهم نتائجه: أكثر من مليونى مصرى فى السعودية استفادوا من إلغاء نظام الكفالة

أخيرًا وبعد أكثر من سبعة عقود أصبح نظام الكفالة جزءا من الماضى، بعد أن أودعته السلطات السعودية متحف التاريخ ليتحول لدى الملايين حول العالم إلى مجرد ذكرى تحمل فى مضامينها موروثًا سيئًا وشائهًا، وصفته جميع منظمات العمل الدولية والحقوقية بأنه شكل من أشكال الاتجار بالبشر والعبودية الحديثة، وأنه نظام تجاوزته القوانين التى تتيح حرية العمل والتنقل الوظيفى والسفر.



 

الحقيقة أن السلطات السعودية كانت تتحرج من هذا النظام البيروقراطى العتيد الذى نشأ (حسب مركز الخليج لدراسات التنمية) إبان حقبة الاستعمار البريطانى فى الخليج، وتم تطبيقه أولاً فى مملكة البحرين، وانتقل بعدها إلى جميع دول الخليج فى الفترة من عشرينيات القرن الماضى التى شكلت أساس نشوء سوق العمل فى دول الخليج إلى السبعينيات، حيث عصر الطفرة الذى بدأ فيه تدفق عشرات الملايين من العمالة الأجنبية للمشاركة فى تحديث البنية التحتية الأساسية، والمساهمة فى النمو الاقتصادى، ودوران عجلة التنمية المستدامة. 

 

تؤكد الإحصاءات أن أكثر من 25 مليون مصرى توافدوا على سوق العمل فى المملكة طيلة أكثر من 75 عامًا تعايشوا خلالها مع نظام الكفالة منذ أن وطأت قدما أول طبيب مصرى هو الدكتور محمد فخرى أرض المملكة للعمل فى منطقة الظهران منتصف أربعينيات القرن الماضى، لعلاج موظفى أرامكو من الأمريكان والسعوديين، وكان رحمه الله يحمل الإقامة رقم (1) وأنشأ فى منتصف الخمسينيات مستشفى يحمل اسمه فى مدينة الخبر «شرق المملكة» على ساحل الخليج العربى، ولم ينقطع منذ ذلك التاريخ توافد المصريين من مختلف المهن للعمل فى جميع مناطق المملكة طيلة العقود الماضية حتى فى فترة المقاطعة العربية لمصر التى استمرت لمدة 12 عاما فى أعقاب مؤتمر بغداد فى نوفمبر 1978 وحتى مؤتمر الدار البيضاء فى مارس 1990 بسبب معاهدة كامب ديفيد التى وقعتها مصر مع إسرائيل، بل زادت أعداد العمالة المصرية من كل المهن والفئات لتتخطى فى تلك الفترة حاجز الثلاثة ملايين ونصف المليون لتشكل أكثر من %25 من أعداد جميع المصريين فى الخارج، قبل أن تتراجع فى الـ3 سنوات الأخيرة فى ظل سريان تطبيق قرارات سعودة الوظائف لتلامس أعدادهم حاجز المليونين غالبيتهم من أصحاب المهن كالأطباء والمهندسين والصيادلة وأساتذة الجامعات وفنيى التمريض وغيرها من المهن الأخرى.

 

يتيح إلغاء السلطات السعودية نظام الكفيل ودخول مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية للعاملين فى القطاع الخاص، الأحد الماضى حيّز التنفيذ تمتع أكثر من 10 ملايين عامل أجنبى (وفقاً لبيانات هيئة الإحصاء السعودية لعام 2020 يمثلون 76.5 % من إجمالى الأيدى العاملة)، من بينهم أكثر من مليونى مصرى بحق حرية التنقل من وظيفة لأخرى دون موافقة صاحب العمل، حرية السفر خارج المملكة بمجرد إخطار صاحب العمل إلكترونيًا، حق مغادرة المملكة نهائيًا دون موافقة صاحب العمل، الحصول على خدمات منصتى «ابشر» و«قوى»، واستثنت مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية من هذه القواعد خمس مهن هى: السائق الخاص، الحارس، العمالة المنزلية، الراعى، والبستانى، وحددت مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية للعاملين آليات الانتقال خلال سريان العقد بشرط الالتزام بفترة الإشعار والضوابط المحددة، كما تتضمن المبادرة خدمة الخروج والعودة التى تسمح للعامل الوافد بالسفر خارج المملكة، وذلك عند تقديم الطلب مع إشعار صاحب العمل إلكترونيًا، ويستفيد العامل من هذه الخدمة وفق شروط أهمها أن يكون ضمن العمالة المهنية الوافدة والخاضعة لنظام العمل وأن يمضى العامل الوافد 12 شهرًا لدى صاحب العمل الأصلى منذ دخوله السعودية، وأن يتقدم بإشعار صاحب العمل إلكترونيًا بطلب نقل الخدمة قبل 90 يومًا من الانتقال أو عند الرغبة فى إنهاء العلاقة التعاقدية. 

بحسب الخبراء فإن مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية سوف تؤدى إلى الحد من الخلافات العمالية التى تنشأ بسبب عدم اتفاق أطراف العلاقة التعاقدية، وسوف تسهم فى تمكين الكوادر البشرية، وتنمية رأس المال البشرى، واستقطاب الكفاءات فى سوق العمل واستقرارها، ما يؤدى إلى ازدياد أعداد العاملين المصريين فى المملكة من الفئات الأكثر تعليمًا وتأهيلاً وتدريبًا، التى تتطلبها سوق العمل السعودية وفقًا لرؤية المملكة التى تعد قاطرة النهضة الاقتصادية الشاملة فى المملكة والتى خلقت أعدادًا هائلة من الوظائف ووفرة فى فرص العمل التى حددتها بـ54 مهنة وتخصصًا منها: علوم وبرمجة الكمبيوتر، هندسة الكمبيوتر، هندسة برمجيات الحاسب، الهندسة الإلكترونية، الهندسة الميكانيكية، علوم الكمبيوتر، أمن المعلومات، الشبكات، دبلوم شبكات الحاسب، دبلوم أمن المعلومات، إدارة الأعمال، دبلوم التسويق، المالية، الاقتصاد، الشريعة والقانون مع تخصص القانون التجارى، دبلوم إدارة المبيعات، هندسة التعدين، الجيولوجيا، فيزياء الأرض، الفندقة والسياحة، الإرشاد السياحى، التدريب الرياضى واللياقة البدنية، الطب البشرى، اقتصاديات الصحة، الطب الوقائى، إدارة الرعاية الصحية، التمريض والمعلوماتية الصحة.. وغيرها من المهن والتخصصات. خلف نظام الكفالة عشرات الآلاف من القضايا والمشاكل امتلأت بها دواوين المحاكم ومكاتب العمل كان يستغرق التقاضى حولها سنوات وربما عقودًا كانت تحول دون تمتع العامل بحقه فى العودة إلى وطنه، وهو ما حدا بالجمعية السعودية لحقوق الإنسان أن تزأر فى 2013 وتطالب بإلغاء نظام الكفالة لفظاً وممارسة، وشددت على أن نظام الكفالة يتنافى مع تشريعات العمل والإقامة، بما فى ذلك احتجاز الكفيل جواز سفر المكفول، وهو مخالفة صريحة لقرار مجلس الوزراء السعودى الصادر فى عام 2000.

 من جانبها أكدت النيابة العامة السعودية فى 2018، بأن احتفاظ صاحب العمل بجواز سفر العامل يعد من جرائم الاتجار بالبشر، ويعاقب مرتكبها بالسجن 15 سنة والغرامة مليون ريال، كما دعت منظمة «هيومان رايتس ووتش» المعنية بحقوق الإنسان دول الخليج والمملكة العربية السعودية إلى التخلى عن نظام كفالة العمال الأجانب، الذى قالت إنه يساعد فى تفشى الاتجار بالبشر وطالبت بإحلاله بقواعد جديدة تتوافق مع اتفاقيات حقوق الإنسان، ومع توجهات منظمة العمل الدولية، وسبق للمرصد الأورومتوسطى لحقوق الإنسان عام 2014 أن دعا السعودية إلى المسارعة بتغيير نظام الكفيل، متهمة العديد من الكفلاء وأصحاب العمل فى السعودية بالتحكم فى العامل وابتزازه من خلال طلب مقابل مالى من أجل الموافقة على طلب السفر أو استصدار رخصة قيادة، إلا أن كل هذه النداءات كانت تصطدم بجدار رفض رجال الأعمال وأصحاب المصالح، وأعضاء مجالس إدارات الغرف التجارية التى كانت تبرر نظام الكفالة بالخوف على حقوق أصحاب الأعمال والمواطنين السعوديين، وضمان سداد الديون والالتزامات التى قد تكون على العامل الأجنبى عند مغادرته.