الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
انفراد القضية «173/٢٠١١ جنايات القاهرة» والتمويل الداخلى والخارجى "4".. لماذا ذهب «الجنزورى» لمصلحة الأمن العام؟

انفراد القضية «173/٢٠١١ جنايات القاهرة» والتمويل الداخلى والخارجى "4".. لماذا ذهب «الجنزورى» لمصلحة الأمن العام؟

تُعتَبر القضية (173 / 2011 جنايات القاهرة) من القضايا متعددة المراحل، وذلك بَعد أن وضعتها مصرُ كقضية جنائية واعتبرتها الدول المموّلة قضية سياسية؛ لتقوم بالضغط من أجل الإفراج عن المضلوعين فى تلك القضية؛ خصوصًا رعاياها، إلّا أن الأمر كان بالنسبة للمجلس العسكرى، الذي كان يدير شؤون البلاد وقتذاك، صار خليطًا من الضغوط الخارجية والداخلية لمن شارك فى التخريب والتأليب والنَّيْل من مؤسَّسات الدولة بدافع هدمها وتفكيكها وإيجاد وسيلة لدخول قوات أجنبية على أرضنا، وهو ما جعل المجلس العسكرى يعمل بقوة لوقف تلك الضغوط ووضع حد لكل من له مأرب، وبداية كان المهم هو توضيح أمر الأحاديث المغلوطة والملفقة والادعاءات المغرضة والكاذبة للضباط، سواء من الجيش أو الشرطة الذين كانوا يقومون بتأمين «ميدان التحرير»، وكان هناك تعمُّد بأن يصل إلى مَسامعهم بأن هذه القضية جور على مَن تم تحويلهم للقضاء بتهمة التمويل لإثارة فوضَى بالبلاد.



 

كان الضباط من الرُّتَب الصغرَى يقومون بما كُلفوا به من مَهام، فى حين كان أربابُ الممولين ومُثيرى الشغب والفوضَى يريدون إثارتهم واستفزازهم بمزاعم ضد المجلس العسكرى؛ ليخلقوا جوًّا من التشكك والقلق بين صفوف الضباط الأصاغر، ولكن هؤلاء الضباط كانوا على قلب رجُل واحد مُعلنين ثقتهم فى قادتهم، والأكثر أنهم لم يبرحوا مَهامهم المكلفين بها وواصلوا تأمينهم لبلادهم دون الالتفات لمثل هذه الأقاويل حتى تأتى الإجابة من القادة أنفسهم.

عند ذلك وجد المشير طنطاوى أن الأمر عاجل فى توضيح الحقائق للضباط الذين تركوا ثكناتهم ووقفوا كدروع بشرية لحماية الشعب ومُقدراته ومنشآته الحيوية من الغوغائية وأصحاب الأچندات الخارجية، ولأن ضباط المنطقة المركزية العسكرية والتي يقع فى نطاق تأمينها القاهرة هم الذين كانوا فى الميادين، وأيضًا ضباط الشرطة من إدارة مصلحة الأمن العام، قام المشير طنطاوى بتقسيم الأدوار، فذهب هو إلى المنطقة المركزية وكلّف الدكتور الجنزورى الذي كان رئيس الوزراء وقتها بالذهاب إلى مصلحة الأمن العام؛ لتوضيح أمر هذه القضية للضباط والإجابة على كل تساؤلاتهم بهذا الشأن، وقد سمع الضباط كل التفاصيل وأعادوا قَسَم الولاء لحماية مصر داخليّا وخارجيّا وأنهم دروع بشرية لحماية الشعب والأرض من أى غادر وخاين وأمام أى قوَى خارجية تبحث عن ذريعة لترابض على الأراضى المصرية.

بعد أن قام  المشير بتأمين الجبهة الداخلية بعد تحويل قضية التمويل إلى لجنة تقصّى الحقائق التي بدورها حوّلتها إلى النائب العام الذي أمر بإحالتها إلى القضاء، وهو ما جعل من تجفيف ماعون التمويل الحد والتحجيم للوقفات والمظاهرات التي كانت بأسماء تُعتَبر من العجاب، المهم إشاعة حالة عدم الاستقرار وإثارة الفزع المجتمعى، والأمر الآخر هو إعطاء المعلومات الكافية لاتخاذ قرار قضية التمويل لرجال الجيش والشرطة القائمين على مواجهة تيارات الفوضى والشغب فى الميادين تحت مَزاعم باطلة،كما أعَد المشير روزنامة العَد التنازلى للمَطالب السبع التي أقرها وأطلع عليها الأحزاب والتيارات السياسية بالاجتماع السالف الذكر فى الحلقة السابقة، وكان مضمون المطالب هو وضع كل تلك الأطراف أمام مسؤوليتها الوطنية بأن تهدأ من نزول الشارع ويبدأ الجميع فى تنفيذ الآتى:

1- إغلاق الثغرات التي نفذت منها الجهات التمويلية.

2- تأجيل الانتخابات الرئاسية.

3- وضع دستور والاستفتاء عليه وأن انتخاب الرئيس يكون طبقًا لمهامه فى الدستور الجديد.

4- احتواء الأزمة الاقتصادية.

5- تسليم السُّلطة إلى سُلطة مَدنية.

6- محاكمة المفسدين الذين نهبوا ثروات البلاد.

7- استمرار المجلس العسكرى فى مهمته لإدارة شؤون البلاد لحين استيفاء المطالب السابقة.

هكذا حاول المجلس العسكرى وضع النقاط فوق الحروف بالنسبة لاستغلال البعض لتداعيات تلك القضية داخليّا، إلّا أن الأمر الخارجى كان مثيرًا للجدل عندما وضعت أمريكا أمْرَ المتهمين بالقضية أمام المعونة العسكرية التي تمنحها لمصر وقدرها 1.3  مليار دولار نشترى بها منهم أسلحة يحددونها لنا، ولذا كان الأمرُ بالنسبة لنا هو أن حجم المعونة ليس بهذه الدرجة من الأهمية، ولكن تبعات هذا هو ضغط أمريكا والقوَى الأوروبية على البنك الدولى وساير الدول التي يمكننا الحصول عليها من سلاح بأن لا تساعدنا تسليحيّا أو ماليّا، ولن نجد أحدًا يبيع لنا قطعًا للصيانة أو الإحلال للمعدات العسكرية.

ومن هنا كان الشطر الثانى من تبعات القضية، وهو الشق السياسى والعسكرى للضغط على مصر فى الإفراج عن المتهمين وإلّا التلويح بفرض عقوبات وحظر وخلافه فى ظروف كاحلة تعيشها مصر، هنا كان التدخل السريع من المخابرات العامّة والمخابرات العسكرية تحت قيادة اللواء «عبدالفتاح السيسي» وقتذاك، وقد قدّم تقريرًا للمشير ذكر فيه الآتى: (على الرغم من أن القضية جنائية وهو ماجعل المتهمين يدفعون كفالة للخروج، إلّا أنها تتشابه وتتشابك مع قضايا التخابر التي هى عبارة عن تمويلات مقابل معلومات تم العبث بها فى أمن البلاد واستقراره، فإذا كنا نبادل هؤلاء الجواسيس بعدد من الرعايا المصريين المسجونين أو المتحفظ عليهم فى قضايا بتلك البلاد والذي يكون لهم نفس الظروف فما المانع أن نفعل هذا فى الشق الثانى من التخابر لنحصل على ما نريد، ولتكن ورقة ضغطنا مثل ما هم لديهم أوراق ضغط علينا، وأن ذلك سيوقف المزايدين من التيارات المختلفة أن يثبتوا وطنيتهم ولا ينفخوا فى النار حتى لا تحرق الجميع، وأن الأمر لن يكون بالتلويح بحَجب المعونة فى حد ذاته، وكما نقول جميعًا فهو ليس بالمبلغ اليسير ولكن حتى لو جمع الشعب المصري أموالًا لسد حاجة الجيش من التسليح؛ فإن الأمر ليس كما يُزايد «حسان السلفى»، وهو جمع تبرعات كما يفعل الآن، ولكن الأمر بأنه لن يُسمح لأحد من دول العالم بأن يبيع لنا تسليحًا أو حتى قطع غيار للسلاح الموجود، فماذا سيكون حال الجيش المصري آنذاك؟).

كان يوم السبت 11 فبراير 2012 بمثابة فَض هذا الشق الخارجى من (قضية التمويل)، وذلك عندما كانت هناك مقابلة بين رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية والمجلس العسكرى بالقاهرة، اللقاء كان محددًا له ساعة فقط ولكنه استمر ثلاث ساعات مع المشير طنطاوى بمفرده، ثم ساعة وربعًا مع الفريق سامى عنان، ولكن المفارقة أن الحديث لم يكن بشأن أمور عسكرية ولكن عن (قضية التمويل والمنظمات المدنية)، ونقف هنا ونقول استمر الإخوان والثوريون الاشتراكيون واليساريون الجعوريون يقولون تدخّل العسكر فى الشؤون السياسية والاقتصادية وخلافه، ولكن لم نسمع لهم صوتًا يقول (ما شأن رئيس هيئة الأركان العسكرية الأمريكية بمنظمات المجتمع المدنى؟ وما هى مساوماته وضغوطه على المجلس العسكرى بشأن هذا الموضوع؟ ولماذا قبلوا أن توضع مصر تحت ضغط وقيود عسكرية وسياسية من أجل حصولهم على حفنات دولارية لزعزعة استقرار وطنهم).

المهم أن فى لقاء رئيس الأركان الأمريكى مع المشير ذكر له الأخير أن أمر قضية (التمويل) صارت فى سُلطة القضاء المصري، وأنه لا دخل للمجلس العسكرى فيه، وقال له المشير إن لدينا ورقة تبادُل تقدّم بها جهاز المخابرات المصري عبر مذكرة قدمت للمجلس العسكرى بخصوص رعايا لنا لديكم تتشابه قضاياهم مع قضية من تريدون الإفراج عنهم من رعاياكم والدول الأخرى التي طلبت منكم ذلك. وتحدّث معه المشير فى كل التفاصيل ولكنه طلب منه الجلوس مع اللواء «ممدوح موافى» رئيس المخابرات العامّة للاتفاق على التفاصيل، وأن الطائرة العسكرية الأمريكية التي ستقل الرعايا الأمريكيين والجنسيات الأخرى المتهمين ستقابلها طائرة عسكرية مصرية تقل رعايانا الذين لهم نفس الظروف فى نفس التوقيت بالساعة واليوم، كانت تلك الصفقة والضغط مقابل ضغط عمل جليل من المجلس العسكرى وأجهزة المخابرات المصرية، ولم يتم ذكر المخابرات العسكرية التي كان لها الدور الأهم وقتذاك فى تلك القضية (ومن المفارقات فى هذا اللقاء، أن المفروض «قناة النيل للأخبار» كانت تقوم بإذاعة خبر المقابَلة مع الشريط الذي تم تصويره، ولكن فوجئ إعلام المجلس العسكرى أن فاكس القناة تم تعطيله وتم إرسال خبر المقابلة على فاكس إدارة أخرى بالمبنى، وكان وراء هذا أرباب لتيارات عدة بالمبنَى)، واستكملت زيارة رئيس الأركان الأمريكى بزيارة للنصب التذكارى ثم أقيمت مأدبة غداء، وبعدها تقابَل مع رئيس المخابرات المصرية (ممدوح موافى)للاتفاق حول إطلاق سراح المتهمين الأمريكان مقابل مصريين شرفاء بالسجون الأمريكية لهم نفس الظروف وإن اختلفت الملابسات..

(يتبع)