الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حاتم على.. رحيل صادم لمخرج الأحلام

فى صباح الثلاثاء الماضى 29 ديسمبر، صُدمت الأوساط الفنية العربية، وجمهور الدراما التليفزيونية بالرحيل المفاجئ للمخرج السورى الكبير «حاتم على»، الذى مات على أرض مصر إثر أزمة قلبية وهو فى الثامنة والخمسين من العمر.. «حاتم على» كان من أهم وأكثر المخرجين المُجَددين فى الدراما العربية، السورية أولًا ثم المصرية.



 

كان ذا بصمة لن تمحى مَهما مَرّ الزمن، فهو من أوائل، إن لم يكن أول، من استعان بكاميرا سينما لتصوير المسلسلات، مُحطمًا بذلك الأساليب القديمة التى كانت تعتمد على التصوير بثلاث كاميرات تليفزيونية وداخل البلاتوهات المغلقة فى أغلب الأحوال.. بينما جاءت أعمال «على» سواء الدرامية أو التاريخية خارج أسوار هذه البلاتوهات وبطريقة أقرب للأفلام السينمائية، مما رفع من شأن الدراما السورية فى سنوات الألفية الأولى وجعلها تتربع على عروش الدراما العربية، وتنافس بشدة الأعمال المصرية التى كادت أن تلفظ أنفاسَها الأخيرة فى تلك الفترة لولا تدخُّل مجموعة من مخرجى السينما المصرية الذين أنقذوها من الانهيار.

فى حياة «حاتم على» الفنية محطات ومراحل انتقالية متعددة، بدأت بعد تخرُّجه فى قسم التمثيل بالمعهد العالى للفنون المسرحية بدمشق عام 1986؛ حيث لم يعمل كثيرًا بالمجال الذى درسه وهو التمثيل؛ وإنما اتجه بسرعة إلى مجال آخر وهو الإخراج. ومنذ الأعمال المبكرة ظهر مدَى اختلاف «على» وخروجه عن السائد؛ حيث كان يقوم بتصوير السّهرات التليفزيونية بطريقة السينما، وهو التوجّه الذى كان غريبًا فى ذاك الوقت- منتصف التسعينيات- إلا أنه يحسب فى تاريخ الدراما التليفزيونية السورية ما فعله ذاك المخرج الشاب آنذاك.

وبَعد أن قدّم «حاتم على» عددًا محدودًا من المسلسلات التى تحمل طابعًا اجتماعيّا، قام بعمل انقلاب جديد على الشاشة السورية، فمع العام الأول فى الألفية الثالثة يقدم «على» أول ملحمة تاريخية على الشاشة الصغيرة وهو مسلسل (الزير سالم) عام 2000، ومسلسل (الناصر صلاح الدين) عام 2001، نجاح العملين فنيّا وجماهيريّا، أحدث انطلاقة لمخرجه فيما بعد وشجعه لتقديم رائعته الخالدة، التى كان من المقرر أن تكون فى أربعة أجزاء تحمل عنوان (الرباعية الأندلسية)، وتحكى قصة الأندلس منذ فتحها إلى سقوطها، إلا أنه لم يُنتج منها إلا ثلاثة أجزاء، وهى (صقر قريش) عام 2002 الذى يحكى سيرة  «عبدالرحمن الداخل» وفتح الأندلس، (ربيع قرطبة) عام  2003، ويحكى سيرة «الحاجب المنصور محمد بن أبى عامر» وعهد «عبدالرحمن الناصر»، ثم (ملوك الطوائف) الذى تم إنتاجه فى عام 2005 ويتناول عصر ملوك الطوائف فى الأندلس. أمّا الجزءُ الرابع فكان من المقرر أن يُعرض فى عام 2007 ويحمل عنوان (سقوط غرناطة)، ويستعرض سقوط غرناطة الذى ارتبط بسقوط الأندلس. وكان «حاتم على» قد أوضح سبب عدم خروج العمل للنور بعدم وجود جهة منتجة.

بداية من عام 2004 أصبح «حاتم على» يتنقل بخفة لا مَثيل لها بين الأعمال التاريخية والاجتماعية، ففى ذلك العام يقدم رائعته (التغريبة الفلسطينية) التى يقدم فيها أهم جزء فى تاريخ فلسطين من الثلاثينيات حتى نكسة 1967. ومع هذا المسلسل التاريخى الضخم يعرض له أيضًا مسلسل (أحلام كبيرة) دراما اجتماعية شديدة العذوبة عن العائلة والبيت والأحلام التى تضيع. وفى عام 2005 عندما أخرج (ملوك الطوائف) التاريخى، قدّم أيضًا (عصى الدمع) دراما تعنى بالعلاقات الإنسانية بين الأسر. وفى 2006 يبتعد «على» مؤقتًا عن الدراما التاريخية ويقدم مسلسلين عن الحب والصداقات، هما: (ندى الأيام) و(على طول الأيام).

فى 2007 يضع «حاتم على» قدمَيه على أرض مصر، ينغرس فيها، ويقدم رائعة (الملك فاروق)، ويستمر منذ ذاك الحين وحتى وفاته دائم العمل بين مصر وسوريا والدول العربية، يقدم مسلسلات داخل وخارج الموسم الرمضانى، أعمال طويلة وقصيرة، تاريخية واجتماعية، أكشن و«فورمات» أجنبى. وفى كل مرّة يثبت أنه مخرج كبير يستحق الثقة التى بناها بمجهود شاق، ليس كمّا فقط؛ وإنما كيفًا أيضًا.

مصرُ التى مات فيها «حاتم على» شهدت آخر أعماله، مسلسل (أهو ده إللى صار)، وكأن هذه الجملة الشامية التى كانت عنوانًا لمسلسل مصرى، لخصت الحياة القصيرة لهذا المخرج الرائع الذى لن ننساه «مَهما صار».