السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
قصة الساحر «ستنا» والجميلة «تابوبو»

قصة الساحر «ستنا» والجميلة «تابوبو»

سَجّل الكاتبُ المَلكى «مرو» تفاصيل واحدة من القصص السحرية فى تاريخ مصر القديمة، ولكن قبل رواية القصة يجدر بى أن أستعير هنا ما قاله حكيمُنا بتاح حتب: «إن شئت الحفاظ على الصداقة فى بيت تدخله، سيدًا كنتَ أمْ خادمًا أمْ صديقًا، فاحذر الاقترابَ من النساء؛ فإنّ المكان الذى يكُنّ فيه لا يمكن أن يكون بالحسن أبدًا، ومن الحكمة إذن ألّا تحشر نفسَك معهن، ومن أجل ذلك يذهب ألف رجل إلى الهلاك بسبب متعة قصيرة تضيع كالحلم، ولا يحصد الإنسان من معرفتهن إلا الموت. وعندما يفتتن المرءُ بأعضائهن البرّاقة؛ فإنها تصير بعد ذلك شيئًا تافهًا مثل الحلم. والموت يأتى فى النهاية». 



 

أعود إلى القصة موضوع المقال، وهى واحدة من قصص المغامرات الخارقة التى قام بها الأمير ستنا خع إم واس، كبير كهنة الإله بتاح فى منف، والكاتب القدير، والساحر العظيم والقادر على فك طلاسم كُتُب السحر. وكان الأمير يقضى وقته فى دارسة الآثار والكتب القديمة. ويدور موضوع قصته الأولى حول البحث عن كتاب سحرى كتبه، الإله تحوت نفسه، الكاتب الإلهى ورَبّ العلم والسحر والحكمة.

 وكان هناك كتاب سحرى يضم مجموعة من الرّقى السحرية القوية الفعالية والممتدة المفعول. وقد تم حفظ هذا الكتاب فى مقبرة أمير يُدعى نانفركابتاح، الذى عاش فى الماضى البعيد ودُفن فى مكان ما فى جبانة منف الفسيحة. وبعد بحث طويل، عَثر الأميرُ خع إم واس على المقبرة ودخلها. ورأى الكتابَ السحرى الذى خرج منه ضوء قوى، وحاول الاستيلاء على الكتاب. غير أن روحَيّ نانفركابتاح وزوجته إيحورت قامتا للدفاع عن مِلكيتهما العزيزة للكتاب. 

يذكر الكتاب وردين؛ فإذا تلوتَ الورد الأول، فتنت السماء والأرض وعالم الليل والجبال والمياه، وستفهم ذلك الذى تقوله الطيور والزواحف، وترى الأسماك حيث ستدفعها قوة إلهية إلى الظهور على صفحة ماء النهر. وإذا تلوتَ الورد الثانى، وإذا كنت فى مقبرتك، فستستعيد هيئتك السابقة، كما كانت على الأرض. 

ذات يوم، قابل ستنا، أثناء تجواله فى جبانة منف رجلًا يحمل اسم «نانفركابتاح». وأخذ يروى له مغامراته. وكان هذا الرجل يعرف بوجود هذا الكتاب السحرى من قبل. وتستمر القصة واصفة مكان وجود الكتاب كما يلى «وسط بحر مدينة قفط فى صندوق من حديد. والصندوق الحديدى داخل صندوق من البرونز. والصندوق البرونزى داخل صندوق من خشب السّرو. والصندوق المصنوع من خشب السّرو داخل صندوق من العاج. والصندوق العاجى داخل صندوق من الأبنوس. والصندوق المصنوع من الأبنوس داخل صندوق من فضة. والصندوق الفضى داخل صندوق من ذهب. والكتاب داخل هذا الصندوق الذهبى. وهناك بطول مائة وعشرين ألف ذراع ثعابين وعقارب وجميع أنواع الزواحف حول الصندوق الذى به الكتاب، ويلتف حول هذا الصندوق ثعبان خالد لا يموت. 

رحل نانفركابتاح على مَتن مركب صنعها بنفسه من الشمع، وبث فيها الحياة بواسطة أوراد سحرية. واصطحب معه فى رحلته زوجته وابنه. واستطاع أن يستولى على الكتاب، بعد أن فتك بالمخلوقات التى اعترضت طريقه بما فى ذلك الثعبان الذى لا يموت. ونسخ الكتاب على ورقة من البردى ثم أذابها فى ماء وشربه. وهكذا أصبح مُلمّا بالعلم المقدس. غير أن الإله تحوت أراد الانتقام؛ فقتل ابنَ نانفركابتاح وزوجته اللذين دُفنا فى قفط. أمّا نانفركابتاح نفسُه فقد مات ودُفن فى منف حيث تم نقل الكتاب المقدس. ومع ذلك كان فى استطاعة نانفركابتاح أن يغادر مقبرته ليتحدث للمارة. كما أن روحَيّ زوجته وابنه كانتا موجودتين فى مقبرته رُغم أنهما دُفنا فى قفط. فكانت حياتهما معه حياة سحرية تخترق حدود المكان ولا تتقيد بحدود الجسد المحدودة. وقد لاحظ ستنا ذلك عندما هبط إلى داخل مقبرة نانفركابتاح الذى عرض على ستنا صفقة يعطيه بمقتضاها الكتاب المقدس بشرط أن يقوم ستنا بنقل مومياء زوجة نانفركابتاح ومومياء ابنه من قفط إلى منف. 

وحاول ستنا الاستيلاء على الكتاب المقدس عنوة؛ لذا قرر نانفركابتاح الانتقام منه. وذات يوم بينما كان ستنا أمامَ مَعبد الإله بتاح فى منف فإذا به يلمح امرأة رائعة الجَمال، ليس لحُسنها مَثيل. وكانت تزدان بحُلى ذهبية كثيرة. وكان بعض الفتيات يسرعن خلفها واثنان وخمسون من أهل بيتها يحيطون بها كمرافقين. وفى تلك اللحظة كاد ستنا أن يفقد عقله ولم يعرف موضعًا لقدمه. فنادى خادمَه. وطلب منه أن يذهب فى الحال إلى المكان الذى توجد فيه هذه المرأة ليسأل عن اسمها وأصلها. وفى الحال فعل. وسأل جارية كانت تمشى خلفها: «مَن تكون هذه المرأة؟». فقالت له: «إنها تابوبو، ابنة كاهن باستت، ربة عنخ-تاوى،أحد أحياء مدينة منف، وقد أتت هنا لتعبد الإله بتاح العظيم» . 

عاد الخادمُ وأخبر ستنا بما سمع. فقال له: «اذهب وقل للمرأة الجميلة تابوبو إن ستنا هو الذى أرسلنى ويقول لك: «سوف أعطيك عشرة قطع من الذهب إن قضيت ساعة معى، وإن كنت تخشين نتيجة ذلك، فاترك لى تسوية الأمر، فسوف أذهب بك إلى مكان آمن حيث لا يستطيع أى إنسان العثور عليك». فعاد الغلامُ وقال له ما طلبه منه ستنا. فقالت له تابوبو: «اذهب وقل لستنا التالى: «إنى فاضلة، ولست امرأة وضيعة. فإن كنت ترغب حقّا أن تفعل معى ما تشاء، فيجب عليك أن تأتى إلى بيتى فى بوباستت. فهو مجهز تمامًا بكل شىء وتستطيع أن تفعل معى ما تشاء دون أن يستطيع أىُّ إنسان على وجه الأرض العثور علىَّ ودون أن آتى ما تؤتيه امرأة وضيعة من الشارع».

عاد الخادم وأخبر ستنا بما سمع. فاستدعى ستنا سفينة وصعد إليها ورحل فى الحال إلى بوباستت. ووصل إلى دار تابوبو. فنزلت وأمسكت بيد ستنا. وقالت له: «اصعد معى الآن». فصعد معها. وقال ستنا لتابوبو: «دعينا نفعل ما أتينا من أجله ها هنا». فقالت له: «اكتب لى وثيقة نفقة وتعويض بقيمة كل ما تملك من مقتنيات وأملاك». فقال لها: «استدعى الكاتب». فجاء فى الحال. فأمر بكتابة وثيقة بذلك. وجاء مَن يخبره بأن أبناءه تحت، فأمر بأن يصعدوا إليه. وهنا نهضت تابوبو. وارتدت قميصًا شفافًا من نسيج مَلكى. فرأى ستنا كل أعضائها، فاشتعلت الرغبة بقوة داخله. 

قال ستنا لتابوبو: «دعينى أفعل ما جئت من أجله ها هنا». فقالت له: «إن شئت أن تفعل معى ما تبغى هنا، فاجعل أبناءك يوقّعون على وثيقتى».فاستدعى أبناءه وجعلهم يوقّعون على الوثيقة. ثم قال لها: «دعينى أفعل ما جئت من أجله ها هنا».فقالت له: «إن شئت أن تفعل معى ما تبغى حقّا، فاقتل أبناءك». فأمر بقتل أبنائه وإلقائهم من النافذة للكلاب والقطط، فالتهمت أجسادَهم، بينما كان ستنا يسمع ذلك ويشرب مع تابوبو. 

قال ستنا: «تابوبو، دعينى أفعل ما جئت من أجله ها هنا، فكل ما قلته لى، لبّيته لك». فقالت له: «فلتصعد من هنا إلى ذلك المخدع». فمضى ستنا إلى ذلك المخدع. ورقد على سرير من العاج والأبنوس حتى يقضى منها وطرَه. ورقدت تابوبو بجوار ستنا، فمد يده يلمسها، وهنا فتحت فمها، وصرخت صرخة مدوية تجاه الأرض. 

عندها انتبه ستنا وكأن الذى أصابته الحُمّى. وكانت رغبته قد سكنت. وقد كان عاريًا تمامًا. وبعد ذلك بقليل رأى رجلًا مهيبًا فى محفة، بينما أناس كثيرون يجرون ناحية قدميه. وكان يبدو كأنه الفرعون. فأراد ستنا النهوض، فلم يستطع القيام من الخجل؛ لأنه كان عاريًا تمامًا. فتحدّث إليه الفرعون: «ستنا، كيف وصلت إلى هذه الحال التى أنت فيها؟»، فأجاب ستنا: «نانفركابتاح هو الذى فعل بى ذلك انتقامًا منّى بسبب الكتاب السحرى». فقال الفرعون: «اذهب إلى منف؛ فأبناؤك يبحثون عنك». فمضى ستنا إلى منف، بعد أن أمر الفرعون بإحضار ثوب له. وحين وجد أبناءه أحياءً، احتضنهم بقوة. وقال له الفرعون: «ما هذه السَّكرة التى كنت فيها؟!»، فروى له ستنا بكل دقة كل ما حدث مع تابوبو ونانفركابتاح. 

هنا قال له الفرعون: «ستنا، حينذاك فعلت كل ما كان بوسعى من أجلك عندما قلت لك سوف تُقتل إن لم ترجع هذا الكتاب إلى مكانه، ولكنك لم تطعنى. والآن أعد هذا الكتاب إلى نانفركابتاح، مع عصا متشعبة فى يدك ومجمرة مشتعلة فوق رأسك». وطلب نانفركابتاح نقل مومياء زوجته إيحورت ومومياء ابنه ميرإيب. وقام ستنا بذلك ونقلهما على السفينة المَلكية التى كان المَلك فى استقبالها. وسمح جلالته بدفنهما فى مقبرة نانفركابتاح. وأغلق المقبرة التى أصبحوا يرقدون فيها معًا. وهذا هو النّص الكامل، قصة ستنا خع إم واس ونانفركابتاح، وزوجته إيحورت وابنها ميرإيب. وهذه النسخة كتبها باشر... فى العام 15، الشهر الأول من فصل الشتاء».

ويقول الكاتب المَلكى مرو مُعَقبًا على هذه القصة المثيرة: «الهدف من وراء قَصّ هذه الحكاية هو لفت نظر القارئ إلى أن الرجل الذى يعاشر امرأة غير زوجته سوف يقع لا محالة فى الذنوب وسوف تتراكم عليه المشكلات وسوف يغرق فى بحار الآثام. وقد يخسر كل ما قد ربح بسبب إقدامه على معاشرة امرأة غير زوجته المصون، ولو كان ستنا قد سمع كلام حكيمنا بتاح حتب، الذى قدّمت به للحكاية، لما وقع فى براثن تابوبو الجميلة اللعوب ولا أفلت من مُكر وانتقام نانفركابتاح الداهية».