تحية عبدالوهاب
الثورة تولد من رحم الأحزان
نزلت كارثة انفجار بيروت كالصاعقة على قلب كل عربى، خاصة أنه كان ملجأ وملاذًا وحاضنًا لكل معذب أو مظلوم فى بلادنا العربية، هذا البلد الذى عشقه كل من زاره، أنا منهم وأدمنت حب زيارته منذ زيارتى الأولى له عام 1974، حضرت حصاراته فى بيروت وطرابلس الغرب وتكررت زيارتى له بعد ذلك.
هذا هو البلد الذى صاغ الشاعر نزار قبانى قصيدته الرائعة فيه أثناء الحرب الأهلية اللبنانية «يا ست الدنيا يا بيروت» معربا عن ألمه وأمله فى بيروت وكل أبناء المشرق العربى حتى فى أسوأ مراحل حربها الأهلية وأشهر اعترافه الذى قال فيه «إنا أطلقنا النار عليك بروح قبلية وقتلنا امرأة كانت تدعى الحرية» استدعت كارثة انفجار مرفأ بيروت تلك القصيدة التى عاشت لتنعى كل ما هو جميل فى هذا البلد الذى دائما قادر على اجتياز جميع المصاعب والملمات.
جاءت كارثة المرفأ بعد أن حضرت قبل هذا الحدث خضم الانهيار المالى فى لبنان من عجز الدولة الصارخ عن تأمين الكهرباء سواءكانت حكومية أو المولدات الخاصة وكذلك عجز فى مياه الشرب والرى، إفلاس الدولة وغضب اللبنانيين لا يضاهى غضبهم وحزنهم على ما حدث فى مرفأ لبنان وما خلفه من ضحايا ودمار لبيروت، ويبقى السؤال: ما هى الطريقة التى سيقرأ بها اللبنانيون مسار المصائب والملمات التى لحقت بهم تباعا، لحظة حاسمة يعيشها اللبانيون الذين يثبتون كل يوم أنهم شعب جدير بالحياة ونحبها له، شاهد العالم التضامن الاجتماعى بينهم البعض والذى جرى من اللبنانيين تجاه تلك الكارثة الأخيرة والذى تم التعبير عنه بوسائل مختلفة بعيدا عن أى تنظيمات حكومية، سواء فى المجتمع المدنى أو المجتمع الأهلى والمؤسسات الثقافية والإعلامية والأكاديمية الأمر الذى خفف إلى حد ما آثار المأساة التى وصفت بأنها أقرب إلى هيروشيما نظرا لضخامة الانفجار واتساع أضراره المادية والبشرية، أثبتت الأحداث مدى حيوية وطاقة اللبانيين لدرجة أعجبت العالم الذى سارع للتضامن معهم بإرسال فرق طبية وخدمية ومساعدات عديدة، لحظة حقيقية عسيرة يعيشها الشعب اللبنانى المحب للحياة ليحسم أمره، ويتساءل: هل نستحق أن نكون شعبًا دون طائفية ممقوته أم سيبقون منقسمين بين زعماء الطوائف؟ هل نطالب بعودة الانتداب الفرنسى مثلما فعل بعضهم، أو الاستعانة بآخرين، أم أنه أضحى شعبا ناضجا يصنع حاضره ومستقبله بيده لترجع بيروت كما كانت عاصمة النشر والثقافة، بيروت الرحبانية وفيروز وماجدة الرومى،لبنان المتعدد الحضارات والسياحة والتعليم المتميز والحرفية، كل شىء سيبقى جميلاً ليبقى قول الشاعر السورى العبقرى نزارى قبانى «قومى كى يبقى العالم يا بيروت، قومى من تحت الردم، قومى من حزنك إن الثورة تولد من رحم الأحزان». تحيا مصر