
أسامة سلامة
حتى لا يكون العلاج للأثرياء فقط
فى أوقات الأزمات، لا بد أن يتكاتف المجتمع بجميع طوائفه وطبقاته، وأن تعلو المنفعة العامة على المصالح الشخصية والمكاسب الصغيرة، ولهذا أصابتنى الدهشة من تصريحات الدكتور خالد سمير، عضو مجلس إدارة غرفة الخدمات الصحية باتحاد الصناعات، والذى قال: «إن معظم المستشفيات الخاصة رفضت قائمة تسعير خدمة العلاج التى حددتها وزارة الصحة لمصابى فيروس كورونا»، وأضاف فى برنامج التاسعة مساء الذى يقدمه الإعلامى الكبير وائل الإبراشى: «إن التسعيرة لا تناسب المستشفيات الخاصة، لأن العلاج مكلف جدًا»، والدهشة سببها أن الأسعار التى أعلنتها الوزارة مرتفعة، ولا يستطيع دفعها سوى الأثرياء، حيث تتراوح تكلفة اليوم الواحد للمريض بغرفة العزل بالقسم الداخلى ما بين 1500 إلى 3000 جنيه، وتكلفة اليوم للمريض فى الرعاية المركزة شاملة جهاز التنفس الصناعى ما بين 7500 إلى 10000 جنيه.
أما الرعاية بدون جهاز تنفس صناعى فتصل إلى ما بين 5000 إلى 7000 جنيه، وتشمل هذه الأسعار الإقامة والتحاليل والأشعة والأدوية وأتعاب الأطباء والتمريض.
ومعنى هذا أن تكلفة العلاج قد تصل فى حدها الأدنى إلى 50 ألف جنيه تقريبًا إذا حسبنا أن اليوم بـ3 آلاف جنيه والمريض يحتاج إلى 15 يومًا على الأقل فى غرفة العزل حتى يطمئن إلى شفائه، أما إذا احتاج إلى غرفة رعاية وجهاز تنفس صناعى فإن التكلفة ترتفع إلى 150 ألف جنيه وقد تزداد إذا استمر أكثر من 15 يومًا إلى ما يقرب من ربع مليون جنيه، وهو ما يؤدى حتى فى ظل هذه الأسعار التى يرفضها المستثمرون فى الصحة إلى أن يكون العلاج فى هذه المستشفيات لأصحاب الثروات فقط، وكنت أتصور أن الحرب التى نعيشها ضد فيروس قاتل وفى ظل أزمة المستشفيات العامة وتكدس المرضى بها وعدم وجود أماكن كافية بها لكل المرضى، أن يكون هناك دور اجتماعى للمستشفيات الخاصة، وأن تشارك فى هذه الحرب بإمكانياتها، لا أن تسعى لتحقيق مكاسب مماثلة لمكاسب «أغنياء الحرب»، الذين يتربحون ويكونون الثروات على حساب الناس والمجتمع فى أوقات الحروب، لقد لجأت وزارة الصحة فى ظل عدم وجود أسرّة شاغرة فى المستشفيات واكتظاظها بالمرضى إلى العزل المنزلى كأحد أساليب العلاج فى الحالات المرضية البسيطة والمتوسطة، ولكن هذا ليس كافيًا أمام ارتفاع عدد الحالات التى لا ينقذها العزل المنزلى وتحتاج إلى العلاج فى المستشفيات، ولهذا كان من المفترض أن تساهم المستشفيات الخاصة فى المعركة لا أن تبحث عن الربح على حساب المرضى، وأن تبادر بتقديم علاج مجانى للبعض، وعلاج بأسعار فى متناول الطبقة المتوسطة لآخرين، قد يقول البعض إن من حق المستشفيات الخاصة تحديد أسعارها والحصول على مكاسب باعتبارها مشروعًا خاصًا، أو أن ترفض الاشتراك فى المهمة القومية لعلاج مصابى كورونا، ولا سلطان لأحد عليها، ولكن الرد على ذلك أن وزارة الصحة هى التى حددت الأسعار وهى تعرف تكلفة العلاج الحقيقية ومن المؤكد أنها أضافت إليه هامش ربح معقولًا، ولكن أصحاب هذه المستشفيات يبدو أنهم يبحثون عن المكاسب الضخمة ولو على حساب المرضى، ولذا يجب أن تتخذ الوزارة موقفًا قويًا تجاه هذه المستشفيات ولا ترضخ لضغوط أصحابها ولا تتركهم يتاجرون بالمرضى ويراكمون الثروات، بينما المواطنون يموتون وهم يبحثون عن سرير وعلاج، وتدخل الدولة هنا ليس ضد القانون والدستور، ففى أوقات الأزمات يتم اتخاذ إجراءات استثنائية، مثلاً تم تحجيم حركة المواطنين وتحديد ساعات للحظر ومنع التجول خلالها وهو أمر ضد الدستور فى الأحوال العادية، ولكنه مقبول يصبح واجبًا من أجل حماية المجتمع فى الأزمات، أيضًا إلزام المواطن بارتداء الكمامة فى الأماكن العامة أمر مرفوض فى الأوضاع العادية ولكنه الآن إجراء ضرورى، ومن هنا فإن إجبار المستشفيات الخاصة على استقبال المرضى وتخفيض أسعارها ليس ضد القانون ولا الدستور، بل إنه فى الحروب يمكن الاستيلاء عليها كاملة أو تخصيص أجزاء منها للمنفعة العامة مؤقتًا، وإذا لم يكن لدى أصحاب هذه المستشفيات إحساس بالمسئولية تجاه المجتمع فيجب إجبارهم على ذلك، وإذا كانت وزارة الصحة تتعاطف مع أصحاب هذه المستشفيات أكثر من المرضى الغلابة أو تخشاهم، فننتظر من لجنة إدارة الأزمة أن تصحح هذا الوضع الغريب.