الكلمة.. والأقدار

«إن الأمور التى فى اللوح قد كتبت إن لم تكن تأتيك تأتيها» عبارة دائمة التردد فى ذهنى.. والتى تعنى إن كل ما قدره الله للإنسان والمكتوب فى اللوح المحفوظ حتمًا سيلاقيه.. سواء كان قدرًا سعيدًا ساقه الله إليه.. أو آخر سيئًا.. لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه قائلًا: (اللهم قنا شر ما قضيت).. فالكلمات المأثورة ذات أثر كبير فى نفس الإنسان وحياته.. فالكلمة الطيبة تسعد روحه وتشيع البهجة فى نفسه والكلمة السيئة قد تصيبه بالحزن أو الاكتئاب. والكلمة هى اللبنة الأساسية التى يعتمد عليها الإنسان فى بناء جملة مفيدة والحديث الشريف يقول: (الكلمة الطيبة صدقة) وإذا تكوّنت الجملة من مجموعة كلمات كانت قولًا ويقول القرآن فى محكم آياته: (وقولوا للناس حسنى) .. فبالكلمة عرفت اللغة وتعارفت الشعوب والأجناس المختلفة على اختلاف ألسنتهم .. وقد برع العرب فى استخدام الكلمة وكانوا أفصح الناس.. ومن روائع ما قال العرب: (اصبر على حلو الزمان ومره.. واعلم بأن الله بالغ أمره).. من أقوال الإمام الشافعى الذى قال أيضًا: (وإذا الصديق أسى عليك بجهله.. فاصفح لأجل الود ليس لأجله). وقال الشاعر أبوالعتاهية: (نأتى إلى الدنيا ونحن سواسية.. طفل الملوك هنا كطفل الحاشية) (ونغادر الدنيا ونحن كما ترى.. متشابهون على قبور حافية) حتى يصل بالقصيدة إلى (فاختر لنفسك ما تحب وتبتغى.. ما دام يومك والليالى باقية) (وغدًا مصيرك لا تراجع بعده.. إما جنان الخلد وإما الهاوية).. وقد فطن الشعراء للتغيرات التى تحدث فى المجتمع.. فيقول أبو العلاء المعرى: (ولما رأيت الجهل فى الناس فاشيًا .. تجاهلت حتى قيل إنى جاهل) (فواعجبًا كم يدعى الفضل ناقص .. ووا أسفًا كم يظهر النقص فاضل) .. وعند قراءة هذين البيتين لابد أن نستعير كلمة الشاعر صلاح جاهين (وعجبى !!). ومن أشهر ما نتداول من الأقوال المأثورة قول الإمام الشافعى: (نعيب زماننا والعيب فينا.. وما لزماننا عيب سوانا) (ونهجو ذا الزمان بغير ذنب .. ولو نطق الزمان لنا هجانا) (وليس الذئب يأكل لحم ذئب.. ويأكل بعضنا بعضًا عيانًا). ويقول الإمام على بن أبى طالب: (أصبحنا فى زمان تواخى الناس به على الفجور.. وتهاجروا على الدين.. وتحاببوا على الكذب.. وتباغضوا على الصدق). ونختم بقول أبى الطيب المتنبى أفضل شعراء العرب: (على قدر العزم تأتى العزائم .. وتأتى على قدر الكرام المكارم) (وتعظم فى عين الصغير صغارها.. وتصغر فى عين العظيم العظائم). فاللغة العربية وروائعها كنز لا نشبع منه أبدًا.