أمير تاج السرّ: أطارد مأساة الإنسان فى الشارع وفى العيادة
عبد الله رامي
بدأ رحلة الكتابة من محطة الشعر لكنه سرعان ما تحوّل إلى الرواية. «كرمكول» روايته الأولى أحدثت صدى كبيرًا فى القاهرة فور صدورها، ورغم صغر حجمها إلا أنها؛ وعلى غرار أكثر رواياته فيما بعد، قدّمت عوالم جديدة على الرواية العربية إذ ذاك. يتصدّر الطبيب والروائى السودانى أمير تاج السرّ، ذو الروح المصرية والارتباط المصرى، المشهد الثقافى العربى بقيمته وقيمة تجربته الإبداعية والجوائز الأدبية التى نالتها أعماله، أو تصدّرت قوائمها وأشهرها البوكر العربية. وها هو بعد انقطاع دام أربع سنوات يحلّ تاج السرّ ضيفًا على القاهرة؛ مشاركًا فى فعاليات اليوبيل الذهبى لمعرضها الدولى للكتاب.
كيف يرى المشهد الأدبى والسياسى العربى اليوم، وما هى رؤيته للحركة النقدية التى يقودها «قرّاء سوشيال ميديا» كما يُحب أن يُعلّق بين الحين والآخر على حسابه الشخصى على فيسبوك، وغيرها من موضوعات شتّى ينحو الحديث نحوها فى هذا الحوار الذى راسلناه فيه وهو فى مهجره بالبلد العربي.
ما طبيعة وموضوع الفعاليات التى ستشارك بها فى معرض الكتاب القادم؟
- ستكون لدى مداخلة عن أدب المهجر بوصفى من الكتاب المغتربين منذ سنوات طويلة، ومعلوم أن أدب المهجر، أدب غزير ومتنوع، ويغص بالحنين دائمًا، وأعتقد أن تجربتى فى هذا المجال كبيرة، فقد أنتجت كل رواياتى تقريبًا وأنا خارج السودان، وكلها أيضًا تدور أحداثها داخل السودان. ستكون المداخلة يوم 2 فبراير القادم.
وما سبب ذلك الانقطاع الطويل عن القاهرة ومعرض الكتاب؟
- هو ليس انقطاعًا مقصودًا لكن ظروف العمل والانشغال الدائم، دائمًا ما تمنع التواصل، وكان مؤتمر الرواية يجمعنا فى مصر كل عامين وتوقف لأربع سنوات، ولكن هذا العام يعود. معرض القاهرة مهم جدًا للكاتب والكتابة، وتشارك فيه دور نشر كبيرة وعديدة كما أعتقد.
هل تتذكّر المرة الأولى التى قمت فيها بزيارة معرض القاهرة للكتاب؟
- لا أتذكر جيدًا، لكن ربما فى بداية الألفية، كانت هناك أمسية لمحمود درويش على ما أذكر.
تزامنت دراستك للطب فى جامعة طنطا مع الدكتور نبيل فاروق والدكتور أحمد خالد توفيق كيف كانت علاقتك بهما وبالأدباء المصريين وقتها؟
- نعم عاصرت أحمد خالد توفيق ونبيل فاروق، وأتذكر أحمد خالد جدًا، كنت أسبقه بدفعة أو دفعتين، ولكن لم يكن هناك نشاط فى الكلية فى ذلك الوقت، أنا كنت أكتب الشعر وأشارك فى الأمسيات التى يقيمها الطلبة السودانيون، وأسافر للقاهرة حيث أنشر قصائدى فى مجلاتها المختلفة، وتعرفت فى تلك الفترة على كل الأدباء الكبار الموجودين، وتعمقت صداقتى بالكثيرين منهم، مثل محمد مستجاب ومحمد سليمان وعبدالمنعم رمضان وعبدالحكيم قاسم، وأحمد الشهاوى وكثيرين ما زلت أتواصل معهم بمحبة حتى الآن. أيضًا كان فى طنطا أدباء يجتمعون فى أحد المقاهى مرة فى الأسبوع، وأتذكر فوزى شلبى، وصالح الصياد وسعد الدين حسن الذى ما زال يقيم هناك.
ما سبب ذلك الانقطاع عن الكتابة الذى دام 10 سنوات بعد روايتك الأولى «كرماكول»؟
- نعم، انقطعت طويلًا بسبب عودتى للسودان وانخراطى فى مهنة الطب، والتدريب على المستقبل، لم أكن أكتب شيئًا على الإطلاق، وحتى الشعر توقفت عنه، لكن بعد اغترابى إلى دولة قطر، واستقرارى فيها لمدة ثلاثة أعوام، عاد هاجس الكتابة يلح من جديد، واستطعت أن أنجز هذه التجربة التى تعرفها.
فى روايتك «طقس» تشير إلى دور عالَم «التواصل الاجتماعى» فى تخطى الناقد أو حتى موته، فما تقييمك لحركة القُراء النقدية الآن؟
- القراء أصبحوا مُنظَّمين جدًا وليس مثل الزمن القديم حين كانت المسألة عشوائية. الآن توجد مجاميع للقراء، لها خططها وبرامجها، ويقرأون الكتب بانتظام، ويخرجون بآرائهم التى يدوّنونها فى مواقع خاصة أو فى مواقع التواصل الاجتماعى. بالطبع ليس كل القراء هكذا، ولكن كثيرين منهم. المشكلة فى مسألة القراء ونقدهم للكتب، هى أن تقييماتهم لا تخضع لمقاييس علمية كما فى حالة النقد المدروس، هى تعتمد على التذوق العام للقارئ الذى قد لا يحب كتابًا معينًا أو أسلوبًا معينًا لكاتب، فيظلم الكتاب والكاتب، أيضًا توجد كثير من الغطرسة والتعالى فى تناول البعض للكتب، التى لا يقرأونها بعمق، ويتحدثون عن أشياء أخرى هامشية، مثل صورة الكاتب على الغلاف، إهداء الكتاب لمن أحب، هكذا. وهناك قراء ينصبون من أنفسهم سلطة أعلى من سلطة الكاتب حين يكتبون: سأمنحه فرصة أخرى. هذه سلبيات فى حركة القراءة، أتمنى أن تختفى.
فى «طقس» أيضًا أشرت إلى الكاتبة «نجمة» الفاقدة لأبجديات الإبداع لكنها تحقق انتشارًا واسعًا، هل يمكننا القول بأنك ترى أغلب كُتّاب الرواية الآن كنماذج لـ«نجمة»؟
- فى الواقع نعم، معظم من يكتبون الآن، لا يعرفون أبجديات الكتابة، ذلك أنهم لا يعترفون بمن سبقهم، كل ما يهم أن يضع أحدهم اسمه على غلاف كتاب مطبوع بأناقة، ويجلس فى معارض الكتب محاطًا بالزهور والحلوى، والكاميرات للتوقيع، ولا يهم موضوع الكتاب أو أسلوب كتابته، وبالطبع هناك موهوبون حقيقيون يضيعون وسط هذه الفوضى التى أحدثتها دور النشر التجارية، أو لنقل ساهمت فى انتشارها. نحن نشجع الناس على الكتابة والتعبير، فقط ليفعلوا ذلك بإدراك وليس عشوائيًا، وكنت التقيت كاتبًا شابًا منذ فترة، لديه عدد من الروايات، وسألته عمن تأثر به من الكُتّاب، فرد بأنه لم يقرأ لكاتب من قبل حتى يتأثر بأحد، لقد حاورته بوصفى قارئًا ولم تكن لديه أى معرفة ينقلها فى الكتب التى يؤلفها.
دائمًا ما تكتب عن زمن قديم لتقوم بالإسقاط على الواقع، هل يدل ذلك على أن الأفكار التى تدور فى عقل الإنسانية متشابهة إلى حد كبير ولا تتغيّر مهما تغيّر الزمن؟
- أحب الكتابة فى التاريخ، ألجأ إليه كثيرًا، مع إسقاط على الحاضر طبعًا، ومعروف أننى أتخيل التاريخ ولا أكتب وثائق، لذلك تجد دائمًا خطًا موازيًا للتاريخ الحقيقى، ولكن ليس هو حرفيّا. طبعًا الأفكار متشابهة وبعض الأحداث القديمة تعود وتتكرر فى زمننا الحالى مع اختلاف المعطيات. فالحروب الطائفية كانت موجودة، وعادت بالفكرة نفسها، لكن بثوب عصرى. العنصرية أيضًا كانت موجودة وعادت، والتشرد والهجرة، ليسا صناعة حديثة، بل ظلت كل هذه الأمور موجودة دائمًا فى كل زمان ومكان، أنا أعيد صياغة الأحداث بما يتوافق مع الفكرة، وأمسك بالزمن القديم والحديث معًا.
هذا الأمر ينطبق على الثورة المهدية التى تناولتها فى روايتك «توترات القبطى»، خاصة أنك صدّرت الرواية بالتأكيد على أن هذا النص رواية وليس تاريخًا! هل تخاف من القراءة المترصدة؟
- ممكن طبعًا، لكن حقيقة كان نصًا موازيًا وليس النص الأصلى للثورة المهدية التى وثقها التاريخ. كانت ثمة أحداث مشابهة وشخصيات مشابهة للتى وجدت، فقط النص متخيل تمامًا.
كل مبدع يستخلص من الدراما الإنسانية معنى، فما المعنى الذى يلح عليك أثناء الكتابة وتريده أن يصل للقارئ؟
- أزعم أننى أطارد مأساة الإنسان وما يحيط به من ظلم وقهر فى أى وقت، أكتب عن المهمشين والشعبيين الذين كانوا يحيطون بعيادتى فى الأحياء الفقيرة التى عملت فيها، والمدن الكادحة التى خبرتها، الإنسان وعذاباته وهمومه، هو هدفى، بالطبع لا أستطيع أن أقتص له لأن لا سلطة للكتابة فى دحر الطغيان، على الأقل أنوه بذلك المعنى، ونوّهت به فى معظم أعمالى.
تُرجمت رواياتك للغات عدة، فما تقييمك لمردود القُراء الأجانب عليها؟
- تُرجمت لحوالى عشر لغات، والعائد رائع جدًا، ثمة تواصل حدث مع كثير من تلك الروايات، وقراء كثر كتبوا انطباعاتهم ووصلتنى عن طريق المترجمين أو قرأتها بنفسى فى حالة اللغة الإنجليزية. مثلًا «إيبولا ٧٦»، نجحت فى الفرنسية والإنجليزية جدًا، «صائد اليرقات» فى الإيطالية والبولندية، «العطر الفرنسى» حققت نجاحًا باهرًا فى اللغة الفارسية، وحقيقة هذا يسعدنى جدًا، أننى وصلت لقارئ بعيد تمامًا عنى لكنه اشتبك معى بواسطة الكتابة، وهذا يدعم أيضًا مقولة أن الفن لغة عالمية.
فى نهاية عام 2018، ما الكتب التى ترشحها للقراءة فى ضوء ما قرأت هذا العام؟
- قرأت كتبًا كثيرة، فيها روايات وتاريخ وعلم اجتماع ومن الصعب تحديد أعمال بعينها للقراءة، يمكننى أن أتذكر رواية مثل «لعبة الملاك» للإسبانى كارل رويس زافون، و»ألعاب العمر المتقدم» للإسبانى لويس لاندورو، و«هيّا نشترى شاعرًا» لأفونسو كروش، وكتبًا عربية عديدة.
أخيرًا، افصح لنا عن ماهية روايتك القادمة!
- أنهيت منذ فترة قليلة رواية اسمها: «شمشون وتفاحة»، قائمة على قصة حب وعنف، مستوحاة من حادثة حقيقية